الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالنَّوَوِيُّ إنَّمَا حَرَّمَ نَظَرَ ذَلِكَ بِلَا حَاجَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ هُنَا كَمَا سَيَأْتِي فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ «بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُغِيرَةِ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» أَيْ تَدُومَ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَبِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ جَابِرٍ «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» قَالَ جَابِرٌ فَخَطَبْت جَارِيَةً وَكُنْت أَتَخْبَأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخِطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهَا لَرُبَّمَا أَعْرَضَ عَنْ مَنْظُورِهِ فَيُؤْذِيهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ رَغْبَةٍ فِي نِكَاحِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى النَّظَرِ قَبْلَهَا وَالْمُرَادُ بِخَطَبَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ رَغِبَ فِي خِطْبَتِهَا بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إذَا أَلْقَى فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اسْتِحْبَابَ النَّظَرِ بِمَنْ يَرْجُو رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلِكُلٍّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْآخَرِ.
(وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ الْآخَرُ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلِئَلَّا يَتَزَيَّنَ فَيَفُوتَ غَرَضُهُ سَوَاءٌ (خَشِيَ فِتْنَةً أَمْ لَا) لِغَرَضِ التَّزَوُّجِ (وَلَهُ تَكْرِيرُهُ) أَيْ النَّظَرِ إلَيْهِ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ لِتَبَيُّنِ هَيْئَتِهِ فَلَا يَنْدَمُ بَعْدَ نِكَاحِهِ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ وَفِي خَبَرِ عَائِشَةَ الَّذِي تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ الرُّؤْيَةَ قَبْلَ الْخِطْبَةِ أَرَيْتُك ثَلَاثَ لَيَالٍ (فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ) نَظَرُهُ إلَيْهَا (بَعَثَ امْرَأَةً) أَوْ نَحْوَهَا (تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ اُنْظُرِي عُرْقُوبَيْهَا وَشُمِّي عَوَارِضَهَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ «وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا» وَتَقْيِيدُ الْبَعْثِ بِعَدَمِ التَّيَسُّرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَيْضًا لَكِنَّ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْكَافِي وَالْبَسِيطِ وَغَيْرَهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ أَنْ يَصِفَ لِلْبَاعِثِ زَائِدًا عَلَى مَا يَنْظُرُهُ هُوَ فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ بِنَظَرِهِ (فَإِنْ لَمْ يُعْجِبْهُ سَكَتَ) وَلَا يَقُلْ لَا أُرِيدُهَا؛ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ وَحُكْمُ عَدَمِ تَيَسُّرِ نَظَرِهَا إلَيْهِ مَفْهُومٌ مِمَّا قَالَهُ بِالْأَوْلَى وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا يَشْمَلُهُمَا كَانَ أَنْسَبَ بِمَا قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ
(فَصْلٌ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ)
فِيمَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ نَفْسِهِ (مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَعَكْسِهِ جَائِزٌ) وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الثَّانِيَةِ {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَمَا مَرَّ وَقِيسَ بِهَا الْأُولَى وَهَذَا مَا فِي الْأَصْلِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ التَّحْرِيمُ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ وَبِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَبْلَ الْخِطْبَةِ إنْ رَجَا الْإِجَابَةَ رَجَاءً ظَاهِرًا نَظَرُ غَيْرِ عَوْرَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ (قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ وَبَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى نِكَاحِهِ لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّغْبَةِ الْعَزْمُ (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ إلَخْ) وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ «الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا» وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ «الْمُغِيرَةِ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا» (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَلِئَلَّا تَتَزَيَّنَ فَيَفُوتَ غَرَضُهُ) وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ فَتَحْصُلُ النَّفْرَةُ وَيَفُوتُ الْغَرَضُ أَوْ تَخْجَلُ عِنْدَ نَظَرِهِ فَتَتَغَيَّرُ الْبَشَرَةُ عَنْ صِفَتِهَا الْخُلُقِيَّةِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ) ضَبْطُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهُ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ) هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ بِهَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ د (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ بَعَثَ امْرَأَةً إلَخْ) لَوْ كَانَ لِلْمَخْطُوبَةِ أَخٌ أَمْرَدُ أَوْ وَلَدٌ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ رُؤْيَتُهَا وَسَمَاعُ وَصْفِهَا مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ فَهَلْ لَهُ رُؤْيَةُ وَلَدِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ حَاجَةً أَوْ لَا لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُسْنِ جَازَ لَهُ النَّظَرُ وَإِلَّا فَلَا ع، وَقَوْلُهُ وَظَهَرَ لِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهَا) مِمَّنْ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا س (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَ الْكَافِي وَالْبَسِيطِ وَغَيْرَهُمْ أَطْلَقُوا ذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ فَيَسْتَفِيدُ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُ بِنَظَرِهِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَا تَصِفُ لَهُ مِنْ بَدَنِهَا إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمُصَنَّفِينَ كَصَاحِبِ الْحَاوِي أَنَّهُ يَبْعَثُ امْرَأَةً تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا لَهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَصِفُ لَهُ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَصِفُ لَهُ مِنْهَا مَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حِكَايَةَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجَانِبِ حَرَامٌ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فَتَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهَا» وَمِنْ هُنَا حَرُمَ نَظَرُ الذِّمِّيَّةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَتُهَا لِلْكُفَّارِ اهـ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ يَقْتَضِي جَوَازَ حِكَايَةِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ كَتَبَ عَلَيْهِ ضَعِيفٌ
[فَصْلٌ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ]
(قَوْلُهُ نَظَرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ عَوْرَتُهَا مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ كُبْرَى وَصُغْرَى فَالْكُبْرَى مَا عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَالصُّغْرَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَيَجِبُ سَتْرُ الْكُبْرَى فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا عَنْ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَالْخَنَاثَى وَالصُّغْرَى عَنْ النِّسَاءِ وَإِنْ قَرُبْنَ وَكَذَا عَنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ وَالصِّبْيَانِ وَهَلْ عَوْرَتُهَا مَعَ الشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْمَجْبُوبِ الصُّغْرَى أَوْ الْكُبْرَى وَجْهَانِ قَالَ شَيْخُنَا أَصَحُّهُمَا ثَانِيهِمَا مَعَ زِيَادَةِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ إلَخْ) الْمُرَاهِقَةُ كَالْمُرَاهِقِ فِي حُكْمِهِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ التَّحْرِيمُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) نُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هَذَا الِاتِّفَاقَ وَأَقْرَأَهُ وَعَلَّلَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ مَرْدُودٌ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ مَعْنَى كَوْنِ الْمُرَاهِقِ كَالْبَالِغِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَنْظُورَ إلَيْهَا الِاحْتِجَابُ مِنْهُ كَمَا يَلْزَمُهَا الِاحْتِجَابُ مِنْ الْمَجْنُونِ قَطْعًا وَقَوْلُهُمْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ مَا لَا يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ الْمِهْنَةِ
الْفِتْنَةِ وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ فَاللَّائِقُ بِمَحَاسِن الشَّرِيعَةِ سَدُّ الْبَابِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَصَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ انْتَهَى وَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ أَيْ مَنْعِ الْوُلَاةِ لَهُنَّ مِمَّا ذُكِرَ لَا يُنَافِي مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُنَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُنَّ مِنْ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِنَّ فِي ذَاتِهِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ وَفِي تَرْكِهِ إخْلَالٌ بِالْمُرُوءَةِ (كَالْإِصْغَاءِ) مِنْ الرَّجُلِ (لِصَوْتِهَا) فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَصَوْتُهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْأَصْلِ (وَلِتَشَوُّشِهِ) نَدْبًا إذَا أَقْرَعَ بَابَهَا بِأَنْ لَا تُجِيبَ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ بَلْ تُغَلِّظُ صَوْتَهَا (بِوَضْعِ يَدِهَا) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بِظَهْرِ كَفِّهَا (عَلَى الْفَمِ) .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالتَّشْوِيشُ التَّخْلِيطُ أَمَّا النَّظَرُ وَالْإِصْغَاءُ لِمَا ذُكِرَ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ أَيْ الدَّاعِي إلَى جِمَاعٍ أَوْ خَلْوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَحَرَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً لِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] وَقَوْلِهِ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وَأَمَّا نَظَرُ عَائِشَةَ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ بِحَضْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ إلَى لَعِبِهِمْ وَحِرَابِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَى الْبَدَنِ، وَإِنْ وَقَعَ بِلَا قَصْدٍ صَرَفَتْهُ فِي الْحَالِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَفِي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ خِلَافٌ تَقَدَّمَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُلْتَحَقُ بِالْإِصْغَاءِ لِصَوْتِهَا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ التَّلَذُّذُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْهَا
(وَلَوْ نَظَرَ فَرْجَ صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى وَغَيْرَ عَوْرَةِ أَمَةٍ) مِنْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ (جَازَ) لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِنَظَرِ فَرْجِ الصَّغِيرَةِ إلَى بُلُوغِهَا سِنَّ التَّمْيِيزِ وَمَصِيرُهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا سَتْرُ عَوْرَتِهَا عَنْ النَّاسِ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْأَمَةِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُرْمَةِ نَظَرِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ (وَكَرِهَ) ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِمَا مِنْ الْجَوَازِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأُولَى وَعِنْدَ النَّوَوِيِّ فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي الْأُولَى بِالْحُرْمَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ اتِّفَاقًا نَعَمْ رَدَّ فِي الرَّوْضَةِ الْجَزْمَ وَالِاتِّفَاقَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ جَوَّزَهُ جَزْمًا وَالْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ رَدَّ الْحُكْمَ فَجَرَى عَلَى مُقْتَضَاهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَبِمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لِلْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرِ إلَى التَّمْيِيزِ، وَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ فِي الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا
(وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ فِي) حُرْمَةِ (النَّظَرِ) فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ مَنْعُهُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي لِظُهُورِهِ عَلَى الْعَوْرَاتِ (لَا) فِي حُرْمَةِ (الدُّخُولِ) عَلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بَلْ يَجُوزُ بِدُونِهِ (إلَّا) فِي دُخُولِهِ عَلَيْهِنَّ (فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ) الَّتِي يَضَعْنَ فِيهَا ثِيَابَهُنَّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهِ فِي دُخُولِهِ فِيهَا عَلَيْهِنَّ لِآيَةِ {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: 58](وَيَمْنَعُهُ الْوَلِيُّ) وُجُوبًا مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِنَّ كَمَا يَمْنَعُهُ وُجُوبًا مِنْ الزِّنَا وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَلْزَمُهُنَّ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ (كَالْمَجْنُونِ) فِي ذَلِكَ (وَلِلْمُمَيِّزِ) غَيْرِ الْمُرَاهِقِ (وَالْمُحَرَّمِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ الْخَلْوَةُ وَنَظَرُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُحَرَّمِ {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] الْآيَةَ وَلِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَعْنَى يَمْنَعُ الْمُنَاكَحَةَ أَبَدًا فَكَانَا كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْمُمَيِّزُ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ فِي مَعْنَى الْمَحْرَمِ وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ حُرْمَةَ نَظَرِ السُّرَّةِ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
لِلْكَافِرَةِ وَفَتْوَى النَّوَوِيِّ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا لَهَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ فَلَا مُخَالَفَةَ (قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمُدْرِكِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُدْرِكَ مَعَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ كَمَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ) قَالَ فِي التَّوَسُّطِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ اهـ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّدْرِيبِ وَقُوَّةُ كَلَامِ الصَّغِيرِ تَقْتَضِي رَجْحَتَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَةٌ تَنْظُرُ مِنْ طَاقٍ فِي غُرْفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا إلَى الْأَجَانِبِ أَوْ يَنْظُرُونَ إلَيْهَا مِنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِنَاءُ الطَّاقِ أَوْ سَدُّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْمُنَقَّبَةِ الَّتِي لَا يَبِينُ مِنْهَا إلَّا عَيْنَاهَا وَمَحَاجِرُهَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ جَمِيلَةً فَكَمْ فِي الْمَحَاجِرِ مِنْ حَنَاجِرَ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ إلَخْ) أَوْ أَنَّ ذَلِكَ لَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ أَوْ كَانَتْ عَائِشَةُ لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ إذْ ذَاكَ
