الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَهل حلب سوى نفس شُعَاع
…
تقسمها التَّمَادِي والتعادي)
(نفى ابْن عماد دين الله عَنْهَا الشكاة
…
فَأَصْبَحت ذَات الْعِمَاد)
(تبختر فِي كسا عدل وبذل
…
مدبجة التهائم والنجاد)
(وَفِي مِحْرَابهَا دَاوُد مِنْهُ
…
يهذب حِكْمَة آيَات صَاد)
(تجاوزت النُّجُوم فَأَيْنَ تبغي
…
ترق فَلَا خلوت من ازدياد)
فصل فِيمَا جرى بعد وَفَاة زنكي من صَاحب دمشق والإفرنج المخذولين
قَالَ ابْن أَبى طي فِي سَابِع يَوْم من اسْتِقْرَار نور الدّين بحلب اتَّصل خبر مقتل أتابك بِصَاحِب انطاكية أنطاكية البيمند فَخرج ليومه فِي عَسَاكِر أنطاكية وَقسم عسكره قسمَيْنِ قسما نفذه إِلَى جِهَة حماة وقسما أغار بِهِ على جِهَة حلب وعاث فِي بلادها وَكَانَ النَّاس آمِنين فَقتل وسبى عَالما عَظِيما وَتَمَادَى حَتَّى وصل إِلَى صلدى ونهبها
وَوصل الْخَبَر إِلَى حلب فَخرج أَسد الدّين شيركوه فِيمَن كَانَ بحلب من العساكر وجد فِي السّير ففاته الفرنج وَأدْركَ جمَاعَة من الرجالة يسوقون الأسرى فَقَتلهُمْ واستنقذ كثيرا مِمَّا كَانَت الفرنج أَخَذته وَسَار مجنبا عَن طَرِيق الفرنج إِلَى أَن شن الْغَارة على بلد أرتاح وَاسْتَاقَ جَمِيع مَا كَانَ للفرنج فِيهِ وَعَاد إِلَى حلب مظفرا
وَقَالَ ابْن الْأَثِير لما قتل الشَّهِيد سَار مجير الدّين صَاحب دمشق فِي عَسْكَر إِلَى بعلبك وحاصرهم وَبهَا نجم الدّين أَيُّوب وَالِد السُّلْطَان صَلَاح الدّين فسلمها إِلَيْهِ وَأخذ مِنْهُ مَالا وَملكه قرايا من أَعمال دمشق وانتقل أَيُّوب إِلَى دمشق وَأقَام بهَا
وَقَالَ ابْن أَبى طي اشْتَدَّ صَاحب دمشق فِي الْقِتَال وصبر نجم الدّين أَيُّوب أحسن صَبر فاتفق أَن المَاء لما شَاءَ الله من حصن بعلبك غَار حَتَّى لم يبْق مِنْهُ شَيْء فَصَارَ أهل القلعة يستمدون من الْبَلَد فَلَمَّا ملك الْبَلَد منع من يُرِيد المَاء من القلعة فَاشْتَدَّ الْأَمر فطلبوا الْأمان والمصالحة فاستخلف صَاحب دمشق نجم الدّين وَأقر لَهُ الثُّلُث الَّذِي كَانَ أتابك قد جعله لَهُ فِيهَا وَأقرهُ فِيهَا
وَلما بلغ ذَلِك نور الدّين خَافَ أَن يفْسد عَلَيْهِ أَسد الدّين إِلَى صَاحب دمشق لحُصُول أَخِيه نجم الدّين عِنْده وَمَال نور الدّين إِلَى مجد الدّين أَبى بكر بن الداية حَتَّى ولاه جَمِيع أُمُوره وَجَمِيع مَمْلَكَته فشق ذَلِك على أَسد الدّين
قَالَ الرئيس أَبُو يعلى لما اتَّصل خبر موت زنكي بِمعين الدّين أنر شرع فِي التأهب والاستعداد لقصد بعلبك وانتهاز الفرصة فِيهَا بآلات الْحَرْب والمنجنيقات
فَنزل عَلَيْهَا وضايقها وَلم يمض إِلَّا أَيَّام قَلَائِل حَتَّى قل المَاء فِيهَا قلَّة دعتهم إِلَى النُّزُول على حكمه
وَكَانَ الْوَالِي بهَا ذَا حزم وعقل وَمَعْرِفَة بالأمور فَاشْترط مَا قَامَ لَهُ بِهِ من إقطاع وَغَيره وَسلم الْبَلَد والقلعة إِلَيْهِ ووفى لَهُ بِمَا قرر الْأَمر عَلَيْهِ وتسلم مَا فِيهِ من غلَّة وَآلَة فِي أَيَّام من جُمَادَى الأولى من السّنة
