المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وخمس مئة - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ١

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه رب الْعَالمين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذكر أَخْبَار زنكي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ولَايَة زنكي الْموصل وَغَيرهَا من الْبِلَاد الَّتِي كَانَت بيد البرسقي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح شهرزور وبعلبك وحصار دمشق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة زنكي رحمه الله

- ‌فصل فِي ذكر بعض سيرة الشَّهِيد أتابك زنكي

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد زنكي من تفرق أَصْحَابه وتملك ولديه غَازِي ومحمود

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد وَفَاة زنكي من صَاحب دمشق والإفرنج المخذولين

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي نزُول الفرنج على دمشق ورجوعهم وَقد خذلهم الله تَعَالَى عَنْهَا

- ‌وَدخلت سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة)

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة معِين الدّين أنر بِدِمَشْق وَمَا كَانَ من الرئيس ابْن الصُّوفِي فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي وَفَاة سيف الدّين غَازِي بن زنكي صَاحب الْموصل وَهُوَ أَخُو نور الدّين الْأَكْبَر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح عزاز

- ‌فصل فِي صفة أسر جوسلين

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر حصن شيزر وَولَايَة بني منقذ

- ‌فصل فِي بواقي حوادث سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح حارم

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتِّينَ وَخمْس مئة

الفصل: ‌ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وخمس مئة

يَوْمًا وَلَا نقص يَوْمًا

وَوصل القُصّادُ بذلك من همذان إِلَى بَغْدَاد فِي سِتَّة أَيَّام فأزال الله يَده وَيَد اتِّبَاعه عَن الْعرَاق وأورثنا أَرضهم وديارهم فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين مُجيب دَعْوَة الداعين

قَالَ وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن يحيى يَقُول لَا أدل على وجود مَوْجُود أعظم من إِن يُدعى فيجيب

‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

فَفِيهَا أخذت الفرنج خذلهم الله تَعَالَى عسقلان وَبقيت فِي أَيْديهم إِلَى أَن فتحهَا صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب رحمه الله سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى

قَالَ الرئيس أَبُو يعلى التَّمِيمِي وتواصلت الْأَخْبَار من نَاحيَة نور الدّين بِقُوَّة عزمه على جمع العساكر والتركمان من سَائِر الْأَعْمَال والبلدان للغزو فِي أحزاب الشّرك والطغيان ولنصرة أهل عسقلان على الإفرنج النازلين عَلَيْهَا وَقد ضايقوها بالزحف إِلَيْهَا بالبرج المخذول وهم فِي الْجمع الْكثير

واقتضت الْحَال توجه مجير الدّين صَاحب دمشق إِلَى نور الدّين فِي جُمْهُور عسكره للتعاضد على الْجِهَاد فِي ثَالِث عشر محرم وَاجْتمعَ مَعَه فِي نَاحيَة الشمَال وَقد ملك نور الدّين الْحصن الْمَعْرُوف بإفليس بِالسَّيْفِ وَهُوَ فِي

ص: 288

غَايَة المنعة والحصانة وَقتل من كَانَ فِيهِ من الإفرنج والأرمن وَحصل للعسكر من المَال والسبي الشَّيْء الْكثير ونهضوا طَالِبين ثغر بانياس ونزلوا عَلَيْهِ فِي آخر صفر وَقد خلا من حماته وتسهلت أَسبَاب ملكته

وَقد تواصلت استغاثة أهل عسقلان واستنصارهم بِنور الدّين فَقضى الله تعإلى بالخلف بَينهم وَالْقَتْل وهم فِي تَقْدِير عشرَة آلَاف فَارس وراجل فأجفلوا عَنْهَا من غير طَارق من الإفرنج طرقهم وَلَا عَسْكَر رهقهم ونزلوا على الْمنزل الْمَعْرُوف بالأعوج وعزموا على معاودة النُّزُول على بانياس وَأَخذهَا ثمَّ أحجموا عَن ذَلِك من غير سَبَب وَلَا مُوجب وَتَفَرَّقُوا وَعَاد مجير الدّين إِلَى دمشق ودخلها سالما فِي نَفسه وَجُمْلَته حادي عشر ربيع الأول وَعَاد نور الدّين إِلَى حمص وَنزل بهَا فِي عسكره

