المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ودخلت سنة أربع وأربعين وخمس مئة) - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ١

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه رب الْعَالمين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذكر أَخْبَار زنكي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ولَايَة زنكي الْموصل وَغَيرهَا من الْبِلَاد الَّتِي كَانَت بيد البرسقي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح شهرزور وبعلبك وحصار دمشق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة زنكي رحمه الله

- ‌فصل فِي ذكر بعض سيرة الشَّهِيد أتابك زنكي

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد زنكي من تفرق أَصْحَابه وتملك ولديه غَازِي ومحمود

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد وَفَاة زنكي من صَاحب دمشق والإفرنج المخذولين

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي نزُول الفرنج على دمشق ورجوعهم وَقد خذلهم الله تَعَالَى عَنْهَا

- ‌وَدخلت سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة)

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة معِين الدّين أنر بِدِمَشْق وَمَا كَانَ من الرئيس ابْن الصُّوفِي فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي وَفَاة سيف الدّين غَازِي بن زنكي صَاحب الْموصل وَهُوَ أَخُو نور الدّين الْأَكْبَر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح عزاز

- ‌فصل فِي صفة أسر جوسلين

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر حصن شيزر وَولَايَة بني منقذ

- ‌فصل فِي بواقي حوادث سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح حارم

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتِّينَ وَخمْس مئة

الفصل: ‌ودخلت سنة أربع وأربعين وخمس مئة)

التركمان وَأطلق أَيْديهم فِي نهبهم والفتك بهم فَلم يزل على النكاية فيهم والمضايقة لَهُم إِلَى أَن ألجأهم إِلَى طلب الْمُصَالحَة

‌وَدخلت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة)

فجددت المهادنة فِي الْمحرم مُدَّة سنتَيْن وأنفذ نور الدّين إِلَى معِين الدّين يُعلمهُ أَن صَاحب أنطاكية قد جمع إفرنج بِلَاده وَظهر يطْلب بهم الْإِفْسَاد فِي الْأَعْمَال الحلبية وَأَنه قد برز فِي عسكره إِلَى ظَاهر حلب للقائه وَالْحَاجة ماسة إِلَى معاضدته فندب معِين الدّين مُجَاهِد الدّين بزان بن مامين فِي فريق وافر من الْعَسْكَر الدِّمَشْقِي للمصير إِلَى جِهَته وبذل المجهود فِي طَاعَته ومناصحته وَبَقِي معِين الدّين فِي بَاقِي الْعَسْكَر بِنَاحِيَة حَوْرَان

قَالَ وَفِي صفر من السّنة وَردت البشائر من جِهَة نور الدّين بِمَا أولاه الله تَعَالَى وَله الْحَمد من الظُّهُور على حشد الإفرنج المخذول وَلم يفلت مِنْهُم إِلَّا من خبر ببوارهم وتعجيل دمارهم وَذَلِكَ أَن نور الدّين اجْتمع لَهُ من العساكر سِتَّة آلَاف فَارس مقاتلة سوى الأتباع والسواد فَنَهَضَ بهم إِلَى الفرنج فِي الْموضع الْمَعْرُوف بإنب وهم فِي نَحْو أَربع مئة فَارس وَألف راجل فَقَتَلُوهُمْ وغنموهم وَوجد اللعين الْبُرْنُس مقدمهم صَرِيعًا بَين حماته

ص: 204

وأبطاله فَعرف وَقطع رَأسه وَحمل إِلَى نور الدّين

وَكَانَ هَذَا اللعين من أبطال الفرنج الْمَشْهُورين بالفروسية وَشدَّة الْبَأْس وَقُوَّة الْحِيَل وَعظم الْخلقَة مَعَ اشتهار الهيبة وَكَثْرَة السطوة والتناهي فِي الشَّرّ وَذَلِكَ يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من صفر

ثمَّ نزل نور الدّين فِي الْعَسْكَر على بَاب أنطاكية وَقد خلت من حماتها والذابين عَنْهَا وَلم يبْق فِيهَا غير أَهلهَا مَعَ كَثْرَة أعدادهم وحصانة بلدهم

