الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقِيلَ لَيْسَ بِوَدِيعَةٍ بَلْ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي يَدِهِ يَجِبُ رَدُّهَا فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَقَالَا: لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ. قُلْتُ: وَقَدْ يُقَالُ بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْعَيْنَ يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الثَّانِي حَالًا وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّلَبِ.
[فَصْلٌ أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ]
(فَصْلٌ وَأَحْكَامُهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ (ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ الْجَوَازُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (فَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَإِغْمَائِهِ) وَجُنُونِهِ وَحَجْر السَّفَهِ وَالْجُحُودِ الْمُضَمَّنِ وَنَقْلِ الْمِلْكِ عَنْ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَالْوَكَالَةِ (وَلَوْ عَزَلَ) الْوَدِيعُ (نَفْسَهُ) أَوْ عَزَلَهُ الْمَالِكُ انْفَسَخَتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَقْدٌ وَبَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً كَالثَّوْبِ الَّذِي طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ وَ (لَزِمَهُ الرَّدُّ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبُ مِنْهُ (فَإِنْ أَخَّرَ) هـ (بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ) .
الْحُكْمُ (الثَّانِي الْأَمَانَةُ) لِأَنَّ الْوَدِيعَ يَحْفَظُهَا لِلْمَالِكِ فَيَدُهُ كَيَدِهِ وَلَوْ ضَمِنَ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ (وَ) إنَّمَا (يَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ وَلَهُ) أَيْ لِلتَّقْصِيرِ (أَسْبَابٌ) ثَمَانِيَةٌ (أَحَدُهَا: إيدَاعُهَا) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا (بِلَا عُذْرٍ) عِنْدَ غَيْرِهِ (وَلَوْ عِنْدَ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِيَدِ غَيْرِهِ وَأَمَانَتِهِ وَلَا عُذْرَ وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مَا لَوْ طَالَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ فَأَوْدَعَهَا الْوَدِيعُ الْقَاضِيَ (وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ فِي حِفْظِهَا وَعَلَفِهَا) وَسَقْيِهَا وَلَوْ بِأَجْنَبِيٍّ (وَنَظَرُهُ) بَاقٍ (عَلَيْهَا كَالْعَادَةِ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ (فَإِنْ كَانَتْ بِمَخْزَنِهِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ وَاسْتَحْفَظَ) عَلَيْهَا (ثِقَةً يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ يُلَاحِظُ) بِهَا فِي عَوْدَاتِهِ (فَلَا بَأْسَ) بِهِ (وَإِنْ قَطَعَ نَظَرُهُ عَنْهَا وَلَمْ يُلَاحِظْهَا فَفِي تَضْمِينِهِ تَرَدُّدٌ) عَنْ الْإِمَامِ وَصَرَّحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ (وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ) هَا (ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ أَمَّا إذَا اُسْتُحْفِظَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ مَنْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
(فَرْعٌ: يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ عِنْدَ خَوْفٍ) عَلَيْهَا (كَالْحَرِيقِ وَاسْتِهْدَامِ الْحِرْزِ وَلَمْ يَجِدْ) حِرْزًا (غَيْرَهُ) يَنْقُلُهَا إلَيْهِ (أَوْ) عِنْدَ (سَفَرٍ ثُمَّ) إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهِمَا رَدَّهَا (إلَى الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ كُلِّ غَائِبٍ وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ مِمَّنْ سَافَرَ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ لَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِينَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا (وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ) مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ (وَلَا الْمَغْصُوبِ) مِنْ غَاصِبِهِ (لِلْغَائِبِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْفَظُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا لَهُ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ وَإِذَا تَعَيَّنَ تَعَرَّضَ لَهُ وَلِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا رَدَّهَا (إلَى أَمِينٍ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَأْخِيرِ السَّفَرِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِقَبْضِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ (وَالتَّرْتِيبُ) فِيمَا ذُكِرَ (وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ) بِلَا عُذْرٍ بِأَنْ رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي أَوْ أَمِينٍ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ رَدَّهَا إلَى أَمِينٍ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي (ضَمِنَ) لِعُدُولِهِ عَنْ الْأَقْوَى. قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَهَذَا فِي غَيْرِ زَمَانِنَا أَمَّا فِيهِ فَلَا يَضْمَنُ بِرَدِّهَا إلَى ثِقَةٍ مَعَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
كَالْمَحْجُورِ أَوْ كَالرَّشِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَوْدَعَهُ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ مَالَهُ فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالِاسْتِيلَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيُّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ مَحْجُورٌ أَوْ غَاصِبٌ أَوْ نَحْوُهُ
[وَلَدُ الْوَدِيعَةِ كَأُمِّهِ]
(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ الْجَوَازُ) الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ إذَا اقْتَضَى فَسْخُهَا ضَرَرًا عَلَى الْآخَرِ امْتَنَعَ وَصَارَتْ لَازِمَةً وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِلْمُوصِي عَزْلُ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ قُلْتُ: وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الشَّرِيكِ وَالْمُقَارِضِ (قَوْلُهُ: وَالْجُحُودُ الْمُضْمَنُ) وَبِكُلِّ فِعْلٍ مُضْمَنٌ وَبِالْإِقْرَارِ بِهِ لِآخَرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ إلَخْ) يُشْبِهُ تَقْيِيدُهُ بِحَالَةٍ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الْقَبُولُ وَإِلَّا حَرُمَ الرَّدُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ ر غ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّخْلِيَةُ.
