الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2164 ـ عمر بن حفص، أبو حفص المكى:
يروى عن سالم. روى عنه هاشم بن القاسم. ذكره هكذا ابن حبّان فى الطبقة الثالثة من الثقّات، وما علمت من حاله سوى هذا.
2165 ـ عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح ـ براء مهملة مكسورة وياء مثناة من تحت ـ بن عبد العزّى بن قرط بن رزاح بن عدىّ بن كعب ابن لؤىّ بن غالب القرشى العدوىّ، أبو حفص الفاروق:
سمى بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل، أمير المؤمنين، أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفّى وهو عنهم راض وصهر النبى صلى الله عليه وسلم، وأحبّ الرجال إليه بعد أبى بكر رضى الله عنه، على ما جاء عن النبىّ صلى الله عليه وسلم، من حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه فى الصحيحين، وسيّد كهول أهل الجنة، من الأولين والآخرين، غير النبيين والمرسلين، كما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه، فى جامع الترمذى، وغيره بإسناد حسن على ما ذكر الترمذى، ووزير النبىّ صلى الله عليه وسلم من أهل الأرض، كما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، من حديث سعد بن أبى وقّاص رضى الله عنه، فى جامع التّرمذى، بإسناد حسن، على ما ذكر الترمذى، إلا أن أبا بكر الصّدّيق رضى الله عنه، يشركه فى هاتين الفضيلتين، ولعمر رضى الله عنه فضائل أخر:
منها: «أن الله تعالى جعل الحقّ على لسانه وقلبه» (1). رواه الترمذى بإسناد حسن صحيح، على ما ذكر من حديث ابن عمر مرفوعا.
2163 ـ (1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
2165 ـ انظر ترجمته فى: (الإصابة ترجمة 5752، أسد الغابة ترجمة 3830، الاستيعاب ترجمة 1899، الرياض المستطابة 147، التاريخ لابن معين 2/ 41، العبر 526، الكاشف 309، أصحاب بدر 46، تاريخ جرجان 730، تهذيب التهذيب 7/ 438، الرياض النضرة 2/ 85، الزهد لوكيع 3، التحفة اللطيفة 3/ 326، تقريب التهذيب 2/ 54، تجريد أسماء الصحابة 1/ 397، الأعلام 5/ 45، التاريخ الصغير 5/ 236، خلاصة تذهيب الكمال 2/ 268، الاستبصار 391، التاريخ الكبير 6/ 138، الجرح والتعديل 105، تاريخ الإسلام 2/ 102، 3/ 418، طبقات الحفاظ 658، صفة الصفوة 1/ 268، غاية النهاية 1/ 591، حلية الأولياء 1/ 38، 55، الطبقات الكبرى 9/ 141، بقى بن مخلد 11، التبصرة والتذكرة 1/ 23).
(1)
أخرجه الترمذى فى سننه، كتاب المناقب، حديث رقم 3682، وأحمد بن حنبل فى المسند، حديث رقم 5664.
ومنها: أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالاقتداء به وبأبى بكر الصديق رضى الله عنهما (2)، كما فى الترمذى وغيره بإسناد حسن، من حديث أنس رضى الله عنه مرفوعا.
ومنها: «أن الشيطان ما لقى عمر رضى الله عنه سالكا فجّا، إلا سلك فجّا غير فجّه» (3) كما فى الصحيحين من حديث سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه، عن النبىصلى الله عليه وسلم.
ومنها: «أنه لو كان بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم نبىّ لكان عمر» (4)، كما فى الترمذى، من حديث عقبة بن عامر بإسناد حسن.
ومنها: «نزول القرآن الكريم بموافقته، فى أسارى بدر، وفى الحجاب، وتحريم الخمر [ ....... ](5).
ومنها: «إعزاز الإسلام به، حسب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم بذلك» (6)، روينا عن ابن مسعود
(2) أخرجه الترمذى فى سننه، فى كتاب المناقب، (باب فى مناقب أبى بكر وعمر رضى الله عنهما. حديث رقم 3662 من طريق: الحسن بن الصباح البزار حدثنا سفيان بن عيينة عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن ربعى، وهو ابن حراش، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر.
