الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمِير الْحَرَمَيْنِ قَاسم بن هَاشم يَأْمُرهُ أَن يركب على بَاب الْكَعْبَة المكرمة بَاب سَاج جَدِيدا قد ألبس جَمِيع خشبه فضَّة وطلي بِذَهَب وَأَن يَأْخُذ أَمِير الْحَرَمَيْنِ حلية الْبَاب الْقَدِيم لنَفسِهِ ويسير إِلَيْهِ خشب الْبَاب الْقَدِيم مُجَردا ليجعله تابوتا يدْفن فِيهِ عِنْد مَوته
ذكر ذَلِك الْفَقِيه عمَارَة الشَّاعِر وَقَالَ سَأَلَني أَمِير الْحَرَمَيْنِ أَن أبيع لَهُ الْفضة الَّتِي أَخذهَا من الْبَاب فِي الْيمن ومبلغ وَزنهَا خَمْسَة عشر ألف دِرْهَم فتوجهت إِلَى زبيد وعدن من مَكَّة فِي صفر سنة إِحْدَى وَخمسين وَحَجَجْت فِي الْمَوْسِم مِنْهَا فَدفعت لأمير الْحَرَمَيْنِ مَاله وألزمني الترسل عَنهُ إِلَى مصر يعْنى مرّة ثَانِيَة بِسَبَب جِنَايَة جناها خدمه على حَاج مصر وَالشَّام
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس مئة
قَالَ ابْن الْأَثِير فِيهَا حاصر نور الدّين قلعة حارم وَهِي حصن غربي حلب بِالْقربِ من أنطاكية وضيق على أَهلهَا وَهِي من أمنع الْحُصُون وأحصنها فِي نحور الْمُسلمين فاجتمعت الفرنج من قرب مِنْهَا وَمن بعد وَسَارُوا نَحوه لمَنعه وَكَانَ بالحصن شَيْطَان من شياطين الفرنج يرجعُونَ إِلَى رَأْيه فَأرْسل إِلَيْهِم يعرفهُمْ قوتهم وَأَنَّهُمْ قادرون على حفظ الْحصن والذب عَنهُ بِمَا عِنْدهم من الْعدَد وَالْعدَد وحصانة القلعة وَيُشِير عَلَيْهِم بالمطاولة وَترك اللِّقَاء وَقَالَ لَهُم إِن لقيتموه هزمكم وَأخذ حارم وَغَيرهَا وَإِن حفظتم أَنفسكُم مِنْهُ أطقنا الِامْتِنَاع عَلَيْهِ
فَفَعَلُوا مَا أَشَارَ بِهِ عَلَيْهِم وراسلوا نور الدّين فِي الصُّلْح على أَن يعطوه حِصَّة من أَعمال حارم فَأبى أَن
يُجِيبهُمْ إِلَّا على مُنَاصَفَة الْولَايَة فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك فَصَالحهُمْ وَعَاد
وفى ذَلِك يَقُول بعض الشُّعَرَاء من قصيدة
فَذكر أبياتا من قصيدة لِابْنِ مُنِير
وَقد سبق أَن ابْن مُنِير توفى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين فإمَّا أَن يكون ابْن مُنِير قَالَ هَذَا الشّعْر فِي غير هَذِه الْغُزَاة وَإِمَّا أَن تكون هَذِه الْغُزَاة فِي غير هَذِه السّنة
وَقد قَرَأت فِي ديوَان ابْن مُنِير وَقَالَ يمدحه ويهنئه بِالْعودِ من غزَاة حارم
(مَا فَوق شأوك فِي الْعلَا مزداد
…
فعلام يقلق عزمك الإجهاد)
(همم ضربن على السَّمَاء سرادقا
…
فالشهب اطنابٌ لَهَا وعماد)
(أَنْت الَّذِي خطبت لَهُ حساده
