الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَك وَبَارَكَ عَلَيْك وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرَ قَوْلِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَنْ هَذَا أَوْ تَقْدِيمِهِ عَلَى بِالْبَرَكَةِ لِيُوَافِقَ مَا فِي الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَوَّلَ مَا يَلْقَى زَوْجَتَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنَّا فِي صَاحِبِهِ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا (وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ) لِخَبَرٍ وَرَدَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالرِّفَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ الِالْتِئَامُ وَالِاتِّفَاقُ مِنْ قَوْلِهِمْ رَفَأْت الثَّوْبَ (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْوَلِيِّ (عَرْضُ مُوَلِّيَتِهِ عَلَى ذَوِي الصَّلَاحِ) كَمَا فَعَلَ شُعَيْبٌ بِمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعُمَرُ بِعُثْمَانَ ثُمَّ بِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهم (وَإِحْضَارُ الصَّالِحِينَ لِلْعَقْدِ) زِيَادَةً عَلَى الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ (وَأَنْ يَنْوِيَ بِالنِّكَاحِ السُّنَّةَ وَالصِّيَانَةَ) لِدِينِهِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ إنْ قَصَدَ بِالنِّكَاحِ طَاعَةً مِنْ وَلَدٍ صَالِحٍ أَوْ إعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ صِيَانَةَ فَرْجِهِ وَنَحْوَهُ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْآخِرَةِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الدُّنْيَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ
[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ]
[الرُّكْن الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ وَهِيَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ]
(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ)(وَهِيَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ) الصِّيغَةُ وَهِيَ (الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ النِّكَاحِ) بِمَعْنَى الْإِنْكَاحِ وَالْمُرَادُ بِلَفْظِ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا وَهُوَ (شَرْطٌ) فَلَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِهِمَا كَلَفْظِ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْهِبَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْزِعُ إلَى الْعِبَادَاتِ لِوُرُودِ النَّدْبِ فِيهِ، وَالْأَذْكَارُ فِي الْعِبَادَاتِ تُتَلَقَّى مِنْ الشَّرْعِ وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» فَقِيلَ وَهْمٌ مِنْ الرَّاوِي وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ زَوَّجْتُكهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ وَأَفَادَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " شَرْطٌ " أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ الرُّكْنِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لَهُ وَلَوْ نَصَبَهُ كَانَ أَوْلَى (لَوْ) كَانَ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ (بِالْعَجَمِيَّةِ) فَإِنَّهُ يَكْفِي وَإِنْ أَحْسَنَ قَائِلُهَا الْعَرَبِيَّةَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إعْجَازٌ فَاكْتَفَى بِتَرْجَمَتِهِ هَذَا (إنْ فَهِمَاهَا) بِأَنْ فَهِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَلَامَ نَفْسِهِ وَكَلَامَ الْآخَرِ سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ اللُّغَتَانِ أَمْ اخْتَلَفَتَا.
(فَإِنْ فَهِمَهُمَا ثِقَةٌ) دُونَهُمَا وَأَخْبَرَهُمَا بِمَعْنَاهَا (فَوَجْهَانِ) رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الْمَنْعَ كَمَا فِي الْعَجَمِيِّ الَّذِي ذَكَرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ مَعْنَاهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ قَالَ: وَصُورَتُهُ أَنْ لَا يَفْهَمَهَا إلَّا بَعْدَ إتْيَانِهِ بِهَا فَلَوْ أَخْبَرَ بِمَعْنَاهَا قَبْلُ صَحَّ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَمَا قَالَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَيَنْعَقِدُ أَيْضًا بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي مَوَانِعِ الْوِلَايَةِ، وَالْإِيجَابُ (كَزَوَّجْتُكَ وَأَنْكَحْتُك) ابْنَتِي (فَيَقُولُ) الزَّوْجُ (تَزَوَّجْت) هَا أَوْ (نَكَحْت) هَا (أَوْ قَبِلْت نِكَاحَهَا) أَوْ تَزْوِيجَهَا أَوْ هَذَا النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ، وَلَوْ قَالَ وَيَقُولُ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى؛ إذْ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْإِيجَابِ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك أَوْ نَكَحْتهَا فَقَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكهَا أَوْ أَنْكَحْتُكهَا صَحَّ، وَلَوْ قَالَ رَضِيت نِكَاحَهَا فَكَقَوْلِهِ قَبِلْت نِكَاحَهَا كَمَا حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.