وقال: وفى الباب عن ابن مسعود قال أبو عيسى: هذا حديث حسن وروى سفيان الثورى هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير عن مولى لربعى عن ربعى عن حذيفة عن النبى صلى الله عليه وسلم حدثنا أحمد بن منيع وغير واحد قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير نحوه وكان سفيان بن عيينة يدلس فى هذا الحديث فربما ذكره عن زائدة عن عبد الملك بن عمير وربما لم يذكر فيه عن زائدة وروى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن سفيان الثورى عن عبد الملك بن عمير عن هلال مولى ربعى عن ربعى عن حذيفة عن النبى صلى الله عليه وسلم وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضا عن ربعى عن حذيفة عن النبى صلى الله عليه وسلم ورواه سالم الأنعمى كوفى عن ربعى بن حراش عن حذيفة.
(3)
أخرجه البخارى فى صحيحه، كتاب بدء الخلق، حديث رقم 3294، وفى كتاب المناقب، حديث رقم 3683، وفى كتاب الأدب، حديث رقم 6085، ومسلم فى صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم 2397.
(4)
أخرجه الترمذى فى سننه، فى كتاب المناقب، حديث رقم 3686، وقال: قال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مشرح بن هاعان.
(5)
ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
(6)
أخرجه الترمذى فى المناقب، حديث رقم (5663) من طريق: محمد بن بشار ومحمد ابن رافع قالا: حدثنا أبو عامر العقدى حدثنا خارجة بن عبد الله الأنصارى عن نافع عن ـ
رضى الله عنه قال: كان إسلام عمر رضى الله عنه فتحا، وهجرته نصرا، وإمامته رحمة، فلقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلّى فى البيت، حتى أسلم عمر رضى الله عنه، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
وعن حذيفة رضى الله عنه، قال: لما أسلم عمر رضى الله عنه، كان الإسلام كالرجل المقبل، لا يزداد إلا قربا، فلما غيل، كان الإسلام كالرجل المدبر، لا يزداد إلا بعدا.
وكان إسلامه فى السنة السّادسة من النبوة، على ما قال ابن سعد، وذلك بعد دخول النبى صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهى الدار المعروفة بدار الخيزران عند الصفا، بعد أربعين رجلا، وإحدى عشرة امرأة، وقيل عبد أربعين رجلا، وعشرة نسوة، قاله سعيد بن المسيّب.
وسبب إسلامه، أن فاطمة أخته، زوجة سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلمت هى وزوجها، فسمع بذلك عمر، فقصدهما ليعاقبهما، فلما صار إليهما، قرئ عليه القرآن، فأوقع الله فى قلبه الإسلام فأسلم، فجاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم مختفون فى دار الأرقم، فأظهر إسلامه، فسرّ المسلمون بذلك كثيرا، ثم خرج إلى مجامع قريش، فنادى بإسلامه، فضربه جماعة منهم، فأجاره خاله العاصى بن وائل السّهمىّ، فكفّوا عنه، ثم لم تطب نفس عمر حين رأى المسلمين يضربون، وهو لا يضرب فى الله تعالى لجوار خاله، فردّه عليه، وصار يضارب المشركين ويضاربونه كسائر المسلمين، إلى أن أظهر الله الإسلام.
وكان قبل إسلامه شديدا على المسلمين، فاستجاب الله فيه دعوة نبيّهصلى الله عليه وسلم، وكان دعا الله أن يعزّ به الإسلام، أو بأبى جهل بن هشام، ولما همّ بالهجرة إلى المدينة تقلد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتضى فى يده أسهما، وأتى إلى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعا، وصلّى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، ثم قال: شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمّه، ويوتم ولده، وترمل زوجته، فليلحقنى وراء هذا الوادى، فما تبعه منهم أحد. روينا ذلك عن على بن أبى طالب رضى الله عنه.
ـ ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب. قال: وكان أحبهما إليه عمر قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر.
وروينا عنه أنه قال: ما علمت أحدا هاجر إلا مختفيا، إلا عمر رضى الله عنه، فإنه لما همّ بالهجرة، تقلدّ سيفه، وذكر الخبر.
