الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
أصل الْبَيْت الأتابكي هُوَ قسيم الدولة آق سنقر جد نور الدّين رحمه الله فنذكره وَمَا تمّ فِي أَيَّامه ثمَّ نذْكر وَلَده زنكي وَمَا تمّ فِي أَيَّامه ثمَّ نذْكر وَلَده مَحْمُود بن زنكي ثمَّ نذْكر مَا بعده وَهِي الدولة الصلاحية الأيوبية وَمَا تمّ فِي أَيَّامهَا فَنَقُول
كَانَ آق سنقر تركيا من أَصْحَاب السُّلْطَان ركن الدّين ملكشاه بن ألب أرسلان وَهُوَ عَم دقاق بن تتش بن ألب أرسلان الَّذِي كَانَ سُلْطَان دمشق وقبره بقبة الطواويس بهَا بنتهَا والمشهد والدته وَكَانَ السُّلْطَان ملكشاه من جملَة الْمُلُوك السلجوقية المتغلبين على الْبِلَاد بعد نَبِي بويه بالعراق فَكَانَ قسيم الدولة من أَصْحَابه وأترابه وَمِمَّنْ رَبِّي مَعَه فِي صغره وَاسْتمرّ فِي صحبته إِلَى حِين كبره
فَلَمَّا أفضت السلطنة إِلَيْهِ بعد أَبِيه جعله من أَعْيَان أمرائه وَمن أخص أوليائه وَاعْتمد عَلَيْهِ فِي مهماته وَزَاد قدره علوا إِلَى أَن صَار يتقيه مثل نظام الْملك الْوَزير مَعَ تحكمه على السُّلْطَان وتمكنه من المملكة
فَأَشَارَ نظام الْملك على السُّلْطَان أَن يولي آق سنقر مَدِينَة حلب
وأعمالها وَأَرَادَ بذلك أَن يبعده عَن خدمَة السُّلْطَان ويتخذ عِنْده بذلك يدا
قَالَ ابْن الْأَثِير وَمن الدَّلِيل على علو مرتبته تلقبه قسيم الدولة وَكَانَت الألقاب حِينَئِذٍ مصونة لَا تُعْطى إِلَّا لمستحقيها
وَفِي سنة سبع وَسبعين وَأَرْبع مئة سير السُّلْطَان ملكشاه الْوَزير فَخر الدولة بن جهير وَزِير الْخَلِيفَة إِلَى ديار بكر ليتملكها وسير عميد الدولة بن فَخر الدولة بن جهير وَكَانَ زوج ابْنة نظام الْملك إِلَى الْموصل وسير مَعَه جَيْشًا عَظِيما وَجعل الْمُقدم على الْجَيْش قسيم الدولة آق سنقر
فَسَارُوا نَحْو الْموصل ولقيهم فِي الطَّرِيق الْأَمِير أرتق التركماني جد مُلُوك الْحصن وماردين فاستصحبوه مَعَهم فحصروا الْموصل وصالحوا من بهَا وتسلموها وَسَار صَاحبهَا إِلَى السُّلْطَان فَردهَا عَلَيْهِ وَكَانَت يَوْمئِذٍ لأحد أُمَرَاء بني عقيل وَهُوَ شرف الدولة مُسلم بن قُرَيْش بن بدران الْعقيلِيّ وَكَانَ ملكة من السندية بالعراق على نهر عِيسَى إِلَى منبج وَمَا بَينهمَا من الْبِلَاد الفراتية كهيت والأنبار وَغَيرهَا وَملك الْموصل وديار بكر والجزيرة بأسرها وَملك مَدِينَة حلب وَكَانَ عادلا حسن السِّيرَة عَظِيم السياسة وَاتفقَ أَن وَقع بَينه وَبَين صَاحب أنطاكية وَذَلِكَ أَن أنطاكية كَانَ الرّوم قد استولوا عَلَيْهَا سنة ثَمَان وَخمسين وَثَلَاث مئة وَلم يزَالُوا بهَا إِلَى هَذِه السّنة فَفَتحهَا
سُلَيْمَان بن قتلمش وَهُوَ جد الْملك غياث الدّين كيخسرو صَاحب قونية وَغَيرهَا
