الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فانصر أولياءك على اعدائك إيش فضول مَحْمُود فِي الْوسط يُشِير إِلَى أَنَّك يَا رب إِن نصرت الْمُسلمين فدينك نصرت فَلَا تمنعهم النَّصْر بِسَبَب مَحْمُود إِن كَانَ غير مُسْتَحقّ للنصر
وَبَلغنِي أَنه قَالَ اللَّهُمَّ انصر دينك وَلَا تنصر مَحْمُودًا من هُوَ مَحْمُود الْكَلْب حَتَّى ينصر وَجرى بِسَبَب ذَلِك مَنَام حسن نذكرهُ فِي أَخْبَار سنة خمس وَسِتِّينَ عِنْد رحيل الفرنج عَن دمياط بعد نزولهم عَلَيْهَا وَهَذَا فتح عَظِيم وَنصر عَزِيز أنعم الله بِهِ على نور الدّين وَالْمُسْلِمين مَعَ أَن جَيْشه عامئذ كَانَ مِنْهُ طَائِفَة كَبِيرَة بِمصْر مَعَ شيركوه كَمَا سبق وَهَذَا من عَجِيب مَا وَقع وَاتفقَ
فصل
فِي ذكر وَزِير الْموصل جمال الدّين الْجواد الممدح ووفاته فِي هَذِه السّنة رَحمَه الله تَعَالَى
وَقد ذكره الْعِمَاد الْكَاتِب فِي مَوَاضِع من مصنفاته وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء عَظِيما حسنا
فمما ذكره فِي كِتَابه الموسوم = بنصرة الفترة وعصرة الْفطْرَة فِي أَخْبَار الوزراء السلجوقية = أَن قَالَ ذكر جمال الدّين أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور
كَانَ وَالِده من أصفهان يدعى الْكَامِل عَليّ وَهُوَ صَاحب الْوَزير شمس المُلك بن نظام الْملك وَكَانَ أَبوهُ أَبُو مَنْصُور
فهّاداً فِي عهد السُّلْطَان ملكشاه بن ألب أرسلان وَابْنه الْكَامِل أديب لَبِيب وزادت أَيَّامه فِي السمو وايامنه فِي النمو حَتَّى تنافس فِي استخدامه الْمُلُوك والوزراء واستضاءت بِرَأْيهِ فِي الْحَوَادِث الآراء
وَقد كَانَ زوّج بِنْتا لَهُ بِبَعْض أَوْلَاد أخوال الْعَزِيز يَعْنِي عَم الْعِمَاد الْكَاتِب قَالَ فَاشْتَمَلَ لذَلِك الْعَزِيز رَحمَه الله تَعَالَى على وَلَده جمال الدّين ابي جَعْفَر مُحَمَّد وخرجه فِي الْأَدَب ودرجه فِي الرتب فَأول مَا رتبه فِي ديوَان الْعرض السلطاني المحمودي وَغلب فِي تحليته ذكر الأبلج فنعته الأتراك بالأبلج واستقام فِي نجابته على الْمنْهَج
وَاتفقَ انه لما تولى زنكي بن آق سنقر الشَّام تزوج بِامْرَأَة الْأَمِير كندغدي وَوَلدهَا خاصبك بن كندغدي من أُمَرَاء الدولة وَأَبْنَاء المملكة وَهُوَ يسير مَعهَا فرتبه الْعَزِيز لخاصبك وزيرا فَسَار فِي الصُّحْبَة وَكَانَ مقبل الوجاهة مَقْبُول الفكاهة شهي الهشاشة بهي البشاشة فتوفرت منى زنكي على منادمته وَقصر صباحه ومساءه على مساهمته وعول عَلَيْهِ فِي آخر عمره فِي إشراف ديوانه وَزَاد المَال وزان الْحَال بتمكينه ومكانه فَلم يظْهر لجمال الدّين فِي زمَان زنكي جود وَلَا عرف لَهُ مَوْجُود فَإِنَّهُ كَانَ يقتنع بأقواته وتزجية أوقاته وَيرْفَع جَمِيع مَا يحصل لَهُ إِلَى خزانَة زنكي اسْتِبْقَاء لجاهه واستعلاء بِهِ على اشباهه فمكنه زنكي من أَصْحَاب ديوانه فَمنهمْ من استنصر بإساءته وَمِنْهُم من انْتفع بإحسانه
وَلما قتل زنكي صَار للدولة الأتابكية ملاذا وللبيت الآق سنقري معَاذًا
واستوزره الْأَمِير غَازِي بن زنكي وآزره عَليّ كوجك على وزارته وَحلف لَهُ على مظاهرته ومظافرته