(قَوْلُهُ: الثَّانِي الْأَمَانَةُ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً وَالضَّمَانُ يُنَافِيهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ بِجُعْلٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْوَكَالَةِ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلِمَ مِنْ قَوْلِهِ الْأَمَانَةَ أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَهَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى وَفَرَّطَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ فَلَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ وَهَذَا فِي صَحِيحِ الْوَدِيعَةِ وَفَاسِدِهَا. وَفِي الْكَافِي لَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهَذَا إيدَاعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ قَضِيَّةَ الْإِيدَاعِ فَلَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ صَارَتْ عَارِيَّةً فَاسِدَةً فَلَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَا يَضْمَنُ فِي صَحِيحِ الْإِيدَاعِ أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْعَارِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَسْبَابٌ) تَزِيدُ جُزْئِيَّاتِهَا عَلَى سِتِّينَ صُورَةً (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ وَصَرْحَ الْفُورَانِيُّ بِالْمَنْعِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
[فَرْعٌ يَجِبُ رَدُّ الْوَدِيعَة إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ عِنْدَ خَوْفٍ عَلَيْهَا]
(قَوْلُهُ: إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ) مِثْلُهُ وَلِيُّ مَنْ حَجَرَ عَلَيْهِ لِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ طَرَأَ غ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إلَيْهَا) أَيْ لِغَيْبَةٍ أَوْ حَبَسٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: رَدَّهَا إلَى الْقَاضِي) أَيْ الْأَمِينُ أَمَّا غَيْرُهُ فَكَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ غ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَكَتَبَ أَيْضًا ذَكَرُوا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ إذَا أَرَادَ دَفْعَهُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ أَمِينُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ غَيْبَةُ الرَّاهِنِ وَوَكِيلِهِ طَوِيلَةٌ وَهِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَقْبِضُهُ عَنْهُمَا وَلَا يُلْجِئُهُ إلَى حِفْظِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا أَوْدَعَهُ أَمِينًا وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةِ فَكَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرِينَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَتَّجِهُ جَرَيَانُهُ هُنَا إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ لِلْحَاكِمِ مَدْخَلًا فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا) الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ الْفَارِقِيُّ: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيًّا وَإِلَّا فَعَلَى الْحَاكِمِ قَبْضُهُ بِلَا خِلَافٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا اللُّزُومُ) قِيلَ: هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ وَأَصَحَّهُمَا عَدَمُ اللُّزُومِ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ لِعُدُولِهِ عَنْ الْأَقْوَى) وَجْهُ ضَمَانِهِ بِرَدِّهَا إلَى الْأَمِينِ مَعَ إمْكَانِ رَدِّهَا إلَى الْقَاضِي أَنَّ أَمَانَتَهُ قَطْعِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يُوَلَّى حَتَّى تُعْرَفَ عَدَالَتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعَدَالَةُ غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ فَأَشْبَهَ عُدُولَ الْحَاكِمِ عَنْ النَّصِّ إلَى الِاجْتِهَادِ وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْفَظُهَا بِوِلَايَتِهِ عَلَى مَالِكِهَا الْغَائِبِ
وُجُودِ الْحَاكِمِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ فَسَادِ الْحُكَّامِ (فَإِنْ دَفَنَهَا بِحِرْزٍ وَسَافَرَ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلضَّيَاعِ (لَا إنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا سَاكِنًا) بِالْمَكَانِ (حَيْثُ يَجُوزُ إيدَاعُهُ) فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ إعْلَامَهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ إيدَاعِهِ وَخَرَجَ بِالْحَيْثِيَّةِ مَا لَوْ أَوْدَعَهَا عِنْد وُجُودِ الْحَاكِمِ فَيَضْمَنُ.
