المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمس مئة - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ١

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه رب الْعَالمين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذكر أَخْبَار زنكي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ولَايَة زنكي الْموصل وَغَيرهَا من الْبِلَاد الَّتِي كَانَت بيد البرسقي

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي فتح شهرزور وبعلبك وحصار دمشق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة زنكي رحمه الله

- ‌فصل فِي ذكر بعض سيرة الشَّهِيد أتابك زنكي

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد زنكي من تفرق أَصْحَابه وتملك ولديه غَازِي ومحمود

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد وَفَاة زنكي من صَاحب دمشق والإفرنج المخذولين

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي نزُول الفرنج على دمشق ورجوعهم وَقد خذلهم الله تَعَالَى عَنْهَا

- ‌وَدخلت سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة أَربع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة)

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وَفَاة معِين الدّين أنر بِدِمَشْق وَمَا كَانَ من الرئيس ابْن الصُّوفِي فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل فِي وَفَاة سيف الدّين غَازِي بن زنكي صَاحب الْموصل وَهُوَ أَخُو نور الدّين الْأَكْبَر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة خمس وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح عزاز

- ‌فصل فِي صفة أسر جوسلين

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر حصن شيزر وَولَايَة بني منقذ

- ‌فصل فِي بواقي حوادث سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَخمسين وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح حارم

- ‌فصل

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتِّينَ وَخمْس مئة

الفصل: ‌ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمس مئة

‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَأَرْبَعين وَخمْس مئة

قَالَ ابْن الْأَثِير فَفِيهَا ملك نور الدّين مَدِينَة دمشق وَأَخذهَا من صَاحبهَا مجير الدّين آبق بن مُحَمَّد وَكَانَ الَّذِي حمل نور الدّين على الْجد فِي ملكهَا أَن الفرنج ملكوا فِي السّنة الخالية عسقلان وَهِي مَدِينَة فلسطين حسنا وحصانة

وَلما كَانُوا يحصرونها كَانَ نور الدّين يتلهف وَلَا يقدر على إزعاجهم عَنْهَا لِأَن دمشق فِي طَرِيقه وَلَيْسَ لَهُ على غَيرهَا معبر لاعتراض بِلَاد الإفرنج فِي الْوسط

وَقَوي الفرنج بملكها حَتَّى طمعوا فِي دمشق واستضعفوا مجير الدّين وتابعوا الْغَارة على أَعماله وَأَكْثرُوا الْقَتْل بهَا والنهب والسبي وَزَاد الْأَمر بِالْمُسْلِمين بهَا إِلَى أَن جعل الفرنج على أهل الْمَدِينَة قطيعة كل سنة وَكَانَ رسولهم يَجِيء إِلَى دمشق ويجبيها من أهل الْبَلَد

ثمَّ اشْتَدَّ الْبلَاء على أَهلهَا حِين أرسل الفرنج واستعرضوا عبيدهم وإماءهم الَّذين نهبوا من سَائِر بِلَاد النَّصْرَانِيَّة وخيروهم بَين الْمقَام عِنْد مواليهم وَالْعود إِلَى أوطانهم فَمن أحب الْمقَام تَرَكُوهُ وَمن أحب وَطنه سَار إِلَيْهِ

وزالت طَاعَة مجير الدّين عَن أهل الْبَلَد إِلَى أَن حَضَرُوهُ فِي القلعة مَعَ إِنْسَان مِنْهُم كَانَ يُقَال لَهُ مؤيد الدّين بن الصُّوفِي فَلَمَّا كَانَت الْأُمُور بهَا هَكَذَا خَافَ أَهلهَا وَأَشْفَقُوا من الْعَدو فجأروا إِلَى الله تَعَالَى وَدعوهُ أَن يكْشف مَا بهم من الْخَوْف فَاسْتَجَاب لَهُم وَأذن فِي خلاصهم مِمَّا هم فِيهِ على يَد أحب عباده إِلَيْهِ وَأَحْسَنهمْ طَريقَة وأمثلهم سيرة وَهُوَ الْملك الْعَادِل حَقًا نور الدّين مَحْمُود فَحسن لَهُ السَّعْي فِي ملك الْبَلدة وألقاه فِي روعه