وَجرى بَين جمال الدّين الْوَزير وَبَين زين الدّين عَليّ كوجك وَبَين سيف الدّين غَازِي التعاقد على التعاضد والتعاهد على التساعد وَتَوَلَّى جمال الدّين وزارة الْموصل وَاسْتولى فَعَاشَ بنداه الْجُود وعشا إِلَى نَادِيه الْوُفُود وعادت بِهِ الْموصل قبْلَة الإقبال وكعبة الآمال فأنارت مطالع سعوده وسارت فِي الْآفَاق صنائع جوده وَعمر الْحَرَمَيْنِ الشريفين وَشَمل بِالْبرِّ أهلهما وَجمع بالأمن شملهما وأجرى بَحر السماح ونادى حيّ على الْفَلاح فصاحت بأفضاله أَلْفَاظ الفصاح وَأتوا إِلَيْهِ من كل فج عميق وَقصد من كل بلد سحيق وقصده العظماء ومدحه الشُّعَرَاء
وَمِمَّنْ وَفد إِلَيْهِ أَبُو الفوارس سعد بن مُحَمَّد بن الصيفي الْمَعْرُوف بحيص بيص
قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ فِيهِ قصيدة أَولهَا
(يَا للصوارم والرماح الذبل
…
نصرا وَمن أنجدتما لم يخذل)
(لَو شئتما ومشيئة بِمَشِيئَة
…
جاد الزَّمَان وبالعلا لم يبخل)
(فاقني فخارك يَا مجاشع واعلمي
…
أَنِّي لكم من همتي فِي جحفل)
(أَنا فَارس الْيَوْمَيْنِ يَوْم مقَالَة
…
ووغى أصُول بصارمي وبمقولي)
(ظلمت فضائلي المقاول مِثْلَمَا
…
ظلمت جمال الدّين مأوى العُيَّل)
(مدحوه كي يحووا مَنَاقِب نَفسه
…
فَطَمَتْ فسالت بالمدائح من عل)
(فَأتيت ابذل مَا اسْتَطَعْت وَمن يرد
…
نقل الخضم إِلَى المزادة يخجل)
(شمس من الْإِحْسَان عَم ضياؤها
…
بل آيَة جَاءَت بِحجَّة مُرْسل)
(يُعْطي الجزيل لسائلي معروفه
…
ويجود بالنعمى إِذا لم يسْأَل)
(وتزيده شوس الخطوب طلاقة
…
فَيكون أبسم مَا يرى فِي المعضل)
(ثقُلت بِهِ الْأَعْنَاق من منن الندى
…
فالهام مطرقة لذاك المثقل)
(فَإِذا تلاقي النَّاس كَانَ حَدِيثهمْ
…
عَن كل جفن بالحجالة مسدل)
(أسراء مَعْرُوف الْوَزير فكلهم
…
عاف ترَاهُ مُطلقًا كمكبل)
(من سَمَرْقَنْد إِلَى تهَامَة شَاهد
…
فضل الْجمال على الحيا المتهلل)
(السحب تمطر مَا تظل وجوده
…
يسري وَدَار مقَامه بالموصل)
(وتقر عين مُحَمَّد بِمُحَمد
…
محيي دريسي علمه والمنزل)
(معمار مرقده وحافظ دينه
…
ومعين أمته بجود مُسبل)
(جعل الْمَدِينَة مصر ريف آهلا
…
نشوان يمرح بالنعيم المخضل)
(فَكَأَنَّهَا بِالْخصْبِ من قرباته
…
بلد على شط الْفُرَات السلسل)
(فَلَو انه فِي عصره نزلت لَهُ
…
فِي مدحه سُور الْكتاب الْمنزل)
(عبد أخٌ فِي ضَيفه ووداده
…
لَا يَسْتَحِيل وَسيد فِي المحفل)
(خرق يناط قَمِيصه وَرِدَاؤُهُ
…
بعباب زخار وهضبة يذبل)
وَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب وَكنت أَنا فِي ذَلِك الْعَهْد متفقها بِبَغْدَاد وَاتفقَ حضوري بالموصل فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة فَحَضَرت عِنْد جمال الدّين بالجامع فِي جمعتين وتكلمت عِنْده مَعَ الْفُقَهَاء فِي مَسْأَلَتَيْنِ
وَمِمَّا مدحته بِهِ قصيدة أَولهَا
(أظنهم وَقد عزموا ارتحالا
…
ثنوا عَنَّا جمالا لَا جمالا)
(سروا وَالصُّبْح مبيضٌ الْحَوَاشِي
…
فَلَمَّا حَال عهد الْوَصْل حَالا)
(هم اعتادوا الملال فَكيف ملوا
…
وصالهم وَمَا ملوا الملالا)
