الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرْوَاحهم
وَأما حماة فَكَانَت كَذَلِك
وَأما بَاقِي الْأَعْمَال الشامية فَمَا عرف مَا حدث فِيهَا من هَذِه الْقُدْرَة الباهرة
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مئة
فَفِي لَيْلَة تَاسِع عشر صفر وافت زَلْزَلَة عَظِيمَة وتلاها أُخْرَى وَكَذَا فِي لَيْلَة الْعشْرين وَالْيَوْم بعْدهَا وتواصلت الْأَخْبَار من نَاحيَة الشمَال بعظيم تَأْثِير هَذِه الزلازل
وَفِي لَيْلَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى وافت أَربع زلازل وضج النَّاس بالتهليل وَالتَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس وَفِي لَيْلَة رَابِع جُمَادَى الْآخِرَة وافت زلزلتان
وتواصلت الْأَخْبَار من نَاحيَة الشمَال بِأَن هَذِه الزلازل أثرت فِي حلب تَأْثِيرا أزعج أَهلهَا وأقلقهم وَكَذَا فِي حمص وهدمت مَوَاضِع فِيهَا وَفِي حماة وَكفر طَابَ وأفامية وهدمت مَا كَانَ بني من مهدوم الزلازل الأول وَحكي أَن تيماء أثرت فِيهَا هَذِه الزلازل تَأْثِيرا مهولا
وَفِي رَابِع رَجَب نَهَارا وافت بِدِمَشْق زَلْزَلَة عَظِيمَة لم ير مثلهَا فِيمَا تقدم ودامت رجفاتها حَتَّى خَافَ النَّاس على أنفسهم ومنازلهم وهربوا من الدّور والحوانيت والسقائف وانزعجوا وأثرت فِي مَوَاضِع كَثِيرَة ورمت من فص الْجَامِع الشَّيْء الْكثير الَّذِي يعجز عَن إِعَادَة مثله ثمَّ وافت عقيبها زَلْزَلَة فِي الْحَال ثمَّ سكنتا بقدرة من حركهما
ثمَّ تبع ذَلِك فِي أول لَيْلَة الْيَوْم
الْمَذْكُور زَلْزَلَة وَفِي وَسطه زَلْزَلَة وَفِي آخِره زَلْزَلَة وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة ثامن رَجَب زَلْزَلَة مهولة أزعجت النَّاس وتلاها فِي النّصْف مِنْهَا ثَانِيَة وَعند انبلاج الصُّبْح ثَالِثَة وَكَذَلِكَ فِي لَيْلَة السبت وَلَيْلَة الْأَحَد وَلَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَتَتَابَعَتْ بعد ذَلِك بِمَا يطول بِهِ الشَّرْح
ووردت الْأَخْبَار من نَاحيَة الشمَال بِمَا يسوء سَمَاعه ويرعب النُّفُوس ذكره بِحَيْثُ انْهَدَمت حماة وقلعتها وَسَائِر دورها ومنازلها على أَهلهَا من الشُّيُوخ والشبان والأطفال والنسوان وهم الْعدَد الْكثير والجم الْغَفِير بِحَيْثُ لم يسلم مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل الْيَسِير
وَأما شيزر فَإِن ربضها سلم إِلَّا مَا كَانَ خرب أَولا وَأما حصنها الْمَشْهُور فَإِنَّهُ انْهَدم على واليها تَاج الدولة بن أبي العساكر بن منقذ وَمن تبعه إِلَّا الْيَسِير مِمَّن كَانَ خَارِجا
وَأما حمص فَإِن أَهلهَا كَانُوا قد اخْتلفُوا مِنْهَا إِلَى ظَاهرهَا فَسَلمُوا وَتَلفت مساكنهم وَتَلفت قلعتها
وَأما حلب فهدمت بعض دورها وَخرج أَهلهَا مِنْهَا إِلَى ظَاهر الْبَلَد وَكفر طَابَ وأفامية وَمَا والاها ودنا مِنْهَا وَبعد عَنْهَا من الْحُصُون والمعاقل إِلَى جبلة وجبيل فأثرت بهَا الْآثَار المستبشعة وأتلفت سلمية وَمَا اتَّصل بهَا إِلَى نَاحيَة الرحبة وَمَا جاورها وَلَو لم يدْرك الْعباد والبلاد رَحْمَة الله تَعَالَى ولطفه ورأفته لَكَانَ الْخطب أفظع
