الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفهمه مَا يُنكر عَلَيْهِ إِلَى حِين وَفَاته وَخَلفه من بعده أَوْلَاده فِي منصبه وولايته
قَالَ وَورد إِلَى دمشق إِمَام من أَئِمَّة فُقَهَاء بَلخ فِي عنفوان شبابه وغضارة عوده مَا رَأَيْت أفْصح من لِسَانه ببلاغتيه الْعَرَبيَّة والفارسية وَلَا أسْرع من جَوَابه ببراعته وَلَا أطيش مِنْهُ قَلما فِي كِتَابَته أَبُو الْحَيَاة مُحَمَّد بن أَبى الْقَاسِم بن عمر السّلمِيّ وَوعظ فِي جَامع دمشق عدَّة أَيَّام وَالنَّاس يستحسنون وعظه ويستظرفون فنه وسلاطة لِسَانه وَسُرْعَة جَوَابه وحدة خاطره وصفاء حسه
قَالَ ابْن الْأَثِير وفيهَا فِي ذِي الْحجَّة توفّي الْأَمِير عز الدّين أَبُو بكر الدبيسى صَاحب جَزِيرَة ابْن عمر وَكَانَ من أكَابِر الْأُمَرَاء ياخذ نَفسه ماخذ الْمُلُوك وَكَانَ عَاقِلا حازما ذَا رَأْي وَكيد ومكر وَملك الجزيرة قطب الدّين مودود بن زنكي صَاحب الْموصل أَخُو نور الدّين
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مئة
قَالَ الرئيس أَبُو يعلى فِي أَوَائِل الْمحرم تناصرت الْأَخْبَار من نَاحيَة الفرنج المقيمين بِالشَّام خذلهم الله تَعَالَى بمضايقتهم لحصن حارم
ومواظبتهم على رميه بحجارة المجانيق إِلَى ان ضعف وَملك بِالسَّيْفِ وتزايد طمعهم فِي شن الغارات فِي الْأَعْمَال الشامية وَإِطْلَاق الْأَيْدِي فِي العيث وَالْفساد فِي معاقلها وضياعها بِحكم تفرق العساكر الإسلامية وَالْخلف الْوَاقِع بَينهم باشتغال نور الدّين بعقابيل الْمَرَض الْعَارِض لَهُ وَللَّه الْمَشِيئَة الَّتِي لَا تدافع والأقضية الَّتِي لَا تمانع
وَقَالَ وَفِي صفر ورد الْخَبَر والمبشر بنزول نور الدّين من حلب للتوجه إِلَى دمشق وَاتفقَ للكفرة الملاعين تَوَاتر الطمع فِي شن الغارات على أَعمال حوران والإقليم وَإِطْلَاق أَيدي الْفساد والعيث والإحراق والإخراب فِي الضّيَاع والنهب والسبي والأسر وَقصد داريا وَالنُّزُول عَلَيْهَا فِي انسلاخ صفر وإحراق منازلها وجامعها والتناهي فِي إخرابها وَظهر إِلَيْهِم العسكرية والأحداث وهموا بقصدهم والإسراع إِلَى لقائهم وكفهم فمنعوا من ذَلِك بعد أَن قربوا مِنْهُم وَحين شَاهد الْكفَّار خذلهم الله تَعَالَى كَثْرَة الْعدَد الظَّاهِر إِلَيْهِم رحلوا فِي آخر النَّهَار الْمَذْكُور إِلَى نَاحيَة الإقليم