ووردت الْأَخْبَار بوصول أسطول مصر إِلَى عسقلان فَقَوِيت نفوس من بهَا بِالْمَالِ وَالرِّجَال والغلال وظفروا بعدة وافرة من مراكب الفرنج فِي الْبَحْر وهم على حَالهم فِي محاصرتها ومضايقتها والزحف بالبرج إِلَيْهَا

وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى أَن تيسرت لَهُم أَسبَاب الهجوم عَلَيْهَا من بعض جَوَانِب سورها فهدموه وهجموا الْبَلَد وَقتل من الْفَرِيقَيْنِ الْخلق الْكثير وألجأت الضَّرُورَة وَالْغَلَبَة إِلَى طلب الْأمان فأجيبوا إِلَيْهِ وَخرج من أمكنة الْخُرُوج فِي الْبر وَالْبَحْر إِلَى نَاحيَة مصر وَغَيرهَا

وَقيل إِن فِي هَذَا الثغر المفتتح من العُدد الحربية وَالْأَمْوَال والميرة والغلال مَا لَا يحصر فيذكر

وَلما شاع هَذَا الْخَبَر فِي الأقطار سَاءَ سَمَاعه وَضَاقَتْ الصُّدُور وتضاعفت الأفكار بحدوث مثله فسبحان من لَا يُردُّ نَافِذ قَضَائِهِ وَلَا يُدفع محتوم أمره عِنْد نُفُوذه ومضائه

قَالَ وَعرض بَين الرئيس ابْن الصُّوفِي وَبَين أَخَوَيْهِ عز الدولة وزينها

ص: 289

مشاحنات ومشاجرات اقْتَضَت المساعاة إِلَى مجير الدّين فِي جُمَادَى الأولى فأنفذ مجير الدّين إِلَى الرئيس يستدعيه للإصلاح بَينهم فِي القلعة فَامْتنعَ من ذَلِك وَجلسَ فِي دَاره وهم بالتحصن عَنهُ بأحداث الْبَلَد والغوغاء وآلت الْحَال إِلَى تمكُّن زين الدولة مِنْهُ بمعاونة مجير الدّين عَلَيْهِ وتقرر بَينهمَا إِخْرَاج الرئيس من الْبَلَد وَجَمَاعَة إِلَى حصن صرخد مَعَ مُجَاهِد الدّين بزان واليه بعد أَن قرر لَهُ بَقَاء دَاره وبستانه وَمَا يَخُصُّهُ ويخص أَصْحَابه

وتقلد أَخُوهُ زين الدولة مَكَانَهُ وَأمر وَنهى وَنفذ الأشغال على عَادَته فِي الْعَجز وَالتَّقْصِير وَسُوء الفعال والتماس الرشا على أقل الْأَعْمَال

وَرَأى مجير الدّين عقيب ذَلِك التَّوَصُّل إِلَى بعلبك لتطييب نفس واليها عَطاء الْخَادِم واستصحابه مَعَه إِلَى دمشق لينوب عَنهُ فِي تَدْبِير الْأُمُور وَعَاد وَهُوَ مَعَه

واستشعر مُجَاهِد الدّين بزان أَن نِيَّة مجير الدّين قد تَغَيَّرت فِيهِ فاستوحش من عَوْده إِلَى الْبَلَد بِغَيْر يَمِين يحلف لَهُ بهَا على أَمَانه فِي نَفسه فوعد بالإجابة فَعَاد إِلَى دَاره بِدِمَشْق

ثمَّ هجس فِي خاطره من مجير الدّين وَأَصْحَابه مَا أوحشه مِنْهُم فَدَعَاهُ ذَلِك إِلَى الْخُرُوج من الْبَلَد سرا طَالبا صرخد فحين عرف خَبره أنهض فِي طلبه وقص أَثَره فَأدْرك وَقد قرب من صرخد فَقبض عَلَيْهِ وأعيد إِلَى القلعة بِدِمَشْق واعتقل بهَا اعتقالا جميلا

