الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأَمْر الله فَجْأَة وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم عبد الله ابْن الْأَمِير مُحَمَّد بن الْقَائِم بِأَمْر الله وعمره تسع وَثَلَاثُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَسَبْعَة أَيَّام وَكَانَت خِلَافَته تسع عشرَة سنة وَخَمْسَة أشهر وَأمه تركية وبويع من بعده وَلَده المستظهر بِاللَّه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد
ويلقب مُحَمَّد بن الْقَائِم وَالِد الْمُقْتَدِي بِاللَّه الذَّخِيرَة مَاتَ فِي حَيَاة أَبِيه فَلم يل الْخلَافَة
ذكر أَخْبَار زنكي
وَالِد نور الدّين رحمهمَا الله تَعَالَى على طَرِيق الِاخْتِصَار فِي فُصُول إِلَى حِين وَفَاته
ثمَّ نذْكر أَخْبَار نور الدّين على تَرْتِيب السنين
لما قتل قسيم الدولة آق سنقر لم يخلف من الْأَوْلَاد غير وَاحِد وَهُوَ عماد الدّين زنكي وَالِد نور الدّين وَكَانَ حِينَئِذٍ صَبيا لَهُ من الْعُمر نَحْو عشر سِنِين فَاجْتمع عَلَيْهِ مماليك وَالِده وَأَصْحَابه وَفِيهِمْ زين الدّين عَليّ وَهُوَ صبي أَيْضا ثمَّ إِن الْأَمِير كربوقا خلص من السجْن بعد قتل تَاج الدولة سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة وَتوجه إِلَى حران وَقد اجْتمع مَعَه عَسْكَر صَالح فملكها ثمَّ سَار إِلَى نَصِيبين فملكها ثمَّ إِلَى الْموصل فملكها وأزال عَنْهَا عَليّ بن شرف الدولة الْعقيلِيّ وَسَار نَحْو ماردين فملكها وَعظم شَأْنه وَهُوَ فِي طَاعَة ركن الدولة بكيارق
فَلَمَّا ملك الْبِلَاد أحضر مماليك قسيم الدولة آق سنقر وَأمرهمْ بإحضار
عماد الدّين زنكي وَقَالَ هُوَ ابْن أخي وَأَنا أولى النَّاس بتربيته فأحضروه عِنْده فأقطعهم الإقطاعات السّنيَّة وجمعهم على عماد الدّين زنكي واستعان بهم فِي حروبه وَكَانُوا من الشجَاعَة فِي أَعلَى درجاتها
فَلم يزَالُوا مَعَه فَتوجه بهم إِلَى آمد وصاحبها من أُمَرَاء التركمان فاستنجد بِمعين الدّين سقمان بن أرتق جد صَاحب الْحصن فكسرهم قوام الدولة كربوقا وَهُوَ أول مصَاف حَضَره زنكي بعد قتل وَالِده وَلم يزل مَعَ كربوقا إِلَى أَن توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وَأَرْبع مئة
وَملك بعده مُوسَى التركماني فَلم تطل مدَّته وَقتل
وَملك الْموصل شمس الدولة جكرمش وَهُوَ أَيْضا من مماليك السُّلْطَان ملكشاه فَأخذ زنكي فقربه وأحبه واتخذه ولدا لمعرفته بمكانة وَالِده فبقى مَعَه إِلَى أَن قتل سنة خمس مئة فَلَا جرم أَن زنكي رعى هَذَا لجكرمش لما ملك الْموصل وَغَيرهَا من الْبِلَاد فَإِنَّهُ أَخذ وَلَده نَاصِر الدّين كوري فَأكْرمه وَقدمه واقطعه إقطاعا كثيرا وَجعل مَنْزِلَته أَعلَى الْمنَازل عِنْده واتخذه صهراً ثمَّ ملك الْموصل بعد جكرمش جاولى سقاوه فاتصل بِهِ عماد الدّين زنكي وَقد كبر وَظَهَرت عَلَيْهِ أَمَارَات السَّعَادَة والشهامة وَلم يزل مَعَه حَتَّى عصى على السُّلْطَان مُحَمَّد
وَكَانَ جاولي قد عبر إِلَى الشَّام ليملكه من الْملك فَخر الْملك رضوَان فَأرْسل السُّلْطَان إِلَى
الْموصل الْأَمِير مودودا واقطعه إِيَّاهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَخمْس مئة