وَوصل نور الدّين إِلَى دمشق وَحصل فِي قلعته سادس ربيع الأول سالما فِي نَفسه وَجُمْلَته وَلَقي بِأَحْسَن زِيّ وترتيب وتجمل واستبشر الْعَالم بمقدمه المسعود وابتهجوا وبالغوا فِي شكر الله تَعَالَى على سَلَامَته وعافيته وَالدُّعَاء لَهُ بدوام أَيَّامه وَشرع فِي تَدْبِير أَمر الأجناد وَالتَّأَهُّب للْجِهَاد
قَالَ وَفِي أَوَائِل ربيع الأول ورد الْخَبَر من نَاحيَة مصر بِخُرُوج فريق
وافر من عسكرها إِلَى غَزَّة وعسقلان وأغاروا على أَعمالهَا وَخرج إِلَيْهِم من كَانَ بهما من الفرنج الملاعين فأظهر الله تَعَالَى الْمُسلمين عَلَيْهِم قتلا وأسرا بِحَيْثُ لم يفلت مِنْهُم إِلَّا الْيَسِير وغنموا مَا ظفروا بِهِ وعادوا سَالِمين ظافرين
وَقيل إِن مقدم الْغُزَاة فِي الْبَحْر ظفر بعدة من مراكب الْمُشْركين وَهِي مشحونة بالفرنج فَقتل واسر مِنْهُم الْعدَد الْكثير وَحَازَ من أَمْوَالهم وعددهم وأثاثهم مَا لَا يكَاد يُحْصى وَعَاد ظافرا غانما
قلت وَأرْسل إِلَى مؤيد الدولة أُسَامَة بن منقذ من مصر وزيرها الْملك الصَّالح أَبُو الغارات طلائع بن رزيك قصيدة يشْرَح فِيهَا حَال هَذِه الْغُزَاة ويحرض فِيهَا نور الدّين على قتال الْمُشْركين ويذكره بِمَا من الله تَعَالَى عَلَيْهِ من العافيه والسلامة من تِلْكَ المرضة الْمُقدم ذكرهَا وَكَانَ كثيرا مَا يكاتبه طَالبا مِنْهُ إِعْلَام نور الدّين بالغزاة لحثه عَلَيْهَا وَأول هَذِه القصيدة
(إِلَّا هَكَذَا فِي الله تمضى العزائم
…
وتنضى لَدَى الْحَرْب السيوف الصوارم)
(وتستنزل الْأَعْدَاء من طود عزهم
…
وَلَيْسَ سوى سمر الرماح سلالم)
(وتغزى جيوش الْكفْر فِي عقر دارها
…
ويوطا حماها والأنوف رواغم)
(ويوفي الْكِرَام الناذرون بنذرهم
…
وَإِن بذلت فِيهَا النُّفُوس الكرائم)
(نذرنا مسير الْجَيْش فِي صفرٍ فَمَا
…
مضى نصفة حَتَّى انثنى وَهُوَ غَانِم)
(بَعَثْنَاهُ من مصر إِلَى الشَّام قَاطعا
…
مفاوز وخد العيس فِيهِنَّ دَائِم)
(فَمَا هاله بعد الديار وَلَا ثنى
…
عزيمته جهد الظما والسمائم)
(يهجر والعصفور فِي قَعْر وَكره
…
ويسري إِلَى الْأَعْدَاء وَاللَّيْل نَائِم)
(تباري خيولا مَا تزَال كانها
…
إِذا مَا هِيَ انْقَضتْ نسور قشاعم)
(يسير بهَا ضرغام فِي كل مأزق
…
وَمَا يصحب الضرغام إِلَّا الضراغم)
(ورفقته عين الزَّمَان وحاتم
…
وَيحيى وَإِن لَاقَى الْمنية حَاتِم)
(وواجههم جمع الفرنج بحملة
…
تهون على الشجعان فِيهَا الهزائم)
(فلقوهم زرق الاسنة وانطووا
…
عَلَيْهِم فَلم يرجع من الْكفْر ناجم)