وَقد نظم فِي ذَلِك من قَالَ
(روعتنا زلازل حادثات
…
بِقَضَاء قضاهُ رب السَّمَاء)
(هدمت حصن شيزر وحماة
…
أهلكت أَهله بِسوء الْقَضَاء)
(وبلادا كَثِيرَة وحصونا
…
وثغورا موثقات الْبناء)
(فَإِذا مَا رنت عُيُون إِلَيْهَا
…
أجرت الدمع عِنْدهَا بالدماء)
(وَإِذا مَا قضى من الله أَمر
…
سَابق فِي عباده بالمضاء)
(حَار قلب اللبيب فِيهِ وَمن كَانَ
…
لَهُ فطنة وَحسن ذكاء)
(وتراه مسبحا باكي الْعين
…
مروعا من سخطَة وبلاء)
(جلّ رَبِّي فِي ملكه وَتَعَالَى
…
عَن مقَال الْجُهَّال والسفهاء)
قَالَ وَأما أهل دمشق فَلَمَّا وافتهم الزلزلة فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَجَب ارتاع النَّاس من هولها وأجفلوا من مَنَازِلهمْ والمسقف إِلَى الْجَامِع والأماكن الخالية من الْبُنيان خوفًا على أنفسهم ووافت بعد ذَلِك أُخْرَى فَفتح الْبَلَد وَخرج النَّاس إِلَى ظَاهره والبساتين والصحراء وَأَقَامُوا عدَّة لَيَال وَأَيَّام على الْخَوْف والجزع يسبحون ويهللون ويرغبون إِلَى خالقهم ورازقهم فِي اللطف بهم وَالْعَفو عَنْهُم
قَالَ وَفِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان وافت دمشق زَلْزَلَة روعت النَّاس وأزعجتهم لما وَقع فِي نُفُوسهم مِمَّا قد جرى على بِلَاد الشَّام من تتَابع الزلازل فِيهَا
ووافت الْأَخْبَار من نَاحيَة حلب بَان هَذِه الزلزلة جَاءَت فِيهَا هائلة فقلقلت من دورها وجدرانها الْعدَد الْكثير وَأَنَّهَا كَانَت بحماة أعظم مِمَّا كَانَت فِي غَيرهَا وَأَنَّهَا هدمت مَا كَانَ عمر فِيهَا من بيُوت يلتجأ إِلَيْهَا وَأَنَّهَا دَامَت فِيهَا أَيَّامًا كَثِيرَة فِي كل يَوْم عدَّة وافرة من الرجفات الهائله يتبعهَا صيحات مختلفات توفى على أصوات الرعود القاصفة المزعجة فسبحان من لَهُ الحكم وَالْأَمر
وتلا ذَلِك ردفات مُتَوَالِيَة أخف من غَيْرهنَّ
فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة السبت الْعَاشِر من شَوَّال وافت زَلْزَلَة هائلة بعد صَلَاة عشَاء الْآخِرَة أزعجت وأقلقت وتلاها فِي إثْرهَا هزة خَفِيفَة
وَكَذَا لَيْلَة الْعَاشِر من ذِي الْقعدَة وَفِي غدها
زلازل وَلَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين وَالْخَامِس وَالْعِشْرين مِنْهُ أَيْضا زلازل نفر النَّاس من هولها إِلَى الْجَامِع والأماكن المنكشفة وضجوا بِالتَّكْبِيرِ والتهليل وَالتَّسْبِيح وَالدُّعَاء والتضرع إِلَى الله تَعَالَى
وَفِي يَوْم الْجُمُعَة انسلاخ ذِي الْقعدَة وافت زَلْزَلَة رجفت لَهَا الأَرْض وانزعج لَهَا النَّاس
قَالَ ابْن الْأَثِير فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين كَانَ بِالشَّام زَلْزَلَة شَدِيدَة ذَات رجفات عَظِيمَة متتابعة أخربت الْبِلَاد وأهلكت الْعباد وَكَانَ أَشدّهَا بِمَدِينَة حماة وحصن شيزر فَإِنَّهُمَا خربا بِمرَّة وَكَذَا مَا جاورهما كحصن بارين والمعرة وَغَيرهمَا من الْبِلَاد والقرايا