وترددت المرسلات بَينه وَبينهمْ فِي طلب التَّسْلِيم إِلَيْهِ وَإِيمَانهمْ وصيانة أَمْوَالهم فَوَقع الِاحْتِجَاج مِنْهُم بِأَن هَذَا أَمر لَا يُمكنهُم الدُّخُول فِيهِ إِلَّا بعد انْقِطَاع آمالهم من النَّاصِر لَهُم والمعين على من يقصدهم

وحملوا مَا أمكنهم من التحف وَالْمَال واستمهلوا فأمهلوا

ثمَّ رتب نور الدّين بعض الْعَسْكَر للإقامة عَلَيْهَا وَالْمَنْع لمن يصل إِلَيْهَا ونهض فِي بَاقِيَة الْعَسْكَر إِلَى نَاحيَة أفامية وَقد كَانَ رتب الْأَمِير صَلَاح الدّين فِي فريق وافر من الْعَسْكَر لمنازلتها ومضايقتها فالتمسوا الْأمان فأومنوا على أنفسهم وسلموا الْبَلَد فِي ثامن عشر ربيع الأول وانكفأ نور الدّين فِي عسكره إِلَى نَاحيَة أنطاكية وَقد انْتهى إِلَيْهِ الْخَبَر بنهوض الفرنج من نَاحيَة السَّاحِل إِلَى صوب أنطاكية لإنجاد من بهَا فاقتضت الْحَال مهادنة من فِي أنطاكية وموادعتهم وَتَقْرِير أَن يكون مَا قرب من الْأَعْمَال الحلبية لَهُ وَمَا قرب من أنطاكية لَهُم ورحل عَنْهُم إِلَى جِهَة غَيرهم بِحَيْثُ كَانَ قد ملك فِي هَذِه النّوبَة مِمَّا حول أنطاكية من الْحُصُون والقلاع والمعاقل وَغَيرهَا الْمَغَانِم الجمة

وَفصل عَنهُ الْأَمِير مُجَاهِد الدّين بزان فِي الْعَسْكَر الدِّمَشْقِي وَقد كَانَ لَهُ فِي هَذِه الْوَقْعَة وَلمن فِي جملَته الْبلَاء الْمَشْهُور وَلذكر المشكور لما هُوَ مَوْصُوف بِهِ من الشهامة والبسالة وإصابة الرَّأْي والمعرفة بمواقف الحروب

ص: 205

وَقَالَ ابْن أَبى طي حمل أَسد الدّين على حَامِل صَلِيب الفرنج فَقتله وَقتل الْبُرْنُس صَاحب أنطاكية وَجَمَاعَة من وُجُوه عسكره وَلم يقتل من الْمُسلمين من يؤبه لَهُ وَعَاد الْمُسلمُونَ بالغنائم وَالْأسَارَى

وَكَانَ لأسد الدّين فِي هَذِه الْحَرْب الْيَد الْبَيْضَاء ومدحه بهَا بعض الشُّعَرَاء الحلبيين بقصيدة يَقُول فِيهَا

(إِن كَانَ آل الفرنج أدركوا فلحا

فِي يَوْم يغرا ونالوا منية الظفر)

(فَفِي الخطيم خطمت الْكفْر منصلتا

أَبَا المظفر بالصمصامة الذّكر)

(نالوا بيغرا نهابا وانتهبت لنا

على الخطيم نفوس المعشر الأشر)

(واستقودوا الْخَيل عريا واستقدت لنا

قوامص الْكفْر فِي ذل وَفِي صغر)

قَالَ وَحصل لأسد الدّين من هَذِه الكسرة سلَاح كثير وعدة أُسَارَى وخيول كَثِيرَة فأنفذ لِأَخِيهِ نجم الدّين مِنْهَا شَيْئا

وَفِي هَذِه السّنة عظم أَمر أَسد الدّين

وَقَالَ ابْن الْأَثِير سَار نور الدّين إِلَى حصن حارم وَهُوَ للفرنج فحصره وَخرب ربضه وَنهب سوَاده ثمَّ رَحل عَنهُ إِلَى حصن إنب فحصره فاجتمعت الفرنج مَعَ الْبُرْنُس صَاحب أنطاكية وَسَارُوا إِلَيْهِ ليُرَحِّلُوه عَن إنب فَلم يرحل بل لَقِيَهُمْ وتصاف الْفَرِيقَانِ واقتتلوا وصبروا وَظهر من نور الدّين من الشجَاعَة وَالصَّبْر فِي الْحَرْب على حَدَاثَة سنه مَا تعجب مِنْهُ