ثمَّ تجدّد من الرئيس الْوَزير حيدرة الْمُقدم ذكره اشياء ظَهرت عَنهُ مَعَ مَا فِي نفس الْملك مجير الدّين مِنْهُ وَمن أَخِيه الْمسيب من الْمعرفَة بالسعي

ص: 290

وَالْفساد مَا اقْتَضَت الْحَال استدعاءه إِلَى القلعة على حِين غَفلَة عَن الْقَضَاء النَّازِل بِهِ لسوء أَفعاله وقبح ظلمه وخبثه

ثمَّ عدل بِهِ الجانْدَارِية إِلَى الْحمام بالقلعة مستهل ذِي الْقعدَة وَضربت عُنُقه صبرا وَأخرج رَأسه وَنصب على حافة الخَنْدَق ثمَّ طيف بِهِ وَالنَّاس يلعنونه ويصفون أَنْوَاع ظلمه وتفننه فِي الْفساد ومقاسمه اللُّصُوص وقطاع الطَّرِيق على أَمْوَال النَّاس المستباحة بتقديره وتدبيره وحمايته وَكثر السرُور بمصرعه وابتهج بِهِ

ثمَّ زحفت الْعَامَّة والغوغاء وَمن كَانَ من أعوانه على الْفساد من أهل العيث إِلَى مَنَازِله وخزائنه ومخازن غلاته وأثاثه وذخائره فانتبهوا مِنْهَا مَا لَا يُحْصى وغلبوا أعوان السُّلْطَان وجنده عَلَيْهَا بِالْكَثْرَةِ فَلم يحصل للسُّلْطَان من ذَلِك إِلَّا النزر الْيَسِير

ورد أَمر الرياسة وَالنَّظَر فِي الْبَلَد إِلَى الرئيس رضىّ الدّين أَبى غَالب عبد الْمُنعم بن مُحَمَّد بن أَسد بن عَليّ التَّمِيمِي فِي الْيَوْم الْمُقدم ذكره فَطَافَ فِي الْبَلَد مَعَ أَقَاربه وَأَهله وسكنت الدّهماء وبولغ فِي إخْراب منَازِل الظَّالِم وَنقل أخشابها

قَالَ وَكَانَ عَطاء الْخَادِم قد استبد بتدبير الْأُمُور وَمد يَده فِي الظُّلم وَأطلق لِسَانه بالهجر وافرط فِي الاحتجاب وَقصر فِي قَضَاء الأشغال فَتقدم مجير الدّين باعتقاله وتقييده والاستيلاء على مَا فِي دَاره ومطالبته بِتَسْلِيم بعلبك وَمَا فِيهَا من مَال وغلال ثمَّ ضربت عُنُقه ونهبت الْعَوام والغوغاء بيُوت أَسبَابه وَأَصْحَابه

ص: 291

قَالَ وَورد الْخَبَر من نَاحيَة مصر بِأَن الْعَادِل الْمَعْرُوف بِابْن السّلار الَّذِي كَانَت رتبته قد علت ومنزلته فِي الوزارة قد تمكنت كَانَ لزوجته ولد يعرف بالأمير عَبَّاس قد قدمه وَاعْتمد عَلَيْهِ فِي الْأَعْمَال ولعباس هَذَا ولد قدمه الْوَزير وأنعم عَلَيْهِ وَأذن لَهُ فِي الدُّخُول بِغَيْر إِذن إِلَيْهِ فَدخل عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فِي فرشته فَقطع رَأسه وَحصل عّباس فِي منصب الْعَادِل ثمَّ كَانَ من أمره مَا سَيَأْتِي ذكره

قلت هُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن السّلار وَزِير خَليفَة مصر وَهُوَ الَّذِي بنى مدرسة الشّافعية بالاسكندرية لِلْحَافِظِ أَبى طَاهِر السلَفِي رحمه الله

وَكَانَ قَتله فِي سادس الْمحرم بمواطأةٍ من الْخَلِيفَة الملقب بالظافر بن الْحَافِظ