وَكَانَ لشرف الدولة صَاحب حلب على صَاحب أنطاكية الرُّومِي جِزْيَة يَأْخُذهَا كل سنة فَانْقَطَعت عَنهُ بِسَبَب أَخذ سُلَيْمَان الْبَلَد فَأرْسل شرف الدولة يطْلب مِنْهُ مَا كَانَ يَأْخُذهُ من الرّوم ويهدده فَقَالَ أَنا فِي طَاعَتك وَهَذَا الْفَتْح بسعادتك وَالْخطْبَة وَالسِّكَّة لَك وَلست بِكَافِر حَتَّى أُعْطِيك مَا كنت تَأْخُذهُ من الرّوم
فلج شرف الدولة فى طلب المَال فَالْتَقَيَا فَقتل شرف الدولة وَانْهَزَمَ عسكره وَسَار سُلَيْمَان إِلَى حلب فحصرها وَسَار إِلَيْهَا من دمشق تَاج الدولة تتشن بن ألب أرسلان أَخُو السُّلْطَان ملكشاه
فَالتقى عَسْكَر تتش وَسليمَان فَقتل سُلَيْمَان وَانْهَزَمَ عسكره وَملك تتش مَدِينَة حلب دون القلعة فَأرْسل أهل القلعة إِلَى ملكشاه ليسلموها إِلَيْهِ وَهُوَ يَوْمئِذٍ بالرها وَكَانَ سَبَب مسيره إِلَيْهَا أَن ابْن عطير النميري كَانَ قد بَاعهَا من الرّوم بِعشْرين ألف دِينَار وَسلمهَا إِلَيْهِم فَدَخَلُوهَا وأخربوا الْمَسَاجِد وأجلوا الْمُسلمين عَنْهَا
فَسَار ملكشاه إِلَيْهَا فِي هَذِه السّنة فحصرها وَفتحهَا واقطعها للأمير بزان فَلَمَّا أَتَاهُ رسل أهل قلعة حلب بِالتَّسْلِيمِ سَار إِلَيْهِم فَلَمَّا بلغ
مسيره إِلَى أَخِيه تَاج الدولة رَحل عَن حلب إِلَى دمشق وَوصل السُّلْطَان إِلَى حلب وبالقلعة سَالم بن مَالك بن بدران الْعقيلِيّ وَهُوَ ابْن عَم شرف الدولة فسلمها إِلَى السُّلْطَان بعد قتال وَأَعْطَاهُ السُّلْطَان عوضا عَنْهَا قلعة جعبر وَكَانَ قد ملكهَا فِي هَذِه السفرة من صَاحبهَا جعبر النميري وَكَانَ شَيخا كَبِيرا أعمى فَبَقيت بيد سَالم وَأَوْلَاده إِلَى أَن أَخذهَا مِنْهُم الْملك الْعَادِل نور الدّين كَمَا سَيَأْتِي
فَلَمَّا ملك السُّلْطَان حلب أرسل إِلَيْهِ الْأَمِير نصر بن عَليّ بن الْمُقَلّد بن منقذ الْكِنَانِي صَاحب شيزر وَدخل فِي طَاعَته وَسلم إِلَيْهِ اللاذقية وفامية وكفرطاب
ثمَّ إِن نظام الْملك أَشَارَ على السُّلْطَان بِتَسْلِيم حلب وأعمالها وحماة ومنبج واللاذقية وَمَا مَعهَا إِلَى قسيم الدولة آق سنقر فأقطعه الْجَمِيع وَبقيت فِي يَده إِلَى أَن قتل سنة سبع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة كَمَا سَيَأْتِي
وأقطع السُّلْطَان مَدِينَة أنطاكية للأمير ياغي سغان
وَلما اسْتَقر قسيم الدولة فِي الشَّام ظَهرت كِفَايَته وحمايته وهيبته فِي جَمِيع بِلَاده
ثمَّ إِن السُّلْطَان استدعاه إِلَى الْعرَاق فَقدم إِلَيْهِ فِي تجمل عَظِيم لم يكن فِي عَسْكَر السُّلْطَان من يُقَارِبه فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ وَعظم مَحَله عِنْده ثمَّ أمره بِالْعودِ إِلَى حلب فَعَاد إِلَيْهَا