الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقتله الباطنية بهَا فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة وَدفن بأصبهان
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَيْضا تزوج زنكي بالخاتون صفوة الْملك زمرد ابْنة الْأَمِير جاولي أم شمس الْمُلُوك إِسْمَاعِيل وَإِخْوَته بني تَاج الْمُلُوك بوري بن ظهيرالدين طغتكين أتابك وَهِي أُخْت الْملك دقاق لأمه وإليها ينْسب مَسْجِد خاتون الَّذِي هُوَ مدرسة لأَصْحَاب أَبى حنيفَة بِأَعْلَى الشّرف القبلي بِأَرْض دمشق بِأَرْض صنعاء وتسلم قلعة حمص
فصل
فِي جِهَاد زنكي للفرنج
لما كَانَ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ خرج ملك الرّوم من الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَمَعَهُ خلق عَظِيم لَا يُحصونَ كَثْرَة من الرّوم والفرنج وَغَيرهم من أَنْوَاع النَّصَارَى فقصد الشَّام فخافه النَّاس خوفًا عَظِيما
وَكَانَ زنكي مَشْغُولًا بِمَا تقدم ذكره لَا يُمكنهُ مُفَارقَة الْموصل فقصد ملك الرّوم مَدِينَة بزاعة وحصرها وَهِي على مرحلة من حلب وَفتحهَا عنْوَة وَقتل الْمُقَاتلَة وسبى الذُّرِّيَّة فِي شعْبَان ثمَّ سَار عَنْهَا إِلَى شيزر وَهِي
حصن منيع على مرحلة من مَدِينَة حماة فحصرها منتصف شعْبَان وَنصب عَلَيْهَا ثَمَانِيَة عشر منجنيقا وَأرْسل صَاحبهَا أَبُو العساكر سُلْطَان بن عَليّ بن مقلد بن نصر بن منقذ إِلَى زنكي يستنجده فَنزل على حماة فَكَانَ يركب كل يَوْم فِي عساكره ويسير إِلَى شيزر بِحَيْثُ يرَاهُ ملك الرّوم وَيُرْسل السَّرَايَا يتخطف من يخرج من عساكرهم لِلْمِيرَةِ والنهب ثمَّ يعود آخر النَّهَار وَكَانَ الرّوم والإفرنج قد نزلُوا على شَرْقي شيزر فَأرْسل إِلَيْهِم زنكي يَقُول لَهُم إِنَّكُم قد تحصنتم بِهَذِهِ الْجبَال فاخرجوا عَنْهَا إِلَى الصَّحرَاء حَتَّى نَلْتَقِي فَإِن ظفرتم أَخَذْتُم شيزر وَغَيرهَا وَإِن ظَفرت بكم أرحت الْمُسلمين من شركم وَلم يكن لَهُ بهم قُوَّة لكثرتهم وَإِنَّمَا كَانَ يفعل هَذَا ترهيبا لَهُم فَأَشَارَ الفرنج على ملك الرّوم بلقائه وقتاله وهونوا أمره فَقَالَ لَهُم الْملك أتظنون أَن مَعَه من العساكر مَا ترَوْنَ وَله الْبِلَاد الْكَثِيرَة وَإِنَّمَا هُوَ يريكم قلَّة من مَعَه لتطمعوا وتصحروا لَهُ فَحِينَئِذٍ ترَوْنَ من كَثْرَة عسكره مَا يعجزكم
وَكَانَ أتابك زنكي مَعَ هَذَا يراسل فرنح الشَّام ويحذرهم ملك الرّوم وَيُعلمهُم أَنه إِن ملك بِالشَّام حصنا وَاحِدًا أَخذ الْبِلَاد الَّتِي بِأَيْدِيهِم مِنْهُم وَكَانَ يراسل ملك الرّوم يتهدده ويوهمه أَن الفرنج مَعَه فاستشعر كل وَاحِد من الفرنج وَالروم من صَاحبه فَرَحل ملك الرّوم عَنْهَا فِي رَمَضَان وَكَانَ مقَامه عَلَيْهَا أَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا وَترك المجانيق والآت الْحصار بِحَالِهَا فَسَار زنكي خَلفهم فظفر بطَائفَة مِنْهُم فِي ساقة الْعَسْكَر فغنم مِنْهُم وَقتل وَأسر وَأخذ جَمِيع مَا خلفوه وَرَفعه إِلَى قلعة حلب {وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال}
وَكَانَ الْمُسلمُونَ بِالشَّام قد اشْتَدَّ خوفهم وَعَلمُوا أَن الرّوم إِن ملكوا
حصن شيزر لَا يبْقى لمُسلم مَعَهم مقَام لَا سِيمَا مَدِينَة حماة لقربها
