الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْفَرَائِضِ] [
الْبَاب الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَرَثَةِ وَقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ، وَالْحَبْرُ الْهُمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ الشَّافِعِيُّ - فَسَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَبْرِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِهِ وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ
(كِتَابُ الْفَرَائِضِ) هِيَ جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ أَيْ: مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغَلَبَتْ عَلَى غَيْرِهَا، وَالْفَرْضُ لُغَةً: التَّقْدِيرُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ) (كِتَابُ الْفَرَائِضِ)
(قَوْلُهُ: وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ) الْفَرْضُ لُغَةً يَجِيءُ لِمَعَانٍ مِنْهَا: الْقَطْعُ وَالْحَزُّ كَفَرْضِ الْقَوْسِ إذَا خَرَّ طَرَفُهَا، وَمِنْهَا التَّقْدِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وَمِنْهَا: الْإِنْزَالُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85] وَمِنْهَا الْبَيَانُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] بِالتَّخْفِيفِ، وَمِنْهَا الْإِيجَابُ وَالْإِلْزَامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197] أَيْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ فِيهِنَّ الْإِحْرَامَ وَمِنْهَا: الْعَطِيَّةُ يُقَالُ فَرَضْتُ الرَّجُلَ وَأَفْرَضْتُهُ إذَا أَعْطَيْتُهُ، وَمِنْهَا الْإِحْلَالُ {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 38] أَيْ فِيمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَمِنْهَا: الْقِرَاءَةُ فَرَضْتُ حِزْبِي أَيْ قَرَأْتُهُ وَمِنْهَا: السُّنَّةُ كَفَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ سَنَّ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْمَعَانِي أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَهُوَ التَّقْدِيرُ فَيَكُونُ مَقُولًا عَلَيْهَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ أَوْ بِالتَّوَاطُؤِ، وَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةٌ فِي الْقَطْعِ مَجَازًا فِي غَيْرِهِ لِتَصْرِيحِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِأَنَّهُ أَصْلُهُ، وَسُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ بِالْفَرَائِضِ لِمَا فِيهِ مِنْ سِهَامٍ مُقْتَطَعَةٍ لِلْوَرَثَةِ قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْزَلَهَا وَبَيَّنَهَا فِي كِتَابِهِ وَأَوْجَبَهَا لَهُمْ عَطِيَّةً مِنْهُ وَأَحَلَّهَا لَهُمْ وَتَعْرِيفُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ وَالْعِلْمُ الْمُوَصِّلُ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا يَجِبُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ مِنْ التَّرِكَةِ فَحَقِيقَتُهُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْفِقْهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِرْثِ، وَمِنْ الْحِسَابِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا ذَكَرَ.
فَقَوْلُنَا الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ أَيْ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَرُتْبَةً فَشَمِلَ قَوْلُنَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا الْفِقْهَ الْبَاحِثَ عَنْ تَمْيِيزِ مَنْ يَرِثُ مِمَّنْ لَا يَرِثُ وَعَنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَشُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ وَعَنْ أَحْوَالِ مَنْ يَرِثُ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا فَرْضًا وَعُصُوبَةً وَحَجْبًا وَعَنْ قَدْرِ الْفَرْضِ وَأَحْوَالِهِ اتِّحَادًا وَاخْتِلَافًا خَالِيًا عَنْ الْعَوْلِ وَالرِّدْء وَمُلْتَبِسًا بِأَحَدِهِمَا وَعَنْ أَحْوَالِ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الْعُصُوبَةُ وَالرَّدْءِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ، وَعَنْ مَرَاتِبِ الْعَصَبَةِ وَعَنْ أَحْوَالِ اجْتِمَاعِ جِهَتَيْ فَرْضٍ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ أَوْ جِهَتَيْ تَعْصِيبٍ أَوْ جِهَتَيْ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ وَعَنْ أَحْوَالِ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ فَقَطْ أَوْ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ أَوْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ وَعَدَمِهِ، وَعَنْ أَحْوَالِ الْحَجْبِ هَلْ هُوَ نُقْصَانٌ أَوْ حِرْمَانٌ وَهَلْ الْحِرْمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ فِي الْحَالِ، وَعَنْ مُوجِبِ ذَلِكَ هَلْ هُوَ تَقَدُّمُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ أَوْ قِيَامُ الْمَانِعِ بِهِ أَوْ انْقِطَاعُ السَّبَبِ أَوْ الشَّكُّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَشَمِلَ قَوْلُنَا: وَرُتْبَةً الْفِقْهَ الْبَاحِثَ عَنْ رُتْبَةِ الْإِرْثِ، وَأَنَّ ثُبُوتَهُ مِنْ بَعْدِ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ، وَمُؤَنِ التَّجْهِيزِ، وَالْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، وَشَمِلَ عِلْمُ الْحِسَابِ عِلْمَ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، وَشَمِلَ الْحَقُّ الْإِرْثَ وَغَيْرَهُ كَالْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَالْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ.