(أحادي عيسهم بِاللَّه رفقا
…
فَإِن السّير اورثها الكلالا)
(وعُج نَحْو الْأَرَاك بهَا فَإِنِّي
…
أرَاهُ لِاجْتِمَاع الشمل فالا)
(سقى صوب الحيا تلعات نجد
…
وحيَّا بالحمى تِلْكَ التلالا)
(سقى صوب الحيا تلعات نجد
…
وَحيا بالحمى تِلْكَ التلالا)
(أخلائي وَهل فِي النَّاس خل
…
بِهِ أُخْلي من الأحزان بَالا)
(لَئِن لم أشف صَدْرِي من حسودي
…
وَلم أذق العدى دَاء عضالاً)
(فَلَا أدْركْت من أدبي مرَادا
…
وَلَا صادفت من حسبي منالا)
(وَلَا وخدت إِلَيْكُم بِي جِمال
…
وَلَا واليت مَوْلَانَا الجَمالا)
(هُوَ المغنى إِذا مَا الْمَرْء أقوى
…
هُوَ المنجي إِذا مَا الْخطب هالا)
(وقائلة أَفِي الدُّنْيَا كريم
…
سواهُ فَقلت لَا وَأبي الْعلَا لَا)
(أطلت على الورى كرما وفخرا
…
كَذَلِك من حوى هذَيْن طالا)
(وحزت الْمجد عَن كسب وإرث
…
فيا صدر الورى حزت الكمالا)
(خصصت بِكُل منقبة وَفضل
…
تَعَالَى من حباك بِهِ تَعَالَى)
قلت وَقد أَكثر الشُّعَرَاء فِي مدحه مِنْهُم العرقلة لَهُ من قصيدة
(يهوى تجنيه والصدود كَمَا
…
يهوى الْمَعَالِي مُحَمَّد بن عَليّ)
(جمال دين الْإِلَه خير فَتى
…
للرزق أقلامه وللأجل)
(معطي الْقرى والقرى لقاصده
…
من غير من وَالْخَيْل والخول)
(مثل فتوح الْفَارُوق نائله
…
شرقا وغربا فِي السهل والجبل)
(من قَالَ لم يحو ذَا ويسكن ذِي
…
اصبح مِمَّا يَقُول فِي خجل)
(مُحَمَّد حَاتِم الْكِرَام كَمَا
…
سميه كَانَ خَاتم الرُّسُل)
وَفِيه يَقُول أَحْمد بن مُنِير من قصيدة
(كسا الْحَرَمَيْنِ لبسة عبد شمس
…
وهَاشِم غرتي نسل الْخَلِيل)
(وللبلد الْأمين أجدَّ أمنا
…
تكنَّف مثله جدث الرَّسُول)
(عشيتم يَا وُلَاة الْأَمر عمَّا
…
أتيح لَهُ من الْأَثر الْجَمِيل)
(وطار لَهَا وأشفقتم فَشد الْيَدَيْنِ
…
على عُرى الْمجد الأثيل)
(بيُوت بالحجاز مقدسات
…
رَمَاهَا الدَّهْر بالخطب الْجَلِيل)
(وَكَانَ أذا لَهُنَّ فصاب صونا
…
لمن آوته من ولد البتول)
(مآثر باقيات يَوْم يجنى الْمقَال
…
ويجتنى طيب المقيل)
(وَكم للموصل الحدباء مِمَّا
…
تُنيل يَدَاهُ من ريف ونيل)
(بَرُود الصفح ملتهب الْحَوَاشِي
…
مهيب الْبَطْش فرَّاس الدُّخُول)
وَلأبي الْمجد بن قسيم الْحَمَوِيّ فِيهِ من قصيدة
(أغر تبصر مِنْهُ النَّاس فِي رجل
…
وَاللَّيْث فِي بشر والبدر فِي غضن)
(سما بهمتَّه فِي المكرمات إِلَى
…
علياء تقصر عَنْهَا همة الزَّمن)
(يلقاك واضحَ ليل الْفِكر رَاجِح نيل
…
الْكَفّ طاهرَ ذيل السِّرّ والعلن)
(ماضي الْعَزِيمَة مَيْمُون النقيبة رئبال
…
الكتيبة عين الْقَائِل اللسن)
(إِذا تكلم واستجليت غرته
…
فِي محفل رحت حَالي الْعين وَالْأُذن)
(كَأَن فِي الدست مِنْهُ حِين تنظره
…
شمس النَّهَار وَصوب الْعَارِض الهتن)
قَالَ ابْن الْأَثِير وَفِي شعْبَان من هَذِه السّنة وَهِي سنة تسع وَخمسين وَخمْس مئة توفّي الْوَزير جمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور الْأَصْفَهَانِي وَكَانَ قد خدم الشَّهِيد فولاه نَصِيبين وَظَهَرت كِفَايَته فأضاف إِلَيْهِ الرحبة فأبان عَن كِفَايَة وعفة وَكَانَ من خواصه فَجعله مشرف مَمْلَكَته كلهَا وَحكمه تحكيما لَا مزِيد عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ وَزِير الشَّهِيد وَالْحَاكِم فِي بِلَاده ضِيَاء الدّين بن الكَفَرْتُوثي يَحْكِي عَن جمال الدّين قَالَ كَانَ يدْخل إِلَى الشَّهِيد أتابك قبلي وَيخرج بعدِي
وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن قتل الشَّهِيد ثمَّ وزر لوَلَدي الشَّهِيد سيف الدّين ثمَّ قطب الدّين وَكَانَ بَينه وَبَين زين الدّين عَليّ كوجك عهود ومواثيق على المصافاة والاتفاق وَكَانَ أَصْحَاب زين الدّين يكرهونه ويقعون فِيهِ عِنْد زين الدّين فنهاهم
وَكَانَت الْموصل فِي أَيَّامه ملْجأ لكل ملهوف ومأمنا لكل خَائِف فسعى بِهِ الحساد إِلَى قطب الدّين حَتَّى أوغروا صَدره عَلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ إِنَّه يَأْخُذ أموالك فَيتَصَدَّق بهَا
فَلم يُمكنهُ أَن يغيِّر عَلَيْهِ شَيْئا بِسَبَب اتفاقه مَعَ زين الدّين فَوضع على زين الدّين من غَيره عَن مصافاته ومؤاخاته فَقبض عَلَيْهِ قطب الدّين وحبسه بقلعة الْموصل ثمَّ نَدم زين الدّين على الْمُوَافقَة على قَبضه لِأَن خَواص قطب الدّين وَأَصْحَابه كَانُوا يخَافُونَ جمال الدّين فَلَمَّا قُبض تبَّسطوا فِي الْأَمر وَالنَّهْي على خلاف غَرَض زين الدّين
فَبَقيَ جمالُ الدّين فِي الْحَبْس نَحوا من سنة ثمَّ مرض وَمضى لسبيله عَظِيم الْقدر والخطر
كريم الْورْد والصدر عديم النظير فِي سَعَة نفس لم يُروْ فِي كتب الْأَوَّلين أَن أحدا من الوزراء اتسعت نَفسه ومروءته لما اتسعت لَهُ نفس جمال الدّين فَلَقَد كَانَ عَظِيم الفتوة كَامِل الْمَرْوَة
قَالَ ابْن الْأَثِير حكى لي جمَاعَة عَن الشَّيْخ أبي الْقَاسِم الصُّوفِي وَهُوَ رجل من الصَّالِحين كَانَ يتَوَلَّى خدمَة جمال الدّين فِي محبسه قَالَ لم يزل الْجمال مَشْغُولًا بِأَمْر آخرته مُدَّة حَبسه وَكَانَ يَقُول كنت أخْشَى أَن أُنقل من الدست إِلَى الْقَبْر قَالَ فَلَمَّا مرض قَالَ لي بعض الْأَيَّام يَا أَبَا الْقَاسِم إِذا جَاءَ طَائِر أَبيض إِلَى الدَّار فعرِّفني فَقلت فِي نَفسِي قد اخْتَلَط الرجل
فَلَمَّا كَانَ الْغَد أَكثر السُّؤَال عَن ذَلِك الطَّائِر وَإِذا طَائِر ابيض لم أر مثله قد سقط فَقلت لَهُ جَاءَ الطَّائِر
فَاسْتَبْشَرَ ثمَّ قَالَ جَاءَ الْحق
وَأَقْبل على الشَّهَادَة وَذكر الله تَعَالَى وَتُوفِّي
فَلَمَّا توفّي طَار ذَلِك الطَّائِر
قَالَ فَعلمت أَنه رأى شَيْئا فِي مَعْنَاهُ
وَدفن بالموصل نَحْو سنة وَكَانَ قد قَالَ للشَّيْخ أبي الْقَاسِم إِن بيني وَبَين أَسد الدّين شيركوه عهدا من مَاتَ منا قبل صَاحبه حمله الْحَيّ إِلَى الْمَدِينَة على ساكنها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام فدفنه بهَا فِي التربة الَّتِي عملتها فَإِن أَنا مت فَامْضِ إِلَيْهِ وَذكره