وَلما يسر الله تَعَالَى هَذَا الْفَتْح مدح الشُّعَرَاء الشَّهِيد أتابك فَأَكْثرُوا مِنْهُم أَبُو الْمجد الْمُسلم بن الْخضر بن الْمُسلم بن قسيم التنوخي الْحَمَوِيّ لَهُ قصية قد ذكرتها فِي تَرْجَمته فِي التَّارِيخ أَولهَا
(بعزمك أَيهَا الْملك الْعَظِيم
…
تذل لَك الصعاب وتستقيم)
(ألم تَرَ أَن كلب الرّوم لما
…
تبين أَنه الْملك الرَّحِيم)
(فجَاء يطبق الفلوات خيلا
…
كَأَن الجحفل اللَّيْل البهيم)
(وَقد نزل الزَّمَان على رِضَاهُ
…
فَكَانَ لخطبه الْخطب الجسيم)
(فحين رميته بك فِي خَمِيس
…
تَيَقّن أَن ذَلِك لَا يَدُوم)
(وابصر فِي المفاضة مِنْك جَيْشًا
…
فأحرن لَا يسير وَلَا يُقيم)
(كَأَنَّك فِي العجاج شهَاب نور
…
توقد وَهُوَ شَيْطَان رجيم)
(أَرَادَ بَقَاء مهجته فولى
…
وَلَيْسَ سوى الْحمام لَهُ حميم)
(يؤمل أَن تجود بهَا عَلَيْهِ
…
وَأَنت بهَا وبالدنيا كريم)
(أيلتمس الفرنج لديك عفوا
…
وَأَنت بِقطع دابرها زعيم)
(وَكم جرعتها غصص المنايا
…
بِيَوْم فِيهِ يكتهل الفطيم)
(وَلما أَن طلبتهم تمنى الْمنية
…
جوسلينهم اللَّئِيم)
(أَقَامَ يطوف الْآفَاق حينا
…
وَأَنت على معاقله مُقيم)
(فَسَار وَمَا يعادله مليك
…
وَعَاد وَمَا يعادله سقيم)
(إِذا خطرت سيوفك فِي نفوس
…
فَأول مَا تفارقها الجسوم)
وَله أَيْضا من قصيدة يمدح بهَا صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن أَيُّوب الْعِمَادِيّ التوتان صَاحب حماة
(وَمَا جَاءَ كلب الرّوم إِلَّا ليحتوي
…
حماة وَمَا يَسْطُو على الْأسد الْكَلْب)
(أَرَادَ بهَا أَن يملك الشَّام عنْوَة
…
وَقد غلبت عَنهُ الضراغمة الغلب)
(وَمَا ذمّ فِيهَا الْعَيْش حَتَّى صدمته
…
فَمَال جنَاح الْجَيْش وانكسر الْقلب)
(فولى وأطراف الرماح كَأَنَّهَا
…
نُجُوم عَلَيْهِ بالمنية تنصب)
وَلابْن مُنِير من قصيدة فِي مدح أتابك زنكي رحمه الله سَيَأْتِي بَعْضهَا عِنْد ذكر فَتحه لمدينة الرها إِن شَاءَ الله تَعَالَى
(وَمَا يَوْم كلب الرّوم إِلَّا أَخُو الَّذِي
…
أزحت بِهِ مَا فِي الجناجن من تبل)
(أَتَاك بِمثل الرمل حشدا وَإنَّهُ
…
ليفضل أضعافا كثيرا عَن الرمل)
(فقاتلته بِاللَّه ثمَّ بعزمة
…
تعل قُلُوب العاشقين بِمَا يسلي)
(توهم أَن الشَّام مرعى وَمَا درى
…
بأنك أمضى مِنْهُ فِي الشزر والسحل)
(فطار وَخير المغنمين ذماؤه
…
إِذا رد عَنهُ مغنم المَال والأهل)
قَالَ ابْن الْأَثِير وَمن عَجِيب مَا يحْكى فِي هَذِه الْحَادِثَة أَن الْخَبَر لما وصل بِقصد الرّوم شيزر قَالَ الْأَمِير مرشد بن عَليّ أَخُو صَاحبهَا وَهُوَ ينْسَخ مُصحفا فرفعه بِيَدِهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ بِحَق من أنزلته عَلَيْهِ إِن قضيت بمجيء الرّوم فاقبضني إِلَيْك
فتوفى بعد أَيَّام وَنزل الرّوم بعد وَفَاته
وَلما عَاد الرّوم إِلَى بِلَادهمْ نزل أتابك إِلَى حصن عرقة وَهُوَ من أَعمال طرابلس فحصره وفتحه عنْوَة وَنهب مَا فِيهِ واسر من بِهِ من الفرنج وأخربه وَعَاد سالما غانما
وفيهَا ملك قلعة دَارا من حسام الدّين تمرتاش
وفيهَا توفى بهاء الدّين عَليّ بن الْقَاسِم الشهرزوري قَاضِي الممالك الأتابكية وَكَانَ أعظم النَّاس منزلَة عِنْده
وفيهَا ولد صَلَاح الدّين يُوسُف بن ايوب بتكريت