السَّبَبُ (الثَّانِي السَّفَرُ) بِهَا (فَيَضْمَنُ الْمُقِيمُ) الْوَدِيعَةَ (بِالسَّفَرِ بِهَا) وَإِنْ قَصُرَ وَكَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا لِتَقْصِيرِهِ بِالسَّفَرِ الَّذِي حِرْزُهُ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ (إلَّا إنْ عُدِمَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ) مِنْ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ وَالْحَاكِمِ وَالْأَمِينِ (عَلَى التَّرْتِيبِ) السَّابِقِ (وَسَافَرَ) بِهَا فِي (طَرِيقٍ آمِنٍ فَيَجُوزُ) السَّفَرُ بِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ الْوَدِيعُ مَعَ عُذْرِهِ عَنْ مَصَالِحِهِ وَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ (بَلْ يَجِبُ) عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا حِينَئِذٍ (إنْ خَافَ عَلَيْهَا) مِنْ نَحْوِ حَرِيقِ أَوْ إغَارَةٍ لِئَلَّا تَضِيعَ وَقَوْلُهُ: عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ إنْ عُلِّقَ بِعَدَمٍ لَا بِذَكَرْنَاهُ (فَإِنْ حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ خَوْفٌ أَقَامَ) بِهَا (فَإِنْ فُوجِئَ) بِأَنْ هَجَمَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ (فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا) فَضَاعَتْ (ضَمِنَ) وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدِ إقْبَالِهِمْ ثُمَّ أُضِلَّ مَوْضِعَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا (وَلَوْ أَوْدَعَ) هَا (مُسَافِرًا فَسَافَرَ بِهَا) أَوْ مُنْتَجِعًا فَانْتَجَعَ بِهَا (فَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ) بِهِ وَلَوْ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا ثَانِيًا لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا بِالْبَلَدِ فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمُجَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْإِمَامُ اللَّائِقُ بِالْمَذْهَبِ الْمَنْعُ.
(السَّبَبُ الثَّالِثُ تَرْكُ الْإِيصَاءِ) بِهَا (فَعَلَى ذِي مَرَضٍ مَخُوفٍ) أَوْ حَبْسٍ لَقَتْلٍ (إنْ تَمَكَّنَ) مِنْ الرَّدِّ وَالْإِيدَاعِ وَالْوَصِيَّةِ (الرَّدُّ) لَهَا (إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ ثُمَّ) إنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ إلَيْهِمَا فَعَلَيْهِ (الْوَصِيَّةُ) بِهَا (إلَى الْحَاكِمِ ثُمَّ) إنْ عَجَزَ فَعَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ (إلَى أَمِينٍ وَإِنْ كَانَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (وَارِثًا) وَعَطَفَ عَلَى الْوَصِيَّةِ قَوْلَهُ (أَوْ الدَّفْعُ إلَيْهِمَا) أَيْ إيدَاعًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْإِيدَاعُ عِنْدَهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَوْتِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَيَدَهُ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ؛ إذْ الْوَارِثُ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْيَدِ وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ أَوْ أَوْدَعَهُ وَمَحَلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ صِحَّتِهِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: لَا إنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ حَمَلَ إطْلَاقَ الْأَمِينِ عَلَى مَنْ لَهُ التَّسْلِيمُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ حَاكِمٍ وَأَمِينٍ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّنْوِيهِ (قَوْلُهُ سَاكِنًا إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَجَعَلَ الْإِمَامُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى أَنْ يَرْقُبَهَا مِنْ الْجَوَانِبِ أَوْ مِنْ فَوْقُ كَالْحَارِسِ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامَ النِّهَايَةِ إلَى وَجْهٍ يُخَالِفُهُ وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كَانَ الرَّافِعِيُّ سَقَطَ مِنْ أَصْلِهِ سَطْرٌ أَوْ زَلَّ نَظَرُهُ وَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَوْنُ يَدِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ فِي الْأَمِينِ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ وَلَعَلَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالْأَمَانَةِ دُونَ الْعَدَالَةِ لِذَلِكَ وَصَرَّحَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمِينِ مَسْتُورُ الْعَدَالَةِ وَقَوْلُهُ وَجَعَلَ الْإِمَامُ فِي مَعْنَى السُّكْنَى أَنْ يَرْقُبَهَا أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