وكان هاجر مع أخيه زيد بن الخطاب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وغيرهما من سادات الصحابة رضى الله عنهم، وشهد مع النبى صلى الله عليه وسلم، بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وخيبر، وفتح مكة وحنينا والطائف وتبوك، وسائر المشاهد، وكان شديدا على الكفار والمنافقين، وبويع رضى الله عنه بالخلافة، بعد موت أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنه، وكان عهد إليه بذلك، فقام بعده بمثل سيرته وجهاده، وثباته وصبره على العيش الخشن وخبز الشعير، والثوب الخام المرقوع، والقناعة باليسير، ففتح الله فى خلافته الفتوحات الكبار والأقاليم الشاسعة، فافتتح عسكره مملكة كسرى، وكانت جيوش كسرى مائة ألف أو يزيدون، فكسرهم المسلمون غير مرّة، وسبوا نساءهم وأولادهم، وغنموا أموالهم، وكان على المسلمين يومئذ، سعد بن أبى وقّاص رضى الله عنه، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وبنى المسلمون حينئذ الكوفة والبصرة، وافتتحت فى خلافته رضى الله عنه جميع مدائن الشام، بعد مصافّات أربعة، أكبرها وقعة اليرموك بحوران بالشام، وكان المسلمون أكثر من عشرين ألفا، وكانت جيوش قيصر ملك النصارى، يزيدون على مائة ألف فارس، فقتل من الكفار نصفهم أو أقلّ، واستشهد من المسلمين جماعة من الصحابة، وافتتح فى خلافته رضى الله عنه بيت المقدس، وقتل فى خلافته فى وقعة جلولاء بالعراق، خلائق من المجوس، وغنم المسلمون منهم غنيمة عظيمة، يقال إنها ثلاثون ألف ألف درهم.
وافتتح فى خلافته الموصل والجزيرة وديار بكر والعراق وأرمينيّة وأذربيجان وبلاد فارس وخوزستان ـ واختلفوا فى خراسان، فقيل فتحت فى زمانه، ثم انتقضت، وفتحت فى زمن عثمان رضى الله عنه، وقيل إن عثمان افتتحها وهو الصحيح، وإصطخر، وبلد الرىّ وهمذان وجرجان والدّينور ونهاوند وديار مصر ـ بعضها بالسيف وبعضها صلحا ـ والإسكندرية عنوة، وطرابلس من أوائل بلاد المغرب، وزهت له الدنيا إلى الغاية، فلم يغترّ بها، ولم يردها، وأنزل نفسه فى مال الله تعالى، منزلة رجل من المسلمين.
وله رضى الله عنه فى الزهد أخبار عجيبة، منها: أنه لما قدم الشام، لقيته الجنود، وعليه إزار فى وسطه وعمامة، قد خلع خفّيه، وهو يغوص الماء آخذا بزمام راحلته، وخفّاه تحت إبطه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، الآن تلقاك الأمراء وبطارقة الشام، وأنت
هكذا؟ . فقال: إنا قوم أعزّنا الله بالإسلام، فلم نلتمس العزّ بغيره، ذكر هذا الخبر طارق ابن شهاب.
ومنها: ما رويناه عن أنس بن مالك رضى الله عنه، أنه قال: لقد رأيت فى قميص عمر رضى الله عنه أربع رقاع بين كتفيه، وروينا عن أبى عثمان، قال: رأيت عمر رضى الله عنه يرمى الجمرة، وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب، وروينا أنه رضى الله عنه، دخل على ابنته حفصة رضى الله عنها، فقدّمت إليه مرقا باردا، وصبّت عليه زيتا، فقال: إدامان فى إناء واحد! لا آكله أبدا.
وقام رضى الله عنه بأمر الخلافة أحسن قيام، ولم يأخذه فى الله لومة لائم، واهتم رضى الله عنه بأمر المسلمين، اهتماما لا يشبهه شئ. وله رضى الله عنه فى ذلك أخبار، منها:
أنه خرج بنفسه إلى العالية فى يوم صائف، يسوق بكرين من إبل الصّدقة تخلفا، ليلحقهما بالحمى، خشية الضّيعة.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجنا مع عمر رضى الله عنه إلى مكة، فما ضرب فسطاطا ولا خباء حتى رجع. وكان إذا نزل، يلقى له كساء، أو نطع على شجرة، فيستظلّ بها.
ورتّب الناس على سابقتهم فى العطاء؛ وفى الإذن عليه والإكرام. وكان أهل بدر أوّل الناس دخولا عليه، وكان علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، أولهم دخولا عليه، وأثبت أسماءهم فى الديوان، على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ ببنى هاشم وبنى المطلب، ثم الأقرب فالأقرب.