ص: 206

النَّاس وأجلت الْحَرْب عَن هزيمَة الفرنج وَقتل الْمُسلمُونَ مِنْهُم خلقا كثيرا وفيمن قتل الْبُرْنُس صَاحب أنطاكية وَكَانَ عاتيا من عتاة الفرنج وَذَوي التَّقَدُّم فيهم وَالْملك

وَلما قتل الْبُرْنُس خلف ابْنا صَغِيرا وَهُوَ بيمند فبقى مَعَ أمه بأنطاكية فَتزوّجت أمه بإبرنس آخر وَأقَام مَعهَا بأنطاكية يدبر الْجَيْش ويقودهم وَيُقَاتل لَهُم إِلَى أَن يكبر بيمند

ثمَّ إِن نور الدّين غزا بلد الفرنج غَزْوَة أُخْرَى وَهَزَمَهُمْ وَقتل فيهم واسر وَكَانَ فِي الأسرى الْبُرْنُس الثَّانِي زوج أم بيمند

فَلَمَّا أسره تملك بيمند أنطاكية بلد أَبِيه وَتمكن مِنْهُ وَبَقِي بهَا إِلَى أَن أسره نور الدّين بحارم سنة تسع وَخمسين وَخمْس مئة على مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَأكْثر الشُّعَرَاء مدح نور الدّين وتهنئته بِهَذَا الْفَتْح وَقتل الْبُرْنُس وَمِمَّنْ قَالَ فِيهِ القيسراني الشَّاعِر من قصيدة أنْشدهُ إِيَّاهَا بجسر الْحَدِيد الْفَاصِل بَين عمل حلب وَعمل أنطاكية أَولهَا

(هذى العزائم لَا مَا تدعى القضب

وَذي المكارم لَا مَا قَالَت الْكتب)

(وَهَذِه الهمم اللاّتي مَتى خَطبت

تعثرت خلفهَا الْأَشْعَار والخطب)

(صافحت يَا ابْن عماد الدّين ذروتها

براحة للمساعي دونهَا تَعب)

(مَا زَالَ جدك ينبي كل شاهقة

حَتَّى ابتنى قبَّة أوتادها الشهب)

ص: 207

(لله عزمك مَا أمضى وهمك مَا

أقْصَى اتساعا بِمَا ضَاقَتْ بِهِ الحقب)

(يَا ساهد الطّرف والأجفان هاجعة

وثابت الْقلب والأحشاء تضطرب)

(أغرت سيوفك بالإفرنج راجفة

فؤاد رُومِية الْكُبْرَى لَهَا يجب)

(ضربت كبشهم مِنْهَا بقاصمة

أودى بهَا الصلب وانحطت بهَا الصلب)

(قل للطغاة وَإِن صمت مسامعها

قولا لصُم القنا فِي ذكره أرب)

(مَا يَوْم إنب وَالْأَيَّام دائلة

من يَوْم يغرا بعيد لَا وَلَا كثب)

(أغركم خدعة الآمال ظنكم

كم اسْلَمْ الْجَهْل ظنا غره الْكَذِب)

(غضِبت للدّين حَتَّى لم يفتك رضى

وَكَانَ دين الْهدى مرضاته الْغَضَب)

(طّهرت أَرض الأعادي من دِمَائِهِمْ

طَهَارَة كل سيف عِنْدهَا جنب)

(حَتَّى استطار شرار الزند قادحُه

فالحرب تضرم والآجال تحتطب)

(وَالْخَيْل من تَحت قتلاها تقر لَهَا

قَوَائِم خانهن الركض والخبب)

(وَالنَّقْع فَوق صقال الْبيض مُنْعَقد

كَمَا اسْتَقل دُخان تَحْتَهُ لَهب)

(وَالسيف هام على هاًم بمعركة

لَا الْبيض ذُو ذمَّة فِيهَا وَلَا اليلب)

(والنبل كالوبل هطال وَلَيْسَ لَهُ

سوى القسي وأيد فَوْقهَا سحب)