(وَمَا زَالَت الْحَرْب الْعوَان اشدها
…
إِذا مَا تلاقي الْعَسْكَر المتضاجم)
(يشبههم من لَاحَ جمعهمُ لَهُ
…
بلجة بَحر موجها متلاطم)
(وعادوا إِلَى سل السيوف فَقطعت
…
رُؤُوس وحزت للفرنج غَلَاصِم)
(فَلم ينج مِنْهُم يَوْم ذَاك مخبر
…
وَلَا قيل هَذَا وَحده الْيَوْم سَالم)
(نقتلهم بِالرَّأْيِ طورا وَتارَة
…
تدوسهم منا المذاكى الصلادم)
(فَقولُوا لنُور الدّين لَا فل حَده
…
وَلَا حكمت فِيهِ اللَّيَالِي الغواشم)
(تجهز إِلَى أَرض الْعَدو وَلَا تهن
…
وَتظهر فتورا إِن مَضَت مِنْك حارم)
(فَمَا مثلهَا تبدي احتفالا بِهِ وَلَا
…
تعض عَلَيْهَا للملوك الاباهم)
(فعندك من الطاف رَبك مَا بِهِ
…
علمنَا يَقِينا انه بك رَاحِم)
(اعادك حَيا بعد إِن زعم الورى
…
بانك قد لاقيت مَا الله حَاتِم)
(بِوَقْت أصَاب الأَرْض مَا قد أَصَابَهَا
…
وحلت بهَا تِلْكَ الدَّوَاهِي العظائم)
(وخيم جَيش الْكفْر فِي أَرض شيزر
…
فسيقت سَبَايَا واستحلت محارم)
(وَقد كَانَ تَارِيخ الشآم وهلكه
…
وَمن يحتويه أَنه لَك عادم)
(فَقُمْ واشكر الله الْكَرِيم بنهضه
…
إِلَيْهِم فَشكر الله لِلْخلقِ لَازم)
(فَنحْن على مَا قد عهِدت نروعهم
…
ونحلف جهدا أننا لَا نسالم)
(وغاراتنا لَيست تفتر عَنْهُم
…
وَلَيْسَ يُنجى الْقَوْم منا الهزائم)
(فاسطولنا اضعاف مَا كَانَ سائرا
…
إِلَيْهِم فَلَا حصن لَهُم مِنْهُ عَاصِم)
(وَنَرْجُو بِأَن نجتاح باقيهم بِهِ
…
وتحوى الْأُسَارَى مِنْهُم والغنائم)
وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا
(يَا سيدا يسمو بهمته
…
إِلَى الرتب العليه)
(فينال مِنْهَا حِين يحرم
…
غَيره أوفى مزيه)
(أَنْت الصّديق وَإِن بَعدت
…
وَصَاحب الشيم الرضيه)
(ننبيك إِن جيوشنا
…
فعلت فعال الْجَاهِلِيَّة)
(سَارَتْ إِلَى الْأَعْدَاء من
…
أبطالها مئتا سريه)
(فَتغير هذي بكرَة
…
وتعاود الْأُخْرَى عشيه)
(فالويل مِنْهَا للفرنج
…
فقد لقوا جهد البليه)
(جَاءَت رؤوسهم تلوح
…
على رُؤُوس السمهريه)
(وقلائع قد قسمت
…
بَين الْجنُود على السويه)
(وخلائق كثرت من الأسرى
…
تقاد إِلَى المنيه)
(فانهض فقد أنبيت مجد
…
الدّين بِالْحَال الجليه)
(والمم بِنور الدّين واعلمه
…
بهاتيك القضيه)
(فَهُوَ الَّذِي مَا زَالَ يخلص
…
مِنْهُ أفعالا ونيه)
(ويبيد جمع الْكفْر بالبيض
…
الرّقاق المشرفيه)
(فعساه ينْهض نهضه
…
يفنى بهَا تِلْكَ البقيه)
(إِمَّا لنُصرة دينه
…