قَالَ وفيهَا فِي آخر شعْبَان توفى الْفَقِيه برهَان الدّين أَبُو الْحسن عَليّ الْبَلْخِي رَئِيس الْحَنَفِيَّة وَدفن فِي مَقَابِر الْبَاب الصَّغِير الْمُجَاورَة لقبور الشُّهَدَاء

وَكَانَ من التفقه على مذْهبه مَا هُوَ مَشْهُور شَائِع مَعَ الْوَرع

ص: 292

وَالدّين والعفاف والتصون وَحفظ ناموس الْعلم والتواضع والتودد إِلَى النَّاس على طَريقَة مرضية وسجية محمودة

قَالَ وَورد الْخَبَر من نَاحيَة حلب بوفاة الأديب أَبى الْحُسَيْن أَحْمد بن مُنِير الشَّاعِر فِي جُمَادَى الاخرة

وَوصل فِي ثَانِي عشر شعْبَان إِلَى دمشق الأديب الشَّاعِر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نصر بن صَغِير القيسراني من حلب باستدعاء مجير الدّين لَهُ وَمَات بعد عشرَة أَيَّام فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من شعْبَان

قلت هما شَاعِرًا الشَّام فِي وقتهما وَقد شبههما الْعِمَاد الْكَاتِب فِي = كتاب الخريدة = بالفرزدق وَجَرِير وَكَذَلِكَ كَانَ اتّفق مَوْتهمَا فِي سنة وَاحِدَة وَمَات جرير بعد الفرزدق بِقَلِيل وَقد سبق من شعرهما فِي مدح نور الدّين رحمه الله قصائد حَسَنَة وَسَيَأْتِي غير ذَلِك فِي مَوْضِعه لغَرَض سَنذكرُهُ

ص: 293

وَمِمَّا قَالَه ابْن مُنِير من قصيدة لَهُ

(أيا سَيْفا أعز الدّين مِنْهُ الغرار

العضب وَالنَّوْم الغرار)

(مَلَأت جوانح الاقطار رجفاً

كَأَن الأَرْض خامرها دوار)

(علاك حلى على الدُّنْيَا فتاج

بمفرقها وَفِي يَدهَا سوار)

(أَضَاءَت شمس عدلك فِي دجاها

فكلُّ زمَان ساكنها نَهَار)

(تُحرق من عصاك وَأَنت مَاء

وتغرق من رجاك وَأَنت نَار)

(أَلا لله وَجهك والمنايا

مكحلة وللبيض افترار)

(هتكت حجابه والنصر غيب

وللهبوات طي وانتشار)

(بطعن للقلوب بِهِ انتظام

وَضرب للرؤوس بِهِ انتثار)

(تبادره كَأَن الْمَوْت غنم

وَمَا من عَادَة الْبَدْر البدار)

(أنخت على الصَّلِيب مطا صليبا

بِهِ من صك مبركه هدار)

(بمشرفة المناكب مقربات

لَهُنَّ بمتن كل وغى حِصَار)

(جَنِين بإنب أنب العناصي

وإضن وللقنا مِنْهَا ثمار)

(وَفِي هاب أهْبت بهَا فَجَاءَت

كَمَا أجلى من الكشم الصوار)

(وَكم فِي فج حارم من حريمٍ

عفته فَلَا جدير وَلَا جِدَار)

(وأنطاكية استنت إِلَيْهَا

فأجفل خيطها وَله عرار)

(وصبح فِي عزاز بهَا عزاز

فأمسى وَهُوَ وعث أَو خبار)

(يشق بهَا دجى الغمرات عسفا

جواد لَا يُشق لَهُ غُبَار)

ص: 294

وَله من أُخْرَى

(وَمَا يَوْم الفرنجة مِنْك فذ

فتحصر عدّهُ خطط الْحساب)

(أجاش الْأَرْبَعَاء لَهُم خميساً

بعيد الْغَوْر ملتطم الْعباب)

(واحكم بالخطيم لَهُم خطاما

أَمر بريمه مرّ الضراب)