(وللظبي ظفر حلوٌ مذاقته

كَأَنَّمَا الضَّرْب فِيمَا بَينهم ضرب)

ص: 208

(وللأسنة عَمَّا فِي صُدُورهمْ

مصَادر أقلوب تِلْكَ أم قُلُب)

(خانوا فخانت رماح الطعْن أَيْديهم

فاستسلموا وَهِي لَا نبع وَلَا غرب)

(كَذَاك من لم يُوقَ الله مهجته

لَاقَى العدى والقنا فِي كَفه قصب)

(كَانَت سيوفهم أوحى حتوفهم

يَا رب حائنة منجاتها العطب)

(حَتَّى الطوارق كَانَت من طوارقهم

ثارت عَلَيْهِم بهَا من تحتهَا النوب)

(أَجْسَادهم فِي ثِيَاب من دِمَائِهِمْ

مسلوبة وَكَأن الْقَوْم مَا سُلبوا)

(أنباء ملحمةٍ لَو أَنَّهَا ذكرت

فِيمَا مضى نسيت أَيَّامهَا الْعَرَب)

(من كَانَ يَغْزُو بِلَاد الشّرك مكتسبا

من الْمُلُوك فنور الدّين محتسب)

(ذُو غرَّة مَا سمت وَاللَّيْل معتكر

إِلَّا تَمَزَّقَ عَن شمس الضُّحَى الْحجب)

(أَفعاله كاسمه فِي كل حَادِثَة

وَوَجهه نَائِب عَن وَصفه الّلقب)

(فِي كل يَوْم لفكرى من وقائعه

شغل فَكل مديحي فِيهِ مقتضب)

(من باتت الْأسد أسرى فِي سلاسله

هَل يأسر الغُلْبَ إلَاّ من لَهُ الغَلَب)

(فملكوا سلب الإبرنز قَاتله

وَهل لَهُ غير أنطاكية سلب)

(من للشقي بِمَا لاقت فوارسه

وَإِن يسايرها من تَحْتَهُ قتب)

(عجبت للصَّعْدة السمراء مثمرة

بِرَأْسِهِ إِن إثمار القنا عجب)

ص: 209

سما عَلَيْهِم سمو المَاء أرهقهُ

أنبوبُهُ فِي صَعُود أَصْلهَا صَبب)

(مَا فَارَقت عذبات التَّاج مفرقه

إلاّ وهامتهُ تَاج وَلَا عذب)

(إِذا الْقَنَاة ابتغت فِي رَأسه نفقا

بدا لثعلبها من نَحره سَرَب)

(كُنَّا نعد حمى أطرافنا ظفرا

فملكتك الظبى مَا لَيْسَ يحْتَسب)

(عَمت فتوحك بالعدوى معاقلها

كَانَ تَسْلِيم هَذَا عِنْد ذَا جرب)

(لم يبْق مِنْهُم سوى نبض بِلَا رَمق

كَمَا التوَى بعد رَأس الْحَيَّة الذَّنب)

(فانهض إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى بذى لجب

يوليك أقْصَى المنى فالقدس مرتقب)

(وائذن لموجك فِي تَطْهِير ساحله

فَإِنَّمَا أَنْت بَحر لجه لجب)

(يَا من أعَاد ثغور الشَّام ضاحكة

من الظبي عَن ثغور زانها الشنب)

(مَا زلت تلْحق عاصيها بطائعها

حَتَّى أَقمت وأنطاكية حلب)

(حللت من عقلهَا أَيدي معاقلها

فاستجفلت وَإِلَى مِيثَاقك الْهَرَب)

(وأيقنت أَنَّهَا تتلو مراكزها

وَكَيف يثبت بَيت مَا لَهُ طُنُب)

(أجريت من ثغر الْأَعْنَاق أَنْفسهَا

جرى الجفوان امتراها بارح حصب)

ص: 210

(وَمَا ركزت القنا إِلَّا ومنك على

جسر الْحَدِيد هزبرٌ غيله أشب)

(فاسعد بِمَا نلته من كل صَالِحَة

يأوى إِلَى جنَّة المأوى لَهَا حسب)

(إِلَّا تكن أحد الأبدال فِي فلك التَّقْوَى

فَلَا يتمارى أَنَّك القطب)