أَو مُلكه أَو للحمية)
وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا
(أَيهَا المنقذي لأَنْت على الْبعد
…
صديق لنا وَنعم الصّديق)
(لَيْسَ فِيمَا نأتيه من بر أفعالك
…
للطَّالِب الْحُقُوق عقوق)
(فَلهَذَا نرى مُوَاصلَة الْكتب
…
تباعا إِلَيْك مِمَّا يَلِيق)
(ونناجيك بالمهمات إِذْ أَنْت
…
بإلقائها إِلَيْك خليق)
(وأهم المهم أَمر جِهَاد الْكفْر
…
فاسمع فعندنا التَّحْقِيق)
(وأصلتهم منا السَّرَايَا فأشجاهم
…
بكور منا لَهُم وطروق)
(وأباحت دِيَارهمْ فأباد الْقَوْم
…
قتل ملازم وحريق)
(وَانْتَظرْنَا بزحفنا برْء نور الدّين
…
علما منا بِأَن سيفيق)
(وَهُوَ الْآن فِي أَمَان من الله
…
وَمَا يَعْتَرِيه أَمر يعوق)
(مَا لهَذَا المهم مثلك مجد الدّين
…
فانهض بِهِ فانت حقيق)
(قل لَهُ لَا عداهُ رَأْي وَلَا زَالَ
…
لَدَيْهِ لكل خير طَرِيق)
(أَنْت فِي حسم دَاء طاغية الْكفَّار
…
ذَاك المرجو والمرموق)
(فاغتنم بِالْجِهَادِ أجرك كي يلقى
…
رَفِيقًا لَهُ وَنعم الرفيق)
فَأَجَابَهُ أُسَامَة بقصيدة مِنْهَا
(يَا أَمِير الجيوش مَا زَالَ لِلْإِسْلَامِ
…
وَالدّين مِنْك ركن وثيق)
(أسمعت دَعْوَة الْجِهَاد فلباها
…
مليك بالمكرمات خليق)
(ملك عَادل أنار بِهِ الدّين
…
فَعم الْإِسْلَام مِنْهُ الشروق)
(مَا لَهُ عَن جهاده الْكفْر وَالْعدْل
…
وَفعل الْخيرَات شغل يعوق)
(هُوَ مثل الحسام صدر صقيل
…
لين مَسّه وحد ذليق)
(ذُو أَنَاة يخالها الغر إهمالا
…
وفيهَا حتف الأعادى المحيق)
(فاسلما لِلْإِسْلَامِ كهفين مَا طرز
…
ثوب الظلام برق خفوق)
وَكتب الصَّالح إِلَيْهِ أَيْضا
(قل لِابْنِ منقذ الَّذِي
…
قد حَاز فِي الْفضل الكمالا)
(فَلذَلِك قد أضحى الْأَنَام
…
على مكارمه عيالا)
(كم قد بعثنَا نَحْوك الْأَشْعَار
…
مسرعة عجالا)
(وصددت عَنْهَا حِين رامت
…
من محاسنك الوصالا)
(هلا بذلت لنا مقَالا
…
حِين لم تبذل فعالا)
(مَعَ أننا نوليك صبرا
…
فِي الْمَوَدَّة واحتمالا)
(ونبثك الْأَخْبَار إِن
…
أضحت قصاراً أَو طوَالًا)
(سَارَتْ سرايانا لقصد
…
الشَّام تعتسف الرمالا)
(تزجي إِلَى الْأَعْدَاء جرد
…
الْخَيل أتباعا توالى)
(تمْضِي خفافا للمغار
…
بهَا وتأتينا ثقالا)
(حَتَّى لقد رام الأعادي
…
من دِيَارهمْ ارتحالا)
(وعَلى الوعيرة معشر
…
لم يعهدوا فِيهَا القتالا)
(لما نأت عَمَّن يحف
…
بهَا يَمِينا أَو شمالا)
(نهضت إِلَيْهَا خَيْلنَا
…
من مصر تحْتَمل الرجالا)
(وَالْبيض لامعة وبيض
