الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ لَا يَنْتَظِمُ حَمْلُهَا عَلَى غَيْرِهَا بِقَيْدٍ أَوْ صِفَةٍ (فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّي وَمَعَهُ دَابَّةٌ مِنْ جِنْسٍ) مِنْ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ (تَعَيَّنَتْ، أَوْ دَابَّتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ) مِنْهَا (يُخَيَّرُ الْوَارِثُ) بَيْنَهُمَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ) مِنْهَا عِنْدَ مَوْتِهِ (بَطَلَتْ) وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِيَوْمِ الْمَوْتِ لَا بِيَوْمٍ الْوَصِيَّةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّعَمِ أَوْ نَحْوِهَا فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ الصِّحَّةُ، وَيُعْطَى مِنْهَا لِصِدْقِ اسْمِ الدَّابَّةِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ شِيَاهِي وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا ظِبَاءٌ فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنْهَا كَمَا مَرَّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِذَلِكَ بِخِلَافِ كَلَامِ أَصْلِهِ.
(وَالرَّقِيقُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالْمَعِيبِ) وَالسَّلِيمِ (وَالصَّغِيرِ) وَالْكَبِيرِ (وَالْكَافِرِ) وَالْمُسْلِمِ لِصِدْقِهِ بِكُلٍّ مِنْهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ لَا يَشْمَلُ الْأَمَةَ وَبِالْعَكْسِ كَمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ قَالَ) : أَعْطُوهُ رَقِيقًا (لِيُقَاتِلَ أَوْ لِيَخْدُمَهُ فِي السَّفَرِ أُعْطِيَ ذَكَرًا) لِأَنَّهُ الَّذِي يَصْلُحُ لِذَلِكَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى: وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا سَلِيمًا مِنْ الزَّمَانَةِ وَالْعَمَى وَنَحْوِهِمَا، وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا مِمَّا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْخِدْمَةُ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا يَخْدُمُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ، أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لَا مُطْلَقًا، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (أَوْ لِيَحْضُنَ وَلَدَهُ) أَوْ لِيَتَمَتَّعَ بِهِ (فَأُنْثَى) ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَصْلُحُ لِلْحَضَانَةِ غَالِبًا وَلِلتَّمَتُّعِ.
(وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي أَوْ) مِنْ (غَنَمِي أَوْ مِنْ حُبْشَانِ عَبِيدِي وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ أُعْطِيَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ (شَيْءٌ) مِنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْمَوْتِ (بَطَلَتْ) وَصِيَّتُهُ (فَلَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ اسْتَحَقَّ) الْمُوصَى لَهُ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِيَوْمِ الْمَوْتِ لَا بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ كَمَا مَرَّ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنْ غَيْر أَرِقَّائِهِ وَإِنْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُ صَلُحَ عَلَى) الْوَجْهِ مَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ عَنْ (مَجْهُولٍ) وَهُوَ بَاطِلٌ.
(فَرْعٌ) : لَوْ (أَوْصَى بِأَحَدِ عَبِيدِهِ فَقُتِلُوا) وَلَوْ قَتْلًا مُضَمَّنًا أَوْ مَاتُوا (أَوْ أَعْتَقَهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ) وَصِيَّتُهُ إذْ لَا عَبِيدَ لَهُ يَوْمَ الْمَوْتِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهُمْ (أَوْ) قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا أَوْ أَعْتَقَهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ (إلَّا وَاحِدًا) مِنْهُمْ (تَعَيَّنَ) لِلْوَصِيَّةِ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ، وَكَمَا لَوْ بَاعَهُ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَلَمْ يَبْقَ سِوَاهُ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُمْسِكَ الَّذِي بَقِيَ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ مَقْتُولٍ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُوصِيَ بِأَحَدِ عَبِيدِهِ الْمَوْجُودِينَ، فَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ عَبِيدِهِ فَمَاتُوا إلَّا وَاحِدًا لَمْ يَتَعَيَّنْ حَتَّى لَوْ مَلَكَ غَيْرَهُ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ الْحَادِثِ (وَإِنْ قُتِلُوا بَعْدَ الْمَوْتِ) قَتْلًا مُضَمَّنًا (وَلَوْ قَبْلَ الْقَبُولِ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْقِيمَةِ) فَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ بَعْدَ الْقَبُولِ قِيمَةَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ فَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ تَخَيَّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ دَفْعِهِ وَدَفْعِ قِيمَةِ أَحَدِ الْمَقْتُولِينَ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ أَوْ قُتِلَ) قَتْلًا وَلَوْ غَيْرَ مُضَمَّنٍ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبُولِ (فَلِلْوَارِثِ تَعْيِينُهُ لِلْوَصِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ (تَجْهِيزُهُ إنْ قَبِلَ) وَتَكُونُ الْقِيمَةُ لَهُ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ الْمُضَمَّنِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ.
(فَرْعٌ) : لَوْ (قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا أَوْ رَقِيقًا مِنْ مَالِي لَمْ يَتَعَيَّنْ) إعْطَاؤُهُ (مِنْ أَرِقَّائِهِ، وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ فَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لَمْ يُعْطَ أَمَةً وَلَا خُنْثَى وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ لَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ أَوْ خُنْثَى لَمْ يُعْطَ عَبْدًا وَلَا يُعْطَى خُنْثَى فِي الْأُولَى، وَلَا أُنْثَى فِي الثَّانِيَةِ.