وهو أول من دوّن الديوان، وأرّخ التاريخ من الهجرة، لقضية أوجبت ذلك، وأول من اتخذ الدّرّة، وأول من لقب أمير المؤمنين، وسبب لقبه بأمير المؤمنين، أنه بعث إلى عامل العراق: أرسل إلىّ رجلين جلدين شابين، أسألهما عن العراق وأهله، فأرسل إليه عامل العراق، لبيد بن ربيعة العامرىّ، وعدىّ بن حاتم الطائى، فلما قدما المدينة، أناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا، فإذا هما بعمرو بن العاص رضى الله عنه، فقالا له: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فصوّب عمرو مقالتهما، ودخل على عمر، وقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فسأله عمر رضى الله عنه، عن سبب خطابه بذلك، فأخبره بقول لبيد وعدىّ بن حاتم، فاستحسنه، وجرى الكتّاب بذلك.
وقيل فى سبب تلقيبه بذلك غير ما سبق، وذلك أن عمر رضى الله عنه لما ولّى قال: كان يقال لأبى بكر رضى الله عنه، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يقال لى خليفة خليفة رسول اللهصلى الله عليه وسلم، هذا يطول، فقال له المغيرة بن شعبة رضى الله عنه: أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين، قال: فذلك إذا. ذكر الزبير بن بكار.
وهو أول من كتب: من عبد الله أمير المؤمنين، وهو أول من جمع الناس لصلاة التراويح، وهو أول من ردّ مقام إبراهيم إلى مكانه اليوم، لّما غيّره عنه السّيل، وهو أول من وسّع المسجد الحرام.
ثم قبضه الله تعالى إليه سعيدا شهيدا، وكان رضى الله عنه يسأل الله الشهادة، وثب عليه أبو لؤلؤة المجوسى، مولى المغيرة بن شعبة، وقد دخل المسجد لصلاة الصبح، فطعنه بخنجر فى بطنه، وقيل إنه ضربه بسكين مسمومة ذات طرفين، ست ضربات فى كبده، وفى خاصرته، وقد أحرم لصلاة الصبح، وجال أبو لؤلؤة الملعون فى مسجد النبىّصلى الله عليه وسلم، فقتل سبعة نفر، وجرح جماعة، فأخذ عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه، بساطا رماه عليه وقبضه، فلما رأى أنه قد أخذ، قتل نفسه، وحمل عمر رضى الله عنه إلى منزله، ودخل الناس يسلّمون عليه ويثنون، وهو يقول: ليت أنى نجوت كفافا، وأمر رضى الله عنه بالاقتصاد فى تجهيزه، وأن يدفن فى بيت عائشة رضى الله عنها بإذنها، فسمحت لهبذلك، ثم مات بعد يوم وليلة، وغسّله رضى الله عنه، ابنه عبد الله، على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى عليه فى مسجده، وأمّ بالناس عليه صهيب، فكبّر أربعا، ودفن فى بيت عائشة رضى الله عنها، وكان قتل أبى لؤلؤة لعمر رضى الله عنه، على ما قال ابن عبد البر، لثلاث ليال بقين من ذى الحجة، سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، هكذا قال الواقدىّ وغيره. وقال الربيع: لأربع بقين من ذى الحجة، وكانت خلافته رضى الله عنه عشر سنين ونصفا، وناحت عليه الجنّ، قبل أن يقتل بثلاث، على ما رويناه عن عبادة بهذه الأبيات [من الطويل]:
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت
…
له الأرض تهتزّ العضاه بأسؤق
جزى الله خيرا من إمام وباركت
…
يد الله فى ذاك الأديم الممزّق
فمن يسع أو يركب جناحى نعامة
…
ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
…
بوائق من أكمامها لم تفتّق
وما كنت أخشى أن تكون وفاته
…
بكفّى سبنتى أزرق العين مطرق
وثناء السلف على عمر رضى الله عنه لا يحصى كثرة، فمن ذلك ما رويناه عن ابن
مسعود رضى الله عنه، قال: لو وضع علم أحياء العرب فى كفّة، ووضع فى الكفة الأخرى علم عمر رضى الله عنه، لرجح علم عمر رضى الله عنه، ولقد كان ذهب بتسعة أعشار العلم، ولمجلس كنت أجلس مع عمر رضى الله عنه، أوثق فى نفسى من عمل سنة.