…
الْهِنْد والاسل النهالا)
(فغدت كَانَ لم يعهدوا
…
فِي أرْضهَا حَيا حَلَالا)
(هَذَا وَفِي تل العجول
…
ملأن بالقتلى التلالا)
إِذْ مر مرى لَيْسَ يلوي
…
نَحْو رفقته اشتغالا)
(وَاسْتَاقَ عسكرنا لَهُ
…
أَهلا يُحِبهُمْ ومالا)
(وسرية ابْن فريج الطَّائِي
…
طَال بهَا وصالا)
(سَارَتْ إِلَى أَرض الْخَلِيل
…
فَلم تدع فِيهَا خلالا)
(فَلَو أَن نور الدّين يَجْعَل
…
فعلنَا فيهم مِثَالا)
(ويسير الأجناد جَهرا
…
كي ينازلهم نزالا)
(ووفى لنا وَلأَهل دولته
…
بِمَا قد كَانَ قَالَا)
(لرأيت للافرنج طرا
…
فِي معاقلها اعتقالا)
(وتجهزوا للسير نَحْو
…
الغرب أَو قصدُوا الشمالا)
(وَإِذا أَبى إِلَّا اطراحا
…
للنصيحة واعتزالا)
(عدنا بِتَسْلِيم الْأُمُور
…
لحكم خالقنا تَعَالَى)
فاجابه ابْن منقذ بقصيدة مِنْهَا
(يَا اشرف الوزراء أَخْلَاقًا
…
وَأكْرمهمْ فعالا)
(نبهت عبدا طالما
…
نبهته قدرا وَحَالا)
(وعتبته فأنلته
…
فخرا ومجدا لن ينالا)
(لَكِن ذَاك العتب يشعل
…
فِي جوانحه اشتعالا)
(أسفا لجد مَال عَنهُ
…
إِلَى مساءته ومالا)
(أما السَّرَايَا حِين ترجع
…
بعد خفتها ثقالا)
(فكذاك عَاد وُفُود بابك
…
مثقلين ثَنَا ومالا)
(ومسيرها فِي كل أَرض
…
تبتغي فِيهَا المجالا)
(فكذاك فضلك مثل عدلك
…
فِي الدنا سارا وجالا)
(فَاسْلَمْ لنا حَتَّى نرى
…
لَك فِي بني الدُّنْيَا مِثَالا)
(وَاشْدُدْ يَديك بود نور
…
الدّين والق بِهِ الرجالا)
(فَهُوَ المحامي عَن بِلَاد
…
الشَّام جمعا أَن تذالا)
(ومبيد أَمْلَاك الفرنج
…
وجمعهم حَالا فحالا)
(ملك يتيه الدَّهْر وَالدُّنْيَا
…
بدولته اختيالا)
(جمع الْخلال الصَّالِحَات
…
فَلم يدع مِنْهَا خلالا)
(فَإِذا بدا للناظرين
…
رَأَتْ عيونهم الكمالا)
(فبقيتما للْمُسلمين
…
حمى وللدنيا جمالا)
وَكتب إِلَيْهِ الصَّالح فِي القصيدة الْمُقدم ذكرهَا فِي الزلازل
(ولعمري إِن المناصح فِي الدّين
…
على الله أجره مَحْسُوب)
(وَجِهَاد الْعَدو بِالْفِعْلِ وَالْقَوْل
…
على كل مُسلم مَكْتُوب)
(وَلَك الرُّتْبَة الْعلية فِي الْأَمريْنِ
…
مذ كنت إِذْ تشب الحروب)
(أَنْت فِيهَا الشجاع مَا لَك فِي الطعْن
…
وَلَا فِي الضراب يَوْمًا ضريب)
(وَإِذا مَا حرضت فالشاعر المفلق
…
فِيمَا تَقوله والخطيب)
(وَإِذا مَا أَشرت فالحزم لَا يُنكر
…
أَن التَّدْبِير مِنْك مُصِيب)
(لَك رَأْي يقظان إِن ضعف الرَّأْي
…
على حاملى الصَّلِيب صَلِيب)
(فانهض الْآن مسرعا فبأمثالك
