الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2116 ـ على بن محمد بن على [ ..... ](1) السكندرى:
[ ......................... ](1).
2117 ـ على بن محمد بن على الصليحى:
صاحب اليمن ومكة. قال صاحب المرآة فى أخبار سنة خمس وخمسين وأربعمائة: وفيها دخل الصليحىّ إلى مكة، واستعمل الجميل مع أهلها، وأظهر العدل والإحسان والأمن، وطابت به قلوب الناس، ورخصت الأسعار، وكثرت له الأدعية، وكان شابا أشقر اللحية أزرق العينين، وليس باليمن أزرق أشقر غيره، وكان متواضعا، إذا جاز على جمع سلّم عليهم بيده، وكان فطنا ما يخبر بشيء إلا ويصحّ، وكسا البيت ثيابا بيضا، وردّ بنى شيبة عن قبيح أفعالهم، ورد إلى البيت من الحلىّ، ما كان بنو أبى الطيب الحسنيون أخذوه، لما ملكوا بعد شكر، وكانوا قد عرّوا البيت والميزاب، ودخل البيت ومعه زوجته، ويقال لها الحرّة الكاملة، وكانت حرة كاسمها، مدبّرة مستولية عليه وعلى اليمن، وكان يخطب لها على المنابر، يخطب أولا للمسنتصر وبعده للصليحى، وبعده لزوجته، فيقال: اللهم وأدم أيّام الحرّة الكاملة السيدة كافلة المؤمنين.
وكانت لها صدقات كثيرة، وكرم فائض، وكرم فائض، وعدل وافر. وقال: ذكر الصليحى: محمد ابن هلال الصابى فقال: وورد فى صفر من الحج، من ذكر دخول الصليحى مكة فى سادس ذى الحجة، واستعماله الجميل مع أهلها، وإظهاره العدل فيها، وأن الحجاج كانوا آمنين أمنا لم يعهد مثله، لإقامته السياسة والهيبة، حتى كانوا يعتمرون ليلا ونهارا، وأموالهم محفوظة، ورحالهم محروسة، وتقدّم بجلب الأقوات، فرخصت الأسعار، وانتشرت له الألسنة بالشكر، وأقام إلى يوم عاشوراء، وراسله الحسنيون، وكانوا قد بعدوا من مكة: أخرج من بلادنا، ورتّب منّا من تختاره.
فرتب محمد بن أبى هاشم فى الإمارة، ورجع إلى اليمن ـ وقد سبق فى ترجمة ابن أبى هاشم، ما أحسن به إليه الصليحى لما أمّره بمكة ـ قال: وكان الصليحى يركب على فرس له يسمى «الملك» قيمته ألف دينار، وعلى رأسه مائة وعشرون قصبة ملبّسة بالذهب والفضة، وإذا ركبت الحرّة، ركبت فى مائتى جارية، مزينات بالحلى والجوهر،
2116 ـ (1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
2117 ـ انظر ترجمته فى: (وفيات الأعيان 2/ 51، 52، 53، 3/ 411 ـ 415، 5/ 229، 7/ 323، تاريخ ثغر عدن 159).
وبين يديها الجنائب بمراكب الذهب المرصعّة، وفى رواية: أقام بمكة إلى ربيع الأول، فوقع فى أصحابه الوباء، فمات منهم سبعمائة رجل، ثم عاد إلى اليمن، لأن العلويين تجمّعوا عليه، ولم يبق معه إلا نفر يسير، فسار إلى اليمن، ومنع الحج من اليمن، فغلت الأسعار، وزادت البليّة. انتهى.
وذكره الفقيه عمارة الشاعر فى تاريخه، فقال: كان أبوه محمد قاضيا باليمن، سنّىّ المذهب، وكان أهله وجماعته يطيعونه، وكان الداعى عامر بن عبد الله الزّواحىّ يلاطفه ويركن إليه، لرئاسته وسؤدده وصلاحه وعلمه، فلم يزل عامر المذكور، حتى استمال قلب ولده علىّ المذكور، وهو يومئذ دون البلوغ، ولا حت له فيه مخايل النجّابة، وقيل: كانت عنده حلية علىّ الصليحى فى كتاب «الصّور» من الذخائر القديمة، فأوقفه منه على ثقل حاله، وشرف مآله، وأطلعه على ذلك سرا من أبيه وأهله؛ ثم مات عامر عن قرب، وأوصى له بكتبه وعلومه، ورسخ فى ذهن علىّ من كلامه ما رسخ، فعكف على الدرس، وكان ذكيا، فلم يبلغ الحلم، حتى تضلّع من معارفه، التى بلغ بها وبالجد السعيد، غاية الأمل البعيد.