فَلَمَّا توفّي سَار الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم إِلَى أَسد الدّين فِي هَذَا الْمَعْنى فَأعْطَاهُ مَالا صَالحا ليحمله بِهِ إِلَى مَكَّة وَالْمَدينَة وَأمر أَن يحجّ مَعَه جمَاعَة من الصُّوفِيَّة وَمن يقْرَأ بَين يَدي تابوته عِنْد النُّزُول والرحيل وقدوم مَدِينَة تكون فِي الطَّرِيق وينادون فِي الْبِلَاد الصَّلَاة على فلَان فَفَعَلُوا ذَلِك فَكَانَ يصلى عَلَيْهِ فِي كل مَدِينَة خلق كثير فَلَمَّا كَانَ فِي الْحِلَّة اجْتمع النَّاس للصَّلَاة عَلَيْهِ فَإِذا شَاب قد ارْتَفع على مَوضِع عَال ونادى بِأَعْلَى صَوته
(سرى نعشه فَوق الرّقاب وطالما
…
سرى بره فَوق الركاب ونائله)
(يمر على الْوَادي فتثني رماله
…
عَلَيْهِ وَفِي النادي فتبكي أرامله)
فَلم ير باكياً أَكثر من ذَلِك الْيَوْم ثمَّ وصلوا بِهِ إِلَى مَكَّة فطافوا بِهِ حول الْكَعْبَة وصلوا عَلَيْهِ بِالْحرم وَحَمَلُوهُ إِلَى الْمَدِينَة فصلوا عيله أَيْضا ودفنوه بالرباط الَّذِي أنشأه بهَا وَبَينه وَبَين قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم خَمْسَة عشر ذِرَاعا
قلت كَذَا قَالَ ابْن الْأَثِير وَقد رَأَيْت الْمَكَان وَلَعَلَّه أَرَادَ الْحَائِط الشَّرْقِي من مَسْجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا نفس الْقَبْر الشريف زَاده الله شرفا وَصلى على ساكنه
ثمَّ قَالَ كَانَ جمال الدّين رحمه الله أسخى النَّاس وَأَكْثَرهم عَطاء وبذلا لِلْمَالِ رحِيما بِالنَّاسِ متعطفاً عَلَيْهِم عادلا فيهم فَمن أَعماله الْحَسَنَة أَنه جدد
بِنَاء مَسْجِد الْخيف بمنى وَغرم عَلَيْهِ أَمْوَالًا عَظِيمَة وَبنى الْحجر بِجَانِب الْكَعْبَة وَرَأَيْت اسْمه عَلَيْهِ ثمَّ غير وَبني غَيره سنة سِتّ وَسبعين وَخمْس مئة وزخرف الْكَعْبَة بِالذَّهَب والنقرة فَكل مَا فِيهَا من ذَلِك فَهُوَ عمله إِلَى سنة تسع وست مئة
وَلما أَرَادَ ذَلِك أرسل إِلَى الإِمَام المقتفي لأمر الله هَدِيَّة جليلة حَتَّى أذن لَهُ فِيهِ وَأرْسل إِلَى أَمِير مَكَّة عِيسَى بن أبي هَاشم خلعا سنية وهدية كَثِيرَة حَتَّى مكنه مِنْهُ
وَعمر أَيْضا الْمَسْجِد الَّذِي على جبل عَرَفَات وَعمل الدرج الَّتِي يصعد فِيهَا إِلَيْهِ وَكَانَ النَّاس يلقون شدَّة فِي صعودهم وَعمل بِعَرَفَات مصانع للْمَاء وأجرى المَاء إِلَيْهَا من نعْمَان فِي طَرِيق معمولة تَحت الْجَبَل مَبْنِيَّة بالكلس فغرم على ذَلِك مَالا كثيرا
وَكَانَ يُعْطي أهل نعْمَان كل سنة مَالا كثيرا ليتركوا المَاء يجْرِي إِلَى المصانع أَيَّام مقَام الْحجَّاج بِعَرَفَات فَكَانَ النَّاس يَجدونَ بِهِ رَاحَة عَظِيمَة
قَالَ وَمن أعظم الْأَعْمَال الَّتِي عَملهَا نفعا أَنه بنى سوراً على مَدِينَة النَّبِي عليه السلام فَإِنَّهَا كَانَت بِغَيْر سور ينهبها الْأَعْرَاب وَكَانَ أَهلهَا فِي ضنك وضر مَعَهم
رَأَيْت بِالْمَدِينَةِ إنْسَانا يُصَلِّي الْجُمُعَة فَلَمَّا فرغ ترحم على جمال الدّين ودعا لَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ يجب على كل من
بِالْمَدِينَةِ أَن يَدْعُو لَهُ لأَنا كُنَّا فِي ضرّ وضيق ونكد عَيْش مَعَ الْعَرَب لَا يتركون لِأَحَدِنَا مَا يواريه ويشبع جوعته فَبنى علينا سوراً احتمينا بِهِ مِمَّن يريدنا بِسوء فاستغنينا فَكيف لَا نَدْعُو لَهُ