وراسل معِين الدّين الْوَالِي بحمص وتقررت بَينه وَبَينه مهادنة وموادعة يعودان بصلاح الْأَحْوَال وَعمارَة الْأَعْمَال
وَوَقعت
المراسلة فِيمَا بَينه وَبَين صَلَاح الدّين بحماة وتقرر بَينهمَا مثل ذَلِك
ثمَّ انكفأ بعد ذَلِك إِلَى الْبَلَد عقيب فَرَاغه من بعلبك وترتيب من رتبه لحفظها وَالْإِقَامَة فِيهَا
قَالَ ووردت الْأَخْبَار فِي أَيَّام من جُمَادَى الْآخِرَة من السّنة بِأَن ابْن جوسلين جمع الإفرنج من كل نَاحيَة وَقصد مَدِينَة الرها على غَفلَة بموافقة من النَّصَارَى المقيمين فِيهَا فَدَخلَهَا وَاسْتولى عَلَيْهَا وَقتل من فِيهَا من الْمُسلمين
فَنَهَضَ نور الدّين صَاحب حلب فِي عسكره وَمن انضاف إِلَيْهِ من التركمان وَغَيرهم فِي زهاء عشرَة آلَاف فَارس ووقفت الدَّوَابّ فِي الطرقات من شدَّة السّير ووافوا الْبَلَد وَقد حصل ابْن جوسلين وَأَصْحَابه فِيهِ فَهَجَمُوا عَلَيْهِم وَوَقع السَّيْف فيهم
وَقتل من أرمن الرها وَالنَّصَارَى من قتل وَانْهَزَمَ إِلَى برج يُقَال لَهُ برج المَاء فَحصل فِيهِ ابْن جوسلين فِي تَقْدِير عشْرين فَارِسًا من وُجُوه أَصْحَابه وأحدق بهم الْمُسلمُونَ وشرعوا فِي النقب عَلَيْهِم حَتَّى تعرقب البرج فَانْهَزَمَ ابْن جوسلين فِي الْخفية من اصحابه وَأخذ الْبَاقُونَ ومحق السَّيْف كل من ظفر بِهِ من نَصَارَى الرها واستخلص من كَانَ فِيهِ أَسِيرًا من الْمُسلمين وَنهب مِنْهَا شَيْء كثير من المَال والأثاث والسبي وانكفأ الْمُسلمُونَ بالغنائم إِلَى حلب وَسَائِر الْأَطْرَاف
قَالَ ابْن الْأَثِير لما قتل زنكي كَانَ جوسلين الفرنجي الَّذِي كَانَ صَاحب الرها فِي ولَايَته غرب الْفُرَات فِي تل بَاشر وَمَا جاورها فراسل أهل الرها وَكَانَ عامتهم من الأرمن وواعدهم يَوْمًا يصل إِلَيْهِم فِيهِ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك فَسَار فِي عساكره إِلَيْهَا وملكها وامتنعت عَلَيْهِ القلعة بِمن فِيهَا من الْمُسلمين فَقَاتلهُمْ وجد فِي قِتَالهمْ فَبلغ الْخَبَر نور الدّين وَهُوَ يَوْمئِذٍ
بحلب فَسَار إِلَيْهَا بعسكره فهرب جوسلين وَدخل نور الدّين مَدِينَة الرها ونهبها وسبى أَهلهَا
وَفِي هَذِه الدفعة نهبت وَخَربَتْ وخلت من أَهلهَا وَلم يبْق مِنْهُم بهَا إِلَّا الْقَلِيل
وَوصل خبر الفرنج إِلَى سيف الدّين غَازِي بالموصل فَجهز العساكر إِلَى الرها فوصلت وَقد ملكهَا نور الدّين فَبَقيت بِيَدِهِ وَلم يُعَارضهُ فِيهَا أَخُوهُ سيف الدّين
قَالَ وَمن عَجِيب مَا جرى أَن نور الدّين أرسل من غنائمها إِلَى الْأُمَرَاء وَأرْسل إِلَى زين الدّين عَليّ جملَة من الْجَوَارِي فحملن إِلَى دَاره وَدخل لينْظر إلَيْهِنَّ فَخرج وَقد اغْتسل وَهُوَ يضْحك فسُئل عَن ذَلِك فَقَالَ لما فتحنا الرها مَعَ الشَّهِيد كَانَ فِي جملَة مَا غنمت جَارِيَة مَالَتْ نَفسِي إِلَيْهَا فعزمت على أَن أَبيت مَعهَا فَسمِعت مُنَادِي الشَّهِيد وَهُوَ يَأْمر بِإِعَادَة السَّبي والغنائم وَكَانَ مهيبا مخوفا فَلم أجسر على إتيانها وأطلقتها