…
مَا زَالَ يدْرك الْمَطْلُوب)
(الق منا رِسَالَة عِنْد نور الدّين
…
مَا فِي إلقائها مَا يريب)
(قل لَهُ دَامَ ملكه وَعَلِيهِ
…
من لِبَاس الإقبال برد قشيب)
(أَيهَا الْعَادِل الَّذِي هُوَ للدّين
…
شباب وللحروب شبيب)
(وَالَّذِي لم يزل قَدِيما عَن الْإِسْلَام
…
بالعزم مِنْهُ تجلى الكروب)
(وَغدا مِنْهُ للفرنج إِذا لاقوه
…
يَوْم من الزَّمَان عصيب)
(إِن يرم نزف حقدهم فلأشطان
…
قناة فِي كل قلب قليب)
(غَيرنَا من يَقُول مَا لَيْسَ يمضيه
…
بِفعل وَغَيْرك المكذوب)
(قد كتبنَا إِلَيْك مَا وضح الْآن
…
بِمَاذَا عَن الْكتاب تجيب)
(قصدنا أَن يكون منا ومنكم
…
أجل فِي مسيرنا مَضْرُوب)
(فلدينا من العساكر مَا ضَاقَ
…
بأدناهم الفضاء الرحيب)
(وعلينا أَن يستهل على الشَّام
…
مَكَان الغيوث مَال صبيب)
(أَو ترَاهَا مثل الْعَرُوس ثراها
…
كُله من دم العدى مخضوب)
(لطنين السيوف فِي فلق الصُّبْح
…
على هام أَهلهَا تطريب)
(ولجمع الحشود من كل حصن
…
سلب مهمل لَهُم ونهوب)
(وبحول الْإِلَه ذَاك وَمن غَالب
…
رَبِّي فَإِنَّهُ مغلوب)
وَكتب إِلَيْهِ أَيْضا
(أَيهَا السائر الْمجد إِلَى الشَّام
…
تبارى ركابه والخيول)
(خُذ على بَلْدَة بهَا دَار مجد الدّين
…
لَا ريع ربعهَا المأهول)
(وتعرف أخباره واقره منا
…
سَلاما فِيهِ العتاب يجول)
(قل لَهُ أَنْت نعم ذخر الصّديق الْيَوْم
…
لكنك الصّديق الملول)
(مَا ظننا بِأَن حالك فِي الْقرب
…
وَلَا الْبعد بالملال يحول)
(لَا كتاب وَلَا جَوَاب وَلَا قَول
…
بِهِ لليقين منا حُصُول)
(غير أَنا نواصل الْكتب إِذْ قصر
…
مِنْك الْبر الْكَرِيم الْوُصُول)
(ذاكرين الْفَتْح الَّذِي فتح الله
…
علينا فالفضل مِنْهُ جميل)
(جَاءَنَا بعد مَا ذَكرْنَاهُ فِي كتب
…
أَتَاكُم بِهن منا رَسُول)
(أَن بعض الأسطول نَالَ من الإفرنج
…
مَا لَا يَنَالهُ التأميل)
(سَار فِي قلَّة وَمَا زَالَ بِاللَّه
…
وَصدق النيات ينمي الْقَلِيل)
(وبقايا الأسطول لَيْسَ لَهُ بعد
…
إِلَى جَانب الشَّام وُصُول)
(فحوى من عكآ وأنطرسوس
…
عدَّة لم يحط بهَا التَّحْصِيل)
(جمع ديوية بهم كَانَت الإفرنج
…
تسطو على الورى وتصول)
(قيد فِي وَسطهمْ مقدمهم مهدى
…
إِلَيْنَا وجيده مغلول)
(بعد مثوى جمَاعَة هَلَكُوا بِالسَّيْفِ
…
مِنْهَا الغريق والمفلول)
(هَذِه نعْمَة الْإِلَه وتعديد
…
أيادي الْإِلَه شَيْء يطول)
(أبلغن قَوْلنَا إِلَى الْملك الْعَادِل
…
فَهُوَ المرجو والمأمول)
