الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التبريزي اللّغَوِيّ
وَفِي ذِي الْحجَّة مِنْهَا توفى أَبُو الفوارس الْحُسَيْن بن عَليّ الخازن صَاحب الْخط الْحسن الْمَشْهُور
وَفِي سنة خمس وَخمْس مئة توفّي الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ
وَفِي سنة سبع وَخمْس مئة توفّي الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد الشَّاشِي الْفَقِيه رحمهم الله أَجْمَعِينَ
فصل
لما ولى السُّلْطَان مَحْمُود السلطنة أقرّ أَخَاهُ مسعودا على الْموصل مَعَ أتابكه جيوش بك فبقى مُطيعًا لِأَخِيهِ إِلَى سنة أَربع عشرَة وَخمْس مئة فَحسن لَهُ الْخُرُوج عَن طَاعَته وَطلب السلطنة فأظهر الْعِصْيَان وخطب للْملك مَسْعُود بالسلطنة
وَكَانَ زنكي يُشِير بِطَاعَة السُّلْطَان وَترك الْخلاف عَلَيْهِ ويحذرهم عَاقِبَة الْعِصْيَان فَلم ينفع
فَالتقى الأخوان فِي عسكريهما فَهزمَ عَسْكَر مَسْعُود وَأسر جمَاعَة من الْأُمَرَاء والأعيان مِنْهُم الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْمَاعِيل الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل الطغرائي وَزِير مَسْعُود فَقتله السُّلْطَان
مَحْمُود وَقَالَ قد صَحَّ عِنْدِي فَسَاد اعْتِقَاده وَدينه
وَكَانَ قد جَاوز سِتِّينَ سنة وَكَانَ حسن الْكِتَابَة جيد الشّعْر
قلت وَقيل إِنَّه قتل سنة ثَلَاث عشرَة أَو أَربع عشرَة أَو ثَمَانِي عشرَة وَخمْس مئة وَقيل إِن الَّذِي قَتله هُوَ السُّلْطَان طغرل بن مُحَمَّد بن ملكشاه
ذكر ذَلِك كُله أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي تَارِيخه وَسَماهُ الْحُسَيْن بن عَليّ بن عبد الصَّمد الديلمي وَأنْشد لَهُ أشعاراً حسانا مِنْهَا
(إِذا مَا لم تكن ملكا مُطَاعًا
…
فَكُن عبدا لمَالِكه مُطيعًا)
(وَإِن لم تملك الدُّنْيَا جَمِيعًا
…
كَمَا تهواه فاتركها جَمِيعًا)
(هما سببان من ملك ونسك
…
ينيلان الْفَتى الشّرف الرفيعا)
(وَمن يقنع من الدُّنْيَا بِشَيْء
…
سوى هذَيْن يَحْىَ بهَا وضيعا)
ثمَّ استأمن مَسْعُود وأتابكه جيوش بك فأمنهما السُّلْطَان وَأخذ الْموصل مِنْهُمَا فأقطعهما آق سنقر البرسقي مَعَ أَعمالهَا كالجزيرة وسنجار ونصيبين وَغَيرهَا فِي صفر سنة خمس عشرَة وسيره إِلَيْهَا وَأمره بِحِفْظ عماد الدّين زنكي وتقديمه وَالْوُقُوف عِنْد إِشَارَته فَفعل البرسقي ذَلِك وَزَاد
عَلَيْهِ لمَكَان زنكي من الْعقل والشجاعة وَتقدم وَالِده فِي الْأَيَّام الركنية وَكَانَت سيرة ملكشاه عِنْدهم كالشريعة المتبعة فأعظم النَّاس عِنْدهم أَكْثَرهم ابتاعا لسيرته
وَفِي سنة سِتّ عشرَة وَخمْس مئة أقطع أتابك زنكي مَدِينَة وَاسِط وشحنكية الْبَصْرَة وَظهر من كِفَايَته فِي البلدين مَا لم يَظُنّهُ أحد فازداد شَأْنه عظما
