الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهَا فِيهَا حَقًّا، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ تَبَعًا لِصَرِيحِ كَلَامِ أَصْلِهِ خِلَافَهُ.
نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ إنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهِ لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ (وَإِنَّمَا حَلَفَ فِي الْأُولَى) الَّتِي قَالَ فِيهَا فَلَهَا تَحْلِيفُهُ (لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ إقْرَارٌ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ) ، وَهُوَ الْوَطْءُ (وَإِنْ أَتَتْ الْأَمَةُ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ) أَيْ سَيِّدَهَا (ثُمَّ) أَتَتْ (بِآخَرَ وَبَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَحِقَهُ إنْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ جَدِيدٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقِرَّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِرَاشَ يَبْطُلُ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَبِالْوِلَادَةِ أَوْلَى (أَوْ) أَتَتْ بِالْآخَرِ (لِأَقَلَّ مِنْ) سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لَحِقَهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِوَطْءٍ جَدِيدٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَيْنِ حِينَئِذٍ حَمْلٌ وَاحِدٌ (وَلَوْ أَقَرَّ) السَّيِّدُ (بِوَطْءِ الْأَمَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ فِي الدُّبُرِ) ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ (لَمْ يَلْحَقْهُ) ؛ لِأَنَّ سَبْقَ الْمَاءِ إلَى الْفَرْجِ بِالْوَطْءِ فِيمَا عَدَاهُ بَعِيدٌ، وَكَمَا فِي التَّحْصِينِ وَالتَّحْلِيلِ وَنَحْوِهِمَا (وَلَوْ قَالَ كُنْت) حَالَةَ الْوَطْءِ (أَعْزِلُ) عَنْهَا (لَحِقَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ، وَهُوَ لَا يُحِسُّ بِهِ؛ وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِنْزَالُ.
(فَصْلٌ: وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (لِزَمَنٍ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا لَحِقَ السَّيِّدَ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ) لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ (وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ) كَوْنُهُ (مِنْ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ) بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الشِّرَاءِ (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لِانْتِفَاءِ لُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ (إلَّا إنْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْمِلْكِ) بِغَيْرِ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ يُمْكِنُ حُدُوثُ الْوَلَدِ بَعْدَهُ بِأَنْ لَمْ يَدَّعِهِ أَوْ ادَّعَاهُ وَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ النِّكَاحِ إذْ الظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ أَوْ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ فَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ بَاقِيَ الِاثْنَتَيْنِ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَهَلْ نَقُولُ يَلْحَقُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ لَا وَيُقَيَّدُ إطْلَاقُهُمْ لُحُوقَ الْوَلَدِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ زَوْجَةٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ بِذَلِكَ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْحَقُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِالْيَمِينِ. قُلْت: بَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ لِانْتِفَاءِ فِرَاشِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا ذُكِرَ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا.
(كِتَابُ الرَّضَاعِ)
بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ، وَقَائِلُهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ الْمُوَافِقِ لِلُّغَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي جَوْفِ طِفْلٍ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَجُعِلَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ، وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءًا لِلرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَنِيَّهَا وَحَيْضَهَا فِي النَّسَبِ (وَتَأْثِيرُهُ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ) ابْتِدَاءً وَدَوَامًا (وَجَوَازُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ) وَعَدَمُ نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِاللَّمْسِ، وَإِيجَابُ الْغُرْمِ وَسُقُوطُ الْمَهْرِ كَمَا سَيَأْتِي (فَقَطْ) أَيْ دُونَ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ (وَفِيهِ أَبْوَابٌ) أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ فِي أَرْكَانِهِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الْمُرْضِعُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا امْرَأَةً حَيَّةً بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ) وَلَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُزَوَّجَةً أَمْ بِكْرًا أَمْ غَيْرَهُمَا (فَلَا تَحْرِيمَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَقَالَ إنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ) صَوَّبَ السُّبْكِيُّ حَمْلَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ فَإِنْ كَانَتْ لِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِيَمْتَنِعَ مِنْ بَيْعِهَا وَيُعْتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَحْلِفُ قَالَ، وَقَدْ قَطَعُوا بِتَحْلِيفِ السَّيِّدِ إذَا أَنْكَرَ الْكِتَابَةَ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ، وَقُلْنَا لَيْسَ إنْكَارُهُ رُجُوعًا قَالَ، وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ مَا يُزِيلُ الْإِبْهَامَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُشْبِهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا الْفِرَاشَ إلَخْ) ، وَالْمُرَادُ الْفِرَاشُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لَأَوْلَى لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ (قَوْلُهُ: فَبِالْوِلَادَةِ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْوِلَادَةِ عَلَى فَرَاغِ الرَّحِمِ قَطْعِيَّةٌ، وَدَلَالَةَ الْحَيْضِ عَلَى ذَلِكَ ظَنِّيَّةٌ إذْ الْحَامِلُ قَدْ تَحِيضُ.