قَالَ وَكَانَ الْخَطِيب بِالْمَدِينَةِ يَقُول فِي خطبَته اللَّهُمَّ صُنْ حَرِيم من صان حرم نبيك بالسور مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي مَنْصُور
قَالَ فَلَو لم يكن لَهُ إِلَّا هَذِه المكرمة لكفاه فخرا فَكيف وَقد كَانَت صدقاته تجوب شَرق الأَرْض وغربها وَسمعت عَن مُتَوَلِّي ديوَان صدقاته الَّتِي يُخرجهَا على بَاب دَاره للْفُقَرَاء سوى الإدرارات والتعهدات قَالَ كَانَ لَهُ كل يَوْم مئة دِينَار أميرية يتَصَدَّق بهَا على بَاب دَاره
قَالَ وَمن أبنيته العجيبة الَّتِي لم ير النَّاس مثلهَا الجسر الَّذِي بناه على دجلة عِنْد جَزِيرَة ابْن عمر بِالْحجرِ المنحوت وَالْحَدِيد والرصاص والكلس إِلَّا أَنه لم يفرغ لِأَنَّهُ قُبض قبل فَرَاغه
وَبنى أَيْضا جِسْرًا على نهر الأريار عِنْد الجزيرة أَيْضا
وَبنى الرَّبْط بالموصل وسنجار ونصيبين وَغَيرهَا وقصده النَّاس من أقطار الأَرْض
ويكفيه أَن صدر الدّين الخجندي رَئِيس
أَصْحَاب الشَّافِعِي رضي الله عنه بأصبهان وَابْن الْكَافِي قَاضِي قُضَاة همذان قصداه فَأخْرج عَلَيْهِمَا مَالا جزيلا وَكَذَلِكَ غَيرهمَا من الصُّدُور وَالْعُلَمَاء ومشايخ الصُّوفِيَّة وَصَارَت الْموصل فِي أَيَّامه مقصدا وملجأ
وَكَانَ أحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ إِخْرَاج المَال فِي الصَّدقَات وَكَانَ يضيق على نَفسه وبيته ليتصدق
حكى لي وَالِدي قَالَ كنت يَوْمًا عِنْده وَقد أحضر بَين
يَدَيْهِ قندز ليُعمل على وبر ليلبسه بِخَمْسَة دَنَانِير فَقَالَ هَذَا الثّمن كثير اشْتَروا لي قندزا بدينارين وتصدقوا بِثَلَاثَة دَنَانِير قَالَ فراجعناه غير مرّة فَلم يفعل
قَالَ وَحكى لي من أَثِق إِلَيْهِ من الْعُدُول بالموصل أَن الأقوات تَعَذَّرَتْ فِي بعض السنين بهَا وغلت الأسعار وَكَانَ بالموصل رجل من الصَّالِحين يُقَال لَهُ الشَّيْخ عمر الملاء فَأحْضرهُ جمال الدّين وَسلم إِلَيْهِ مَالا وَقَالَ لَهُ تخرج هَذَا المَال على مُسْتَحقّه وَكلما فرغ أرسل إِلَيّ لأنفذ غَيره فَلم تمض إِلَّا أَيَّام يسيرَة حَتَّى فرغ ذَلِك المَال لِكَثْرَة المحتاجين فأنفذ لَهُ شَيْئا آخر ففنى ثمَّ أرسل يطْلب مَا يُخرجهُ فَقَالَ جمال الدّين للرسول
وَالله مَا عِنْدِي شَيْء وَلَكِن خُذ هَذِه المحافر الَّتِي فِي دَاري فبيعوها وتصدقوا بِثمنِهَا إِلَى أَن يأتينا شَيْء آخر فنرسله إِلَى الشَّيْخ عمر فبيعت المحافر وتصدقوا بِثمنِهَا وعرفوه ذَلِك فَلم يكن عِنْده مَا يُرْسِلهُ فَأعْطَاهُ ثِيَابه الَّتِي كَانَ يلبسهَا مَعَ الْعِمَامَة الَّتِي كَانَت على رَأسه وَأرْسل الْجَمِيع وَقَالَ للرسول قل للشَّيْخ لَا يمْتَنع من الطّلب فَهَذِهِ أَيَّام مواساة
فَلَمَّا وصلت الثِّيَاب إِلَى الشَّيْخ عمر بَكَى وباعها وَتصدق بِثمنِهَا
قَالَ وَحكى لي بعض الصُّوفِيَّة مِمَّن كَانَ يصحب الشَّيْخ عمر النَّسَائِيّ شيخ الشُّيُوخ بالموصل قَالَ أحضرني الشَّيْخ فَقَالَ لي انْطلق
إِلَى مَسْجِد الْوَزير وَهُوَ بِظَاهِر الْموصل واقعد هُنَاكَ فَإِذا أَتَاك شَيْء فاحفظه إِلَى أَن أحضر عنْدك