فَلَمَّا خطر لَهُ ذَلِك

ص: 301

أفكر فِيهِ فَعلم أَنه أَن رام ملكه بِالْقُوَّةِ والحصار تعذر عَلَيْهِ لِأَن صَاحبه مَتى رأى شَيْئا من ذَلِك راسل الفرنج واستعان بهم واستمالهم

قلت وَكَانَ قد سبق لَهُ سوابق قد تقدم ذكر شَيْء مِنْهَا وَلذَلِك قَالَ العرقلة يمدح أتابكه معِين الدّين أنر من قصيدة

(يظنّ صَلَاح الدّين فرسَان جلق

كفرسانه مَا الْأسد مثل الثعالب)

(غَدا تطلع الشَّام الفرنج بفيلق

معودة أبطاله للمصائب)

(رجال إِذا قَامَ الصَّلِيب تصلبت

رماحهم فِي كل ماش وراكب)

(لَهَا اللَّيْل نقع والأسنة أنجم

فَمَا غير أبطال وَغير جنائب)

وَصَلَاح الدّين هَذَا الْمَذْكُور لَيْسَ هُوَ يُوسُف بن أَيُّوب الْمَشْهُور فَإِن ذَلِك حِينَئِذٍ لم يكن ملكا يَقُود الجيوش وَإِنَّمَا هَذَا صَلَاح الدّين مُحَمَّد ين أَيُّوب الياغبساني صَاحب حماة أحد أَصْحَاب زنكي وَقد تقدم ذكره مرَارًا وَكَأَنَّهُ كَانَ فِي مُقَدّمَة الْجَيْش النوري لما قصد دمشق فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأَوليين أَو فِي إِحْدَاهمَا أَو فِي زمن حِصَار زنكي لَهَا وَالله أعلم

قَالَ ابْن الْأَثِير وَكَانَ أبْغض الْأَشْيَاء إِلَى الفرنج أَن يملك نور الدّين دمشق لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ حصونهم ومعاقلهم وَلَيْسَت لَهُ دمشق فَكيف إِذا أَخذهَا وَقَوي بهَا وانضاف إِلَى ذَلِك كراهيته لسفك دِمَاء الْمُسلمين فَإِن الدَّم كَانَ عِنْده عَظِيما لما كَانَ قد جبل عَلَيْهِ من الرأفة وَالرَّحْمَة وَالْعدْل

فَلَمَّا رأى الْحَال هَكَذَا عمد إِلَى إِعْمَال الْحِيلَة فراسل مجير الدّين صَاحبهَا

ص: 302

واستماله وواصله بالهدايا وَأظْهر لَهُ الْمَوَدَّة حَتَّى وثق إِلَيْهِ ثمَّ صَار يكاتبه فِي بعض الْأَوْقَات وَيَقُول لَهُ إِن فلَانا وَيذكر بعض الْأُمَرَاء الَّذين لمجير الدّين قد كاتبني فِي المخامرة عَلَيْك فاحذره

فَتَارَة يَأْخُذ إقطاع أحدهم وَتارَة يقبض عَلَيْهِ

فَلَمَّا خلت دمشق من الْأُمَرَاء قدم أَمِيرا كَانَ عِنْده يُسمى عَطاء بن حفاظ السّلمِيّ الْخَادِم وَكَانَ شهما شجاعا وفوض إِلَيْهِ أَمر دولته وَكَانَ نور الدّين لَا يتَمَكَّن من دمشق مَعَه

فَقبض عَلَيْهِ مجير الدّين وَقَتله فَقَالَ لَهُ عِنْد قَتله إِن الْحِيلَة قد تمت عَلَيْك فَلَا تقتلني فَإِنَّهُ سَيظْهر لَك مَا أَقُول

فَلم يصغ إِلَى قَوْله وَقَتله

قلت وَفِي بعض قصائد ابْن مُنِير مَا يدل على أَن عَطاء هَذَا كَانَ لَهُ مَعَ نور الدّين فِي دمشق حَدِيث فَإِنَّهُ قَالَ