(فَصْلٌ) : لَوْ (أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ) تَطَوُّعًا (أَجْزَأَهُ) إعْتَاقُ (مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ) كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوا فُلَانًا رَقِيقًا (وَإِنْ أَوْصَى) شَخْصًا (أَنْ يَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ عَبْدًا وَيَعْتِقَهُ) عَنْهُ (فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنِهِ) أَيْ الثُّلُثَ (وَأَعْتَقَهُ) عَنْهُ (ثُمَّ ظَهَرَ) عَلَيْهِ (دَيْنٌ) وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ (بَطَلَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ) لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ التَّصَرُّفَ فِي الْمَرْهُونِ (وَإِنْ اشْتَرَا) هـ (فِي ذِمَّتِهِ وَقَعَ) الشِّرَاءُ (عَنْهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ اعْتَمَدَ ذِمَّتَهُ فَوَقَعَ عَنْهُ (وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْهُ (وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقُوا) عَنِّي (ثُلُثِي رِقَابًا) أَوْ اشْتَرُوا بِثُلُثِي رِقَابًا وَأَعْتِقُوهُمْ (فَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ عَدَدٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرِّقَابِ (ثَلَاثٌ) ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، فَإِنْ وَفَّى الثُّلُثُ بِثَلَاثٍ فَأَكْثَرَ فُعِلَ (وَالِاسْتِكْثَارُ مَعَ الِاسْتِرْخَاصِ أَوْلَى) مِنْ الِاسْتِقْلَالِ مَعَ الِاسْتِغْلَاءِ، فَإِعْتَاقُ خَمْسِ رِقَابٍ مَثَلًا قَلِيلَةِ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْ إعْتَاقِ أَرْبَعٍ مَثَلًا كَثِيرَةِ الْقِيمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ رَقَبَةٍ زَائِدَةٍ عَنْ الرِّقِّ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» وَلَا يَصْرِفُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ (قَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ الصِّحَّةُ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: وَيُعْطَى مِنْهَا لِصِدْقِ اسْمِ الدَّابَّةِ عَلَيْهَا) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ الْعُرْفِيِّ، قَالَ: وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيُصْرَفُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْوَلَدِ عَلَيْهِمْ مَجَازًا لَكِنْ يَتَعَيَّنُ الْمَجَازُ بِمُقْتَضَى الْوَاقِعِ.
(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَلَحَ عَلَى مَجْهُولٍ) " عَلَى " فِيهِ بِمَعْنَى " عَنْ " كَمَا فِي قَوْلِهِ: إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ (قَوْلُهُ: قَتْلًا مُضَمَّنًا) أَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ مُضَمَّنٍ كَأَنْ قَتَلَهُمْ حَرْبِيٌّ أَوْ سَبُعٌ فَهُوَ كَالْمَوْتِ، ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ: فَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ بَعْدَ الْقَبُولِ قِيمَةَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إلَخْ) وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ لَهُ قِيمَةَ أَقَلِّهِمْ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ، نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ طِفْلٌ أَوْ نَحْوُهُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ غ. (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ تَجْهِيزُهُ شَمِلَ مَا لَوْ عَيَّنَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ تَحْتَ يَدِهِ.
[فَصْلٌ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ تَطَوُّعًا]
(قَوْلُهُ: لَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ تَطَوُّعَا) خَرَجَ بِهِ الْعِتْقُ الْوَاجِبُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْهُ) قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ أَنَّهُ هُنَا صَرَّحَ بِعِتْقِهِ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ قُبَيْلَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ عِتْقِهِ عَنْ الْمُبَاشِرِ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا أَعْتَقَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهِ عَنْ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِكْثَارُ مَعَ الِاسْتِرْخَاصِ أَوْلَى) وَشِرَاءُ الرَّقَبَةِ الْمَضْرُورَةِ الْمُضَيَّقِ عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ الْمُرَفَّهَةِ عِنْدَ أَهْلِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الصَّغِيرِ، وَأَنَّ الذَّكَرَ أَوْلَى مِنْ الْأُنْثَى
الْوَصِيُّ الثُّلُثَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إلَى رَقَبَتَيْنِ (فَإِنْ صَرَفَهُ فِي اثْنَتَيْنِ غَرِمَ ثَالِثَةً) بِأَقَلَّ مَا يَجِدُ بِهِ رَقَبَةً لَا بِثُلُثِ مَا نُفِّذَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ كَمَا فِي دَفْعِ نَصِيبِ أَحَدِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ إلَى اثْنَيْنِ (فَلَوْ لَمْ يَفِ إلَّا بِرَقَبَتَيْنِ وَشِقْصٍ) مِنْ رَقَبَةٍ (أَخَذَ) رَقَبَتَيْنِ (نَفِيسَتَيْنِ) يَسْتَغْرِقُ ثَمَنُهُمَا الثُّلُثَ (فَقَطْ) أَيْ لَا رَقَبَتَيْنِ وَشِقْصًا؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: اشْتَرُوا بِثُلُثِي رَقَبَةً وَأَعْتِقُوهَا فَلَمْ يَجِدْ بِهِ رَقَبَةً لَا يَشْتَرِي شِقْصًا، وَلِأَنَّ نَفَاسَةَ الرَّقَبَةِ مَرْغُوبٌ فِيهَا وَقَدْ «سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَفْضَلِ الرِّقَابِ فَقَالَ: أَكْثَرُهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَعُورِضَ بِالْخَبَرِ السَّابِقِ، وَيُجَابُ بِحَمْلِ ذَاكَ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَ عَدَدُ الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ، وَهَذَا عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ، أَوْ يُحْمَلُ ذَاكَ عَلَى مَا إذَا تَيَسَّرَ تَكْمِيلُ الرِّقَابِ الْمُسْتَكْثِرَةِ، وَهَذَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ ذَلِكَ.
(فَإِنْ فَضَلَ) عَنْ أَنْفُسِ رَقَبَتَيْنِ وُجِدَتَا (شَيْءٌ فَلِلْوَرَثَةِ) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ حِينَئِذٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي امْتِنَاعِ شِرَاءِ الشِّقْصِ بَيْنَ كَوْنِ بَاقِيهِ حُرًّا وَكَوْنِهِ رَقِيقًا، وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ فِيمَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ حُرًّا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ (وَإِنْ قَالَ: اصْرِفُوهُ) أَيْ ثُلُثِي (إلَى الْعِتْقِ اشْتَرَى الشِّقْصَ) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَرْفُ الثُّلُثِ إلَى الْعِتْقِ، وَقَضِيَّةَ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَشْتَرِي الشِّقْصَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّكْمِيلِ، وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ: يُشْتَرَى شِقْصٌ لَكِنْ التَّكْمِيلُ أَوْلَى إذَا أَمْكَنَ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِي ذَلِكَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ التَّكْمِيلِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، قُلْتُ بَلْ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقُوا) عَنِّي (عَبْدًا) تَأْخُذُونَهُ (بِمِائَتَيْنِ وَالثُّلُثُ مِائَةٌ) وَأَمْكَنَ أَخْذُنَا عَبْدًا بِهَا (أَخَذْنَا بِهَا عَبْدًا) وَأَعْتَقْنَاهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَخْرُجْ جَمِيعُهُ مِنْ الثُّلُثِ فَيَتَعَيَّنُ إعْتَاقُ الْقَدْرِ الَّذِي يَخْرُجُ.
(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْمُوصَى لَهُ: فَإِنْ أَوْصَى لِحَمْلِ هِنْدٍ) بِكَذَا (فَوَلَدَتْ) وَلَدَيْنِ حَيَّيْنِ وَلَوْ (ذَكَرًا وَأُنْثَى) وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَبَيْنَهُمَا أَقُلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (اسْتَوَيَا) كَمَا لَوْ وَهَبَ لِذَكَرٍ وَأُنْثَى شَيْئًا، وَإِنَّمَا التَّفْضِيلُ فِي التَّوْرِيثِ بِالْعُصُوبَةِ (أَوْ) وَلَدَتْ (حَيًّا وَمَيِّتًا فَلِلْحَيِّ) مِنْهُمَا الْكُلُّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَعْدُومِ بِدَلِيلِ الْبُطْلَانِ بِانْفِصَالِهِمَا مَيِّتَيْنِ (فَإِنْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُهَا أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَرًا فَلَهُ كَذَا أَوْ أُنْثَى فَكَذَا، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى) جَمِيعًا (فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) لِأَنَّ حَمْلَهَا جَمِيعَهُ لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى (وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ قُسِّمَ) الْمُوصَى بِهِ (بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ: إنْ كَانَ) حَمْلُهَا أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا (ابْنًا فَلَهُ كَذَا) أَوْ بِنْتًا فَكَذَا (فَوَلَدَتْ ابْنَيْنِ) أَوْ بِنْتَيْنِ (فَلَا شَيْءَ لَهُمَا) وَإِنَّمَا لَمْ يُقَسَّمْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا (لِأَنَّ الذَّكَرَ) وَالْأُنْثَى (لِلْجِنْسِ) فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْعَدَدِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَالْبِنْت، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ الْفَرْقُ بِوَاضِحٍ، وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ، وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بَلْ الْفَرْقُ وَاضِحٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَفِيمَا قَالَهُ مِنْ وُضُوحٍ الْفَرْقِ نَظَرٌ.
(وَإِنْ قَالَ: إنْ وَلَدَتْ غُلَامًا أَوْ إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ) غُلَامٌ (أَوْ إنْ كُنْتِ حَامِلًا بِغُلَامٍ فَلَهُ كَذَا، أَوْ أُنْثَى فَكَذَا، فَوَلَدَتْهُمَا أُعْطِيَاهُ) أَيْ أُعْطِيَ كُلُّ مِنْهُمَا مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ (وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ) وَلَوْ مَعَ أُنْثَيَيْنِ (أَعْطَى الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ الشَّخْصَيْنِ بِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ) وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِمُبْهَمٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ (وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى أُعْطِيَ الْأَقَلَّ) لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّا نُوقِفُ لَهُ تَمَامَ مَا جُعِلَ لِلذَّكَرِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَالُ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الذَّكَرِ بِالْآخَرِ كَانَ أَوْلَى وَإِنْ قَالَ: إنْ وَلَدَتْ غُلَامًا فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً اسْتَحَقَّهُ الْغُلَامُ أَوْ غُلَامَيْنِ أَعْطَى الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.
(وَإِنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ صُرِفَ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) مِنْ جَوَانِبِ دَارِهِ الْأَرْبَعَةِ لِخَبَرِ: «حَقُّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ قُدَّامًا وَخَلْفًا وَيَمِينًا وَشِمَالًا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مُرْسَلًا، وَلَهُ طُرُقٌ تُقَوِّيهِ، فَيُصْرِفُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِ وَالْغَنِيِّ وَضِدِّهِمَا (عَلَى عَدَدِ الدُّورِ لَا) عَلَى عَدَدِ (السُّكَّانِ) قَالَ السُّبْكِيُّ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ أَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ فَلَا فَرْقَ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ إلَخْ) سِيَاقُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ فِيمَا يَفْضُلُ عَنْ الرِّقَابِ الْكَوَامِلِ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الطَّاوُسِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ) إذْ الشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ إلَى التَّخْلِيصِ مِنْ الرِّقِّ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّشْقِيصُ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَّا عِنْدَ عَجْزِ الثُّلُثِ عَنْ التَّكْمِيلِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ) أَيْ أَوْ أُنْثَيَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ أُعْطِيَ الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْصَى لِحَمْلِهَا أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا وَأَتَتْ بِذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ حَيْثُ يُقَسَّمُ أَنَّ حَمْلَهَا مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ فَيَعُمُّ وَ (مَا) عَامَّةٌ بِخِلَافِ النَّكِرَةِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهَا لِلتَّوْحِيدِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ الشَّخْصَيْنِ بِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ) أَيْ بِلَفْظِ أَعْطُوا أَحَدَ الشَّخْصَيْنِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْهَامُ الْمُوصَى لَهُ إلَّا بِصِيغَةِ أَعْطُوا الْعَبْدَ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُهُ هُنَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقِيَاسُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ إلَخْ) لَوْ رَدَّ بَعْضُ الْجِيرَانِ فَهَلْ يَرُدَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ؟ أَوْ يَكُونُ الْمَرْدُودُ لِلْوَرَثَةِ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ أَوْجَبْنَا الِاسْتِيعَابَ كَانَ لِلْوَرَثَةِ وَإِلَّا فَلِبَقِيَّةِ الْجِيرَانِ. غ وَقَوْلُهُ: فَهَلْ يَرُدَّ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: صُرِفَ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا) قَالَ الكوهكيلوني: لَا اعْتِبَارَ بِدَارٍ لَا سَاكِنَ بِهَا. اهـ. الْعِبْرَةُ فِي الْجِوَارِ بِمِلْكِ الدَّارِ أَوْ بِالسُّكْنَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْجِيلِيُّ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي دَارٍ لِشَخْصٍ سَكَنَهَا غَيْرُهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ، أَمَّا لَوْ سَكَنَهَا غَصْبًا فَلَا يَسْتَحِقُّ قَطْعًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْجِوَارِ حَالَةُ الْمَوْتِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالسُّكْنَى أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَعَدَدُ الدُّورِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِائَةٌ وَسِتُّونَ دَارًا. اهـ. وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ دَارُ الْمُوصِي كَبِيرَةً فِي التَّرْبِيعِ فَيُسَامِتُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ أَكْثَرُ مِنْ دَارٍ لِصِغَرِ الْمُسَامِتِ لَهَا أَوْ يُسَامِتُهَا دَارَانِ، وَقَدْ يَكُونُ لِدَارِهِ جِيرَانٌ فَوْقَهَا وَجِيرَانٌ تَحْتَهَا (قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ
وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَسَّمَ حِصَّةُ كُلِّ دَارٍ عَلَى عَدَدِ سُكَّانِهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الدُّورِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْمُتَّجَهُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْجِوَارِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ، وَكَلَامُ الْبَيَانِ يُعَضِّدُهُ، وَعَلَيْهِ يَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ. انْتَهَى. وَالْمُتَّجَهُ إبْقَاءُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى إطْلَاقِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ فِي جَارِ الدَّارِ أَمَّا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِ الْمَسْجِدِ فَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ، وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي خَبَرِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» أَنَّ جَارَ الْمَسْجِدِ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ. انْتَهَى. وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَغَيْرِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ، وَمَا فِي الْخَبَرِ خَاصُّ بِحُكْمِ الصَّلَاةِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُوصِي دَارَانِ صُرِفَ إلَى جِيرَانِ أَكْثَرِهِمَا سُكْنَى لَهُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَإِلَى جِيرَانِهِمَا، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْأَوَّلُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى جِيرَانِ مَنْ كَانَ فِيهَا الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ، وَاقْتَصَرَ الثَّانِي عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ.
(أَوْ) أَوْصَى (لِلْقُرَّاءِ فَحَفَظَةِ الْقُرْآنِ) يُصْرَفُ إلَيْهِمْ (لَا) إلَى حَفَظَةِ بَعْضِهِ وَلَا إلَى (مَنْ قَرَأَ بِالْمَصَاحِفِ بِلَا حِفْظٍ) لِلْعُرْفِ (أَوْ) أَوْصَى (لِلْعُلَمَاءِ أَوْ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فَأَهْلُ عُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ) يُصْرَفُ إلَيْهِمْ (إنْ عَلِمَ) أَهْلُ الْحَدِيثِ (طُرُقَهُ وَمَتْنَهُ وَأَسْمَاءَ رِجَالِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْفَقِيهِ مَنْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْوَقْفِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَبِأَهْلِ التَّفْسِيرِ مَنْ يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ (لَا الْمُعْرِبُونَ وَالْأُدَبَاءُ) وَالْأَطِبَّاءُ وَالْمُنَجِّمُونَ وَالْمُعَبِّرُونَ وَالْحُسَّابُ وَالْمُهَنْدِسُونَ (وَلَا الْمُتَكَلِّمُونَ) وَلَا سُمَّاعُ الْحَدِيث الَّذِينَ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِمَا مَرَّ، وَذَلِكَ لِاشْتِهَارِ الْعُرْفِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ دُونَ غَيْرِهِمْ، نَعَمْ اسْتَدْرَكَ السُّبْكِيُّ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ وَلِيُمَيِّزَ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَذَاكَ مِنْ أَجْلِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ جَعَلُوهُ فِي كِتَابِ السَّيْرِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّوَغُّلُ فِي شُبَهِهِ وَالْخَوْضُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْفَلْسَفَةِ فَلَا، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ.
وَلِهَذَا قَالَ: لَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ: وَالْمُرَادُ بِالْمُقْرِئِ التَّالِي، أَمَّا الْعَالِمُ بِالرِّوَايَاتِ وَرِجَالِهَا فَكَالْعَالِمِ بِطُرُقِ الْحَدِيثِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ بِأَنَّ عِلْمَ الْقِرَاءَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي فَالْعَارِفُ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْعُلَمَاءِ، وَبِأَنَّ التَّالِيَ قَارِئٌ لَا مُقْرِئٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْأُدَبَاءِ النُّحَاةُ وَاللُّغَوِيُّونَ، وَقَدْ عَدَّ الزَّمَخْشَرِيّ الْأَدَبَ اثْنَيْ عَشَرَ عِلْمًا (وَوَصْفُ الْفُقَهَاءِ) وَالْمُتَفَقِّهَةِ (وَالصُّوفِيَّةِ سَبَقَ) بَيَانُهُ (فِي الْوَقْفِ، وَأَعْقَلُ النَّاسِ أَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا) وَكَذَا أَكْيَسُ النَّاسِ، قَالَهُ الْقَاضِي (وَأَجْهَلُهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، فَإِنْ قَالَ) : أَوْصَيْتُ لِأَجْهَلِهِمْ (مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ) أَيْ فَيُصْرَفُ إلَى مَنْ (يَسُبُّ الصَّحَابَةَ) وَقِيلَ: إلَى الْإِمَامِيَّةِ وَالْمُجَسِّمَةِ، وَقِيلَ: إلَى مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُمْ إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْجِهَةِ عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ.
وَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فَقَالَ: وَيَنْبَغِي عَدَمُ صِحَّتِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَعْصِيَةِ كَمَا لَا تَصِحُّ لِقَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَبْخَلِ النَّاسِ قَالَ الْبَغَوِيّ: صُرِفَ إلَى مَانِعِ الزَّكَاةِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي هَذَا احْتِمَالًا ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى مَنْ لَا يَقْرِي الضَّيْفَ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَحْمَقِ النَّاسِ قَالَ الرُّويَانِيُّ: قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: تُصْرَفُ إلَى مَنْ يَقُولُ بِالتَّثْلِيثِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَسْفَهِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْحُمْقَ يَرْجِعُ إلَى الْفِعْلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ، وَعَنْ الْقَاضِي: لَوْ أَوْصَى لِسَيِّدِ النَّاسِ صُرِفَ إلَى الْخَلِيفَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَلَّلَهُ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَالْوَجْهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَغَيْرِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْقُرَّاءِ فَحَفَظَةُ الْقُرْآنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ حَفِظَهُ وَكَانَ يَغْلَطُ فِيهِ الْغَلَطَاتِ الْيَسِيرَةَ يُعَدُّ مِنْهُمْ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي اسْتِحْقَاقِهِ. غ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْعُلَمَاءِ) وَكَانَ أَنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى يَقُومُونَ عَلَيْهِمْ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَعُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَحَدِيثُ «عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ» مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» (قَوْلُهُ فَأَهْلُ عُلُومِ الشَّرْعِ إلَخْ) أَوْلَاهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ الْفُقَهَاءُ لِلْعُرْفِ فِيهِ حَتَّى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ أَوْصَى لِأَعْلَمِ النَّاسِ صُرِفَ لِلْفُقَهَاءِ لِتَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِأَكْثَرِ الْعُلُومِ (قَوْلُهُ: وَبِأَهْلِ التَّفْسِيرِ مَنْ يَعْرِفُ إلَخْ) أَمَّا مَنْ عَرَفَ التَّفْسِيرَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحْكَامَهُ فَلَا يُصْرَفُ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَنَاقِلِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الْفَقِيهُ مَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ دُونَ مَا إذَا عَرَفَ طَرَفًا مِنْهُ، كَمَنْ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الْحَيْضِ أَوْ الْفَرَائِضِ وَإِنْ سَمَّاهَا الشَّارِعُ نِصْفَ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَمَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ خَبَرٍ وَحُكْمٍ) وَهُوَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ وَكُلُّ عَالِمٍ يَأْخُذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِهِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَقِسْمٍ يُدْرَكُ مِنْ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ بِوَاسِطَةِ عُلُومٍ أُخَرَ كَاللُّغَةِ وَغَيْرِهَا.
(وَقَوْلُهُ: فَالْعَارِفُ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْعُلَمَاءِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَدَّ الزَّمَخْشَرِيّ الْآدَابَ اثْنَيْ عَشْرَ عِلْمًا) وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ: عِلْمُ اللُّغَةِ، وَعِلْمُ الِاشْتِقَاقِ، وَعِلْمُ التَّصْرِيفِ، وَعِلْمُ النَّحْوِ، وَعِلْمُ الْمَعَانِي، وَعِلْمُ الْبَيَانِ، وَعِلْمُ الْبَيْعِ، وَعِلْمُ الْعَرُوضِ، وَعِلْمُ الْقَوَافِي، وَعِلْمُ قَرْضِ الشِّعْرِ، وَعِلْمُ إنْشَاءِ النَّثْرِ، وَعِلْمُ الْخَطِّ، وَعِلْمُ الْمُحَاضَرَاتِ، وَمِنْهُ التَّوَارِيخُ، وَعِلْمُ الْقِرَاءَاتِ (قَوْلُهُ: وَوَصْفُ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَنْ الْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ: لَوْ أَوْصَى بِمَالٍ لِلْفُقَهَاءِ دَخَلَ الْفَاضِلُ دُونَ الْمُبْتَدِئِ مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلِلْمُتَوَسِّطِ بَيْنهُمَا دَرَجَاتٌ يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي فِيهَا، وَالْوَرَعُ لَهُ تَرْكُ الْأَخْذِ، وَفِي فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ لِابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الظَّاهِرِيَّةَ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ وَصِيَّةِ الْفُقَهَاءِ شَيْئًا (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْقَاضِي) قَالَ الْبَغَوِيّ: وَالزَّاهِدُ مَنْ لَا يَطْلُبُ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ) قَالَ شَيْخُنَا: صُورَتُهُ أَنْ يُطْلِقَ الْوَصِيَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ جِهَةَ الْمَعْصِيَةِ فَهِيَ حَاصِلَةٌ بِاللَّازِمِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: قَالَ الْبَغَوِيّ: صُرِفَ إلَى مَانِعِي الزَّكَاةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
بِأَنَّ سَيِّدَ النَّاسِ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِمْ وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ، قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى لِأَعْلَمِ النَّاسِ صُرِفَ إلَى الْفُقَهَاءِ لِتَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِأَكْثَرِ الْعُلُومِ.
(وَإِنْ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَجَبَ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (النِّصْفُ) فَلَا يُقَسَّمُ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ (أَوْ لِأَحَدِهِمَا دَخَلَ) فِيهِ (الْآخَرُ) فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمَا (أَوْ لِلرِّقَابِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَصْنَافِ أَوْ لِلْعُلَمَاءِ لَمْ يَجِبْ الِاسْتِيعَابُ بَلْ يُسْتَحَبُّ) عِنْدَ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ إذَا فَرَّقَهَا الْمَالِكُ (وَيَكْفِي ثَلَاثَةٌ) مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ (بِخِلَافِ بَنِي زَيْدٍ وَ) بَنِي (عَمْرٍو فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُهُمْ) بِأَنْ يُقَسَّمَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ (وَإِنْ دَفَعَ لِاثْنَيْنِ غَرِمَ لِلثَّالِثِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ) لِأَنَّهُ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ لَا الثُّلُثُ (وَلَا يَصْرِفُهُ) أَيْ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ لِلثَّالِثِ (بَلْ يُسَلِّمُهُ لِلْقَاضِي لِيَصْرِفَهُ) لَهُ بِنَفْسِهِ (أَوْ يَرُدُّهُ) الْقَاضِي (إلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ) هُوَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إذَا دَفَعَ لِاثْنَيْنِ عَالِمًا بِأَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَى ثَلَاثَةٍ، أَمَّا لَوْ ظَنَّ جَوَازَهُ لِجَهْلٍ أَوْ اعْتِقَادِ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالدَّفْعِ لِثَالِثٍ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى أَمَانَتِهِ وَإِنْ أَخْطَأَ وَضَمَّنَّاهُ، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرُوا الِاسْتِرْدَادَ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمَا إذَا أَمْكَنَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ مُعْسِرًا وَلَيْسَ كَالْمَالِكِ فِي دَفْعِ زَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ مُتَبَرِّعٌ بِمَالِهِ، وَالْوَصِيُّ هُنَا مُتَصَرِّفٌ عَلَى غَيْرِهِ.
(وَيَجُوزُ نَقْلُ الْمُوصَى بِهِ لِلْفُقَرَاءِ) أَوْ الْمَسَاكِينِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ (بِخِلَافِ الزَّكَاةِ) لِأَنَّ الْأَطْمَاعَ لَا تَمْتَدُّ إلَى الْوَصِيَّةِ امْتِدَادَهَا إلَى الزَّكَاةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ؛ إذْ الزَّكَاةُ مَطْمَحُ نَظَرِ الْفُقَرَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُوَظَّفَةٌ دَائِرَةٌ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهَا بِفُقَرَاءِ سَائِرِ الْبِلَادِ (فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ) بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ (اُسْتُرِدَّ) مِنْهُ (الْمَالُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ سَيِّدِهِ. فَرْعٌ)
لَوْ (أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ) بِعَيْنِهِ (مَحْصُورِينَ اُشْتُرِطَ قَبُولٌ) مِنْهُمْ (وَاسْتِيعَابٌ) لَهُمْ (وَتَسْوِيَةٌ) بَيْنَهُمْ لِتَعَيُّنِهِمْ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمُطْلَقِ الْفُقَرَاءِ (أَوْ) أَوْصَى (لِسَبِيلِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ) أَوْ الثَّوَابِ (فَكَمَا فِي الْوَقْفِ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ، ثُمَّ (فَإِنْ فَوَّضَ) الْمُوصِي أَمْرَ الْوَصِيَّةِ (إلَى الْوَصِيِّ) كَأَنْ قَالَ لَهُ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ رَأَيْتَ أَوْ فِيمَا أَرَاك اللَّهُ (لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ) وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا، كَمَا أَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْبَيْعِ لَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ (بَلْ أَقَارِبُ الْمُوصِي الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ) مِنْهُ (أَوْلَى) بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ فِيهِمْ آكَدُ (ثُمَّ) الْأَوْلَى أَنْ يُصْرَفَ (إلَى مَحَارِمِهِ مِنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ إلَى جِيرَانِهِ) الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَمَّا أَقَارِبُهُ الَّذِينَ يَرِثُونَ مِنْهُ فَلَا يَصْرِفُ إلَيْهِمْ شَيْئًا وَإِنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إذْ لَا يُوصَى لَهُمْ عَادَةً، قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَيَمْتَنِعُ الصَّرْفُ إلَى عَبْدِ الْمُوصِي.
(وَإِنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ زَيْدٍ أَوْ رَحِمِهِ وَجَبَ اسْتِيعَابُهُمْ) وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ (إنْ انْحَصَرُوا) لِتَعَيُّنِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا فَكَالْوَصِيَّةِ لِلْعُلْوِيَّةِ وَسَيَأْتِي (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) مِنْهُمْ (إلَّا وَاحِدٌ أُعْطِيَ الْكُلَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَرَابَةِ وَالرَّحِمِ مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ، وَعَلَّلَ الْإِمَامُ صُورَةَ الْجَمْعِ بِأَنَّ الْجَمْعَ لَيْسَ مَقْصُودًا هُنَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الصَّرْفُ إلَى جِهَةِ الْقَرَابَةِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ الِاسْتِيعَابُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ (وَيَدْخُلُ) فِي الْوَصِيَّةِ لِأَقَارِبِ زَيْدٍ أَوْ رَحِمِهِ (الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ، وَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ) وَالْمُسْلِمُ (وَالْكَافِرُ) وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى، وَالْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ؛ لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُمْ (وَكَذَا) يَدْخُلُ فِيهَا (الْأَجْدَادُ) وَالْجَدَّاتُ (وَالْأَحْفَادُ كُلُّهُمْ لَا الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُعْرَفُونَ بِذَلِكَ عُرْفًا بِخِلَافِ مَنْ قَبْلَهُمْ؛ إذْ قَرِيبُ الْإِنْسَانِ وَرَحِمُهُ مَنْ يَنْتَمِي إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ (وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُلُ وَرَثَتُهُ) بِقَرِينَةِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يُوصَى لَهُ عَادَةً، وَقِيلَ: يَدْخُلُونَ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَبْطُلُ نَصِيبُهُمْ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَصِحُّ الْبَاقِي لِغَيْرِهِمْ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ جَمِيعُ -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلَخْ) وَلَوْ أَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَقَالَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ دِرْهَمٌ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا دُونَ الْأَلْفِ فَهَلْ نَقُولُ: يُرَاعَى الْعَدَدُ فَيُقَسَّطُ الْخَارِجُ عَلَى الْأَلْفِ؟ أَوْ نَقُولُ: إعْطَاءُ الدِّرْهَمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَقْصُودٌ وَالْعَدَدُ إنَّمَا جَاءَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ؟ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُدْفَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِ الْمُوصِي، وَمَا فَضَلَ مِنْ شِقْصِ دِرْهَمٍ يُعْطَى لِشَخْصٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لِأَحَدِهِمَا دَخَلَ الْآخَرُ) وَيَشْمَلُ الْفَقِيرُ الْمِسْكِينَ وَعَكْسُهُ، الْمِسْكِينُ هُنَا غَيْرُ مِسْكِينِ الزَّكَاةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَحِقَّ النَّفَقَةِ عَلَى غَيْرِهِ، فَالنَّظَرُ هُنَا إلَى الِاسْمِ فَقَطْ، وَقِيلَ كَهُوَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: بَلْ أَقَارِبُ الْمُوصِي الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ أَوْلَى) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا يُوهِمُ جَوَازَ الصَّرْفِ إلَى الْوَارِثِ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى امْتِنَاعِهِ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَارِثًا لِلْمَيِّتِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ رَحِمِهِ) أَيْ أَوْ قَرَابَتِهِ أَوْ ذَوِي قَرَابَتِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا: لَوْ أَوْصَى لِمُنَاسِبِ شَخْصٍ فَلِمَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ أَوْلَادِهِ لَا الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، أَوْ لِمَنْ يُنَاسِبُهُ دَخَلَ الْآبَاءُ وَالْحَوَاشِي، وَفِي الْأُمِّ وَالْجَدَّاتِ مُطْلَقًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ دُخُولِهِنَّ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا تَدْخُلُ الْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ (قَوْلُهُ: وَالْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ) اسْتَشْكَلَ السُّبْكِيّ دُخُولَ الْبَعِيدِ فِي لَفْظِ (الْأَقَارِبِ) ؛ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، وَيُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّا لَوْ اقْتَصَرْنَا عَلَى مَعْنَى التَّفْضِيلِ لَمْ تَصْدُقْ الْأَقَارِبُ إلَّا عَلَى جَمْعٍ هُمْ أَقْرَبُ إلَى الشَّخْصِ مِنْ غَيْرِهِمْ مَعَ اشْتِرَاكِهِمْ، وَالْعُرْفُ يَأْبَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا «لَمَّا نَزَلَتْ صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ.» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ» أَوْ كَلِمَةٌ نَحْوُهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا عَشِيرَتُهُ الْأَقْرَبُونَ، وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ قَرَائِبُ، وَلَكِنْ إنْ بَعُدَتْ الْقَرَابَةُ حَتَّى انْقَطَعَتْ وَلَمْ تُعْرَفْ لَمْ تُعَدَّ قَرَابَةً، وَإِنْ عُرِفَتْ عُدَّتْ قَرَابَةً وَأُطْلِقَ لَفْظُ الْأَقْرَبِينَ وَالْأَقَارِبِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهَا.
نَصِيبِ كُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ إجَازَةُ نَفْسِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَلَوْ قِيلَ يَدْخُلُ وَيُعْطَى نَصِيبَهُ كَانَ أَوْجَهَ وَأَنْسَبَ بِمَا لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي تِلْكَ لَا يَدْخُلُ أَوْ يَدْخُلُ وَيَبْطُلُ نَصِيبُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ) فِيمَا ذُكِرَ (أَقْرَبُ جَدٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ) الْمُوصِي لِأَقَارِبِهِ (وَبَعْدَ) الْجَدِّ (قَبِيلَةٌ) فَيَرْتَقِي فِي بَنِي الْأَعْمَامِ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَلَا مَنْ فَوْقَهُ (فَالْحَسَنِيُّونَ لَا يُشَارِكُهُمْ الْحُسَيْنِيُّونَ) أَيْ فَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ حَسَنِيٍّ لِأَوْلَادِ الْحَسَنِ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ فَوْقَهُ وَأَوْلَادِ الْحُسَيْنِ، وَلِأَقَارِبِ الشَّافِعِيِّ فِي زَمَنِهِ لِأَوْلَادِ شَافِعٍ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَأَوْلَادِ مَنْ فَوْقَهُ، أَوْ لِأَقَارِبِ مَنْ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الشَّافِعِيِّ فِي زَمَنِنَا لِأَوْلَادِ الشَّافِعِيِّ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَأَوْلَادِ مَنْ فَوْقَهُ.
وَقَوْلِي فِي الْأُولَى: فِي زَمَنِهِ تَبِعْتُ فِيهِ الْأَصْلَ وَغَيْرَهُ وَلَا حَاجَة إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافُ الْمُرَادِ (وَيَسْتَوِي فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَلَوْ كَانَ) الْمُوصِي (عَرَبِيًّا) لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ قَرَابَةُ الْأُمِّ إنْ كَانَ الْمُوصِي عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّهَا قَرَابَةً وَلَا يُفْتَخَرُ بِهَا، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ، لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ: الْأَقْوَى الدُّخُولُ، وَأَجَابَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَتَوْجِيهُ عَدَمِ الدُّخُولِ بِمَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «سَعْدٌ خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (كَالرَّحِمِ) فِي أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي الْوَصِيَّةِ لَهَا قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، إذْ لَفْظُ " الرَّحِمِ " لَا يَخْتَصُّ بِطَرَفِ الْأَبِ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَقْرَبِ أَقَارِبِ زَيْدٍ دَخَلَ فِيهَا الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ) كَمَا يَدْخُلُ غَيْرُهُمْ عِنْد عَدَمِهِمْ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَهُمْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِزِيَادَةِ الْقَرَابَةِ، وَهَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِمْ أَقَارِبُ عُرْفَا.