فَلَمَّا اتَّصل الْخَبَر بجاولي فَارقه زنكي وَغَيره من الْأُمَرَاء
فَلَمَّا اسْتَقر مودود بالموصل واتصل بِهِ زنكي أكْرمه وَشهد مَعَه حروبه فَسَار مودود إِلَى الْغُزَاة بِالشَّام فَفتح فِي طَرِيقه قلاعا لَهُم من شبختان كَانَت للفرنج وَقتل من كَانَ بهَا مِنْهُم
ثمَّ سَار إِلَى الرها فحصرها وَلم يفتحها فَرَحل وَعبر الْفُرَات فحصر تل بَاشر خَمْسَة وَأَرْبَعين يَوْمًا ثمَّ سَار إِلَى معرة النُّعْمَان فحصرها ثمَّ حضر عِنْده أتابك طغتكين صَاحب دمشق فَسَار إِلَى طبرية وحاصروها وقاتلوها قتالا شَدِيدا وَظهر من أتابك زنكي شجاعة لم يسمع بِمِثْلِهَا مِنْهَا أَنه كَانَ فِي نفر وَقد خرج الفرنج من الْبَلَد فَحمل عَلَيْهِم هُوَ وَمن مَعَه وَهُوَ يظنّ أَنهم يتبعونه فَتَخَلَّفُوا عَنهُ وَتقدم وَحده وَقد انهزم من بِظَاهِر الْبَلَد من الفرنج فَدَخَلُوا الْبَلَد وَوصل رمحه إِلَى الْبَاب فأثر فِيهِ وَقَاتلهمْ عَلَيْهِ وبقى ينْتَظر وُصُول من كَانَ مَعَه فَحَيْثُ لم ير أحدا حمى نَفسه وَعَاد سالما فَعجب النَّاس من إقدامه أَولا وَمن سَلَامَته آخرا
ثمَّ التقى الْجَمْعَانِ فَهزمَ الفرنج لعنهم الله ووصلوا إِلَى مضيق دون طبرية فاحتموا بِهِ وجاءتهم نجدة فَأذن الْأَمِير مودود للعسكر فِي الرُّجُوع إِلَى بِلَادهمْ والاجتماع إِلَيْهِ فِي الرّبيع
فَلَمَّا تفَرقُوا دخل دمشق وَأقَام بهَا فَخرج يَوْمًا يُصَلِّي الْجُمُعَة فَلَمَّا صلاهَا وَخرج إِلَى صحن الْجَامِع وَيَده بيد طغتكين وثب عَلَيْهِ إِنْسَان فَضَربهُ بسكين مَعَه فجرحه أَربع جراحات وَكَانَ صَائِما فَحمل إِلَى دَار طغتكين واجتهد بِهِ ليفطر فَلم يفعل وَقَالَ
لَا لقِيت الله إِلَّا صَائِما فإننى ميت لَا محَالة سَوَاء أفطرت أَو صمت
وَتُوفِّي فِي بَقِيَّة يَوْمه رحمه الله
فَقيل إِن الباطنية بِالشَّام خافوه فَقَتَلُوهُ وَقيل بل خافه طغتكين فَوضع عَلَيْهِ من يقْتله وَكَانَ خيرا عادلا حسن السِّيرَة
قَالَ ابْن الْأَثِير فحدثنى وَالِدي رحمه الله قَالَ كتب ملك الفرنج إِلَى طغتكين إِن أمه قتلت عميدها يَوْم عيدها فِي بَيت معبودها لحقيق على الله أَن يبيدها
فَلَمَّا قتل الْأَمِير مودود أقطع السُّلْطَان الْبِلَاد الْموصل وَغَيرهَا للأمير جيوش بك وسير مَعَه وَلَده الْملك مَسْعُود إِلَى الْموصل
ثمَّ إِنَّه جهز آق سنقر البرسقي فِي العساكر وسيره إِلَى قتال الفرنج وَكتب إِلَى عَسَاكِر الْموصل وَغَيرهَا يَأْمُرهُم بِالْمَسِيرِ مَعَه فَسَارُوا وَفِيهِمْ عماد الدّين زنكي وَكَانَ يعرف فِي عَسَاكِر الْعَجم بزنكي الشَّامي فَسَار البرسقي إِلَى الرها فِي خَمْسَة عشر ألف فَارس فحصرها وَقَاتل من بهَا من الفرنج والأرمن وَضَاقَتْ الْميرَة عَن الْعَسْكَر فَرَحل إِلَى سميساط وَهِي أَيْضا للفرنج فأخرب بَلَدهَا وبلد سروج وَعَاد إِلَى شبختان فأخرب مَا فِيهِ للفرنج
وأبلى زنكي فِي هَذِه المواقف كلهَا بلَاء حسنا ثمَّ عَادَتْ العساكر تَتَحَدَّث بِمَا فعله وَعَاد البرسقي إِلَى بَغْدَاد وَأقَام زنكي بالموصل مَعَ الْملك مَسْعُود والأمير جيوش بك إِلَى سنة أَربع عشرَة وَخمْس مئة وَقد علا قدره وَظهر اسْمه