فَفعلت وَإِذا قد اقبل جمع كثير من الحمالين يحملون أحمالا من النصافي والخام وَإِذا قد جَاءَ نَائِب جمال الدّين مَعَ الشَّيْخ ومعهما قماش كثير وَثَمَانِية عشر ألف دِينَار وعدة كَثِيرَة من الْجمال
فَقَالَ لي تَأْخُذ هَذِه الْأَحْمَال وتسير إِلَى الرحبة فتوصل هَذِه الرزمة وَهَذَا الْكتاب إِلَى متوليها فلَان فَإِذا أحضر لَك فلَانا الْعَرَبِيّ فتوصل إِلَيْهِ هَذِه الرزمة الْأُخْرَى وَهَذَا الْكتاب وتسير مَعَه فَإِذا أوصلك إِلَى فلَان الْعَرَبِيّ فتوصل إِلَيْهِ هَذِه الرزمة وَهَذَا الْكتاب وَهَكَذَا إِلَى الْمَدِينَة على ساكنها السَّلَام توصَل إِلَى وَكيلِي فلَان هَذِه الْأَحْمَال وَهَذِه الكسوات وَالْمَال الَّذِي عَلَيْهِ اسْم الْمَدِينَة ليخرجها بِمُقْتَضى هَذِه الجريدة ثمَّ تَأْخُذ الْبَاقِي الَّذِي عَلَيْهِ اسْم الْمَدِينَة ليخرجها بِمُقْتَضى هَذِه الجريدة ثمَّ تَأْخُذ الْبَاقِي الَّذِي عَلَيْهِ اسْم مَكَّة وتسير إِلَيْهَا فَيتَصَدَّق بِهِ وَكيلِي بهَا بِمُوجب الجريدة الْأُخْرَى
قَالَ فسرنا كَذَلِك إِلَى وَادي القُرى فَرَأَيْنَا بِهِ نَحْو مئة جمل تحمل الطَّعَام إِلَى الْمَدِينَة وَقد مَنعهم خوف الطَّرِيق فَلَمَّا رأونا سَارُوا مَعنا إِلَيْهَا فوصلناها وَالْحِنْطَة بهَا كل صَاعَيْنِ بِدِينَار مصري والصاع خَمْسَة عشر رطلا بالبغدادي فَلَمَّا رَأَوْا الطَّعَام وَالْمَال اشْتَروا كل سَبْعَة آصَع بِدِينَار فَانْقَلَبت الْمَدِينَة بِالدُّعَاءِ لَهُ ثمَّ سرنا إِلَى مَكَّة فَفَعَلْنَا مَا أمرنَا
قَالَ وَحكى لي وَالِدي قَالَ رَأَيْت جمال الدّين وَقد حضر عِنْده رجل فَقِيه قبل أَن يصير وزيرا فَطلب مِنْهُ شَيْئا وَتردد إِلَيْهِ عدَّة أَيَّام ثمَّ انْقَطع فَسَأَلَ عَنهُ فَقيل إِنَّه سَافر
فشق ذَلِك عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ هَكَذَا تَنْصَرِف الْأَحْرَار عَن دور الْكلاب
وردد ذَلِك غير مرّة ثمَّ سَأَلَ عَنهُ فَقيل إِنَّه سَار نَحْو ماردين فَأرْسل إِلَيْهِ خلعة وَنَفَقَة إِلَى ماردين
قَالَ وَلَو رُمت شرح مُفْرَدَات أَعماله لأطلت وأضجرت وَهِي ظَاهِرَة لَا تحْتَاج إِلَى بَيَان فَلهَذَا تركنَا أَكْثَرهَا
قلت وَقد ذكره الْأَمِير مؤيد الدولة أُسَامَة بن منقذ فِي = كتاب الِاعْتِبَار = فَقَالَ اجْتمعت بِجَمَال الدّين فِي الْموصل سنة خمس وَخمسين وَخمْس مئة وَأَنا مُتَوَجّه إِلَى الْحَج وَكَانَت بيني وَبَينه مَوَدَّة قديمَة وَعشرَة ومؤانسة فَعرض عليّ الدُّخُول إِلَى دَار فِي الْموصل فامتنعت وَنزلت بخيمتي على الشط فَكَانَ مُدَّة مقَامي كل يَوْم يركب يجوز على الجسر نَحْو نِينَوَى وأتابك قد ركب إِلَى الميدان وَينفذ إليّ يَقُول أركب فَأَنا وَاقِف أنتظرك
فأركب فأسير أَنا وَهُوَ فنتحدث
فَوجدت يَوْمًا مِنْهُ خلْوَة من أَصْحَابِي فَقلت لَهُ فِي نَفسِي شَيْء يتَرَدَّد من حَيْثُ اجْتَمَعنَا أشتهي أَن أقوله لَك وَمَا يتَّفق لي خلْوَة وَقد خلونا السَّاعَة قَالَ قل قلت أَقُول لَك مَا قَالَه الشريف الرضي
(مَا ناصحتك خفايا الود من أحد
…
مَا لم يصبك بمكروه من العذل)