وَهلك تَحت الْهدم من الْخلق مَالا يُحْصِيه إِلَّا الله تَعَالَى وتهدمت الأسوار والدور والقلاع وَلَوْلَا أَن الله تَعَالَى من على الْمُسلمين بِنور الدّين جمع العساكر وَحفظ الْبِلَاد وَإِلَّا كَانَ دَخلهَا الفرنج بِغَيْر حِصَار وَلَا قتال
قَالَ وَلَقَد بَلغنِي من كَثْرَة الهلكى أَن بعض المعلمين بحماة ذكر أَنه فَارق الْمكتب لمهم فَجَاءَت الزلزلة فأخربت الدّور وَسقط الْمكتب على الصّبيان جَمِيعهم قَالَ الْمعلم فَلم يَأْتِ أحد يسْأَل عَن صبي كَانَ لَهُ فِي الْمكتب
قلت وقرأت فِي ديوَان الْأَمِير الْفَاضِل مؤيد الدولة أُسَامَة بن مرشد بن منقذ وَقَالَ فِي الزلازل الَّتِي أهلكت كثيرا من أهل الشَّام وَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي شهر الله رَجَب سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس مئة وَهلك بهَا من هلك من الْخلق فَكَانَ نَحوا من عشرَة آلَاف نسمَة قَالَ وَكتب هَذَا الْمَكْتُوب والزلازل إِلَى الْآن تتعاهد الْبِلَاد
(نمنا عَن الْمَوْت والمعاد وأصبحنا
…
نظن الْيَقِين احلاما)
(فحركتنا هذى الزلازل أَي
…
تيقظوا كم ينَام من نَامَا)
وَقَالَ أَيْضا
(أَيهَا الغافلون عَن سكرة الْمَوْت
…
وَإِذ لَا يسوغ فِي الْحلق ريق)
(كم إِلَى كم هَذَا التشاغل والغفلة
…
حَار الساري وضل الطَّرِيق)
(إِنَّمَا هزت الزلازل هذي الأَرْض بالغافلين كي يستفيقوا)
وَقَالَ فِي الزلازل أَيْضا وَقد سكن النَّاس بعد الدّور والنزهة فِي أكواخ عملوها بالأخشاب لِئَلَّا تهدها الزلازل
(يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ارْحَمْ عِبَادك من
…
هذى الزلازل فَهِيَ الهلك والعطب)
(ماجت بهم أَرضهم حَتَّى كَأَنَّهُمْ
…
ركاب بَحر مَعَ الأنفاس تضطرب)
(فنصفهم هَلَكُوا فِيهَا ونصفهم
…
لمصرع السّلف الماضين يرتقب)
(تعوضوا من مشيدات الْمنَازل بالأكواخ
…
فَهِيَ قُبُور سقفها خشب)
(كَأَنَّهَا سفن قد أَقبلت وهم
…
فِيهَا فَلَا ملْجأ مِنْهَا وَلَا هرب)
وَقَالَ يرثى أَهله الَّذين هَلَكُوا بالزلازل بحصن شيزر قصيدة مِنْهَا
(مَا استدرج الْمَوْت قومِي فِي هلاكهم
…
وَلَا تخرمهم مثنى ووحدانا)
(فَكنت أَصْبِر عَنْهُم صَبر محتسب
…
وأحمل الْخطب فيهم عز أَو هانا)
(وأقتدي بالورى قبلي فكم فقدوا
…
أَخا وَكم فارقوا أَهلا وجيرانا)
(لَكِن سقب المنايا وسط جمعهم
…
رغا فَخَروا على الأذقان إذعانا)
(وفاجأتهم من الْأَيَّام قَارِعَة
…
سقتهم بكؤوس الْمَوْت ذيفانا)
(مَاتُوا جَمِيعًا كرجع الطّرف وانقرضوا
…
هَل مَا ترى تَارِك للعين إنْسَانا)
(أعزز عَليّ بهم من معشر صَبر
…
على الحفيظة إِن ذُو لوثة لانا)
(لم يتْرك الدَّهْر لي من عبد فقدهم
…
قلبا أجشمه صبرا وسلوانا)
(فَلَو رأوني لقالوا مَاتَ أسعدنا
…
وعاش للهم وَالْأَحْزَان أشقانا)
(لم يتْرك الْمَوْت مِنْهُم من يُخْبِرنِي
…
عَنْهُم فيوضح مَا قَالُوهُ تبيانا)
(بادوا جَمِيعًا وَمَا شادوا فوا عجبا
…
للخطب أهلك عمارا وعمرانا)
(هذى قصورهم أمست قُبُورهم