فَيَدْخُلُ عِلْمُ الْوَصَايَا فِي الْفَرَائِضِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَوْضُوعُهُ التَّرِكَاتُ أَيْ: أَخْذُهَا وَتَنَاوُلُهَا، وَقَالَ الصُّورِيُّ الْمَالِكِيُّ مَوْضُوعُهُ الْعَدَدُ قَالَ ابْنُ الْهَائِمِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَرَائِضِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْفِقْهِ وَالْحِسَابِ، وَالْعَدَدُ مَوْضُوعُ الْحِسَابِ فَلَا يَكُونُ مَوْضُوعًا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِلْمٍ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ بِمَوْضُوعِهِ كَمَا يَتَمَيَّزُ بِتَعْرِيفِهِ وَتَعْرِيفُ كُلِّ عِلْمٍ لَا يَكُونُ تَعْرِيفًا لِغَيْرِهِ فَكَذَا مَوْضُوعُهُ وَإِلَّا لَزِمَ خَلْطُ
وَشَرْعًا هُنَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، وَوَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى تَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا أَخْبَارٌ مِنْهَا خَبَرُ:«تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ، وَرُوِيَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي بِهَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ خَبَرَ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» وَسُمِّيَ نِصْفًا لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ الْمُقَابِلِ لِلْحَيَاةِ، وَقِيلَ: النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ قَالَ الشَّاعِرُ
إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ
…
وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ.
(وَفِيهِ أَبْوَابٌ) عَشَرَةٌ
(الْأَوَّلُ فِي) بَيَانِ (الْوَرَثَةِ وَقَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ) ، وَأَسْبَابِ التَّوْرِيثِ (وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ التَّرِكَةِ) وُجُوبًا (بِحَقٍّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ) مِنْهَا تَقْدِيمًا لِصَاحِبِ التَّعَلُّقِ كَمَا فِي الْحَيَاةِ (كَمَرْهُونٍ وَ) رَقِيقٍ (جَانٍ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ جِنَايَةً تُوجِبُ مَالًا مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ أَوْ قَوَدًا وَعُفِيَ بِمَالٍ (وَمَالِ زَكَاةٍ وَمَبِيعٍ اشْتَرَاهُ) قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ (وَمَاتَ مُفْلِسًا) لَا مُوسِرًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَكِتَابَةٍ، وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَالزَّكَاةِ وَحَقِّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِالْمَرْهُونِ وَالْجَانِي وَالْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْمَبِيعُ سَوَاءٌ أَحُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَوْتِهِ أَمْ لَا، وَلَيْسَتْ صُوَرُ التَّعَلُّقِ مُنْحَصِرَةً فِي الْمَذْكُورَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ فِي أَوَّلِهَا وَالْحَاصِرُ لَهَا التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ.
فَمِنْهَا: سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْوَفَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا، وَمِنْهَا: الْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى نُجُومَ الْكِتَابَةِ وَمَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْإِيتَاءِ وَالْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ بَاقٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَذَكَرْت صُوَرًا أُخْرَى مَعَ إشْكَالٍ لِلسُّبْكِيِّ فِي صُورَتَيْ الزَّكَاةِ وَمَبِيعِ الْمُفْلِسِ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي مَنْهَجِ الْوُصُولِ (ثُمَّ) يَبْدَأُ مِنْهَا (بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) وَتَجْهِيزِ مُمَوَّنِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُفْلِسِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ بَلْ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ كَسْبِهِ (بِالْمَعْرُوفِ) بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ وَلَا عِبْرَةَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
عِلْمٍ بِآخَرَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَمَسَائِلُهُ هِيَ الْقَضَايَا الَّتِي تَطْلُبُ نِسْبَةَ مَحْمُولَاتِهَا إلَى مَوْضُوعَاتِهَا فِي هَذَا الْعِلْمِ وَاسْتِمْدَادُهُ الْفِقْهَ وَالْحِسَابَ وَغَايَتُهُ إيصَالُ الْحُقُوقِ إلَى ذَوِيهَا.
