الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعاقل وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِك وَمَا فَتحه من الْبِلَاد الإسلامية هُوَ وَابْنه من بعده إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فصل
ثمَّ شرع زنكي رحمه الله فِي أَخذ الْبِلَاد فَافْتتحَ جَزِيرَة ابْن عمر ثمَّ مَدِينَة إربل فِي رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين ثمَّ عَاد إِلَى الْموصل
وَسَار فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَعشْرين إِلَى سنجار فتسلمها وسير مِنْهَا الشحن إِلَى الخابور فملكة ثمَّ قصد الرحبة فملكت قسرا ثمَّ افْتتح نَصِيبين وَسَار إِلَى حران وَكَانَت الرها وسروج وَغَيرهمَا من ديار الجزيرة للفرنج لعنهم الله وَأهل حران مَعَهم فِي ضيق عَظِيم فراسلوا زنكي بِالطَّاعَةِ واستحثوه على الْوُصُول إِلَيْهِم فَفعل وهادن الفرنج مُدَّة يسيرَة بِعلم أَنه يفرغ فِيهَا من الِاسْتِيلَاء على مَا بَقِي لَهُ من الْبِلَاد الشامية والجزرية
وَكَانَ أهم الْأَشْيَاء عِنْده عبور الْفُرَات وَملك مَدِينَة حلب وَغَيرهَا من الْبِلَاد الشامية فَلَمَّا عبر الْفُرَات ملك مَدِينَة منبج وحصن بزراعة وحاصر حلب ثمَّ فتحت لَهُ فرتب أمورها وَسَار عَنْهَا إِلَى حماة فملكها وَقبض على صَاحب حمص وحصرها وَذَلِكَ سنة ثَلَاثِينَ وَعشْرين
وَفِي سنة أَربع وَعشْرين اتّفق صَاحب آمد مَعَ صَاحب حصن كيفا وَغَيرهمَا من الْمُلُوك وجمعوا عَسَاكِر نَحْو عشْرين ألفا وقصدوا زنكي فَلَقِيَهُمْ فَهَزَمَهُمْ وَملك سرجة ودارا
ثمَّ صمم على الْجِهَاد فنازل حصن الأثارب وَكَانَ أضرّ شَيْء على أهل حلب فَجمع الفرنج جمعا عَظِيما
فَهَزَمَهُمْ وقتلهم مقتلة عَظِيمَة بقيت عِظَام الْقَتْلَى بِتِلْكَ الأَرْض مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْحصن فملكه عنْوَة فأخربه ومحا أَثَره وأزال من تِلْكَ الأَرْض ضَرَره
ثمَّ رَحل إِلَى حصن حارم فحصره فأنفذ من لم يحضر المعركة من الفرنج وَمن نجا مِنْهَا يسْأَلُون الصُّلْح ويبذلون لَهُ المناصفة على ولَايَة حارم فأجابهم إِلَى ذَلِك لِأَن عسكره كَانَ قد كثرت فيهم الْجِرَاحَات وَالْقَتْل فَأَرَادَ أَن يستريحوا ويريحوا فهادنهم وَعَاد عَنْهُم وَقد أَيقَن الْمُسلمُونَ بِالشَّام بالأمن وحلول النَّصْر وسيرت البشائر إِلَى الْبِلَاد بذلك
وفيهَا استولى زنكي على مَدِينَة حماة وَمَا فِيهَا وَكَانَ فِيهَا بهاء الدّين سونج بن تَاج الْمُلُوك بورى فَأَخذه وَرِجَاله ثمَّ طلب فِي إِطْلَاقهم خمسين ألف دِينَار فاتفق حُضُور دبيس بن صَدَقَة بن مزِيد أَمِير الْعرَاق بِدِمَشْق مُنْهَزِمًا فَطَلَبه زنكي وَأطلق من كَانَ عِنْده من سونج وَأَصْحَابه ذكر ذَلِك الرئيس أَبُو يعلى
وَفِي سنة خمس وَعشْرين وَخمْس مئة توفّي السُّلْطَان مَحْمُود بهمذان وَكَانَ عمره نَحْو ثَمَانِي وَعشْرين سنة وَكَانَت ولَايَته مَا يُقَارب أَربع عشرَة سنة وَكَانَ حَلِيمًا كَرِيمًا عَاقِلا عادلا كثير الِاحْتِمَال
وَطلب السلطنة بعد وَفَاته ابْنه دَاوُد بن مَحْمُود وأخواه مَسْعُود وسلجوق شاه ابْنا مُحَمَّد وعمهما سنجر بن ملكشاه وَمَعَهُ طغرل ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد
فجرت بَينهم حروب واختلافات كَثِيرَة ظفر فِيهَا سنجر وخطب لِابْنِ أَخِيه طغرل بالسلطنة فِي همذان وأصفهان والري وَسَائِر بِلَاد الْجَبَل