[فَصْلٌ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ]
(قَوْلُهُ: قُلْت بَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى إقْرَارِ سَيِّدِهَا بِدُخُولِ مَنِيِّهِ فِي فَرْجِهَا، وَكَلَامُ شَيْخِنَا عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ رَأَيْته قَالَ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ بَاقِيَ الْأُنْثَيَيْنِ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ مَا يَتَأَتَّى مِنْهُ، وَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدٍ لِزَمَنِ الْإِمْكَانِ فَهَلْ يَلْحَقُهُ كَالزَّوْجَةِ أَمْ نَقُولُ لَا يَلْحَقُهُ فَيُقَيَّدُ إطْلَاقُهُمْ فِي إلْحَاقِ وَلَدِهِ بِالزَّوْجَةِ؟ . لَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ بِذَلِكَ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنْ يَلْحَقَهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِالْيَمِينِ.
[كِتَابُ الرَّضَاعِ]
[الْبَاب الْأَوَّل أَرْكَان الرَّضَاعَة]
(كِتَابُ الرَّضَاعِ)(قَوْلُهُ: أَيْ دُونَ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ كَالْمِيرَاثِ إلَخْ) وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمَالِ وَوُجُوبِ الْإِعْفَافِ وَسُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ وَسُقُوطِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ أَحَدِهِمَا مَالَ الْآخَرِ، وَمَنْعِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا امْرَأَةً حَيَّةً) يَشْمَلُ الْجِنِّيَّةَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَرِّمَ لَبَنُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ قَالَ النَّاشِرِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا فَلَا يَثْبُتُ تَحْرِيمٌ لِكَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَنْ يُنْكَحُ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَطْلَقُوا فِي الْوَصَايَا أَنَّ مَنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ بِأَنْ بَلَغَ الْغَرْغَرَةَ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَوْتَى فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ، وَلَا لِفِعْلِهِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ، وَالطِّفْلَ إذَا بَلَغَا أَوْ أَحَدُهُمَا هَذِهِ الْحَالَةَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالِارْتِضَاعِ، وَالْإِرْضَاعُ حُكْمٌ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجِنَايَاتِ وَبَيَانَ مَا فِيهَا. اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِلَبَنِ الْجِنِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ، وَالطِّفْلَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ إلَخْ) قَالَ الكوهكيلوني مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ الرَّضَاعَ تَقْرِيبٌ أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ عَنْ التِّسْعِ زَمَانٌ لَا يَسَعُ أَقَلَّ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَرَأَتْ الدَّمَ حُكِمَ بِالْحَيْضِ كَمَا إذَا بَقِيَ مِنْ تِسْعِ سِنِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلَا يَثْبُتُ، وَإِنْ بَقِيَ يَوْمٌ
بِلَبَنِ رَجُلٍ وَخُنْثَى حَتَّى يَتَّضِحَ) كَوْنُهُ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَائِعَاتِ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ أَثَرُ الْوِلَادَةِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ فِي الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى نَعَمْ يُكْرَهُ لَهُمَا نِكَاحُ مَنْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ النَّصِّ فِي لَبَنِ الرَّجُلِ (وَ) بِلَبَنِ (بَهِيمَةٍ) حَتَّى لَوْ شَرِبَ مِنْهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِغِذَاءِ الْوَلَدِ صَلَاحِيَّةَ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ؛ وَلِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ، وَمِنْهَا يَنْتَشِرُ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْعُ.