…
كَذَاك كَانُوا بهَا من قبل سكانا)
(وَيْح الزلازل افنت معشري فَإِذا
…
ذكرتهم خلتني فِي الْقَوْم سكرانا)
(لَا ألتقي الدَّهْر من بعد الزلازل مَا
…
حييت إِلَّا كسير الْقلب حيرانا)
(أخنت على معشري الأدنين فاصطلمت
…
مِنْهُم كهولا وشبانا وولدانا)
(لم يحمهم حصنهمْ مِنْهَا وَلَا رهبت
…
بَأْسا تناذره الأقران أزمانا)
(إِن أقفرت شيزر مِنْهُم فهم جعلُوا
…
منيع أسوارها بيضًا وخرصانا)
(هم حموها فَلَو شاهدتها وهم
…
بهَا لشاهدت آسادا وخفانا)
(تراهم فِي الوغى أسدا وَيَوْم ندى
…
غيثا مغيثا وَفِي الظلماء رهبانا)
(بَنو أبي وَبَنُو عمي دمي دمهم
…
وَإِن أروني مناواة وشنآنا)
(يطيب النَّفس عَنْهُم أَنهم رحلوا
…
وخلفوني على الْآثَار عجلانا)
وَكتب إِلَيْهِ الصَّالح بن رزيك قصيدة يعزيه عَن أَهله مِنْهَا
(بَابي شخصك الَّذِي لَا يغيب
…
عَن عياني فَهُوَ الْبعيد الْقَرِيب)
(يَا أخلاى بالشآم لَئِن غبتم
…
فشوقي إِلَيْكُم لَا يغيب)
(غصبتنا الْأَيَّام قربكم منا
…
وَلَا بُد أَن ترد الغصوب)
(كره الشَّام أَهله فَهُوَ محقوق
…
بألا يُقيم فِيهِ لَبِيب)
(إِن تجلت عَنهُ الحروب قَلِيلا
…
خلفتها زلازل وخطوب)
(رقصت أرضه عَشِيَّة غنى الرَّعْد
…
فِي الجو والكريم طروب)
(وتثنت حيطانه إِذْ أمالتها
…
شمال بزمرها وجنوب)
(لَا هبوب لنائم من أمانيه
…
وللعاصفات فِيهَا هبوب)
(وَأرى الْبَرْق شامتا ضَاحِك السن
…
وللجو بالغمام قطوب)
(ذكرُوا أَنه تذوب بِهِ السحب
…
فَمَا للصخور أَيْضا تذوب)
(أبذنب أَصَابَهَا قدر الله
…
فللأرض كالأنام ذنُوب)
(إِن ظَنِّي وَالظَّن مثل سِهَام الرَّمْي
…
مِنْهَا المخطي وَمِنْهَا الْمُصِيب)
(إِن هَذَا لِأَن غَدَتْ ساحة الْقُدس
…
وَمَا لِلْإِسْلَامِ فِيهَا نصيب)
(منزل الْوَحْي قبل بعث رَسُول الله
…
فَهُوَ المحجوج والمحجوب)
(نزلت وَسطه الْخَنَازِير وَالْخمر
…
وبارى الناقوس فِيهِ الصَّلِيب)
(لَو رَآهُ الْمَسِيح لم يرض فعلا
…
ذكرُوا أَنه لَهُ مَنْسُوب)
(ابعد النَّاس عَن عبَادَة رب النَّاس
…
قوم إلههم مصلوب)
(لهف نَفسِي على ديار من السكان
…
أقوت فَلَيْسَ فِيهَا عريب)
(فاحتسب مَا اصاب قَوْمك مجد الدّين
…
واصبر فالحادثات ضروب)
(إِن تخصصكم نَوَائِب مَا زَالَت
…
لكم دون من سواكم تنوب)
(فكذاك الْقَنَاة يكسر يَوْم الروع
…
مِنْهَا صدر وَتبقى الكعوب)
وقرأت فِي = ديوَان العرقلة = كَانَ الْمولى صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب مَعَ عبيد غُلَام الْمولى وَكَانَ عبيد هَذَا مَوْصُوفا بالثقل فِي بَيت بِمَدِينَة حماة يَوْم الزلزلة فَوَقَعت الْمَدِينَة بأسرها سوى ذَلِك الْبَيْت الَّذِي هما فِيهِ
فَقَالَ العرقلة
(قل لصلاح الدّين رب الندى
…
بلغ عبيدا كل مَا أمله)
(بثقله لما تصاحبتما
…
سلمك الله من الزلزله)
وقرأت فِي بعض كتب أَبى الْحُسَيْن الرَّازِيّ عَن شُيُوخه أَنه وَقع بِدِمَشْق فِي ذِي الْقعدَة سنه خمس وَأَرْبَعين ومئتين زلازل عَظِيمَة حُكيَ عَنْهَا نَحْو مِمَّا مضى ذكره وَأكْثر نسْأَل الله تَمام الْعَافِيَة