وكان فقيها فى مذهب الدولة الإمامية، مستبصرا فى علم التأويل. ثم إنه صار يحج بالناس دليلا على طريق السّراة والطائف خمس عشرة سنة، وكان الناس يقولون له: إنه بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره، ويكون لك شأن، فيكره ذلك وينكره على قائله، مع كونه أمرا قد شاع وكثر فى أفواه الناس، الخاصّة والعامّة.
ولما كان فى سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ثار فى رأس جبل مسار، وهو أعلى ذروة فى جبال حراز، وكان معه ستون رجلا، قد حالفهم بمكة فى موسم سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، على الموت والقيام بالدّعوة، وما منهم إلا من هو من قومه وعشائره فى منعة وعدد كثير، ولم يكن برأس الجبل المذكور بناء، بل كان قلعة منيعة عالية، فلما ملكها، لم ينتصف نهار ذلك اليوم الذى ملكها فى ليلته، إلا وقد أحاط به عشرون ألف ضارب سيف، وحصروه وشتموه وسفهوا رأيه.
وقالوا له: إن نزلت، وإلا قتلناك أنت ومن معك بالجوع! فقال لهم: لم أفعل هذا إلا خوفا علينا وعليكم أن يملكه غيرنا، فإن تركتمونى أحرسه لكم، وإلّا نزلت إليكم، فانصرفوا عنه، ولم يمض عليه أشهر، حتى بناه وحصّنه وأتقنه.
واستفحل أمر على الصليحى شيئا فشيئا، وكان يدعو للمستنصر صاحب مصر فى
الخفية، ويخاف من «نجاح» صاحب تهامة ويلاطفه، ويستكين لأمره، وفى الباطن، يعمل الحيلة فى قتله، ولم يزل حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه، وذلك فى سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة بالكدراء.
وفى سنة ثلاث وخمسين، كتب الصليحى إلى المستنصر، يستأذنه فى إظهار الدعوة، فأذن له، فطوى البلاد طيّا، وفتح الحصون والتهائم، ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلا وقد ملك اليمن كله، سهله ووعره، وبرّه وبحره، وهذا أمر لم يعهد مثله فى جاهلية ولا إسلام، حتى قال يوما وهو يخطب الناس فى جامع الجند: فى مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن. ولم يكن ملكها بعد، فقال بعض من حضر مستهزئا:«سبّوح قدّوس» فأمر بالحوطة عليه، وخطب الصليحى فى مثل ذلك اليوم على منبر عدن، فقال ذلك الإنسان ـ وتغالى فى القول ـ:«سبّوحان قدّوسان» وأخذ البيعة، ودخل فى المذهب، ومن سنة خمس وخمسين، استقر حاله فى صنعاء، وأخذ معه ملوك اليمن الذين أزال ملكهم وأسكنهم معه وولىّ فى الحصون غيرهم، واختطّ بمدينة صنعاء عدة قصور، وحلف لا يولى تهامة إلا لمن وزن مائة ألف دينار، فوزنت له زوجته أسماء عن أخيها أسعد بن شهاب، فولاه وقال لها: يا مولاتنا، أنّى لك هذا؟ قالت (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [آل عمران: 37] فتبسم وعلم أنه من خزائنه، فقبضه وقال:(هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) فقالت: (وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا)[يوسف: 65].