وَفِي سنة سبع وَعشْرين سَار الْخَلِيفَة المسترشد بِنَفسِهِ إِلَى الْموصل فِي ثَلَاثِينَ ألف فَارس فحاصرها ثَلَاثَة أشهر ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَلم يبلغ غَرضا
وَفِي سنة تسع وَعشْرين استولى زنكي على سَائِر قلاع الحميدية وولاياتهم وَمِنْهَا قلعة الْعقر وقلعة شوش وحاصر مَدِينَة آمد ثمَّ مَدِينَة دمشق
وفيهَا توفيت والدته بالموصل
وَفِي الْمحرم سنة تسع وَعشْرين توفى السُّلْطَان طغرل بن مُحَمَّد بن ملكشاه فَخرج السُّلْطَان مَسْعُود والتقى هُوَ والخليفة المسترشد فِي عسكرين عظيمين عَاشر رَمَضَان فَهزمَ عَسْكَر الْخَلِيفَة وَقبض عَلَيْهِ وعَلى خواصه وأنفذ السُّلْطَان شحنة إِلَى بَغْدَاد فَقبض جَمِيع أَمْلَاك الْخَلِيفَة وهجم جمَاعَة من الباطنية على المسترشد وَهُوَ فِي الْخَيْمَة فَقَتَلُوهُ
وَكتب السُّلْطَان إِلَى شحنة بَغْدَاد يَأْمُرهُ بالبيعة لِابْنِهِ أَبى جَعْفَر الْمَنْصُور بن المسترشد فَبَايعهُ فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة ولقب بالراشد
وَكَانَ عمر المسترشد ثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة وَثَلَاثَة أشهر وَثَمَانِية أَيَّام وَكَانَت خِلَافَته سبع عشرَة سنة وَسَبْعَة اشهر
وَكَانَ شهما شجاعا مقداما فصيحا وَتمكن فِي خِلَافَته تمَكنا عَظِيما لم يره أحد مِمَّن تقدمه من الْخُلَفَاء من عهد الْمُنْتَصر بِاللَّه إِلَى خِلَافَته إِلَّا أَن يكون المعتضد والمكتفي لِأَن المماليك كَانُوا قَدِيما يخلعون الْخُلَفَاء ويحكمون عَلَيْهِم وَلم يزَالُوا كَذَلِك إِلَى ملك
الديلم واستيلائهم على الْعرَاق فَزَالَتْ هَيْبَة الْخلَافَة بالمرة إِلَى انْقِرَاض دولة الديلم
فَلَمَّا ملك السلجقية جددوا من هَيْبَة الْخلَافَة مَا كَانَ قد درس لَا سِيمَا فِي وزارة نظام الْملك فَإِنَّهُ أعَاد الناموس والهيبة إِلَى أحسن حالاتها إِلَّا أَن الحكم والشحن بالعراق كَانَ إِلَى السُّلْطَان وَكَذَلِكَ العمداء وَضَمان الْبِلَاد وَلم يكن للخلفاء إِلَّا إقطاع يَأْخُذُونَ دخله
وَأما المسترشد فَإِنَّهُ استبد بالعراق بعد السُّلْطَان مَحْمُود وَلم يكن للسُّلْطَان مَحْمُود مَعَه فِي كثير من الْأَوْقَات سوى الْخطْبَة وَاجْتمعت عَلَيْهِ العساكر وقاد الجيوش وباشر الحروب
وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وَخمْس مئة سَار الراشد إِلَى الْموصل صُحْبَة زنكي ملتجئا إِلَيْهِ وَذَلِكَ أَن جمَاعَة حسنوا لَهُ الْخُرُوج من بَغْدَاد لمحاربة السُّلْطَان مَسْعُود فأجابهم إِلَى ذَلِك وَظهر مِنْهُ تنقل فِي الْأَحْوَال وتلون فِي الآراء وَقبض على جمَاعَة من أَعْيَان أَصْحَابه وخافه الْبَاقُونَ وَتقدم السُّلْطَان مَسْعُود وَحصر بَغْدَاد وَاسْتظْهر عَلَيْهَا فَخرج الراشد ملتجئا إِلَى زنكي فَسَار بِهِ إِلَى الْموصل وَدخل مَسْعُود بَغْدَاد وَأمر بخلع الراشد ومبايعة عَمه أبي عبد الله مُحَمَّد بن المستظهر بِاللَّه فَفعل ذَلِك ولقب المقتفي لأمر الله
وَأما الراشد فَإِن السُّلْطَان سنجر أرسل إِلَى أتابك يَأْمُرهُ بِإِخْرَاجِهِ عَن بَلَده فَسَار إِلَى اذربيجان ثمَّ إِلَى همذان فَاجْتمع إِلَيْهِ مُلُوك وعساكر كَثِيرَة وَسَار السُّلْطَان إِلَيْهِم فتصافوا فَانْهَزَمَ الراشد وَقصد أَصْبَهَان