(ودمشق فِي دمشق رجال سلم

لحور نِسَائِهِم مِنْهُم نسَاء)

(هِيَ الفردوس اصبح وَهُوَ عاف

من الْعَافِي وَمن خَال خلاء)

(جنان تعرف الجنات فِيهَا

وَلَا رأى هُنَاكَ وَلَا رواء)

(لأسمح صعبها وَدنت قصاها

وأمكنك اقتياد وامتطاء) وَيَا نعم الْعَطاء عَطاء رب

توسطه فانشطه عَطاء)

(تفاءل بإسمه فالفال وعد

يكون على ظباك بِهِ الْوَفَاء)

(هُوَ السَّبَب الَّذِي شزرت قواه

وهذبه لخدمتك الصفاء)

(وَسيف إِن تشمه تشم حساما

وَإِن تغمد فَنَار بل ذكاء)

(جنتة لَك السَّعَادَة قطف رَأْي

لنقب الخادعيك بِهِ هناء)

وَيجوز أَنه لم يكن لعطاء فِي ذَلِك حَدِيث وَإِنَّمَا هَذِه الأبيات أَو مَا فِي مَعْنَاهَا كَانَت سَبَب قَتله لما بلغ مجير الدّين ذَلِك

وَعَطَاء هَذَا هُوَ الَّذِي ينْسب

ص: 303

إِلَيْهِ مَسْجِد عَطاء خَارج الْبَاب الشَّرْقِي بِدِمَشْق وجورة عَطاء بِبَيْت أَبْيَات وَهِي أَرض فِيهَا أخشاب كبار من الْحور تربى أوتادا لجامع دمشق وَهِي وقف عَلَيْهِ

وَقد مدحه العرقلة وَغَيره من الشُّعَرَاء

قَالَ ابْن الْأَثِير فَلَمَّا قتل عَطاء قوى طمع نور الدّين فِي دمشق فراسل أَحْدَاث الْبَلَد وزناطرته واستمالهم فَأَجَابُوهُ إِلَى تَسْلِيم الْبَلَد فَسَار إِلَيْهِم وحاصرهم عشرَة أَيَّام

فكاتب مجير الدّين الفرنج وبذل لَهُم الْأَمْوَال وقلعة بعلبك إِن رحلوا نور الدّين عَنهُ

فَإلَى أَن اجْتَمعُوا وجاؤوا بَلغهُمْ أَخذ نور الدّين بِدِمَشْق فعادوا بخفي حنين

وَأما نور الدّين فَإِنَّهُ لما حَاصَرَهُمْ وضيق عَليّ من بِهِ ثار الْأَحْدَاث الَّذين كاتبهم نور الدّين وسلموا إِلَيْهِ الْبَلَد من الْبَاب الشَّرْقِي فدخله بالأمان عَاشر صفر وَحصر مجير الدّين فِي القلعة وراسله وبذل لَهُ الإقطاع الْكثير من جملَته مَدِينَة حمص فَأجَاب إِلَى تَسْلِيم القلعة وَسَار إِلَى حمص

وَقَالَ ابْن أبي طي أنفذ نور الدّين أَسد الدّين شيركوه رَسُولا إِلَى صَاحب دمشق فَخرج فِي تجمل عَظِيم وَمَعَهُ ألف فَارس فَعظم على مجير الدّين ذَلِك وَقَالَ مَا هَذِه رِسَالَة هَذِه مكيدة

وَلم يتجاسر على الْخُرُوج إِلَى لِقَائِه وَلَا أحد من أُمَرَاء دمشق فاستوحش أَسد الدّين وَنزل بمرج الْقصب وَأَغْلظ لصَاحب دمشق فِي الْمقَال وانفذ إِلَى نور الدّين يعرفهُ بِمَا جرى عَلَيْهِ

فَسَار نور الدّين فِي عساكره وزحف إِلَى الْبَلَد من شرقيه وَكَانَت الْحَرْب فِي عَاشر صفر وَتَوَلَّى أَسد الدّين الْقِتَال وأبلى الْجهد فَكسر عَسَاكِر دمشق إِلَى