ولما كان فى سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، عزم الصليحى على الحجّ، فأخذ معه الملوك الذين كان يخاف منهم أن يثّوروا عليه، واستصحب زوجته أسماء بنت شهاب، واستخلف مكانه ولده منها، الملك المكرم أحمد، وهو ولدها أيضا، وتوجّه فى ألفى فارس، فيهم من آل الصليحى، مائة وستون شخصا، حتى إذا كان بالمهجم (1)، ونزل بظاهرها بقرية يقال لها أم الدّهيم وبئر أم معبد، وخيّمت عساكره والملوك الذين معه من حوله، ولم يشعر الناس حتى قيل: قد قتل الصليحى، فانذعر الناس وكشفوا عن الخبر، فكان سعيد الأحول بن نجاح المذكور، الذى قتله الجارية بالسم، قد استتر فى زبيد، وكان أخوه جياش فى دهلك (2)، فسيّر إليه وأعلمه أن الصليحى متوجه إلى مكة،
(1) المهجم: بلد وولاية من أعمال زبيد باليمن، بينها وبين زبيد ثلاثة أيام، ويقال لناحيتها خزاز، وأكثر أهلها خولان من أعلاها وأسافلها وشمالها بعد السّردد.
(2)
دهلك: بفتح أوله، وسكون ثانيه، ولام مفتوحة، وآخره كاف، اسم أعجمى ـ
فتحضر حتى نقطع عليه الطريق ونقتله، فحضر جيّاش إلى زبيد، وخرج هو وأخوه سعيد، ومعهما سبعون رجلا بلا مركب ولا سلاح، بل مع كل واحد جريدة فى رأسها مسمار حديد، وتركوا جادة الطريق، وسلكوا طريق الساحل، وكان بينهم وبين المهجم مسيرة ثلاثة أيام للمجدّ، وكان الصليحى قد سمع بخروجهم، فسيّر خمسة آلاف حربة من الحبشة الذين فى ركابه لقتالهم، فاختلفوا فى الطريق، فوصل سعيد ومن معه إلى طرف المهجم وقد أخذ منهم التعب والحفاء، وقلة الماء، فظن الناس أنهم من جملة عبيد العسكر، ولم يشعر بهم إلا عبد الله أخو الصّليحى، فقال لأخيه: يا مولانا، اركب، فو الله هذا الأحول سعيد بن نجاح، وركب عبد الله، فقال الصليحى لأخيه: إنى لا أموت إلا بالدّهيم وبئر أم معبد، معتقدا أنها أم معبد التى نزل بها رسول اللهصلى الله عليه وسلم، لما هاجر إلى المدينة، فقال له رجل من أصحابه: قاتل عن نفسك، فهذه والله الدّهيم، وهذه بئر أم معبد، فلما سمع الصليحى ذلك، لحقه زمع اليأس من الحياة، وبال ولم يبرح من مكانه، حتى قطع رأسه بسيفه، وقتل أخوه معه وسائر الصليحيين، وذلك فى ثامن عشر ذى القعدة، سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، ثم إن سعيدا أرسل إلى الخمسة آلاف الذين أرسلهم الصليحى لقتاله، فقال لهم: إن الصليحى قد قتل، وأنا رجل منكم، وقد أخذت بثأر أبى، فقدموا عليه وأطاعوه، واستعان بهم على قتال عسكر الصليحى، فاستظهر عليهم قتلا وأسرا ونهبا.
ثم رفع رأس الصليحى على عود المظلّة، وقرأ القارئ:(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 26].
ورجع إلى زبيد، وقد حاز الغنائم ودخلها فى سادس عشر ذى القعدة من السنة وملكها، وملك بلادها وبلاد تهامة، ولم يزل على ذلك حتى قتل فى سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، بتدبير الحرّة، وهى امرأة من الصليحيين، وخبر ذلك يطول، ولما قتل الصليحى ورفع رأسه على عود المظلة كما تقدم، عمل فى ذلك القاضى العثمانى [من الكامل] (3):
بكرت مظلّته عليه فلم ترح
…
إلا على الملك الأجل سعيدها
ـ معرب، ويقال له دهيك أيضا: وهى جزيرة فى بحر اليمن، وهو مرسى بين بلاد اليمن والحبشة، بلدة ضيّقة حرجة حارة كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها.
(3)
الأبيات فى: (وفيات الأعيان 3/ 414، تاريخ ثغر عدن 163).