الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي وَفَاة معِين الدّين أنر بِدِمَشْق وَمَا كَانَ من الرئيس ابْن الصُّوفِي فِي هَذِه السّنة
قَالَ أَبُو يعلى التَّمِيمِي فصل معِين الدّين من عسكره بحَوْرَان وَوصل إِلَى دمشق فِي أَوَاخِر ربيع الأول لأمر أوجب ذَلِك ودعا إِلَيْهِ وأمعن فِي الاكل فَلحقه عقيب ذَلِك انطلاق تَمَادى بِهِ وَحمله اجْتِهَاده فِيمَا يدبره على الْعود إِلَى عسكره بِنَاحِيَة حوران وَهُوَ على هَذِه الصّفة من الانطلاق وَقد زَاد بِهِ وضعفت قوته وتولد مَعَه مرض فِي الكبد فَأوجب الْحَال عوده إِلَى دمشق فِي محفة لمداواته فوصل وَقضى نحبه فِي لَيْلَة الثَّالِث وَالْعِشْرين من ربيع الآخر وَدفن فِي إيوَان الدَّار الأتابكية الَّتِى كَانَ يسكنهَا ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى الْمدرسَة الَّتِى عمرها
قلت قَبره فِي قبَّة بمقابر العوينة شمَالي دَار بطيخ الْآن واسْمه مَكْتُوب على بَابهَا فَلَعَلَّهُ نقل من ثمَّ إِلَيْهَا
وَفِيه يَقُول الْأَمِير مؤيد الدولة أُسَامَة بن منقذ وَكتب إِلَيْهِ من مصر لمّا لقى الفرنج فِي أَرض بصرى وصرخد مَعَ نور الدّين وَقد تقدم ذَلِك كتب إِلَيْهِ قصيدة يَقُول فِيهَا
(كل يَوْم فتح مُبين وَنصر
…
واعتلاء على الأعادي وقهر)
(صدق النَّعْت فِيك أَنْت معِين الدّين
…
إِن النعوت فأل وزجر)
(أَنْت سيف الْإِسْلَام حَقًا فَلَا فل
…
غراريك ايها السّيفُ دهر)
(لم تَزل تُضمر الْجِهَاد مُسِرَّا
…
ثمَّ أعلنت حِين أمكن جهر)
(كل ذخر الْمُلُوك يفنى وذخراك
…
هما الباقيان أجر وشكر)
قَالَ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع رَجَب قرئَ المنشور المنشأ عَن مجير الدّين بعد الصَّلَاة على الْمِنْبَر بِإِبْطَال الفسة المستخرجة من الرّعية وَإِزَالَة حكمهَا وتعفية رسمها وَإِبْطَال دَار الضَّرْب فَكثر دُعَاء النَّاس لَهُ وشكرهم
قَالَ واستوحش الرئيس مؤيد الدولة من مجير الدّين استيحاشاً أوجب جمع من أمكنه من سُفَهَاء الْأَحْدَاث والغوغاء وَحَملَة السِّلَاح من الجهلة الْعَوام وترتيبهم حول دَاره وَدَار أَخِيه زين الدولة حيدرة للاحتماء بهم من مَكْرُوه يتم عَلَيْهِمَا وَذَلِكَ فِي ثَالِث عشر رَجَب
وَوَقعت المراسلات من مجير الدّين بِمَا يسكنهَا ويطيب أَنفسهمَا فَمَا وثقا بذلك وجدا فِي الْجمع والاحتشاد من الْعَوام وَبَعض الأجناد وأثارا الْفِتْنَة فقصدوا بَاب السجْن وكسروا أغلاقه وأطلقوا من فِيهِ واستنفروا جمَاعَة من أهل الشاغور
وَغَيرهم وقصدوا الْبَاب الشَّرْقِي وفعلوا مثل ذَلِك وحصلوا فِي جمع كثير وامتلأت بهم الْأَزِقَّة والدروب