فَلَمَّا كَانَ الْآن أرسل إِلَى نور الدّين سهمي من الْغَنِيمَة وَفِيه تِلْكَ الْجَارِيَة فوطئتها خوفًا من الْعود
قلت وللقيسراني قصيدة مدح بهَا جمال الدّين وَزِير الْموصل ذكر فِيهَا فتح الرها أَولهَا
(أما آن أَن يزهق الْبَاطِل
…
وَأَن ينجز الْعدة الماطل)
(إِلَى كم يغب مُلُوك الضلال
…
سيف بأعناقها كافل)
(فَلَا تحفلن بصول الذئاب
…
وَقد زأر الْأسد الباسل)
(وَهل يمْنَع الدّين إِلَّا إِلَى فَتى
…
يصول انتقاماً فيستاصل)
(أَبَا جَعْفَر أشرقت دولة
…
أَضَاء لَهَا بدرك الْكَامِل)
(فإمَّا نصبت لرفع اسْمهَا
…
فإنكما الْفِعْل وَالْفَاعِل)
لِيَهنك مَا أفرج النَّصْر عَنهُ
…
وَمَا ناله الْملك الْعَادِل)
(فَقل للحقاق الطَّرِيق الطَّرِيق
…
فقد دلف المقرم البازل)
(وجاهد فِي الله حق الْجِهَاد
…
محتسب بالعلا قافل)
(وَهل يمْنَع السُّور من طالع
…
يُشايِعُه الْقدر النارل)
(فَإِن يَك فتح الرها لُجَّة
…
فساحلها الْقُدس والساحل)
(فَهَل علمت علم تِلْكَ الديار
…
أَن الْمُقِيم بهَا راحل)
(أرى القمص يأمل فَوت الرماح
…
وَلَا بُد أَن تضرب الشائل)
(يُقَوي معاقله جاهدا
…
وَهل عَاقل بعْدهَا عَاقل)
(وَكَيف بضبط بواقي الْجِهَات
…
لمن فَاتَ حسبته الْحَاصِل)
وَلابْن مُنِير من قصيدة فِي نور الدّين
ملك مَا أذلّ بِالْفَتْح أَرضًا
…
قطّ إِلَّا أعزها إغلاقه)
(والوهى فِي الرهاء أزجي إِلَيْهَا
…
عارضاً شيب الدجى إبراقه)
(جارت جأرة إِلَيْهِ فحلى
…
عطلا من إعناقها إعناقه)
(تِلْكَ بكر الْفتُوح فالشام مِنْهَا
…
شامه وَالْعراق بعد عراقه)
(أَيْن كَانَ الْمُلُوك عَن وَجههَا الطلق
…
يُرينا إضاءة إِطْلَاقه)
(سنة سنّهَا أَبوهُ بكلب الرّوم
…
لما أظلهُ إرهاقه)
(خافقا قلبه إِلَى أمل عاجله
…
دون نيله إخفاقه)
(قسمت راية المواضي القسيميات
…
وابتز من لهاه عراقه)
(وَكَذَا أَنْت يَا بْنَه مَا عدا من
…
خلقه فِيك خصْلَة خلاقه)
(وَكفى الْبَحْر أَنه ابْن سَحَاب
…
مَا وَنَى سَحُّه وَلَا إصْعَاقه)
(لم يمت من سددت ثلمته يَا
…
من على الدّين كظه إشفاقه)
(رهبة لم تدع على الأَرْض قلبا
…
خلف صدر ينشق عَنهُ شقاقه)
(كلما طن ذكرهَا مِنْهُ فِي السّمع
…
تكمى فِي النافقاء نفَاقه)
(وَجِهَاد عَن حوزة الدّين لم يأل
…
لَهُ ركضه وَلَا إِنْفَاقه)
وَله فِيهِ من قصيدة أُخْرَى
(بِنور الدّين روض كل مَحل
…
من الدُّنْيَا وجدد كل بَال)
(أَقَامَ على ثنية كل خوف
…
سهادا بَات يكلأ كل كال)
(وَصوب عدله فِي كل أَوب
…
فعوض عاطلا مِنْهُ بِحَال)
(ينكس رايه راي المحامي
…
وَيقتل خَوفه قبل الْقِتَال)
(لقد أحصدت لِلْإِسْلَامِ عزا
…
يفوت سنامه يَد كل قَالَ)
(وأصبحت العواصم ملحفات
…
عصاما غير منتكث الحبال)