(مودتي لَك تأبى أَن تسامحني
…
بِأَن أَرَاك على شَيْء من الزلل)
وَقد بسطت يدك فِي إِنْفَاق المَال فِي الصَّدقَات ووجوه الْبر وَالْمَعْرُوف والسلاطين مَا يحْتَملُونَ إِخْرَاج المَال وَلَا تصبر نُفُوسهم عَلَيْهِ وَلَو أَن الْإِنْسَان يُخرجهُ من مِيرَاثه وَهَذَا الَّذِي أهلك البرامكة فَانْظُر لنَفسك كَيفَ
الْمخْرج مِمَّا قد دخلت فِيهِ
فَأَطْرَقَ سَاعَة وَقَالَ جَزَاك الله خيرا لَكِن الْأَمر قد عَبَر عَمَّا تخافه
ففارقته وسرت إِلَى الْحجاز وعدت من مَكَّة على طَرِيق الشَّام ونكب جمال الدّين وَمَات فِي الْحَبْس
قلت ولعلم الدّين الْحسن بن سعيد الشاتاني فِي هَذَا الْوَزير الْجواد لما نكب
(مَا حط قدرك من أوج الْعلَا الْقدر
…
كلا وَلَا غيرت أفعالك الْغَيْر)
(أَنْت الَّذِي عَم أهل الأَرْض نائله
…
وَلم ينل شأوه فِي سؤدد بشر)
(سَارَتْ صفاتك فِي الْآفَاق واتضحت
…
وَصدق السّمع عَنْهَا مَا رأى الْبَصَر)
(فاصبر لصرف زمَان قد منيت بِهِ
…
فآخر الصَّبْر يَا طود النُّهى الظفر)
(فَمَا ترى أحدا فِي الْخلق يسلم من
…
صروف دهر لَهُ فِي أَهله غير)
(سعوا بقصدك سرا لَو استتب لَهُم
…
وَلَو سعوا نَحوه جَهرا لما قدرُوا)
(لَوْلَا الْأَمَانِي الَّتِي تحيا النُّفُوس بهَا
…
لمتّ من لوعة فِي الْقلب تستعر)
وَمِنْهَا فِي ذكر الشَّيْخ عمر الملاء
(واصدق النَّاس فِي حفظ العهود إِذا
…
ميزت بالفكر أَحْوَال الورى عُمَر)
(الزاهدُ العابدُ البَرُّ التقي وَمن
…
يزوره وَيُقَوِّي أزره الْخضر)
وَقَالَ العرقلة يرثى جمال الدّين الْوَزير والصالح بن رزيك
(لَا خير فِي الدُّنْيَا وَلَا أَهلهَا
…
بعد جمال الدّين والصالح)
(بحران لَوْلَا دمع باكيهما
…
مَا كَانَ مَاء الْبَحْر بالمالح)
قَالَ ابْن الْأَثِير وَقَالَ وَالِدي كنت أرى من الْوَزير جمال الدّين فِي الْأَيَّام الشهيدية من الْكِفَايَة وَالنَّظَر فِي صَغِير الْأُمُور وكبيرها والمحاققة فِيهَا مَا يدل على تمكنه من الْكِفَايَة
فَلَمَّا وصل الْأَمر إِلَى الْملك قطب الدّين مودود بن أتابك الشَّهِيد وجمال الدّين وزيره حِينَئِذٍ وَقد تمكن زين الدّين عليّ بن بكتكين فِي الدولة تمَكنا عَظِيما وَتقدم عِنْد قطب الدّين جمَاعَة من أَصْحَابه فَكَانَ جمال الدّين مَعَ تمكنه وعلو مَحَله يهمل بعض الْأُمُور قَالَ فَقلت لَهُ يَوْمًا أَيْن تِلْكَ الْكِفَايَة الَّتِي كُنَّا نرَاهَا مِنْك فِي الْأَيَّام الشهيدية مَا أرى الْآن مِنْهَا شَيْئا فَقَالَ لي والآن مَا عِنْدِي كِفَايَة فَقلت مَا هَذَا الْعَمَل من ذَلِك بِشَيْء
فَقَالَ أَنْت صبي غرٌّ لَيست الْكِفَايَة عبارَة عَن فعل وَاحِد فِي كل زمَان إِنَّمَا الْكِفَايَة أَن يسْلك الْإِنْسَان فِي كل زمَان مَا يُنَاسِبه ذَلِك الْوَقْت كَانَ لنا صَاحب مُتَمَكن قوي الْعَزْم لَا يتجاسر أحد على الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ وَلَا يَتلون بأقوال أَصْحَابه فحفظناه فَكَانَ مَا أَفعلهُ هُوَ الْكِفَايَة
وَأما الْآن فلنا سُلْطَان غير مُتَمَكن وَهُوَ مَحْكُوم عَلَيْهِ فَهَذَا الَّذِي أَفعلهُ هُوَ الْكِفَايَة