الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي سنة ثَلَاث وَخمسين سَار الْملك مُحَمَّد بن السُّلْطَان مَحْمُود فحصر بَغْدَاد وَبهَا الْخَلِيفَة المقتفى لأمر الله وَمَعَهُ وزيره عون الدّين بن هُبَيْرَة فكاتب أَصْحَاب الْأَطْرَاف فتحركوا وَوصل الْخَبَر إِلَى الْملك مُحَمَّد بِأَن أَخَاهُ ملكشاه قصد همذان ودخلها فِي عَسْكَر كَبِير ونهبها وَأخذ نسَاء الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه وَأَوْلَادهمْ فاختلط الْعَسْكَر وَتَفَرَّقُوا وَعَاد مُحَمَّد نَحْو همذان وَخرج أهل بَغْدَاد فنهبوا أَوَاخِر الْعَسْكَر المنقطعين وشعثوا دَار السُّلْطَان
قلت وَفِي هَذِه السّنة توفى أَبُو الْوَقْت عبد الأول الْمُحدث الْمُنْفَرد بعلو رِوَايَة = كتاب الْجَامِع الصَّحِيح = للْبُخَارِيّ رَحمَه الله تَعَالَى
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مئة
قَالَ أَبُو يعلى فِي أول يَوْم مِنْهَا وافت زَلْزَلَة عَظِيمَة ضحى نَهَاره وتلاها ثِنْتَانِ دونهَا
وَكَانَ قد عرض لنُور الدّين مرض تزايد بِهِ بِحَيْثُ أَضْعَف قوته وَوَقع الإرجاف بِهِ من حساد دولته والمفسدين من عوام رَعيته وارتاعت الرعايا وأعيان الأجناد وَضَاقَتْ صُدُور قطان الثغور والبلاد خوفًا عَلَيْهِ وإشفاقا من سوء يصل إِلَيْهِ لَا سِيمَا مَعَ أَخْبَار الرّوم والفرنج وَلما أحس من نَفسه بالضعف تقدم إِلَى خَواص أَصْحَابه وَقَالَ لَهُم إِنَّنِي قد عزمت على وَصِيّه إِلَيْكُم بِمَا قد وَقع فِي نَفسِي فكونوا لَهَا سَامِعين مُطِيعِينَ وبشروطها عاملين
إِنِّي مُشفق على الرعايا وكافة الْمُسلمين مِمَّن يكون بعدى من الْوُلَاة الْجَاهِلين والظلمة الجائرين فَإِن أخي نصْرَة الدّين أعرف من أخلاقه وَسُوء أَفعاله مَا لَا أرتضي مَعَه بتوليته أمرا من أُمُور الْمُسلمين وَقد وَقع اخْتِيَاري على أخي الْأَمِير قطب الدّين مودود مُتَوَلِّي الْموصل لما يرجع إِلَيْهِ من عقل وسداد وَدين وَصِحَّة اعْتِقَاد
فَحَلَفُوا لَهُ وأنفذ رسله إِلَى أَخِيه بإعلامه صُورَة الْحَال ليَكُون لَهَا مستعدا
ثمَّ تفضل الله تَعَالَى بإبلاله من الْمَرَض وتزايد الْقُوَّة فِي النَّفس والحس وَجلسَ للدخول إِلَيْهِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ
وَكَانَ الْأَمِير مجد الدّين النَّائِب فِي حلب قد رتب فِي الطرقات من يحفظ السالكين فِيهَا فظفر الْمُقِيم فِي منبج بِرَجُل حمال من أهل دمشق وَمَعَهُ كتب فأنفذ بهَا إِلَى مجد الدّين مُتَوَلِّي حلب فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا أَمر بصلب متحملها وأنفذها فِي الْحَال إِلَى نور الدّين فَوَجَدَهَا من أَمِين الدّين زين الْحَاج أَبى الْقَاسِم مُتَوَلِّي ديوانه وَمن عز الدّين وَالِي القلعة مَمْلُوكه وَمن مُحَمَّد بن جفرى أحد حجابه إِلَى أَخِيه نصْرَة الدّين أَمِير أميران صَاحب حران بإعلامه بِوُقُوع الْيَأْس من أَخِيه ويحضونه على الْمُبَادرَة والإسراع إِلَى دمشق لتسلم إِلَيْهِ
فَلَمَّا عرف نور الدّين ذَلِك عرض الْكتب على أَرْبَابهَا فَاعْتَرفُوا بهَا فَأمر باعتقالهم وَكَانَ رابعهم سعد الدّين
عُثْمَان وَكَانَ قد خَافَ فهرب قبل ذَلِك بيومين
وَورد فِي الْحَال = كتاب صَاحب قلعة جعبر = يخبر بِقطع نصْرَة الدّين الْفُرَات مجدا إِلَى دمشق فأنهض أَسد الدّين فِي الْعَسْكَر الْمَنْصُور لرده وَمنعه من الْوُصُول فاتصل بِهِ خبر عوده إِلَى مقره عِنْد مَعْرفَته بعافية أَخِيه فَعَاد أَسد الدّين إِلَى دمشق ووصلت رسل الْملك الْعَادِل من نَاحيَة الْموصل بِجَوَاب مَا تَحملُوهُ إِلَى أَخِيه قطب الدّين وفارقوه وَقد برز فِي عسكره مُتَوَجها إِلَى نَاحيَة دمشق فَلَمَّا فصل عَن الْموصل اتَّصل بِهِ خبر عافيته فَأَقَامَ بِحَيْثُ هُوَ وأنفذ وزيره جمال الدّين أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ لكشف الْحَال فوصل إِلَى دمشق يَوْم السبت الثَّامِن من صفر فِي أحسن زِيّ وأبهى تجمل وَخرج إِلَى لِقَائِه الْخلق الْكثير
قَالَ وَهَذَا الْوَزير قد ألهمه الله تَعَالَى من جميل الْأَفْعَال وَحميد الْخلال وكرم النَّفس وإنفاق أَمْوَاله فِي أَبْوَاب الْبر والصلات وَالصَّدقَات ومستحسن الْآثَار فِي مَدِينَة الرَّسُول عليه السلام وَمَكَّة ذَات الْحرم وَالْبَيْت الْمُعظم شرفه الله تَعَالَى مَا قد شاع ذكره وتضاعف عَلَيْهِ حَمده وشكره وَاجْتمعَ مَعَ نور الدّين وَجرى بَينهمَا من المفاوضات والتقريرات مَا انْتهى إِلَى عوده إِلَى جِهَته بعد الْإِكْرَام لَهُ وتوفيتة حَقه من الاحترام وأصحبه برسم قطب الدّين أَخِيه وخواصه من الملاطفة مَا اقتضته الْحَال الْحَاضِرَة وَتوجه مَعَه الامير أَسد الدّين
وَقَالَ ابْن أَبى طي لما وصل الْوَزير جمال الدّين إِلَى حلب تَلقاهُ