فحين عرف مجير الدّين وَأَصْحَابه هَذِه الصُّورَة اجْتَمعُوا فِي القلعة بِالسِّلَاحِ الشاك وَأخرج مَا فِي خزائنه من السِّلَاح وَالْعدَد وَفرقت على العسكرية وعزموا على الزَّحْف على جمع الأوباش والإيقاع بهم والنكاية فيهم فَسَأَلَ جمَاعَة من المقدمين التمهل فِي هَذَا الْأَمر وَترك العجلة بِحَيْثُ تحقن الدِّمَاء وَيسلم الْبَلَد من النهب والحريق وألحوا عَلَيْهِ إِلَى أَن أجَاب سُؤَالهمْ
وَوَقعت المراسلة والتلطف فِي إصْلَاح ذَات الْبَين فَاشْترط الرئيس وَأَخُوهُ شُرُوطًا أجيبا إِلَى بَعْضهَا واعرض عَن بعض بِحَيْثُ يكون ملازما لداره وَيكون وَلَده وَولد أَخِيه فِي الْخدمَة فِي الدِّيوَان وَلَا يركب إِلَى القلعة إِلَّا مستدعي إِلَيْهَا وتقررت الْحَال على ذَلِك وسكنت الدهماء
ثمَّ حدث بعد هَذَا التَّقْرِير عود الْحَال إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من العناد وإثارة الْفساد وَجمع الْجمع الْكثير من الأجناد والمقدمين والرعاع والفلاحين وَاتَّفَقُوا على الزَّحْف إِلَى القلعة وَحصر من بهَا وَطلب من عين عَلَيْهِ من الْأَعْدَاء الْأَعْيَان فِي أَوَاخِر رَجَب ونشبت الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ وجرح وَقتل بَينهم نفر يسير وَعَاد كل فريق مِنْهُم إِلَى مَكَانَهُ
وَوَافَقَ ذَلِك هروب السلار زين الدّين إِسْمَاعِيل الشّحْنَة وأخيه إِلَى نَاحيَة بعلبك وَلم تزل الْفِتْنَة ثائرة والمحاربة مُتَّصِلَة إِلَى أَن اقْتَضَت الصُّورَة إبعاد من التمس إبعاده من خَواص مجير الدّين وسكنت الْفِتْنَة وأطلقت أَيدي النهابة فِي دَار السلارين
وأصحابهما وعمهما النهب والخراب ودعت الضَّرُورَة إِلَى تطييب نفس الرئيس وأخيه وَالْخلْع عَلَيْهِمَا وإعادة الرئيس إِلَى الوزارة والرياسة بِحَيْثُ لَا يكون لَهُ فِي ذَلِك معترض وَلَا مشارك
قلت وَفِي هَذِه الْفِتْنَة يَقُول العرقلة
(ذَر الأتراك والعربا
…
وَكن فِي حزب من غلبا)
(بجلق أَصبَحت فتنٌ
…
تجر الويل والحربا)
(لَئِن تمت فوا أسفا
…
وَلم تخرب فوا عجبا)
وَقَالَ فِي الرئيس لما زحف إِلَى القلعة
(زد علوا فِي الْمجد يَا ابْن عَليّ
…
هَكَذَا من أَرَادَ أَن يتعالى)
(قد حوى الدّين يَا مؤيده مِنْك
…
هزبرا وديمة وهلالا)
(وغدت جلق تناديك عجبا هَكَذَا هَكَذَا وَإِلَّا فَلَا لَا)
(جبتها فِي الظلام خيلا ورجلا
…
وحميت النُّفُوس والأموالا)
(لن تبالى من بعْدهَا بعدوّ
…
إِنَّمَا ذَاك كَانَ قطعا فزالا)
(قد بلغت المُرَاد من كل ضد
…
وَكفى الله الْمُؤمِنِينَ الْقِتَاَلا)
قَالَ أَبُو يعلى التَّمِيمِي وفيهَا ورد الْخَبَر من نَاحيَة مصر بوفاة الْمُسْتَخْلف بهَا الملقب بِالْحَافِظِ واسْمه عبد الْمجِيد بن الْأَمِير أبي الْقَاسِم بن الْمُسْتَنْصر فِي خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة وَولى الْأَمر بعده وَلَده الْأَصْغَر أَبُو مَنْصُور إِسْمَاعِيل ولقب بالظافر وَولي الوزارة أَمِير الجيوش أَبُو الْفَتْح بن مصال المغربي