الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2313 ـ فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمى اليربوعى، أبو على الزاهد:
نزيل مكة، روى عن: حميد الطويل، وسليمان الأعمش، وسليمان التيمى، ومحمد ابن إسحاق، وجماعة.
روى عنه: سفيان الثورى ـ وهو من شيوخه ـ وسفيان بن عيينة ـ وهو من أقرانه ـ وعبد الله بن المبارك ـ ومات قبله ـ والحميدى، والقعنبى. والإمام الشافعى، وهارون الرشيد أمير المؤمنين، وخلق.
قال إبراهيم بن محمد الشافعى: سمعت سفيان بن عيينة يقول: فضيل ثقة. قال عبد الرحمن بن مهدى: فضيل بن عياض رجل صالح، ولم يكن بحافظ.
وقال الحسين بن إدريس الأنصارى، عن محمد بن عبد الله بن عمار: ليت الفضيل كان يحدثك بما يعرف، قلت: ترى حديثه حجة؟ قال: سبحان الله! وقال إبراهيم بن ميسرة، عن ابن المبارك: ما بقى على ظهر الأرض عندى، أفضل من الفضيل بن عياض. وقال شريك بن عبد الله: لم يزل لكل قوم حجة فى أهل زمانهم، وأن فضيل بن عياض، حجة لأهل زمانه.
وقال النضر بن شميل: سمعت هارون الرشيد يقول: ما رأيت فى العلماء أهيب من مالك، ولا أورع من الفضيل بن عياض. انتهى.
للفضيل بن عياض مع الرشيد موعظة مشهورة، رويناها من طريق أبى نعيم، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا زكريا الغلابى قال: حدثنا أبو عمرو الجرمى النحوى، قال: حدثنا الفضل بن الربيع، قال: حج أمير المؤمنين ـ يعنى هارون الرشيد ـ
2313 ـ انظر ترجمته فى: (طبقات ابن سعد 1/ 28، 6/ 43، 282، تاريخ الدورى 2/ 476، تاريخ خليفة 458، طبقات خليفة 284، علل ابن المدينى 74، علل أحمد 1/ 21، 44، 203، 251، 2/ 150، التاريخ الكبير للبخارى الترجمة 550، تاريخ الصغير 2/ 241، المعرفة ليعقوب 1/ 179، تاريخ أبى زرعة الدمشقى 468، 557، الجرح والتعديل ترجمة 416، ثقات ابن حبان 7/ 315، الثقات لابن شاهين الترجمة 1124، حلية الأولياء 8/ 84، السابق واللاحق 292، الجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسرانى 2/ 414، الكامل فى التاريخ 6/ 189، 220، سير أعلام النبلاء 8/ 372، تذكرة الحفاظ 1/ 245، الكاشف ترجمة 6768، تهذيب التهذيب 8/ 294، تقريب التهذيب 2/ 113، خلاصة الخزرجى ترجمة 5739، شذرات الذهب 1/ 316، صفوة الصفوة 2/ 134، التوابون 27، الجواهر المضية 1/ 409).
فأتانى فخرجت مسرعا. فقلت: يا أمير المؤمنين! لو أرسلت إلىّ أتيتك، فقال: ويحك، قد حاك فى نفسى شئ، فانظر لى رجلا أسأله، فقلت: هاهنا سفيان بن عيينة. قال: امض بنا إليه فأتيناه، فقرعت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعا، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلىّ أتيتك، فقال له، خذ لما جئناك له رحمك الله، فحدثه ساعة، ثم قال له: عليك دين؟ فقال: نعم. فقال: يا عباس، اقض دينه.
فلما خرجنا قال: ما أغنى عنى صاحبك شيئا، انظر لى رجلا أسأله، قلت: هاهنا عبد الرزاق بن همام، قال: امض بنا إليه، فأتيناه فقرعنا الباب، فخرج مسرعا، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فقال: يا أمير المؤمنين، لو أرسلت إلىّ أتيتك، فقال: خذ لما جئناك له، فحادثه ساعة، ثم قال له: عليك دين؟ قال: نعم. قال: يا عباس، افضل دينه، فلما خرجنا قال: ما أغنى عنى صاحبك شيئا، انظر لى رجلا أسأله، قلت: هاهنا الفضيل بن عياض، قال: امض بنا إليه، فأتيناه، فإذا هو قائم يصلى، يتلو آية من القرآن يردّدها، فقال: اقرع الباب. فقرعت الباب، فقال: من هذا؟ قلت: أجب أمير المؤمنين، فقال: ما لى ولأمير المؤمنين! فقلت: سبحان الله، أما عليك طاعة؟ أليس قد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم:«ليس للمؤمن أن يذلّ نفسه» . فنزل ففتح الباب، ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج، ثم ارتقى إلى زاوية من زوايا البيت، فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا، فسبقت يد هارون قبلى إليه، فقال: يا لها من كف، ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عزوجل، فقلت فى نفسى: ليكلّمنّه الليلة بكلام نقى من قلب تقى، فقال له: خذ فيما جئناك له، فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة، دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظىّ، ورجاء بن حيوة، فقال لهم: إنى قد ابتليت بهذا البلاء، فأشيروا علىّ، فعدّ الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت.