ص: 304

الأسوار من قبلي الْبَلَد وَلم يكن أحد من الْمُقَاتلَة على السُّور من ذَلِك الْجَانِب لِأَن نور الدّين كَانَ من شرقيها وَجل الْعَسْكَر مُقَابِله وَرَأى من كَانَ مَعَ نور الدّين من الجاندارية والحلبيين خلو السُّور من الْمُقَاتلَة فتسرعوا إِلَى السُّور وتعلقوا بِهِ وحصلوا فِي الْحَال على الأسوار وَيُقَال إِن امْرَأَة كَانَت على السُّور فدلت حبلا فَصَعِدُوا فِيهِ وَصَارَ على السُّور جمَاعَة ونصبوا السلالم وَصعد جمَاعَة أُخْرَى ونصبوا علما وصاحوا بشعار نور الدّين فَوَقع على أهل الْبَلَد الخذلان وَكسر بَاب الْبَلَد وَدخلت الخيالة مِنْهُ وَملك نور الدّين دمشق

وَكَانَ لأسد الدّين الْيَد الطولي فِي فتحهَا فولاه نور الدّين أمرهَا ورد إِلَيْهِ جَمِيع أحوالها

وَفِي هَذِه السّنة أقطعه نور الدّين الرحبة

وَقَالَ الرئيس أَبُو يعلى فِي الْعشْر الثَّانِي من الْمحرم وصل الْأَمِير أَسد الدّين شيركوه رَسُولا من نور الدّين إِلَى ظَاهر دمشق وخيم بِنَاحِيَة الْقصب من المرج فِي عَسْكَر يناهز الْألف فَأنْكر ذَلِك وَوَقع الاستيحاش مِنْهُ وإهمال الْخُرُوج إِلَيْهِ لتلقيه والاختلاط بِهِ وتكررت المراسلات فِيمَا اقتضته الْحَال وَلم تسفر عَن سداد وَلَا نيل مُرَاد وَعلا سعر الأقوات لانْقِطَاع الواصلين بالغلات

وَوصل نور الدّين بعسكره إِلَى شيركوه ثَالِث صفر وخيم بعيون الفاسريا عِنْد دومة ورحل فِي الْغَد وَنزل بَيت الْآبَار من الغوطة وزحف إِلَى الْبَلَد من شرقيه وزحف إِلَيْهِ من عسكره وأحداثه الْخلق الْكثير وَوَقع الطراد بَينهم ثمَّ عَاد كل من الْفَرِيقَيْنِ إِلَى مَكَانَهُ ثمَّ زحف يَوْمًا بعد يَوْم وتأكد الزَّحْف يَوْم الْأَحَد عَاشر صفر وَظهر إِلَيْهِ الْعَسْكَر الدِّمَشْقِي فَانْدفع بَين أَيْديهم حَتَّى قربوا من سور بَاب كيسَان والدباغة من قبلي الْبَلَد وَلَيْسَ على السُّور أحد من العسكرية والبلدية لسوء تَدْبِير صَاحب الْأَمر غير نفر يسير لَا يؤبه لَهُم فتسرع بعض الرجالة إِلَى السُّور وَعَلِيهِ امْرَأَة يهوديه فَأرْسلت إِلَيْهِ حبلا فَصَعدَ فِيهِ وَحصل على السُّور وَلم يشْعر بِهِ أحد وَتَبعهُ

ص: 305

من تبعه واطلعوا علما نصبوه على السُّور وصاحوا نور الدّين يَا مَنْصُور

وَامْتنع الأجناد والرعية من الممانعة لما هم عَلَيْهِ من الْمحبَّة لنُور الدّين وعدله وَحسن ذكره

وبادر بعض قطاعي الْخشب بفأسه إِلَى الْبَاب الشَّرْقِي فَكسر أغلاقه وفتحه فَدخل مِنْهُ الْعَسْكَر وَسعوا فِي الطرقات وَلم يقف أحد بَين أَيْديهم

وَفتح بَاب توما ايضا وَدخل النَّاس مِنْهُ ثمَّ دخل نور الدّين وخواصه وسر كَافَّة النَّاس من الأجناد والعسكرية لما هم عَلَيْهِ من الْجُوع وَغَلَاء الأسعار وَالْخَوْف من منازلة الفرنج الْكفَّار

وَكَانَ مجير الدّين لما أحس بالغلبة والقهر قد انهزم فِي خواصه إِلَى القلعة وأنفذ إِلَيْهِ وأومن على نَفسه وَمَاله وَخرج إِلَى نور الدّين فطيب نَفسه ووعده الْجَمِيل

وَدخل نور الدّين القلعة فِي يَوْم الْأَحَد الْمُقدم ذكره وَأمر بالمناداة بالأمان للرعية وَالْمَنْع من انتهاب شَيْء من دُورهمْ وتسرع قوم من الرعاع والأوباش إِلَى سوق عَليّ وَغَيره فعاثوا ونهبوا وانفذ نور الدّين إِلَى أهل الْبَلَد بِمَا طيب نُفُوسهم وأزال نفرتهم

واخرج مجير الدّين مَا كَانَ لَهُ فِي دوره بالقلعة والخزائن من المَال والآلات والأثاث على كثرته إِلَى الدَّار الأتابكية دَار جده وَأقَام أَيَّامًا ثمَّ تقدم إِلَيْهِ بِالْمَسِيرِ إِلَى حمص فِي خواصه وَمن أَرَادَ الْكَوْن مَعَه من أَسبَابه وَأَتْبَاعه بعد أَن كتب لَهُ المنشور بإقطاعه عدَّة ضيَاع بأعمال حمص برسمه ورسم جنده وَتوجه إِلَى حمص على القضيه المقررة

ثمَّ أحضر نور الدّين غذ ذَلِك الْيَوْم أماكل الرّعية من الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء والتجار وخوطبوا بِمَا زَاد فِي إيناسهم وسرور نُفُوسهم وَحسن النّظر لَهُم بِمَا يعود بصلاح أَحْوَالهم وَتَحْقِيق آمالهم فَأَكْثرُوا الدُّعَاء لَهُ وَالثنَاء عَلَيْهِ وَالشُّكْر لله تَعَالَى على مَا أصاره إِلَيْهِ

ثمَّ تَلا ذَلِك أبطال حُقُوق دَار الْبِطِّيخ

ص: 306

وسوق البقل وَضَمان الْأَنْهَار وَأَنْشَأَ بذلك المنشور وقريء على الْمِنْبَر بعد صَلَاة الْجُمُعَة فَاسْتَبْشَرَ النَّاس بصلاح الْحَال وأعلن النَّاس بِرَفْع الدُّعَاء إِلَى الله تَعَالَى بدوام أَيَّامه ونصرة أَعْلَامه

وَقَالَ ابْن الْأَثِير لما اسْتَقل نور الدّين فِي الْبَلَد عمل مَعَ أَهله مكرمَة عَظِيمَة واظهر فيهم عدلا عَاما

قلت قد تقدم ذكره فِي أول الْكتاب وَسَيَأْتِي مِنْهُ أَشْيَاء مفرقة فِيمَا بعد

قَالَ وَألقى الْإِسْلَام جرانه بِدِمَشْق وَثبتت أوتاده وأيقن الْكفَّار بالبوار ووهنوا واستكانوا وَصَارَ جَمِيع مَا بِالشَّام من الْبِلَاد الإسلامية بيد نور الدّين

وَأما مجير الدّين فَإِنَّهُ أَقَامَ بحمص وراسل أهل دمشق فِي إثارة الْفِتْنَة فَانْتهى الْأَمر إِلَى نور الدّين فخاف أَن يحدث مَا يشق تلافيه بل رُبمَا تعذر لاسيما مَعَ مجاورة الإفرنج فَأخذ حمص من مجير الدّين وعوضه عَنْهَا مَدِينَة بالس فَلم يرضها وَسَار عَن الشَّام إِلَى الْعرَاق فَأَقَامَ بِبَغْدَاد وابتنى دَارا تجاور الْمدرسَة النظامية وَتُوفِّي بهَا

ص: 307