(مَشوا متساندين إِلَى صَلِيب

تبرقع هبوة الصمّ الصلاب)

(تُلفُّهم المنايا فِي الثنايا

وتفجؤهم شَعوبُ من الشّعاب)

(أطاشت سهم كبشهم هناة

فَكنت ذُبَاب طائشة الذّباب)

(حللت التّاج عَنهُ وَحل تاجا

مَكَان العقد من عقد الكعاب)

(أناف على الْعقَاب فَكَانَ أشهى

وأبهى مِنْهُ فِي ظلّ الْعقَاب)

(فاشرف وَهُوَ عَن شرف معوق

واصعد وَهُوَ غَايَة الأنصباب)

(تكاشره الشوامت وَهُوَ مغض

ثناه مناه عَن رَجَعَ الْجَواب)

(بَعيدا من قراع وافتراع

يؤوب لَهُ إِلَى يَوْم المآب)

(وَكم سَوط بخيلك اقبلوه الصُّدُور

فَكَانَ سَوْطًا من عَذَاب)

(تَركتهم بِأَرْض الشَّام شاما

لِظُفٍر تتقيه أَو لِنَاب)

(هتكت حجابه وَالشَّمْس وسنى

بشمس لَا توارى بالحجاب)

(بأبيض من حَبِيك الْهِنْد صافٍ

مَصُون الْمَتْن مبتذل الذّباب)

(لَهُ سمة الشُّيُوخ صفاء شيب

وَفِي خطراته نزق الشَّبَاب)

(ألَا يَا نَاظر الدُّنْيَا بِعَين

أرته علانها خدع السراب)

(تبطنها فطّلقَها ثَلَاثًا

على عزّ التملق والخلاب)

(فَلَا يأوى إِلَى رأى شَعاعٍ

وَلَا يثنى إِلَى أمل خراب)

(ترفع عَن محاورة الْأَمَانِي

وَحلق عَن محاضرة التصابي)

ص: 295

(صَلَاة الله كل ذرور شمس

على مثوى أَبِيك من التّراب)

(فقد ألْقى إِلَى الْإِسْلَام عضباً

يطّبق فِي النوائب غير نابي)

(تجيش لَهُ رَوَاسٍ كالرّواسي

تمد لَهَا جِفان كالجوابي)

وَله من أُخْرَى

(مُظفر الْعَزْم مَمْدُود الرواق على

معالم الدّين يرفيها ويبنيها)

(رد الْكَنَائِس كنسا للهدى فخبت

نَار الضلال ووارتها أثافيها)

(وَأورد الْعلم عدا من ايالته

فاستن وافتنّ عبّا فِي صوافيها)

(وَبث للشرك أشراكاً فَمَا درجت

طريدة مِنْهُ إِلَّا استوهقت فِيهَا)

(يَا بدرُ مُذْ أشرقت فِي الدست غرته

غيث الرّعية واخضلت مراعيها)

(أَقَامَ أَحْمد من محمودها علما

بِهِ استقام على الْبَيْضَاء ساريها)

(محيى شَرِيعَته من بعد مَا انْهَدَمت

واستعجمت بعد إفصاح مَعَانِيهَا)

(شابت مواهبه فِيهَا مهابته

حَتَّى اسْتَقَرَّتْ على سمت سواريها)

وَله من أُخْرَى

(عزت سيوفك فالعراق عراقها

وَالشَّام غير مدافعات شامهاً)

(إِن اغمدت حل العزائم حلهَا

أَو جردت حرم الْكرَى إحرامها)

(شجيت عداك بهَا فَلَا إشراقها

بمفازة مِنْهَا وَلَا إعتامها)

(سربت فصبحها بهَا يقظانُها

هدأت فمستها بهَا أحلامها)

(كَالْمَاءِ إِلَّا أَن فِي رشفاته

نَارا حشاشات النّفوس ضِرامها)

(خفت على أَيْمَانكُم أوزانها

يَوْم الوغى واستثقلتها هامُها)

(حَتَّى أحلن الشَّام شاما صرصرت

فِيهِ جنادبها وصدح هامها)