وهاب الْأَمِير دبيس بن صَدَقَة الْأَسدي صَاحب الْحلَّة ناحيته وَجَرت بَينه وَبَين البرسقي حروب ومواقفات وهم دبيس بِقصد بَغْدَاد فَسَار البرسقي إِلَيْهِ وَتَبعهُ الْخَلِيفَة المسترشد بِاللَّه بِنَفسِهِ فَانْهَزَمَ عَسْكَر دبيس وَقتل مِنْهُم وَأسر خلق كثير وَكَانَ لعماد الدّين زنكي أثر حسن فِي هَذِه الْوَقْعَة أَيْضا بَين يَدي الْخَلِيفَة وَذَلِكَ فِي أول الْمحرم سنة سبع عشرَة
وَأما دبيس فَإِنَّهُ لما انهزم لحق بِالْملكِ طغرل بن السُّلْطَان مُحَمَّد وَصَارَ مَعَه من خَواص أَصْحَابه وَكَانَ عَاصِيا على أَخِيه السُّلْطَان مَحْمُود
وَأمر السُّلْطَان مَحْمُود البرسقي أَن يرجع إِلَى الْموصل فَعَاد واستدعى زنكي من الْبَصْرَة ليسير مَعَه إِلَى الْموصل فَقَالَ زنكي لأَصْحَابه قد ضجرنا مِمَّا نَحن فِيهِ كل يَوْم قد ملك الْبِلَاد أَمِير ونؤمر بِالتَّصَرُّفِ على اخْتِيَاره وإرادته ثمَّ تَارَة بالعراق وَتارَة بالموصل وَتارَة بالجزيرة وَتارَة بِالشَّام
فَسَار من الْبَصْرَة إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود فَأَقَامَ عِنْده وَكَانَ يقف
إِلَى جَانب تخت السُّلْطَان عَن يَمِينه لَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ أحد وَهُوَ مقَام وَالِده قسيم الدولة من قبله وَبَقِي لوَلَده من بعده
ثمَّ أُتِي السُّلْطَان الْخَبَر أَن الْعَرَب قد اجْتمعت ونهبت الْبَصْرَة فَأمر زنكي بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا وأقطعه إِيَّاهَا لما بلغه عَنهُ من الحماية لَهَا فِي الْعَام الْمَاضِي وَقت اخْتِلَاف العساكر والحروب فَفعل ذَلِك فَعظم عِنْد السُّلْطَان وَزَاد مَحَله وَكَانَ قد جرى بَين يرنقش الزكوي شحنة بَغْدَاد وَبَين الْخَلِيفَة السترشد بِاللَّه نفرة فتهدده السترشد فَسَار عَن بَغْدَاد إِلَى السُّلْطَان فِي رَجَب سنة تسع عشرَة شاكيا من المسترشد وحذر السُّلْطَان جَانِبه وأعلمه أَنه قد جمع العساكر عَازِمًا على مَنعه من الْعرَاق
فَسَار السُّلْطَان إِلَى بَغْدَاد وَجرى بَينه وَبَين المسترشد حروب ووقائع ثمَّ اصطلحا وعادا إِلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ واقام السُّلْطَان بِبَغْدَاد إِلَى عَاشر ربيع الآخر وَنظر فِيمَن يصلح أَن يَلِي شحنكية بَغْدَاد وَالْعراق يَأْمَن مَعَه من الْخَلِيفَة ويضبط الْأُمُور
فولى ذَلِك زنكي مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ من الإقطاع وَسَار السُّلْطَان عَن بَغْدَاد
وَفِي سنة عشْرين وَخمْس مئة قتل آق سنقر البرسقي بالجامع الْعَتِيق بالموصل بعد الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة ثار بِهِ من الباطنية مَا يزِيد على عشرَة أنفس فَقتل بِيَدِهِ مِنْهُم ثَلَاثَة وَقتل رحمه الله
وَكَانَ عادلا لين الْأَخْلَاق حسن الْعشْرَة وَكَانَ يصلى كل لَيْلَة صَلَاة كَثِيرَة وَلَا يَسْتَعِين فِي وضوئِهِ