(وَ) لَا (بِلَبَنٍ انْفَصَلَ عَنْ مَيِّتَةٍ كَمَا لَا تَثْبُتُ الْمُصَاهَرَةُ) أَيْ حُرْمَتُهَا (بِوَطْئِهَا) وَلِضَعْفِ حُرْمَتِهِ بِمَوْتِهَا؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَهِيمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ لَبَنُ الْحَيَّةِ إلَى جَوْفِ الْمَيِّتِ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ فَكَذَا إنْ انْفَصَلَ مِنْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا (فَإِنْ انْفَصَلَ) مِنْهَا (وَهِيَ حَيَّةٌ) وَأُوجِرَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا (حَرُمَ) ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْهَا، وَهُوَ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ وَلَا تَحْرِيمَ بِلَبَنِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْوِلَادَةَ، وَاللَّبَنُ فَرْعُ الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَتْهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا فَاحْتِمَالُ الْبُلُوغِ قَائِمٌ وَالرَّضَاعُ تِلْوُ النَّسَبِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ، وَالسِّنِينَ هُنَا قَمَرِيَّةٌ تَقْرِيبِيَّةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: سِنَّ الْحَيْضِ.
(الرُّكْنُ الثَّانِي اللَّبَنُ وَيَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ) عَنْ هَيْئَتِهِ حَالَةَ انْفِصَالِهِ عَنْ الثَّدْيِ (كَالْجُبْنِ وَالزُّبْدِ أَوْ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ أَوْ خَالَطَهُ مَاءٌ أَوْ خَمْرٌ) أَوْ نَحْوُهُمَا (وَغَلَبَ) اللَّبَنُ عَلَى الْخَلِيطِ بِأَنْ ظَهَرَتْ إحْدَى صِفَاتِهِ الْآتِيَةِ لِوُصُولِ عَيْنِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ وَحُصُولِ التَّغَذِّي بِهِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ مَغْلُوبًا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مِنْ صِفَاتِهِ الثَّلَاثِ) الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرِّيحِ حِسًّا وَتَقْدِيرًا (شَيْءٌ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِذَلِكَ وَلَيْسَ كَالنَّجَاسَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا تُؤَثِّرُ فَإِنَّهَا تُجْتَنَبُ لِلِاسْتِقْذَارِ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالْكَثْرَةِ وَلَا كَالْخَمْرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ فَإِنَّ الْحَدَّ مَنُوطٌ بِالشِّدَّةِ الْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ (لَكِنْ يُشْتَرَطُ) فِي ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِذَلِكَ (شُرْبُ الْجَمِيعِ فَإِنْ شَرِبَ بَعْضَهُ مُتَحَقِّقًا أَنَّهُ وَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ) إلَى الْجَوْفِ كَأَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَخْلُوطِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ اللَّبَنِ (حَرَّمَ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْهُ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ اللَّبَنِ) الْمَخْلُوطِ (مِقْدَارَ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَثَّرَ) فِي التَّحْرِيمِ بِأَنْ يُمْكِنَ أَنْ يُسْقَى مِنْهُ خَمْسُ دَفَعَاتٍ (وَلَا يَضُرُّ) فِي التَّحْرِيمِ (غَلَبَةُ الرِّيقِ لِقَطْرَةِ اللَّبَنِ) الْمَوْضُوعَةِ فِي الْفَمِ إلْحَاقًا لَهُ بِالرُّطُوبَاتِ فِي الْمَعِدَةِ. (فَرْعٌ: لَبَنُ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُخْتَلِطُ يُثْبِتُ أُمُومَتَهُمَا وَفِي الْمَغْلُوبِ) مِنْ اللَّبَنَيْنِ (التَّفْصِيلُ) السَّابِقُ فَتَثْبُتُ الْأُمُومَةُ لِغَالِبَةِ اللَّبَنِ، وَكَذَا لِمَغْلُوبَتِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ.
(الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمَحَلُّ، وَهِيَ مَعِدَةُ) أَوْ دِمَاغُ (الطِّفْلِ الْحَيِّ) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً سَوَاءٌ أَوَصَلَ إلَيْهِمَا اللَّبَنُ بِالِارْتِضَاعِ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْإِيجَارِ وَلَوْ نَائِمًا (لَا) الطِّفْلِ الْمَيِّتِ لِخُرُوجِهِ عَنْ التَّغَذِّي وَنَبَاتِ اللَّحْمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ (وَلَا ابْنِ حَوْلَيْنِ) لِخَبَرِ «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ، وَكَانَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِخَبَرِ «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ جَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَهُمَا بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سَهْلٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَقَدْ نَزَلَ فِي التَّبَنِّي وَالْحِجَابِ مَا قَدْ عَلِمْت فَمَاذَا تَأْمُرُنِي فَقَالَ أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يَحْرُمُ بِهِنَّ عَلَيْك فَفَعَلْت فَكَانَتْ تَرَاهُ ابْنًا» فَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِسَالِمٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا وَيُعْتَبَرُ الْحَوْلَانِ (بِالْأَهِلَّةِ مِنْ تَمَامِ الِانْفِصَالِ) لِلْوَلَدِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ (فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَوَجْهَانِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يُشْبِهُ تَرْجِيحَ التَّأْثِيرِ لِوُجُودِ الرَّضَاعِ حَقِيقَةً، وَهُوَ قِيَاسُ مَا صَحَّحُوهُ فِيمَنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ فَخُرْجَانُ رَقَبَتِهِ، وَهُوَ حَيٌّ مِنْ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ، وَعَلَيْهِ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينَ ارْتَضَعَ. انْتَهَى.
وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ ارْتِكَابِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ إذْ الْمَحْكِيُّ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ وَجْهَانِ ابْتِدَاءُ الْخُرُوجِ وَانْتِهَاؤُهُ وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْحَزِّ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ نَظَائِرِهَا فَلَا اضْطِرَابَ فِيهِمَا اسْتِصْحَابًا لِلضَّمَانِ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ (وَيُتَمَّمُ الْمُنْكَسِرُ) مِنْ الْأَهِلَّةِ (ثَلَاثِينَ) مِنْ الشَّهْرِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَهُوَ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ) قَالَ شَيْخُنَا مَعْنَى كَوْنِهِ حَلَالًا مُحْتَرَمًا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرَّضَاعِ، وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ أَيْضًا، وَإِنْ انْفَصَلَ مِنْ مَيِّتَةٍ (قَوْلُهُ: فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ) ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَبَّرَ بِاحْتِمَالِ الْبُلُوغِ لِاقْتِضَاءِ الْوِلَادَةِ تَقَدُّمَ الْحَمْلِ، وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَالسِّنِينَ هُنَا قَمَرِيَّةٌ تَقْرِيبِيَّةٌ إلَخْ) ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَبَحَثَهُ الْبَارِزِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ كَثِيرِينَ لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ التِّسْعَ هُنَا تَحْدِيدِيَّةٌ.
اللَّبَنُ (مِنْ أَرْكَانِ الرَّضَاعِ)(قَوْلُهُ: الرُّكْنُ الثَّانِي اللَّبَنُ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يَذْكُرُوا فِي الْجُبْنِ وَنَحْوِهِ الْقَدْرَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا لَوْ كَانَ لَبَنًا أَمْكَنَ أَنْ يَرْتَضِعَ مِنْهُ خَمْسَةَ رَضَعَاتٍ، وَأَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ مَوْجُودًا فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الِانْتِهَاءِ، وَلَا يَضُرُّ فِي أَكْلِهِ الشِّبَعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَأْكُولِ، وَالْمُعْتَبَرُ مَا ذَكَرَهُ فِي اللَّبَنِ، وَلَوْ امْتَصَّ مِنْ ثَدْيِهَا دَمًا أَوْ قَيْحًا فَلَا تَحْرِيمَ صَرَّحَ بِهِ فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ امْتَصَّ مَاءً فَفِي الْإِيضَاحِ أَنْ قَالَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ هُوَ لَبَنٌ رَقَّ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ، وَإِلَّا فَلَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا ابْنُ حَوْلَيْنِ) لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي الرَّضْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا لَمْ تَتِمَّ لَهُ الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ سَنَتَيْنِ لَمْ يَحْرُمْ لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي جَوْفِهِ إلَّا خَمْسُ قَطَرَاتٍ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ قَطْرَةٌ حَرُمَ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ: مِنْ تَمَامِ الِانْفِصَالِ إلَخْ) هَذَا مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَجَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِهِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ) لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَحْرُمُ عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ أَنْ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْعِدَدِ: إنَّ أَحْكَامَ الْجَنِينِ بَاقِيَةٌ لِلْمُنْفَصِلِ بَعْضُهُ كَمَنْعِ الْإِرْثِ وَسِرَايَةِ عِتْقِ الْأُمِّ إلَيْهِ وَعَدَمِ إجْزَائِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَوُجُوبِ الْغُرَّةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأُمِّ وَتَبَعِيَّتِهَا فِي الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ) أَيْ كَالْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.