وَقَوْلُهُ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَلَامَ النِّهَايَةِ إلَخْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ أَطْلَقَ الِاكْتِفَاءَ بِاطِّلَاعِ الْأَمِينِ مَعْ كَوْنِ الْمَوْضِعِ حِرْزًا وَحَكَى عَنْ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِ اعْتِبَارَ سُكْنَى الدَّارِ وَاسْتَحْسَنَهُ ثُمَّ قَالَ: وَلَسْتُ أَرَى ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الطُّرُقِ وَالِاطِّلَاعُ الَّذِي ذَكَرهُ غَيْرُ الْعِرَاقِيِّينَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَكِنَّهُمْ بَيَّنُوهُ وَفَصَلُوهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ خَالِيَةً وَالْمُطَّلِعُ لَا يَدْخُلُهَا وَلَكِنَّهُ يَرْعَاهَا مِنْ فَوْقُ رِعَايَةَ الْحَارِسِ أَوْ مِنْ الْجَوَانِبِ فَلَا يَكَادُ يَصِلُ إلَى الْغَرَضِ وَإِنْ أَحَاطَتْ بِالدَّارِ حِيَاطَتُهُ وَعَمَّهَا مِنْ الْجَوَانِبِ رِعَايَتُهُ فَهَذِهِ الْيَدُ الَّتِي تَلِيقُ الْوَدِيعَةِ وَهِيَ الَّتِي عَنَاهَا الْعِرَاقِيُّونَ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ الْمُقِيمُ بِالسَّفَرِ بِهَا) حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ ضَمِنَهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ سَفَرَهُ بِهَا مُضَمَّنٌ سَوَاءٌ أَكَانَ لِحَمْلِهَا مُؤْنَةٌ أَمْ لَا.
(فَرْعٌ) لَوْ أَمَرَهُ بِإِيدَاعِ أَمِينٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَفَعَلَ صُدِّقَ الْأَمِينُ فِي التَّلَفِ وَالْمَالِكُ فِي عَدَمِ رَدَّهَا إلَيْهِ فَإِذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِذْنُ لِلْأَمِينِ فِي نَقْلِهَا إذَا خَافَ الْمَكَانَ أَمْ لَا وَجْهَانِ: فَعَلَى الثَّانِي لَوْ نَقَلَهَا عِنْدَ حُدُوثِهِ فَهَلْ يَضْمَنُ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عَدَمُ لُزُومِهِ وَعَدَمُ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّصْبِيبِ (قَوْلُهُ إلَّا إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ إلَخْ) كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِيدَاعِ قَدْ قَارَبَ بَلَدَهُ وَدَلَّتْ قَرِينَةُ الْحَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا فِيهِ
(قَوْلُهُ: الثَّالِثُ تَرْكُ الْإِيصَاءِ بِهَا) قَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَدِيعَةِ بَيِّنَةٌ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ اهـ. وَيُلْتَحَقُ بِالْمَرَضِ الْمَخُوفِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الطَّلْقِ وَالْأَسْرِ وَالطَّاعُونِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الرَّدِّ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً فَلَا ضَمَانَ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَسَائِرُ الْأُمَنَاءِ كَالْمُودَعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ إلَيْهِمَا) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ مَالِكُهَا بِالْبَلَدِ وَلَكِنَّهُ مَحْبُوسٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إلَى أَمِينٍ) اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا أَوْ وَكِيلُهُ وَالْحَاكِمُ حَاضِرًا يَعْنِي فِي الْبَلَدِ (قَوْلُهُ: وَمَحِلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) وَبِالْجُمْلَةِ الْوَجْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ بِالْمَوْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ: وَإِذَا تَرَكَ الْإِيصَاءَ أَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ فَإِذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْد مَوْتِهِ وَجَبَ الضَّمَانُ فِي تَرِكَتِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ بِإِعْرَاضِهِ وَتَرْكِهِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْوَدِيعَةِ مَعَ ظُهُورِ شَوَاهِدِ الْمَوْتِ بَعْدُ مُضَيِّعًا لِلْوَدِيعَةِ وَالتَّضْيِيعُ مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ تَلِفَتْ فِي حَيَاتِهِ فَهِيَ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَتَرْكُ الْإِيصَاءِ لَا يُثْبِتُ ضَمَانًا فَإِنَّ فَائِدَةَ الْإِيصَاءِ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَدِيعَةِ الْبَاقِيَةِ حَتَّى لَا تَضِيعَ. اهـ. س وَقَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