…
وَالْفضل مَا اعْترفت بِهِ الحساد)
(قَامَ الدَّلِيل وَسلم الْخصم اليلندد
…
وانجلى للآثر الْإِسْنَاد)
(زهرت لدولتك الْبِلَاد فروحها
…
أرج المهب ودوحها مياد)
(أَحْيَا ربيع الْعدْل ميت ربوعها
…
فالبرض لج والهشيم مُرَاد)
(فالعيش إِلَّا فِي جنابك ميتَة
…
وَالنَّوْم إِلَّا فِي حماك سهاد)
(وَإِذا العدى زرعوا النِّفَاق وأحصدوا
…
كيدا فعزمك نَاقض حصاد)
(بالمقربات كَانَ فَوق متونها
…
جن الملا وَكَأَنَّهَا أطواد)
(تذأى وَمن وَحي الكماة صفورها
…
فالزجر قيد والندا قياد)
(سحب إِذا سحبت بِأَرْض ذيلها
…
فالحزن سهل والهضاب وهاد)
(يهدى النواظر فِي دُجُنّة نقعها
…
بدر بسرجك نير وقاد)
(ألبست دين مُحَمَّد يَا نوره
…
عزا لَهُ فَوق السها إسآد)
(مَا زلت تسمكه بمياد القنا
…
حَتَّى تثقف عوده المنآد)
(لم يبْق مذ أرهفت عزمك دونه
…
عدد يراع بِهِ وَلَا استعداد)
(إِن المنابر لَو تطِيق تكلما
…
حمدتك عَن خطبائها الأعواد)
(وَلَئِن حمت مِنْك الأعادي مهلة
…
فَلهم إِلَى المرعى الوبى معاد)
(وَلَكَمْ لَكُمْ فِي أَرضهم من مشْهد
…
قَامَت بِهِ لِظُباكمُ الأشهاد)
(مُلقٍ بأطراف الفرنجة كلكلا
…
طرفاه ضرب صَادِق وجلاد)
(حاموا فَلَمَّا عاينوا حَوْض الردى
…
حاموا برائش كيدهم أَو كَادُوا)
(وَرَجا الْبُرْنُس وَقد تبرنس ذلة
…
حرما بحارم والمصاد مصاد)
(ضجت ثعالبه فأخرس جرسها
…
بيض تناسب فِي الْحَدِيد حداد)
(وسواعد ضربت بِهن وبالقنا
…
من دون مِلَّة أَحْمد الأسداد)
(يركزن فِي حلب وَمن أفنانها
…
تجني فواكه أمنها بَغْدَاد)
(يَا من إِذا عصفت زعازع بأسه
…
خمدت جحيم الشّرك فَهِيَ رماد)
(عجبا لقوم حاولوك وحاولوا
…
عودا فواتاهم إِلَيْهِ مُرَاد)
(وَرَأَوا لِوَاء النَّصْر فَوْقك خافقا
…
فَأَقَامَ مِنْهُم فِي الضلوع فؤاد)
(من مُنكر أَن ينسف السَّيْل الزبى
…
وَأَبوهُ ذَاك الْعَارِض المداد)
(أَو أَن يُعِيد الشَّمْس كاسفة السنا
…
نَار لَهَا ذَاك الشهَاب زناد)
(لَا ينفع الْآبَاء مَا سمكوا من العلياء
…
حَتَّى ترفع الْأَوْلَاد)
(ملك يُقيد خَوفه ورجاؤه
…
ولقلما تتضافر الأضداد)
وَقَالَ يهنئه بالنصر يَوْم حارم قصيدة أَولهَا
(لملكك مَا نشَاء من الدَّوَام
…
)
يَقُول فِيهَا
(حظيت من الْمَعَالِي بالمعاني
…
ولاذ النَّاس بعْدك بالأسامي)
(عَزِيز المنتمى عالي المراقي
…
بعيد المرتمى غالى المسامي)
(فَمَا أحد إِلَى العلياء يدلى
…
بمحتدك القسيمى القسامى)
(أَبوك المعتلى قمم الأعادي
…
إِذا استعرت مذامرة القمام)
(زكا عرق الْعرَاق وَقد تكنى
…
بِهِ وَأطَال من شمم الشآم)