وَقَوْلُ السُّبْكِيّ نَقْلُ هَذَا الْإِجْمَاعِ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَيْ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اكْتَفَى بِقَبِلْتُ نِكَاحَهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرَّضَاعِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكْتَفِيَ بِرَضِيتُ نِكَاحَهَا. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: وَكَزَوَّجْتُكَ زَوَّجْت لَك أَوْ إلَيْك فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ (لَا قَبِلْت فَقَطْ) لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِوَاحِدٍ مِنْ لَفْظَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ لِحَاجَتِهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
[فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلزَّوْجَيْنِ بِالْبَرَكَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ]
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ)
(قَوْلُهُ بِمَعْنَى الْإِنْكَاحِ) صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ اللُّغَوِيِّينَ بِأَنَّ النِّكَاحَ مَصْدَرٌ كَالْإِنْكَاحِ وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ) أَوْ أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَى بِالْمَعْنَى ظَنًّا مِنْهُ تَرَادُفَهُمَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إعْجَازٌ إلَخْ) فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَا يُحْسِنُ النُّطْقَ بِالْكَافِ بَلْ بِالْهَمْزَةِ فَقَالَ قَبِلْت نَآحَهَا أَوْ هَذَا النَّوْحَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَرْجَمَهُ بِلُغَتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ زَوَّجْت أَوْ أَنْأَحْتُأَ بِإِبْدَالِ الْكَافِ هَمْزَةً ت وَمِثْلُ هَذَا مَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ جَوَّزْتُكَهَا فَقَالَ الزَّوْجُ تَجَوَّزْت وَعُلِمَ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الِانْعِقَادِ بِالْعَجَمِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَيْنَ مَنْ لَا تُحْسِنُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْمَعْدُولِ عَنْهَا وَبَيْنَ مَنْ يُحْسِنُهَا وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ صَحَّ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْآتِي بِالْإِيجَابِ يَعْرِفُ مَعْنَى مَا أَتَى بِهِ دُونَ صَاحِبِهِ.
(قَوْلُهُ فَيَقُولُ الزَّوْجُ تَزَوَّجْت إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ صِحَّةَ النِّكَاحِ فَقَطْ وَأَمَّا الْمُسَمَّى فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا صَرَّحَ الزَّوْجُ بِهِ فِي لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ قَبِلْت نِكَاحَهَا عَلَى هَذَا الصَّدَاقِ أَوْ نَحْوَهُ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا نَوَى الْقَبُولَ بِغَيْرِ الْمُسَمَّى فَإِنْ نَوَى الْقَبُولَ بِهِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ بِهِ وَلَزِمَ كَمَا فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْت ابْنَتَك إلَخْ) أَوْ أَتَزَوَّجُهَا الْآنَ أَوْ أَنَا نَاكِحُهَا الْآنَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ رَضِيت نِكَاحَهَا إلَخْ) وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ قَالَ اخْتَرْت نِكَاحَهَا أَوْ أَرَدْت نِكَاحَهَا صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ قَبِلْت؛ لِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِالْقَبُولِ (قَوْلُهُ وَكَزَوَّجْتُكَ زَوَّجْت لَك) أَوْ إلَيْك أَوْ مِنْك أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَا تُزَادُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ) أَيْ فِي الصِّلَاتِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِوَاحِدٍ مِنْ لَفْظَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ) وَالْخِطَابُ وَإِنْ كَانَ مُعَادًا فِي الْجَوَابِ لَكِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَاتِ
إلَى مَزِيدِ احْتِيَاطٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَفِي قَبِلْتهَا أَوْ قَبِلْت النِّكَاحَ) أَوْ التَّزْوِيجَ (تَرَدُّدٌ) أَيْ خِلَافٌ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا الصِّحَّةُ فِي قَبِلْت النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ دُونَ قَبِلْتهَا وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ (وَلَا يَنْعَقِدُ بِكِنَايَةٍ) إذْ لَا مَطْلَعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ الْكِنَايَةُ فِي الصِّيغَةِ أَمَّا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك ابْنَتِي فَقَبِلَ وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً صَحَّ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّ الشُّهُودَ لَا مَطْلَعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ فَالْكِنَايَةُ مُغْتَفَرَةٌ فِي ذَلِكَ (وَ) لَا بِ (كِتَابَةٍ) وَفِي نُسْخَةٍ وَبِكِتَابَةٍ فِي غَيْبَةٍ أَوْ حُضُورٍ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا بَلْ لَوْ قَالَ لِغَائِبٍ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي أَوْ قَالَ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ كَتَبَ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَوْ الْخَبَرُ فَقَالَ قَبِلْت لَمْ يَصِحَّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى وَسَكَتَ عَنْ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ كَلَامِهِ.
وَعَلَّلَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيّ عَدَمَ الصِّحَّةِ بِتَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ فِيهِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ حَيْثُ نَقَلَهَا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ تَفْرِيعًا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ وَأَقَرَّهُ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، ثَمَّ وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ بَابَ الْبَيْعِ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ انْعِقَادِهِ بِالْكِنَايَاتِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهِ، وَجَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ الرَّاجِحَ فِيهِمَا عَدَمَ الصِّحَّةِ جَاعِلًا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ كَالرَّافِعِيِّ ثُمَّ عَنْ بَعْضِ الْأَصَحِّ لِلْأَبِ ضَعِيفٌ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَاضِي فَقِيهًا فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ لَمْ يَكْفِ الْكِتَابُ بَلْ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَطِّ عَلَى الصَّحِيحِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لِمَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ لَا لِقَوْلِ الْبُلْقِينِيِّ: أَنَّهُ لَيْسَ بِالْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي يَجُوزُ أَنْ يُوَلِّيَ نَائِبَهُ الْقَضَاءَ بِالْمُشَافَهَةِ وَالْمُرَاسِلَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا ثَمَّ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ وَحْدَهَا لَا تُفِيدُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إشْهَادِ شَاهِدَيْنِ عَلَى التَّوْلِيَةِ.
(وَمَتَى قَالَ زَوِّجْنِي فَقَالَ) الْوَلِيُّ (زَوَّجْتُك انْعَقَدَ) النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي خَطَبَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهُ زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبِلْت نِكَاحَهَا (وَمِثْلُهُ) فِي الِانْعِقَادِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ (تَزَوَّجْ ابْنَتِي فَيَقُولُ) الْخَاطِبُ (تَزَوَّجْتهَا) وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَمَتَى قَالَتْ طَلِّقْنِي) أَوْ خَالِعْنِي (أَوْ أَعْتِقْنِي أَوْ صَالِحْنِي عَنْ الْقِصَاصِ بِأَلْفٍ فَفَعَلَ انْعَقَدَ) وَلَزِمَ الْأَلْفُ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولٍ بَعْدَهُ (وَلَا يُجْزِئُ زَوَّجْتنِي ابْنَتَك) أَوْ تُزَوِّجْنِيهَا (أَوْ تَتَزَوَّجُ ابْنَتِي) أَوْ تَزَوَّجْتهَا (لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ) وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْبَيْعِ (وَلَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ) لِلْوَلِيِّ (زَوَّجْته ابْنَتَك فَقَالَ زَوْج) تُهَا (ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ قُلْ قَبِلْت نِكَاحَهَا فَقَالَ قَبِلْت نِكَاحَهَا انْعَقَدَ) النِّكَاحُ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُرْتَبِطَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَا أَوْ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَقَوْلُهُ " قُلْ " مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ " قَبِلْت نِكَاحَهَا " هُوَ مَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِهِ وَأَنَّهُ مُرَادُهُ بِتَعْبِيرِهِ فِي بَعْضِهَا بِقَبِلْتُ قَالَ وَأَمَّا تَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ بِقَبِلْتُهُ فَيُوهِمُ أَنَّ الْهَاءَ تَقُومُ مَقَامَ نِكَاحِهَا وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ. اهـ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّوْضَةَ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ النُّسَخِ الَّتِي عَبَّرَ فِيهَا بِقَبِلْتُ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ نُسَخَهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الْأَصْفُونِيَّ وَغَيْرَهُ عَبَّرُوا فِي مُخْتَصَرِهَا بِقَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّهُ مُرَادُ الرَّوْضَةِ