(قل لَهُ كم تماطل الدّين فِي الْكفَّار
…
فأحذر أَن يغْضب الممطول)
(سر إِلَى الْقُدس واحتسب ذَاك فِي الله
…
فبالسير مِنْك يشفى الغليل)
(وَإِذا مَا أَبْطَا مسيرك فَالله
…
إِذا حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل)
فَأَجَابَهُ أُسَامَة بقصيدة مِنْهَا
(يَا أَمِير الجيوش يَا أعدل الْحُكَّام
…
فِي فعله وَفِيمَا يَقُول)
(أَنْت حليت بالمكارم أهل الْعَصْر
…
حَتَّى تعرف الْمَجْهُول)
(وَقسمت الفرنج بالغزو شطرين
…
فَهَذَا عان وَهَذَا قَتِيل)
(بَالغ العَبْد فِي النِّيَابَة والتحريض
…
وَهُوَ المفوه المقبول)
(فَرَأى من عَزِيمَة الْغَزْو مَا كَادَت
…
لَهُ الأَرْض وَالْجِبَال تميل)
(وَإِذا عاقت الْمَقَادِير فَالله
…
إِذا حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل)
وَكتب الصَّالح إِلَيْهِ جَوَابا قصيدته الطائية الَّتِي أَولهَا
(هِيَ الْبَدْر لَكِن الثريا لَهَا قرط
…
وَمن أنجم الجوزاء فِي نحرها سمط)
ثمَّ قَالَ بعد وصف السيوف
(ذخرنا سطاها للفرنج لِأَنَّهَا
…
بهم دون أهل الأَرْض أَجْدَر أَن تسطو)
(وَقد كاتبوا فِي الصُّلْح لَكِن جوابهم
…
بحضرتنا مَا تنْبت الْخط لَا الْخط)
(سطور خُيُول لَا تغب دِيَارهمْ
…
بهَا بالمواضي والقنا الشكل والنقط)
(إِذا أرْسلت فرعا من النَّقْع فاحما
…
أثيثا فأسنان الرماح لَهَا مشط)
(رددنا بِهِ ابْن الفنش عَنَّا وَإِنَّمَا
…
يُثبتهُ فِي سَرْجه الشد والربط)
(فَقولُوا لنُور الدّين لَيْسَ لجائف الْجِرَاحَات
…
إِلَّا الكي فِي الطِّبّ والبط)
(وحسم أصُول الدَّاء أولى بعاقل
…
لَبِيب إِذا استولى على المدنف الْخَلْط)
(فدع عَنْك ميلًا للفرنج وهدنة
…
بهَا أبدا يخطي سواهُم وَلم يخطوا)
(تَأمل فكم شَرط شرطت عَلَيْهِم
…
قَدِيما وَكم غدر بِهِ نقض الشَّرْط)
(وشمر فَإنَّا قد أعنا بِكُل مَا
…
سَأَلت وجهزنا الجيوش وَلنْ يبطوا)
قَالَ الْعِمَاد فِي = كتاب الخريدة = الصَّالح أَبُو الغارات طلائع بن رزيك سُلْطَان مصر فِي زمَان الفائز وَأول زمَان العاضد ملك مصر وَاسْتولى على أَمر صَاحب الْقصر ونفق فِي زَمَانه النّظم والنثر وَقرب الْفُضَلَاء واتخذهم جلساء ورحل إِلَيْهِ ذَوُو الرَّجَاء وأفاض على الداني والقاصي الْعَطاء
وَله قصائد كَثِيرَة مستحسنة نفذها إِلَى الشَّام يذكر فِيهَا قِيَامه بنصر الْإِسْلَام وَمَا يصدق أحد أَن ذَلِك شعره لجودته وإحكام مباني حكمته وأقسام مَعَاني