(فَلَو تناسب أَمْلَاك السَّمَاء بهَا

لَكَانَ بَيْنكُمَا من عفة نسب)

(هَذَا وَهل كَانَ فِي الْإِسْلَام مكرمَة

إِلَّا شهِدت وَعباد الْهوى غُيُب)

وَله فِيهِ من قصيدة أُخْرَى

(أَلا لله دَرك أَي در

صَرِيح جَاءَ بِالْكَرمِ الصَّرِيح)

(وعسكرك الَّذِي استولى مشيحا

على مَا بَين فامية وشيح)

(ووقعتك الَّتِي نبت العوالي

صوادر عَن قَتِيل أَو جريح)

(بإنب يَوْم أبرزت المذاكى

من النَّقْع الغزالة فِي مسوح)

(غَدَاة كَأَنَّمَا العاصى احمرارا

من الدَّم عِبْرَة الجفن القريح)

(وَقد وافاك بالإبرنز حتف

أتيح لَهُ من الْقدر المتيح)

(قتلت أشحهم بِالنَّفسِ إِذْ لَا

يجود بِنَفسِهِ غير الشحيح)

ص: 211

مَلَأت بهم ضرائحهم فأمسوا

وَلَيْسَ سوى القشاعم من ضريح)

(وعدت إِلَى ذرا حلب حميدا

سمو الْبَدْر من بعد الجنوح)

(فَإِن حَلِيَتْ بغرتك اللَّيَالِي

فكم لِسَنَاك من زمن مليح)

(رويدك تسكن الهيجا فواقا

بِحَيْثُ تريح من تَعب المريح)

(فَأَنت وَإِن أرحت الْخَيل وقتا

فهمك غير هم المستريح)

وَقَالَ أَحْمد بن مُنِير يمدحه وَيذكر ظفره بالبرنس وَأَصْحَابه وَحمل رَأسه إِلَى حلب وانشده إِيَّاهَا أَيْضا بجسر الْحَدِيد

(أقوى الضلال واقفرت عرصاته

وَعلا الْهدى وتبلجت قسماته)

(وانتاش دين مُحَمَّد محموده

من بعد مَا عُلت دَمًا عبراته)

(ردَّتْ على الْإِسْلَام عصر شبابه

وثباته من دونه وثباته)

(أرسى قَوَاعِده وَمد عماده

صعدا وشيد سُورَة سوراته)

(وَأعَاد وَجه الْحق ابيض ناصعا

إصلاته وَصلَاته وَصلَاته)

(لما تواكل حزبه وتخاذلت

أنصاره وتقاصرت خطواته)

(رفعت لنُور الدّين نَار عَزِيمَة

رجعت لَهَا عَن طبعها ظلماته)

(ملك مجَالِس لهوه شداته

ومشوقة بَين الصُّفُوف شذاته)

(يغرى بحثحثة اليراع بنانه

إِن لذ حثحثة الكؤوس لداته)

(ويروقه ثغر العدى قان دَمًا

لَا الثغر يعبق فِي لماه لثاته)

ص: 212

(فصبوحه خمر الطلى وغبوقه

نطف النُّفُوس تديرها نشواته)

(فتح تعممت السَّمَاء بفخره

وهفت على أَغْصَانهَا عذباته)

(سبغت على الْإِسْلَام بيض حجوله

واختال فِي أوضاحها جبهاته)

(وانهل فَوق الأبطحين غمامه

وسرت إِلَى سكنيهما نفحاته)

(لله بلجة لَيْلَة مخضت بِهِ

وَالْيَوْم دبج وشيه ساعاته)

(حط القوامص فِيهِ بعد قماصها

ضرب يصلصل فِي الطلي صعقاته)

(نبذوا السِّلَاح لضيغم عاداته

فرس الفوارس والقنا غاباته)

(لمجرب عمريه غضباته

لله معتصمية غَزَوَاته)

(تجنا لضيق صفاده أسراؤه

وَتفِيض مَاء شؤونها نغماته)

(بَين الْجبَال خواضعا أعناقها

كالذود نابت عَن براه حداته)

(نشرت على حلب عُقُود بنودهم

حلل الرّبيع تناسقت زهراته)

