الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي وَفَاة سيف الدّين غَازِي بن زنكي صَاحب الْموصل وَهُوَ أَخُو نور الدّين الْأَكْبَر
قَالَ ابْن الْأَثِير كَانَ أتابك الشَّهِيد يَعْنِي زنكي ملك دَارا وَبقيت بِيَدِهِ إِلَى أَن قتل فَأَخذهَا صَاحب ماردين ثمَّ سَار إِلَيْهَا سيف الدّين بن الشَّهِيد فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين فحاصرها وملكها وَاسْتولى على كثير من بلد ماردين بِسَبَبِهَا ثمَّ حصر ماردين عَازِمًا على أَن، يدْخل ديار بكر ويستعيد مَا اخذ من الْبِلَاد بعد قتل وَالِده فَتفرق الْعَسْكَر فِي بَلَدهَا ينهبون ويخربون فَقَالَ صَاحب ماردين كُنَّا نشكو من أتابك وَأَيْنَ أَيَّامه فَلَقَد كَانَت أعياداً قد حَصَرَنا غير مرّة فَلم يَتَعَدَّ هُوَ وَعَسْكَره حَاصِل السُّلْطَان وَلَا أخذُوا كفا من التِّبْن بِغَيْر ثمن
(رُب دهرٍ بَكَيْت منهُ فَلَمَّا
…
صِرْتُ فِي غيرِه بَكَيْت عَلَيْهِ)
ثمَّ إِنَّه راسل سيف الدّين وَصَالَحَهُ على مَا أَرَادَ وزوجه ابْنَته الخاتون ورحل سيف الدّين عَن ماردين وَعَاد إِلَى الْموصل وجهزت خاتون وسيرت إِلَيْهِ فوصلت إِلَى الْموصل وَهُوَ مَرِيض فَتوفي وَلم يدْخل بهَا وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر جُمَادَى الْآخِرَة وَكَانَ عمره نَحْو أَرْبَعِينَ سنة
وَكَانَ من أحسن النَّاس صُورَة وَدفن بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا بباطن الْموصل وَخلف ولدا ذكرا أَخذه نور الدّين مَحْمُود عَمه فرباه فَأحْسن تَرْبِيَته وزوجه ابْنة عَمه قطب الدّين مودود فَلم تطل أَيَّامه وأدركه أَجله فِي عنفوان شبابه فَتوفي وانقرض عقب سيف الدّين
وَكَانَ كَرِيمًا شجاعا ذَا عزم وحزم
وَهُوَ أول من حمل على رَأسه سنجق من أَصْحَاب الْأَطْرَاف فَإِنَّهُ لم يكن فيهم من يَفْعَله لأجل السلاطين السلجوقية وَهُوَ أول من أَمر عسكره أَلا يركب أحدهم إِلَّا وَالسيف فِي وَسطه فَلَمَّا أَمر هُوَ بذلك اقْتدى بِهِ غَيره من أَصْحَاب الْأَطْرَاف
وَبنى بالموصل الْمدرسَة الأتابكية العتيقة وَهِي من أحسن الْمدَارِس وأوسعها وَجعلهَا وَقفا على الْفُقَهَاء الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة نِصْفَيْنِ
وَبنى رِبَاط الصُّوفِيَّة بالموصل أَيْضا وَهُوَ الرِّبَاط المجاور لباب المشرعة ووقف عَلَيْهِمَا الْوُقُوف الْكَثِيرَة
وَكَانَ كَرِيمًا قَصده شهَاب الدّين حيص بيص وامتدحه بقصيدته الْمَشْهُورَة وَهِي من جيد شعره فَأَجَازَهُ عَنْهَا ألف دِينَار أَمِيري سوى الْإِقَامَة والتعهد مُدَّة مقَامه وَسوى الْخلْع وَالثيَاب
قلت أول تِلْكَ القصيدة
(إلَامَ يراك الْمجد فِي زِيّ شَاعِر
…
)
يَقُول فِي آخرهَا
(أتابك إِن سُميت فِي المهد غازيا
…
فسابقه مَعْدُودَة فِي البشائر)
(وفيت بهَا وَالدّين قد مَال روقه
…
وصدقتها وَالْكفْر بَادِي الشعائر)
وعزى أَبُو الْحُسَيْن أحمدُ بن مُنِير نور الدّين بأَخيه بقصيدة تقدم بَعْضهَا أَولهَا
(هُوَ الْجد بز التَّمام البدورا
…
)
يَقُول فِيهَا
(شوى كل مَا جنت الحادثات
…
مَا كنت ظلا علينا قريرا)
(أسأن وَأحسن عُكَن الْهلَال
…
وملأننا مِنْك بَدْرًا منيرا)
(إِذا ثبج الْبَحْر أخطأنه
…
فَلَا غرْو أَن ينتشفن الغديرا)
(واصغر بفقداننا الذاهبين
…
مَا عِشْت تأتال ملكا كَبِيرا)
(وَمَا أغمد الدَّهْر ذَاك الحسام
…
مَا سل حدَّاك عضْبا بتورا)
(قسيمُ عُلاك وَنعم القسيم
…
أَخ ساف نزرا وَأعْطى كثيرا)
(وَكَانَ نظيرك غَار الزَّمَان
…
من أَن يرى لَك فِيهِ نظيرا)
(فدتك نفوس بك استوطنت
…
من الْأَمْن نورا وَقد كُنً بُورا)
(بقيت مُعزًّا من الهالكين
…
تُوقّى الردى وَتوفى الأجورا)
(وَغَيْرك يمهد بسط العزاء
…
ويولي المسلين سمعا وقورا)
(وَمَا نقص الدَّهْر أعدادكم
…
إِذا شف قطرا وَأبقى بُحُورا)
(وَلَو أنصف الْمجد مَوْتَاكُم
…
لَخَطّ لَهُم فِي السَّمَاء القُبُورا)
(حياتُك أحيت رَمِيم الرّجاء
…
وأمطت من الْجُود ظهرا ظهيرا)
وللقيسراني قصيدة مِنْهَا
(مَا أطرق الجو حَتَّى اشرق الْأُفق
…
إِن أغمد السَّيْف فالصَّمصام يأتلق)
(دون الأسى مِنْك نور الدّين فِي حلب
…
مملك ينجلى عَن وَجهه الغسق)
(كُنْتَ الشَّقِيق الشفيق الْغَيْب حِين ثوى
…
أراق مَاء الْكرَى من جفنك الأرق)
(تلقى الأسى من لِبَاس الصبْر فِي جنن
…
حَصِينَة تحتهَا الأحشاء تحترق)
(وَمُدَّة الْأَجَل المحتوم إِن خفيت
…
فَإِن أيامنا من دونهَا طرق)
(وَإِنَّمَا نَحن فِي مضمار حلبتها
…
خيل إِلَى غَايَة الْأَعْمَار تسْتبِق)
(شأو إِذا ابتدر الأقوام غَايَته
…
كَانَ الْمُؤخر فِيهَا من لَهُ السَّبق)
(إِن كَانَ صنوك هَذَا قد ثوى فذوى
…
فَفِي مغارسك الأثمار وَالْوَرق)
(أَو أَصبَحت بعده الْأَهْوَاء نافرة
…
أيدى سبا فعلى علياك تّتفق)
(مَا غَابَ من غَابَ عَن آفَاق مطلعه
…
إلَاّ لِيْفترَّ عَن أنوارك الْأُفق)
(مَا دَامَ شمسك فِينَا غير آفلةٍ
…
فالدين مُنْتَظم وَالْملك متسق)