(ورحضن أدران الجزيرة بَعْدَمَا

غمرت بهَا وهداتها وإكامها)

ص: 296

(شطرا أبرت وَمثله أنظرته

وَقع الخطوب تكرها أَيَّامهَا)

(بالخابطات الغاب تزأر أسده

والمجفلي الْحَيّ اللقَاح صيامها)

(أوردتها أجمات أنطاكية

عنقًا وَقد شب الصدا اجمامها)

(تلقى المشافر فِي مراشف كلما

بردت بهَا الأكباد زَاد هيامها)

(فغدت وَقد عز السراح سراحها

وتوزعت فِي كنسها آرامها)

(وَمَشى الضلال الْقَهْقَرِي واستأصل الآذان

من رَجَعَ الْأَذَان صلامها)

(وَغدا يخللها الْخَيل سواحبا

عذبا يمر لَهَا الْعَذَاب غمامها)

(غَضبا لدين الله حص جنَاحه

بغيا وأدمى صفحتيه لدامها)

(فالان رد النُّور فِيهِ نوره

وانجاب من تِلْكَ الهنات ظلامها)

(مَحْمُود الْمَحْمُود اقداما إِذا

خام الكماة وزلزت أَقْدَامهَا)

(الفارج الكرب الْعِظَام تضاجمت

أشداقها وفرى الْقُلُوب ضغامها)

وَله من أُخْرَى

(اما الرعايا فَإِنَّهَا رشفت

لديك نعمى عذبا ثناياها)

(سلكت نهج الْعدْل القويم بهَا

فاحمدت دينهَا ودنياها)

(وَكم أميتت خوفًا فَأَمَّنَهَا

متالف الْخَوْف خوفك الله)

(لله اقطارك الَّتِي قطرت

لَهَا مناها إِلَى مناياها)

(أنب فِي إنب فوارسها

تردى فتردي أولاك أخراها)

(أشجت لهاة الْبُرْنُس هبوتها

وَكم عتا عاتيا فأشجاها)

(وجوسلين استساغ نطفتها

فاحتلب الذل تَحت مغداها)

(ردته صفرا من كل مَا ملكت

يَدَاهُ ايد مَا ضل مسراها)

(جويس جاستك اوجه لَا رَأَتْ

بؤسا وجاد الحيا محياها)

(فِي سَرِيَّة لَو تكون فارسها

يَوْمئِذٍ مَا انْبَعَثَ اشقاها)

(لَا زَالَ ظلّ النعماء عَن ملك

مَا الشَّمْس كُفؤًا لَهُ إِذا باهى)

ص: 297

(وَللَّه جازيه عَن معبدة

اعزها الله مذ تولاها)

(مَحْمُود المعتلى إِلَى فلك الْحَمد

وثيرا لَهُ ولاياها)

(أعطاكه جدك المتوج بالجد

وَنَفس لله مغزاها)

(نفس عزوف عَن الْخَنَا طبعت

نزهها الله يَوْم سواهَا)

(أَنْت الَّذِي سلم الْأَنَام لَهُ

يمنى طباق الْعلَا ويسراها)

(وَأَنت مولى الْمُلُوك قاطبة

من كَانَ فَنًّا خسرو شاهنشاها)

(وَالشعر هَذَا لَا قَول أَحْمَده

أوه بديل من قولتي واها)

وَله من أُخْرَى

(يَا ابْن الَّذِي لم يأل فِي نجدة الْإِسْلَام

إدلاجا وتهجيرا)

(تكنف الشَّام وَقد شام برق

الْخَوْف إنجادا وتغويرا)

(وكف كلب الرّوم من بعد أَن

أنشبه نابا وأظفورا)

(فأهله رقك إِن أنصفوا

رقا بِحَدّ السَّيْف مسطورا)

(بدر هوى واستخلف الشَّمْس فِي

دستك إشراقا وتأثيرا)

وَله من أُخْرَى

(ملك كسا الْإِسْلَام من ذبه

بردا بتدبيج الظبى معلما)

(من أصبح الشَّام بِهِ شامة

يقطر من قتل عداهُ دَمًا)