(روض جناه لَهَا مكر جياده

واستوأرت حمالَة حملاته)

ص: 213

(متساندين على الرِّجَال كَمَا انتشى

شرْب أمالت هامه قهواته)

(لم تُنبت الآجام قبل رماحه

شَجرا أصولُ فروعه ثمراته)

(فليحمد الْإِسْلَام مَا جدحت لَهُ

شربات غرس هَذِه مجناته)

(وَسَقَى صدى ذَاك الحيا صوب الحيا

خير الثرى مَا كنت أَنْت نَبَاته)

(نصب السرير وَمَال عَنهُ ومهدت

لمقر منصبك السرى سراته)

(مَا ضرّ هَذَا الْبَدْر وَهُوَ محلق

أَن الْكَوَاكِب فِي الذرا ضراته)

(فِي كل يَوْم تستطيل قناته

فَوق السَّمَاء وتعتلي درجاته)

(وتظل ترقم فِي الضُّحَى آثاره

مجدا وَالسّنة الزَّمَان رُوَاته)

(أَيْن الألى ملؤوا الطروس زخارفا

عَن نزف بَحر هَذِه قطراته)

(عذقوا بأعناق العواطل مَا لَهُ

من جَوْهَر فأتتهم فذاته)

(لَو فصلوا سمطا بِبَعْض فتوحه

سخرت بِمَا افتعلوا لَهُ فعلاته)

(يُمسى قنانيه بَنَات قيونه

فَوق القوانس والقنا قيناته)

ص: 214

(صلتان من دون الْمُلُوك تقرها

حركاته وتنيمها يقظاته)

(قعدت بهم عَن خطوه هماتهم

وسمت بِهِ عَن قطوهم هماته)

(سكنوا مسجّفة الحجال وأسكنت

زجل الرِّجَال مَعَ السها عزماته)

(لَو لَاحَ للطائي غرَّة فَتحه

باءت بِحمْل تأوه باءاته)

(أَو هَب للطبري طيب نسيمه

لاحتش من تَارِيخه حشواته)

(صدم الصَّلِيب على صلابة عوده

فتفرقت أَيدي سبا خشباته)

(وَسَقَى الْبُرْنُس وَقد تبرنس ذلة

بالروج ممقر مَا جنت غدراته)

(فانقاد فِي خطم الْمنية أَنفه

يَوْم الخطيم وأقصرت نزواته)

(وَمضى يؤنب تَحت إنب همة

أمست زوافر غيها زفراته)

(أَسد تبوأ كالغريف فجأته

فتبوأت طرف السنان شواته)

(دون النُّجُوم مغمضا ولطالما

أغضت وَقد كرّت لَهَا لحظاته)

(فجلوته تبْكي الأصادق تَحْتَهُ

بِدَم إِذا ضحِكت لَهُ شماته)

ص: 215

(تمشي الْقَنَاة بِرَأْسِهِ وَهُوَ الَّذِي

نظمت مدَار النيرين قناته)

(لَو عانق العيوق يَوْم رفعته

لأرَاك شَاهد خفضه إخباته)

(مَا انْقَادَ قبلك أَنفه بخزامه

كلا وَلَا هَمت لَهَا هدراته)

(طيان خلف السَّرْح طَال زئيره

نطقت سُطاك لَهُ فطال صُماته)

(لما بدا مسود رايك فَوْقه

مبيض نصرك نكست راياته)

(وَرَأى سيوفك كالصوالج طاوحت

مثل الكرين فقلصت كراته)

(ولى وَقد شربت ظباك كماته

تَحت العجاج واسلمته حماته)

(ترك الْكَنَائِس والكناس لناهب

بالبيض ينهب مَا حواه عفاته)

(لغلاب أروع لَا يُميت عِدَاته

دَاء المطال وَلَا تعيش عُداتُه)

(للوحش ملقى بالعرا يقتاته

مَا كَانَ قبل بصيده يقتاته)

(الْيَوْم ملّكك القراع قلاعه

متسنما مَا استشرفت شرفاته)

(وَغدا تحل لَك الحلائل أسْهم

متوزعات بَينهُنَّ بَنَاته)

(أوطأت أَطْرَاف السّنابك هامه

فتقاذفت بعنيقها قذفاته)

ص: 216