(فَرْعٌ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فَوْرًا كَالْبَيْعِ) فَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ وَإِذَا أَتَى أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِأَحَدِ شِقَّيْ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ إصْرَارِهِ عَلَيْهِ وَبَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ حَتَّى يُوجَدَ الشِّقُّ الْآخَرُ وَكَذَا الْآذِنَةُ فِي تَزْوِيجِهَا حَيْثُ يُعْتَبَرُ إذْنُهَا (فَإِنْ أَوْجَبَ) الْوَلِيُّ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَفِي قَبِلْتهَا أَوْ قَبِلْت النِّكَاحَ تَرَدُّدٌ) جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالصِّحَّةِ فِي قَبِلْتهَا (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ إلَخْ) ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهَا الْوَجْهُ وَأَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ الِانْعِقَادِ فِي قَبِلْتهَا لِعَدَمِ اللَّفْظِ الْمُعْتَبَرِ (قَوْلُهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ) وَيُقَوِّي الصِّحَّةَ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ تَقُومُ مَقَامَ الضَّمِيرِ كَثِيرًا لَا سِيَّمَا مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْإِيجَابِ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ أَتَى بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ كَأَنَا مُزَوِّجُك أَوْ أَنَا مُتَزَوِّجٌ فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا بَائِعُك دَارِي بِكَذَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخُلْعِ ر ت لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك فَقَالَ قَرَّرْت نِكَاحَهَا أَوْ ثَبَتَ نِكَاحُهَا فَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ ثَبَتَ نِكَاحُهَا أَوْ قَرَّرْته بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَالِابْتِدَاءِ وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَالتَّثْبِيتَ يَقْتَضِي شَيْئًا سَابِقًا، وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بَيْنَ قَرَّرْت فَلَا يَكْفِي وَبَيْنَ ثَبَتَ فَيَكْفِي وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (وَقَوْلُهُ إذْ لَا مُطَّلَعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ) وَالْإِثْبَاتُ عِنْدَ الْجُحُودِ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ وَقَرَائِنُ الْحَالِ لَا تَنْفَعُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ الْكِنَايَةُ فِي الصِّيغَةِ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْكِنَايَةُ فِي الصِّيغَةِ لَا الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكِنَايَةِ عَنْ الْعَقْدِ وَالْكِنَايَةِ عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْعَقْدِ غَيْرَ مُحْتَمِلَةٍ سَلَّمْنَا مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لَكِنَّ كَلَامَهُمْ غَيْرُ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُرَادُهُمْ إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي وَهُوَ مِنْ أَتْبَاعِ الْبَغَوِيّ فَقَالَ وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا بِإِشَارَةٍ أَوْ تَسْمِيَةٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ مَكَان أَوْ تَوَافَقَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَنَوَيَاهَا حَالَةَ الْعَقْدِ وَالشُّهُودُ كَانُوا عَالِمِينَ بِهَا هَذَا لَفْظُهُ فَلْيَنْزِلْ إطْلَاقُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ.
وَإِنْ أُجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ فَاطِمَةَ عَلَمٌ فَيَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى نِيَّةِ اللَّافِظِ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى اللَّفْظِ وَلَا يَفْتَقِرُونَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ إلَى نِيَّةِ اللَّافِظِ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ اللَّافِظِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِيَكُونَ لَفْظُهُ مُطَابِقًا لِمُرَادِهِ الظَّاهِرِ وَهُوَ صَرِيحٌ لَا كِنَايَةٌ فَلَا يَرِدُ اعْتِرَاضُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ اسْمُ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ فَقَالَ فَاطِمَةُ طَالِقٌ وَادَّعَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ مِنْ الْفَوَاطِمِ لَمْ يُقْبَلْ بَلْ يُحْكَمُ بِالْوُقُوعِ ر (قَوْلُهُ وَمَتَى قَالَ زَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُك انْعَقَدَ) صُورَتُهَا أَنْ يَذْكُرَ الْمَرْأَةَ صَرِيحًا أَوْ إشَارَةً أَوْ ضَمِيرًا (قَوْلُهُ فَقَالَ زَوَّجْتهَا) أَيْ إيَّاهُ
(قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فَوْرًا) يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَقْبَلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ إيجَابِ النِّكَاحِ