(لَو لم يقم منصلتا دونه

لم تلق فِي أقطارها مُسلما)

ص: 298

وَله يمدحه بعد مصالحة صَاحب حماة واهتمامه بالعرس وَعوده إِلَى حلب

(الدَّهْر مَا رضته بالجود والباس

مقسم بَين أغراس وأعراس)

(فتح يُعَاقِبهُ فتح ومطلب

داني المنال وَملك ثَابت راسي)

(نصرا ببصرى وصفحا عَن حماة لقد

أَحْسَنت للداء حسما أَيهَا الآسي)

(يَا ابْن الَّذِي عنت الدُّنْيَا لدولته

من فاطمي أعزته وعباسي)

وَله فِيهِ

(غَدا الدّين بِاسْمِك سامي الْعلم

أَمِين الْعِمَاد مكين الْقدَم)

(لذَلِك لقبت نورا لَهُ

وَقد أغطش الظُّلم فِيهِ الظُّلم)

(أَضَاءَت بعدلك آفاقه

وفضت عرى الدّين لما ادلهم)

(وَلم تمش رهوا لنصر الرها

وَمثلك أدْرك لما عزم)

(وَيَوْم بسوطا بسطت الْحمام

على الهضب من ركنها فانهدم)

(وَبصرى وصرخد لَو لم تثر

دراكا لكانا رَديَفْى إرم)

(ومذ فض جيشك فِي الغوطتين

فض الصَّلِيب لَهُ مَا نظم)

(وَفِي كفر لاثا وهاب حللت

عقد الْبُرْنُس ببيض خذم)

(معودة أَنَّهَا لَا تسل

إِلَّا مقمقمة للقمم)

(وَيَوْم بسرفود جرعتهم

أجاجا أغصهم وَاصْطلمَ)

(وَفَوق العريمة غشاهم

عرام جيوشك سيل العرم)

(وأبت بكلبهم فِي الكبول

مُبَاح الْحَرِيم مذال الْحرم)

(وبارتهم آذَنت أَنَّهَا

أبارتهم فليبؤوا بذم)

ص: 299

(بنوها وأعلوا وَلم يعلمُوا

بِمَا خطّ فِي اللَّوْح مِنْك الْقَلَم)

(وانك خارم مَا احكموه

وَمن ديننَا راقع مَا انخرم)

(ترفع من بعد خفض هدى

وتخفض من بعد رفع صنم)

(سمكت الْمدَارِس فَوق النُّجُوم

فكم منجم تحتهَا قد نجم)

(وعاش الحنيفي وَالشَّافِعِيّ

بِمَا شدت مِنْهَا وَكَانَا رمم)

(وَإِن لم تكن هاشمي الْأُصُول

فَإنَّك فرع الهزبر الهشم)

(وَمن يَدعِي فِي الْعلَا مَا ادعيت

وَأَنت ابْن من عز لما احتكم)

(واقسم مَا غَابَ ميت سقت

مغارسه عين هذي الشيم)

قلت وقصائد ابْن مُنِير فِي مدح نور الدّين كَثِيرَة وَنَفسه فِيهَا طَوِيل وَلم يبْق بعد موت القيسراني وَابْن مُنِير فَحل من الشُّعَرَاء يصف مَنَاقِب نور الدّين كَمَا يَنْبَغِي إِلَّا ابْن أسعد الموصلى وَسَيَأْتِي شَيْء من شعره إِلَى أَن قدم الْعِمَاد الْكَاتِب الشَّام فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فتسلم هَذَا الْأَمر وَعبر عَن أَوْصَاف نور الدّين ومناقبه وغزواته بِأَحْسَن الْعبارَات وأتمها نظما ونثرا وَسَيَأْتِي كل ذَلِك فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى

قَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي هَذِه السّنة توفّي صَاحب ماردين حسام الدّين تمرتاش ووليها بعده نجم الدّين ألبي بن تمرتاش ابْن أرتق قلت وَقد مدحه القيسراني والعرقلة وَغَيرهمَا من الشُّعَرَاء

ص: 300