(تَنْبِيهٌ)
كَمَا تُورَثُ الْأَمْوَالُ تُورَثُ الْحُقُوقُ وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ تَابِعًا لِلْمَالِ يُورَثُ عَنْهُ كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَكَذَلِكَ مَا يَرْجِعُهُ لِلتَّشَفِّي كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ لَا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ حَقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ لِتُقْضَى الدُّيُونُ وَلَا يُتَصَوَّرُ إرْثٌ لِحَقٍّ يَكُونُ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا مَالِيًّا لَكِنَّهُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَا يُورَثُ وَبِخِلَافِ مَا يَرْجِعُ لِلشَّهْوَةِ وَالْإِرَادَةِ كَخِيَارِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَمَاتَ وَلَمْ يُلَاعِنْ (قَوْلُهُ: يَبْدَأُ مِنْ التَّرِكَةِ) التَّعْبِيرُ بِالتَّرِكَةِ يَشْمَلُ مَا لَوْ مَاتَ عَنْ خَمْرٍ فَتَخَلَّلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ عَنْ شَبَكَةٍ نَصَبَهَا فَوَقَعَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي قَتْلِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: وَمَالِ زَكَاةٍ) قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النِّصَابُ بَاقِيًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ فَلَا يَكُونُ تَرِكَةً فَلَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا تَعَلُّقُ جِنَايَةٍ أَوْ رَهْنٍ فَقَدْ ذُكِرَا، وَإِنْ عَلَّقْنَاهَا بِالذِّمَّةِ فَقَطْ أَوْ كَانَ النِّصَابُ تَالِفًا فَإِنْ قَدَّمْنَا دَيْنَ الْآدَمِيِّ أَوْ سَوَّيْنَا فَلَا اسْتِثْنَاءَ وَإِنْ قَدَّمْنَاهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَتُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيّ لَا عَلَى التَّجْهِيزِ، وَأَقُولُ أَوَّلًا قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَكَلَامُهُ فِي تَرْدِيدَاتِهِ غَيْرُ الثَّانِي يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّتِهِ، وَثَانِيًا يُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ مِنْ تَرْدِيدَاتِهِ قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ تَرِكَةً قُلْتُ مُسْلِمٌ وَلَا يَخْرُجُ حِينَئِذٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ التَّرِكَةِ عَلَى الْمَجْمُوعِ الَّذِي مِنْ الْحَقِّ الْجَائِزِ تَأْدِيَتُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَافٍ فِي الْحَاجَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَصِحَّتِهِ فَتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي كُلِّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَمَبِيعٍ اشْتَرَاهُ. . . إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ: الثَّابِتُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ فُسِخَ عَلَى الْفَوْرِ خَرَجَتْ عَنْ التَّرِكَةِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ وَإِنْ أَخَذَ بِلَا عُذْرٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا فَتُقَدَّمُ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ مِنْهَا عَلَيْهِ أَوْ لِعُذْرٍ فَهِيَ مِلْكُ الْوَرَثَةِ، وَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا، فَيَحْتَمِلُ تَقْدِيمُ حَقِّهِ كَالْمُرْتَهِنِ، وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا لِتَقَدُّمِ حَقِّهِمَا وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ إلَّا بِالْمَوْتِ مُفْلِسًا فَهُوَ كَتَعَلُّقِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمُفْلِسِ وَالْمُفْلِسُ يُقَدَّمُ بِمُؤْنَةِ يَوْمِهِ فَيَكُونُ هَذَا مِثْلَهُ. اهـ.
وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: خَرَجَتْ عَنْ التَّرِكَةِ قُلْتُ مَمْنُوعٌ إذْ الْفَسْخُ إنَّمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ مِنْ الصَّحِيحِ لَا يُقَالُ إنَّمَا عَنَى بِخُرُوجِهَا عَنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا قَبْلَهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا لَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ سَائِرِ الْحُقُوقِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى غَيْرِهَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ التَّرِكَةِ بِالتَّقْدِيمِ مَثَلًا بِيعَ الْعَبْدُ الْجَانِي فِي الْجِنَايَةِ وَإِنْ خَرَجَ بِبَيْعِهِ عَنْ التَّرِكَةِ لَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَوْ بِاخْتِيَارِ الثَّالِثِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ مِنْهُ أَعْنِي تَقْدِيمَ حَقِّهِ هُوَ الْمُتَّجَهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَتَعَلُّقِ الْغُرَمَاءِ بِمَالِ الْمُفْلِسِ لَيْسَ بِظَاهِرِ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ بَيْنَ الْمُتَابِعِينَ فِي مَسْأَلَتِنَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وَمُعَاقِدِهِ عَلَيْهِمَا عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغُرَمَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالِ الْمُفْلِسِ م (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِرُ لَهَا التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ) فَهُوَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ لَا تَكَادُ تُحْصَرُ جُزْئِيَّاتُهُ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: قَدْ جَمَعْتُ فُرُوعَ مَا يُقَدَّمُ عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ فَجَاءَتْ نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً (قَوْلُهُ: ثُمَّ بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَدْفَعُ إلَى الْوَارِثِ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ الْمُوَرِّثُ لِأَنَّهُ إذَا تَرَكَ لِلْحَيِّ عِنْدَ فَلَسِهِ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يُسْتَرَ وَيُوَارَى لِأَنَّ الْحَيَّ يُعَالَجُ وَيَسْعَى لِنَفْسِهِ وَقَدْ «كَفَّنَ صلى الله عليه وسلم مُصْعَبًا فِي بُرْدٍ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا» وَكَتَبَ أَيْضًا يَسْتَثْنِي الْمَرْأَةَ الْمُزَوَّجَةَ فَإِنَّ مُؤْنَةَ تَجْهِيزِهَا عَلَى زَوْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً