الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر الذهبى: أنه توفى بها سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وله سبعون سنة. قال: وكان خياطا دينا.
1807 ـ عبد الرحيم بن الحسن بن محمد بن علىّ بن الحسين بن علىّ الشيبانى الطبرى، القاضى مجد الدين:
توفى يوم الخميس سابع عشر جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بمكة، ودفن بالمعلاة.
نقلت وفاته من حجر قبره. ومنه كتبت لقبه، وترجم فيه: بالقاضى، وبالشاب. وقد تقدم ذكر جده القاضى أبى المظفر محمد بن علىّ بن الحسن الشيبانى فى محله.
1808 ـ عبد الرحيم بن علىّ بن الحسن بن المفرج بن الحسين بن أحمد بن المفرج بن أحمد اللخمى العسقلانى المولد، المصرى الدار، المعروف بالقاضى الفاضل، مجير الدين أبو علىّ بن القاضى الأشرف بهاء الدين أبى المجد بن القاضى السعيد أبى محمد:
وزير السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وصاحب ديوان إنشائه. ذكرناه فى هذا الكتاب؛ لأن له مآثر بمكة، وهى الرباط، المعروف برباط أبى رقيبة عند مدرسة الأرسوفى، بأسفل مكة، قريبا من باب العمرة، وقفه هو وشريكه فيه، العفيف عبد الله بن محمد بن عبد الله المعروف بالأرسوفى، وهو الذى وقفه عن القاضى الفاضل وشريكه فيه. كما فى الحجر الذى على باب الرباط المذكور.
وفى الحجر: أنه وقفه على الفقراء والمساكين العرب والعجم، الرجال دون النساء، القادمين إلى مكة والمجاورين بها، على أن لا يزيد الساكن فى السكنى فيه على ثلاث سنين، إلا أن تقطع أقدامه، وسكناه فى السفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة.
نقلت هذا من حجر الرباط المذكور، وتاريخه سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.
وقد ذكر ابن خلكان شيئا من خبره، فقال ـ بعد أن نسبه كما ذكرنا ـ: وزر
1808 ـ انظر ترجمته فى: (الخريدة 1/ 35، ابن الجوزى 202، معجم البلدان 1/ 788، ابن نقطة إكمال الإكمال 61، التاريخ المظفرى 228، سبط ابن الجوزى 8/ 472، الذيل 17، التكملة ترجمة 526، الجامع 9/ 28، الوفيات 3/ 158، فى طبقات السبكى 7/ 166، البداية والنهاية 13/ 24، العقد 162، العسجد 162، السلوك 1/ 153، طبقات النحاة 185، عقد الجمان 17/ 247، ابن الفرات 8/ 74، سير أعلام النبلاء 21/ 338).
للسلطان الملك الناصر صلاح الدين رحمه الله، وتمكن منه غاية التمكن، وبرز فى صناعة الإنشاء، وفاق المتقدمين، وله فيه الغرائب مع الإكثار.
أخبرنى أحد الفضلاء الثقات، المطلعين على حقيقه أمره، أن مسودات رسائله فى المجلدات، والتعليقات فى الأوراق، إذا جمعت، ما تقصر عن مائة مجلد، وهو مجيد فى أكثرها.
قال العماد الكاتب الأصبهانى فى كتاب الخريدة فى حقه: رب القلم والبيان واللسن واللسان، والقريحة الوقادة، والبصيرة النقادة، والبديهة المعجزة، والبديعة المطرزة، والفضل الذى ما سمع فى الأوائل بمن لو عاش فى زمانه لتغلق بغباره، أو جرى فى مضماره. فهو كالشريعة المحمدية التى نسخت الشرائع ورسخت بها الصنائع، يخترع الأفكار، ويفترع الأبكار، ويطلع الأنوار، ويبدع الأزهار، وهو ضابط الملك بآرائه، ورابط السلك بآلائه، إن شاء أنشأ فى يوم واحد، بل فى ساعة واحدة، ما لو دون، لكان لأهل الصناعة خير بضاعة، أين قس عند فصاحته، وأين قيس فى مقام حصافته، ومن حاتم وعمرو فى سماحته وحماسته؟ .
وأطال القول فى تقريظه. ونذكر له رسالة لطيفة كتبها على يد خطيب عيذاب إلى صلاح الدين، يتشفع له فى توليته خطابة الكرك، وهى: أدام الله سلطان الملك الناصر وثبته، وتقبل عمله بقبول صالح وأثبته، وأخذ عدوه قائلا أو بيته، وأرغم أنفه بسيفه وكبته، خدمة المملوك هذه، واردة على يد خطيب عيذاب، ولما نبا به المنزل عنها، وقل عليه الموفق فيها، وسمع بهذه الفتوحات التى طبق الأرض ذكرها. ووجب على أهلها شكرها هاجر من هجير عيذاب، وملحها، ساريا فى ليلة أمل كلها نهار، ولا يسأل عن صبحها، وقد رغب فى خطابة الكرك، وهو خطيب، وتوسل بالمملوك فى هذا الملتمس وهو قريب، ونزع من مصر إلى الشام، ومن عيذاب إلى الكرك، وهذا عجيب. والفقر سائق عنيف، والمذكور عائل ضعيف، ولطف الله بالخلق بوجود مولانا لطيف، والسلام.
وله من جملة رسالة فى صفة قلعة شاهقة، ولقد أبدع فيها. ويقال إنها قلعة كوكب: وهذه القلعة عقاب فى عقاب، ونجم فى سحاب، وهامة لها الغمامة عمامة، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان لها الهلال قلامة. وملحه ونوادره كثيرة.
وقوله: كان الهلال لها قلامة، أخذه من قول عبد الله بن المعتز من جملة أبياته فى
نرجمته وهو (1)[من البسيط]:
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا
…
مثل القلامة قد قدت من الظفر
وابن المعتز أخذ من قول عمرو بن قميئة، هو (2) [من المتقارب]:
كأن ابن مزنتها جانحا
…
فسيط لدى الأفق من خنصر
والقسيط: بفتح الفاء وكسر السين المهملة. قلامة الظفر.
ومن كلامه فى أثناء رسالة وقد كبر: والمملوك قد وهت ركبتاه، وضعف إليتاه وكتبت لام الألف عند قيامه رجلاه، ولم يبق من نظره إلا شفافة، ومن حديثه إلا خرافة.
وله فى النظم أشياء حسنة، منها ما أنشده عند وصوله إلى الفرات، فى خدمة السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى، ومتشوقا إلى نيل مصر (3) [من الكامل]:
بالله قل للنيل عنى إننى
…
لم أشف من ماء الفرات غليلا
وسل الفؤاد فإنه لى شاهد
…
إن كان جفنى بالدموع بخيلا
يا قلب كم خلقت ثم بثينة
…
وأعيذ صبرك أن يكون جميلا
وكان كثيرا ما ينشد لابن مكنسة، وهو أبو طاهر إسماعيل بن محمد بن الحسين القرشى الإسكندرى [من الكامل]:
وإذا السعادة أحرستك عيونها
…
نم فالمخاوف كلهن أمان
واصطد بها العنقاء فهى حبالة (4)
…
واقتد بها الجوزاء فهى عنان
ومن المنسوب إلى القاضى الفاضل قوله [من الكامل]:
غيث أقلب فيه طرف ترقبى (5)
…
فعسى يكون وراءه الإعتاب
ومن شعره أيضا قوله (6)[من السريع]:
(1) انظر فى: (ابن خلكان 3/ 160).
(2)
انظر فى: (ابن خلكان 3/ 160).
(3)
انظر فى: (ابن خلكان 3/ 160).
(4)
فى وفيات الأعيان 3/ 161:
واصطد بها العنقاء فهى حبائل
(5)
فى وفيات الأعيان 3/ 160:
عتب أقلب فيه طرف ترقبى
(6)
انظر: وفيات الأعيان 3/ 160.
بتنا على حال يسر الهوى
…
وربما لا يمكن الشرح
بوّابنا الليل وقلنا له
…
إن غبت عنا دخل الصبح
قلت: وقد نظمت هذا المعنى فى دو بيت، وهو (7):
ما أطيب ليلة مضت بالسفح
…
والوصف لها يقصر عنه شرح
إذا قلت لها بوابنا أنت متى
…
ما غبت نخاف من دخول الصبح
وكان الملك العزيز بن صلاح الدين، يميل إلى القاضى الفاضل فى حياة أبيه، فأتفق أن العزيز هوى قينة شغلته عن مصالحه، وبلغ ذلك والده، فأمره بتركها، ومنعه من صحبتها، فشق ذلك عليه وضاق صدره، ولم يجسر أن يجتمع بها.
فلما طال ذلك بينهما، سيرت له مع بعض الخدم كرة عنبر، فكسرها فوجد فى وسطها زر ذهب، ففكر فيه، فلم يعرف معناه. واتفق حضور الفاضل إليه، فعرفه الصورة، فعمل القاضى الفاضل فى ذلك بيتين، وأرسلهما إليه، وهما (8) [من السريع]:
أهدت لك العنبر فى وسطه
…
زر من التبر دقيق اللحام
والدر فى العنبر معناهما
…
زر هكذا مستترا فى الظلام
فعلم الملك العزيز أنها أرادت زيارته فى الليل. وشعره كثير.
وكانت ولادته فى يوم الاثنين خامس عشر جمادى الآخر سنة تسع وعشرين بمدينة عسقلان، وتولى أبوه القضاء بمدينة بيسان، فلهذا نسبوه إليها. وفى ترجمة الموفق يوسف ابن الخلال فى حرف الياء، صورة مبدأ أمره وقدومه الديار المصرية، واشتغاله عليه بصناعة الإنشاء، فلا حاجة إلى ذكره هنا، ثم إنه تعلق بالخدم فى كفر الإسكندرية، وأقام بها مدة.
ثم قال ابن خلكان: وبعد وفاة صلاح الدين، استمر على ما كان عليه عند ولده الملك العزيز، فى المكانة والرفعة ونفاذ الأمر. ولما توفى العزيز، وقام ولده الملك المنصور بالملك، بتدبير عمه الأفضل نور الدين، كان أيضا على حاله، ولم يزل كذلك إلى أن وصل الملك العادل وأخذ الديار المصرية.
وعند دخوله القاهرة، توفى القاضى، وذلك فى ليلة الأربعاء سابع شهر ربيع الآخر
(7) انظر: وفيات الأعيان 3/ 160.
(8)
انظر: وفيات الأعيان 3/ 160.