وقال له محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله، فليكن كبير المسلمين عندك أبا، وأوسطهم عندك أخا، وأصغرهم عندك ابنا فوقرّ أباك، وأكرم أخاك، وتحنّن على ولدك.
وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت، وإنى أقول لك هذا، وإنى أخاف عليك أشد الخوف يوما تزل فيه الأقدام، فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء، أو من يشير عليك بمثل هذا! فبكى هارون بكاء شديدا، حتى غشى عليه، فقلت له: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن أم الربيع، تقتله أنت وأصحابك، وأرفق به
أنا؟ ثم أفاق فقال له: زدنى رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، بلغنى أن عاملا لعمر ابن عبد العزيز شكا إليه، فكتب إليه عمر: يا أخى، اذكر طول شهر أهل النار فى النار، مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد بك وانقطاع الرجاء.
قال: فلما قرأ الكتاب، طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز، فقال له: ما أقدمك؟ قال: خلعت قلبى بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله عزوجل، فبكى هارون بكاء شديدا، ثم قال: زدنى يرحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عم المصطفىصلى الله عليه وسلم، جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أمرنى على إمارة، فقال له النبىصلى الله عليه وسلم:«إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل» .
فبكى هارون بكاء شديدا، فقال: زدنى رحمك الله، فقال: يا حسن الوجه، أنت الذى يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقى هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح وتمسى وفى قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبىصلى الله عليه وسلم قال:«من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة» .
فبكى هارون وقال له: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربّى لم يحاسبنى عليه، فالويل لى إن سألنى، والويل لى إن حاسبنى، والويل لى إن لم ألهم حجّتى، قال: إنما أعنى من دين العيال. قال: إن ربى لم يأمرنى بهذا، أمرنى أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال جل وعز:(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.)[الذاريات: 56] فقال له: هذه ألف دينار، خذها فأنفقها على عيالك، وتقو بها على عبادة ربك، فقال: سبحان الله! أنا أدلك على طريق النجاة، وأنت تكافئنى بمثل هذا! سلمك الله ووفقك، ثم صمت ولم يكلمنا، فخرجنا من عنده.
فلما صرنا على الباب، قال هارون: أيا عباس، إذا دللتنى على رجل، فدلنى على مثل هذا، هذا سيد المسلمين، فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: يا هذا، قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا المال فتفرحنا به، فقال: إنما مثلى ومثلكم، كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه، فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل، فعسى أن يقبل المال! فلما علم الفضيل، خرج فجلس فى السطح على باب الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه، فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك، خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا، قد آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف رحمك الله، فانصرفنا.
وقال هارون بن إسحاق الهمذانى: حدثنى رجل من أهل مكة قال: كنا جلوسا مع الفضيل بن عياض، فقلنا: يا أبا على، كم سنّك؟ فقال [من المتقارب]:
بلغت الثمانين أو جزتها
…
فماذا أؤمل أو أنتظر
أتت لى ثمانون من مولدى
…
ودون الثمانين لى معتبر
علتنى السنون فأبليننى
…
فدق العظام وكل البصر
وقال أبو عمار الحسين بن حريث، عن الفضل بن موسى: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته، أنه عشق جارية، فبينا يرتقى الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلو:(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)[الحديد: 16] فلما سمعها، قال: بلى يا رب، قد آن، فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها قافلة، فقال بعضهم: نرتحل. وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى بالليل فى المعاصى، وقوم من المسلمين هاهنا يخافوننى! وما أرى الله تعالى ساقنى إليهم إلا لأرتدع، اللهم إنى قد تبت إليك، وجعلت توبتى مجاورة البيت الحرام. انتهى.
ذكره خليفة بن خياط فى الطبقة الخامسة من أهل مكة. وذكره محمد بن سعد فى الطبقة السادسة منهم، وقال: ولد بخراسان بكورة أبى ورد، وقدم مكة وهو كبير، فسمع بها الحديث من ابن المعتمر وغيره، ثم تعبد وانتقل إلى مكة، ونزلها، إلى أن مات بها فى أول سنة سبع وثمانين ومائة، فى خلافة هارون الرشيد.
وقال يحيى بن معين، وعلى بن المدينى، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن عبد الله بن نمير، والبخارى، فى آخرين: مات بمكة سنة سبع وثمانين ومائة، وزاد بعضهم: فى أول المحرم. وحكى عن هشام بن عمار أنه قال: مات يوم عاشوراء. انتهى.
وقال مجاهد بن موسى: مات سنة ثمانين ومائة. وقال أبو بكر بن عفان: سمعت وكيعا يوم مات الفضيل بن عياض يقول: ذهب الحزن اليوم من الأرض. قال الحافظ أبو بكر الخطيب: حدث عنه سفيان الثورى، والحسين بن داود البلخى، وبين وفاتيهما مائة وإحدى وعشرون سنة، وحدث عنه أبو سهل الخياط، وبين وفاته ووفاة البلخى، مائة سنة وسنة وواحد (1).
روى له الجماعة، سوى ابن ماجة.
(1) هذا التعبير جاء على هذه الصورة بالأصل.