(قَوْلُهُ وَغَيْرُ عَوْرَةِ أَمَةٍ جَازَ) يُقَالُ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى وَجْهِهَا إنْ أَذِنَتْ لَهُمْ فِي النَّظَرِ وَيُبَاحُ لَهُمْ إنْ مَنَعَتْ مِنْهُ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَتْ أَمَةً وَعَلَّقَ سَيِّدُهَا عِتْقَهَا عَلَى إذْنِهَا فِي ذَلِكَ وَصُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ مَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ يَخْطُبُهَا نَظَرُهُ إلَيْهَا وَقَوْلُهُ يُقَالُ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ الضَّعِيفِ (قَوْلُهُ فَقَدْ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي الْأُولَى بِالْحُرْمَةِ) لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ مُسْتَدْرَكِهِ «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ رُفِعْت إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِي وَعَلَيَّ خِرْقَةٌ وَقَدْ كُشِفَتْ عَوْرَتِي فَقَالَ غَطُّوا حُرْمَةَ عَوْرَتِهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ عَوْرَةِ الصَّغِيرِ كَحُرْمَةِ عَوْرَةِ الْكَبِيرِ» وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَإِلَى صَغِيرَةٍ سِوَى فَرْجِهَا قُلْت وَفِيهِ وَجْهٌ وَكَتَبَ أَيْضًا بِإِزَاءِ كَلَامِ الْمُنْتَقَى شَمِلَ إطْلَاقُهُمْ الدُّبُرَ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ الصَّغِيرِ إلَى التَّمْيِيزِ) الرَّاجِحُ أَنَّ الصَّغِيرَ كَالصَّغِيرَةِ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَالْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُمْ أَلْحَقُوا الْمُرَاهِقَ بِالْبَالِغِ فِي جَوَازِ رَمْيِهِ إذَا نَظَرَ إلَى حُرْمَةِ الْغَيْرِ وَفِيمَا إذَا صَاحَ عَلَيْهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِالْمُتَيَقِّظِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلُهُ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَكَلَامُ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
وَالرُّكْبَةِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِمَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَحْرَمِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْكَافِرُ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ حِلَّ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ امْتَنَعَ نَظَرُهُ وَخَلْوَتُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ (كَنَظَرِ بَعْضِ النِّسَاءِ بَعْضًا) أَيْ كَمَا يُبَاحُ لِبَعْضِهِنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعْضِهِنَّ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهُنَّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِنَّ كَالرِّجَالِ مَعَ الرِّجَالِ أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَحُضُورُهُ كَغَيْبَتِهِ وَيَجُوزُ التَّكَشُّفُ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ الطِّفْلُ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ
(وَتَحْتَجِبُ مُسْلِمَةٌ عَنْ كَافِرَةٍ) وُجُوبًا فَيَحْرُمُ نَظَرُ الْكَافِرَةِ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] وَالْكَافِرَةُ لَيْسَتْ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَحْكِيهَا لِلْكَافِرِ فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ تَرَى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْأَصْلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ أَرَهُ نَصًّا بَلْ صَرَّحَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهَا مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا لَهَا وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيِّ لَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ هُوَ كَالرَّافِعِيِّ هَذَا كُلُّهُ فِي كَافِرَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِلْمُسْلِمَةِ وَلَا مَحْرَمَ لَهَا أَمَّا هُمَا فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَيْهَا وَأَمَّا نَظَرُ الْمُسْلِمَةِ لِلْكَافِرَةِ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ تَوَقُّفٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفَاسِقَةُ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَالْكَافِرَةِ مَعَ الْمُسْلِمَةِ وَنَازَعَهُ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ
(وَالْمَمْسُوحُ) إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَيْلٌ إلَى النِّسَاءِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (وَالْمَمْلُوكُ) لِلْمَرْأَةِ (الْعَدْلُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كَالْمَحْرَمِ) فِي النَّظَرِ فَيُبَاحُ لِلْأَوَّلِ النَّظَرُ إلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَلِلثَّانِي ذَلِكَ مِنْ سَيِّدَتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: 31] أَيْ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ فِي غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ أَنَّهُ الْمُغَفَّلُ فِي عَقْلِهِ الَّذِي لَا يَكْتَرِثُ لِلنِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْجَوَازِ فِي الْمَمْسُوحِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمَةِ فَإِنْ كَانَ كَافِرًا مُنِعَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ وَتَقْيِيدُ الْمَمْلُوكِ بِالْعَدْلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَهْدَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْفَاسِقُ.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ فِسْقُهُ بِالزِّنَا وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ مَعَ قِيَامِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَبِغَيْرِ الْمُكَاتَبِ الْمُكَاتَبُ فَلَا يُبَاحُ لَهُ مَا ذُكِرَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي بِمَا إذَا كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ لِخَبَرِ أُمِّ سَلَمَةَ «إذَا كَانَ مَعَ مُكَاتَبِ إحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ كَالْقِنِّ وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَيَجِبُ الْفَتْوَى بِهِ وَأَجَابَ أَعْنِي الشَّافِعِيَّ عَنْ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِزَوْجَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ لَهُنَّ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِنَّ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُبَاحُ نَظَرُ الرَّجُلِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ) الْمُعْتَمَدُ مَا اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُ أَصْلِهِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْكَافِرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَنْعِهِنَّ بِمَا إذَا كَشَفَتْ الْمُسْلِمَةُ مِنْ جَسَدِهَا زِيَادَةً عَلَى مَا يَبْدُو حَالَ الْمِهْنَةِ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ لِلْكَافِرَةِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرَى إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ وَالْيَدُ إلَى الْمِرْفَقِ وَالرِّجْلِ إلَى الرُّكْبَةِ ش (قَوْلُهُ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا أَيْ لَمَّا سَوَّى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا (قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ وَنَازَعَهُ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْفِسْقُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ) فِي مُلَاقَاةِ كَلَامِهِ لِكَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْفِسْقَ يُخْرِجُهَا عَنْ الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الْفَاسِقَةَ يَحْرُمُ نَظَرُهَا إلَى الْعِدْلَةِ كَمَا يَحْرُمُ نَظَرُ الْكَافِرَةِ إلَى الْمُسْلِمَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْكِيَ مَا رَآهُ وَهُوَ حَسَنٌ س قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُسَاحَقَةَ وَنَحْوَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ مُسَاحَقَةً فَكَالرَّجُلِ وَنَحْوِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ كَانَتْ تَمِيلُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ خَافَتْ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ الْفِتْنَةَ لَمْ يَجُزْ لَهَا النَّظَرُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ فَكَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ وَأَمَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِحَالٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ سَكَتُوا عَنْ الْمُرْتَدَّةِ وَالْمُتَّجَهُ تَحْرِيمُ تَمْكِينِهَا مِنْ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهَا أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الذِّمِّيَّةِ وَالْفَاسِقَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ تَحْرِيمُ تَمْكِينِهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَالْمَسْمُوحُ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَيْلٌ إلَخْ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُ حِلِّ نَظَرِهِ إلَى الْمَرْأَةِ بِعِفَّتِهَا كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الْمَمْلُوكِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَمْسُوحِ بَيْنَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ إلَّا النَّظَرُ وَأَمَّا الْمَسُّ فَهُوَ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ (قَوْلُهُ وَالْمَمْلُوكُ الْعَدْلُ إلَخْ) وَالْمُبَعَّضُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَفِي تَعْلِيقِ إبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيِّ وَحُكْمُ الْمُبَعَّضِ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي السَّرِقَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّظَرِ اهـ وَقَوْلُهُ فِي السَّرِقَةِ يَعْنِي لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ وَفِي مَعْنَى الْمُبَعَّضِ مَنْ بَعْضُهُ لِغَيْرِهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ) هُوَ وَاضِحٌ (قَوْله قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقِيَاسُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَهْدَوِيُّ إلَخْ) قَيَّدَ الْوَاحِدِيُّ فِي بَسِيطِهِ الْجَوَازَ بِمَا إذَا كَانَا عَفِيفَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْجَوَازِ بِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا شَنَّعَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَوْلُهُ قَيَّدَ الْوَاحِدِيُّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ) بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي إلَخْ) ضَعِيفٌ