(وَجدك جد حَتَّى قَالَ قوم
…
على الْفلك ابتنى عمد الْخيام)
(فخرت ففت آبَاء عظاما
…
إِذا فَخر المنافر بالعظام)
(وقفنا والنواظر مسجدات
…
وروح الْعِزّ دَاري الختام)
(أساطر كالزبور مفصلات
…
كَانَا من صَلَاة فِي نظام)
(لَدَى ملك سجاياه سِجَال
…
تعاقب بَين عَفْو وانتقام)
(فأهللنا لسالفتي هِلَال
…
وكفرنا لضاحكتي حسام)
(ذهلنا والسماط يخال سمطا
…
وَقد سجد المقاول للسلام)
(هَل الدَّست اسْتَقل بليث غَابَ
…
أم الْفلك ارتدى بدر التَّمام)
(كريم أكثرت يَده أيادي العفاة
…
وقللت عدد الْكِرَام)
(وَخير سَمَاعه ضرب مدام
…
إِذا طرب الْمُلُوك إِلَى المُدام)
(تطير بِهِ إِلَى العلياء نفس
…
غرُوب عَن ملاءمة الملام)
(سقِِي الله العوامل من جبال
…
شققْنَ النَّقْع عَن نقع الأوام)
(فكم أنتجت من أمل عقيم
…
بهَا وحسمت من دَاء عقام)
(بإنب والرعال كَأَن ثولا
…
تطاوح تَحت عير من إيام)
(وأيدي الْخَيل تذرع لج بَحر
…
من الدَّم مُزْبِد الثَّجَّيْن طامى)
(مقَام كنت قطب رحاه ارجي
…
مقَام بَين زَمْزَم وَالْمقَام)
(أحلّت الدّين فِيهِ وَكَانَ هما
…
عَزِيز الْقَوْم معتدل القوام)
(رميتهم بأرعن مرجحن
…
أبارهم وَكنت أبر رامي)
(وَفِي شجراء حارم شاجرتهم
…
سواهُم كالسهام بكالسهام)
(نَظَائِر حممت لَهُم حَماما
…
تطاير تَحْتَهُ مثل الْحمام)
(فَلَو قد مثل الْإِسْلَام شخصا
…
لرشف مَا وطِئت من السَّلَام)
(حماه وَقد تناعس كل رَاع
…
وَقَامَ وَقد تقاعس كل حام)
(فأكذب مدعين هفوا وغروا
…
بِأَن الأَرْض تَخْلُو من إِمَام)
(أولي الْأَبْصَار كم هَذَا التعاشي
…
عَن النُّور الْمُبين بل التعامي)
(عَن الْقَمَر الَّذِي يجلوه ظلّ العواصم
…
فِي ضيا اللَّيْل التهامي)
(هُوَ الْمهْدي لَا من ضل فِيهِ
…
كثير واستخف سوى هِشَام)
(وقائم عصرنا لَا مَا تمنى
…
بِهِ من صوغ أضغاث الْمَنَام)
(بِنور الدّين انشر كل حق
…
أطيل ثواؤه تَحت الرجام)
(وطالت قبَّة الْإِسْلَام حَتَّى اسْتَوَت
…
بَين الفوارس والنعام)
(تطابق لاسمه لفظ وَمعنى
…
أحلاه الطباق على الْأَنَام)
(جرى قدامه ابْن سبكتكين
…
وَقبل الوبل هينمة الرهام)
(وَكَانَ من النُّجُوم بِحَيْثُ تومى
…
إِلَيْهِ من غيابات التكامي)
(وَجئْت فَصَارَ أشمخ مَا بناه
…
لما شيدت الطأ من رغام)
(أطاعك إِذْ أَطَعْت الله جد
…
ركبت بِهِ الزَّمَان بِلَا زِمَام)
(أَلا يَا رُبمَا اتّفق الْأَسَامِي
…
وفاضل بَينهَا درج التسامي)
(جنى شرفا من استغواه حتف
…
إِلَيْك وَكم حَيَاة من حمام)
(ترشفك الكماة وَأَنت موت
…
كَأَنَّك من طعان فِي طَعَام)