(تُقَدَّمُ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَتُقَدَّمُ (الذُّرِّيَّةُ مُطْلَقَا) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ أَوْلَادِ الْبَنِينَ أَمْ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ عَلَى الْآبَاءِ (الْأَعْلَى) مِنْهُمْ (فَالْأَعْلَى) لِقُوَّةِ عُصُوبَتِهِمْ وَإِرْثِهِمْ فِي الْجُمْلَةِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ (الْأَبَوَانِ) عَلَى مَنْ فَوْقَهُمَا وَعَلَى الْحَوَاشِي (وَالْأَخُ) مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ (يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ لِقُوَّةِ جِهَةِ الْبُنُوَّةِ عَلَى جِهَةِ الْأُبُوَّةِ كَمَا فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ إخْرَاجُ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَلَيْسَ مُرَادًا (وَكَذَا) تُقَدَّمُ (ذُرِّيَّتُهُ) أَيْ الْأَخِ عَلَى الْجَدِّ لِذَلِكَ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ (الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) لِذَلِكَ، وَكَالْأَخِ وَذُرِّيَّتِهِ فِيمَا ذُكِرَ الْأُخْتُ وَذُرِّيَّتُهَا كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ (وَالْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ) بَعْدَ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ (سَوَاءٌ) فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمْ، قَالَ فِي الْأَصْلِ: ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ وَالْعَمَّةُ عَلَى أَبِي الْجَدِّ، وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ عَلَى جَدِّ الْأُمِّ وَجَدَّتِهَا (وَكَذَا الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ سَوَاءٌ، وَابْنُ الْأَبَوَيْنِ) مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَأَوْلَادُهُمْ (يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَحَدِهِمَا) لِزِيَادَةِ قَرَابَتِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الِابْنِ بِالْوَلَدِ كَانَ أَعَمَّ.
(وَالْأَخُ لِأُمٍّ) يُقَدَّمُ (عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ هَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ دَرَجَةً) فِي الْجِهَةِ (كَيْفَ كَانَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ) فَيُقَدَّمُ الْأَخُ لِأَبٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ وَابْنُ أَخٍ لِأُمٍّ عَلَى ابْنِ ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ وَاحِدَةٌ فُرُوعِي قَرِيبُ الدَّرَجَةِ وَإِلَّا بِأَنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ (فَالْبَعِيدُ مِنْ الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْ الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ كَابْنِ ابْنِ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ) وَلَا تَرْجِيحَ بِذُكُورَةٍ وَلَا أُنُوثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الِابْنِ، كَمَا يَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْقُرْب، قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَفِي تَقْدِيمِ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيْنِ عَلَى الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةٍ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُتَابَعٌ فِيهِ لِابْنِ الصَّبَّاغِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمَأْخَذُ ثَمَّ اسْمُ الْجَدَّةِ، وَهُنَا مَعْنَى الْأَقْرَبِيَّةِ، فَتُقَدَّمُ ذَاتُ الْقَرَابَتَيْنِ عَلَى ذَاتِ الْقَرَابَةِ الْوَاحِدَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْوَقْفِ.
(فَرْعٌ) : لَوْ (أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ أَقَارِب زَيْدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ) الصَّرْفِ إلَى (ثَلَاثَةٍ) مِنْ الْأَقْرَبِينَ (فَلَوْ زَادُوا) عَلَيْهِمْ (اسْتَوْعَبَهُمْ) لِئَلَّا تَصِيرَ وَصِيَّةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الْجِهَةُ، فَلَوْ قَالَ: فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْأَقْرَبِينَ كَانَ أَخْصَرَ (وَإِنْ) وَجَدْنَا مِنْهُمْ دُونَ ثَلَاثَةٍ تَمَمْنَاهَا مِمَّنْ يَلِيهِمْ، فَإِنْ (وَجَدْنَا ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ) وَبَنِي ابْنِ ابْنٍ دَفَعْنَا إلَى الِابْن ثُلُثًا وَإِلَى ابْنِ الِابْنِ ثُلُثًا آخَرَ ثُمَّ (تَمَّمْنَا) الثَّلَاثَ (مِنْ الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ) وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، بَلْ (لِأَهْلِهَا الثُّلُثُ) -
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ فِي تِلْكَ: لَا يَدْخُلُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ عَرَبِيًّا) قَالَ جَمَالُ الدِّينِ: الْمُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لَا مِنْ يُنْسَبُ إلَى الْعَرَبِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِلُغَتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَالْأَعْجَمِيِّ، قَالَ: وَيَشْتَرِطُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ لُغَتَهُمْ وَيَعْتَقِدَ اعْتِقَادَهُمْ فِي اسْمِ الْقَرَابَةِ أَنَّهُ الْمُنْتَصَرُ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: دَخَلَ فِيهَا الْأَبَوَانِ إلَخْ) دُخُولُ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى دُخُولِ قَرَابَةِ الْأُمِّ فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ إذَا كَانَ الْمُوصِي عَرَبِيًّا، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَلْفَاظِ الْوَجِيزِ (قَوْلُهُ: وَالْأَخُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا يُقَدَّمُ الْأَخُ لِلْأُمِّ وَابْنُهُ عَلَى الْجَدِّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَمَسْأَلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَقْرَبِ وَفِي وَقْفٍ انْقَطَعَ مَصْرِفُهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ، وَلَا يُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَلَا ابْنُهُ عَلَى الْجَدِّ إلَّا هُنَا وَفِي الْوَلَاءِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْعَمِّ عَلَى أَبِي الْجَدِّ كَمَا فِي الْوَلَاءِ.
(قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ ذَاتُ الْقَرَابَتَيْنِ عَلَى ذَاتِ الْقَرَابَةِ الْوَاحِدَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ أَيْضًا: إذَا صَدَرَ مِنْ وَاقِفٍ وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادٍ هَكَذَا فِي جَمِيعِ الذُّرِّيَّةِ بِالتَّرْتِيبِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْقِبْ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ، يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِذَلِكَ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَقْرَبِيَّةٌ إلَى الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ إلَّا بِجِهَتَيْنِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ إعْمَالًا لِلَفْظِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.