وقال علىّ رضى الله عنه: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وعمر رضى الله عنهما. وقال علىّ رضى الله عنه أيضا، بحضرة الناس، حين وضع عمر رضى الله عنه على سريره، والناس يدعون ويصلون عليه: والله ما خلفت أحدا أحبّ إلىّ أن ألقى الله عزوجل بمثل عمله منك، وترحّم عليه علىّ رضى الله عنه.
وقال طلحة بن عبيد الله: كان عمر رضى الله عنه، أزهدنا فى الدنيا، وأرغبنا فى الآخرة. وقال سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه: علمت بأىّ شيء فضلنا عمر رضى الله عنه، كان أزهدنا فى الدنيا.
وعن معاوية رضى الله عنه قال: أما أبو بكر رضى الله عنه، فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأمّا عمر رضى الله عنه، فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما عثمان رضى الله عنه، فأصاب منها، وأما نحن فركبناها ظهرا لبطن. انتهى.
ومن مناقب عمر رضى الله عنه: أن العناصر الأربعة أطاعته، على ما قيل، وهى الأرض والريح والنار والماء.
فأمّا الأرض، فلأنها كانت تزلزلت، فضربها برجله فقال: أتتحركين وأنا عليك! فسكنت.
وأما الريح، فإنه خطب يوم جمعة ـ وكان فى ذلك اليوم وتلك الساعة قتال فى نهاوند ـ فصاح عمر: يا سارية، الجبل الجبل، فحملت الريح صوته إلى أمير الجيش سارية بن زنيم، فسمع صوت عمر، فالتجأ إلى جبل بالقرب منهم، وقد كاد يغلبوهم، فلما ارتفعوا، حصل النصر.
وأما الماء، فذكر عبد الرحمن بن عبد الحكم، أن المسلمين لما فتحوا مصر، جاء أهلها إلى عمرو بن العاص رضى الله عنه، وقالوا: أيها الأمير إنّ لبلدنا سنّة لا يجرى النيل إلا بها، وذلك أنه إذا كان لاثنتى عشرة ليلة من شهر بؤونة، عمدنا إلى جارية بكر، فأرضينا أباها، وجعلنا عليها من الحلىّ والحلل والثياب أفضل ما يكون، فألقيناها فى النيل ليجرى، فقال لهم عمرو رضى الله عنه: إن هذا لا يكون فى الإسلام، فأقاموا
بؤونة وأبيب ومسرى، والماء لا يجرى قليلا ولا كثيرا، فهمّ الناس بالجلاء، فلما رأى عمرو رضى الله عنه ذلك، كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب فى جوابه: أما بعد، فقد أصبت فى أن هذا فى الإسلام لا يكون، وقد بعثت إليك بطاقة، فألقها فى داخل النيل، وإذا فيها: من عبد الله أمير المؤمنين، إلى نيل مصر، أمّا بعد، فإن كنت تجرى من قبلك، فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار، هو الذى يجريك، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، فألقى عمرو بن العاص رضى الله عنه البطاقة فى النيل، قبل الصّليب بيوم، وقد تهيّأ أمر مصر للجلاء، فأصبحوا يوم الصليب، وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا فى ليلة واحدة. انتهى.
وتوقّف النيل بعد ذلك أيضا، فرميت فيه تمرات من نخل بالمدينة، يقال إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه زرعها، فجرى النيل بإثر ذلك جريانا عمّ البلاد، وهذا الخبر ذكره جدّى أبو عبد الله الفاسى فى تعاليقه، لأنه قال: سمعت الشيخ الصالح أبا على عمر بن عبد الرزاق الجزولىّ الفاسى صاحبنا يقول: سمعت الشيخ أبا الحسن على العينىّ، منسوب إلى رأس العين، يقول: قدم الشيخ الإمام أبو عبد الله القرطبى، وهو محمد بن عمر بن يوسف، من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصر فى بعض السنين، فاتفق أنه وافق أيام النيل، وقد أبطأ النيل، وقلق الناس لإبطائه، واتفق أن السلطان ركب البحر، لينظر الأحوال ـ وكان الملك الكامل ـ وقدم الشيخ أبو عبد الله القرطبى، وأخبر بأن السلطان ركب البحر وأخبر بالحال، فجاء الشيخ إلى ساحل البحر، فأخبر الملك الكامل بمكانه، فدخل الساحل، وسلّم على الشيخ أبى عبد الله، وحمله معه فى المركب الذى كان فيه، وشكا إليه ما الناس فيه من القلق، بسب إبطاء النيل، ففتح الشيخ جرابا كان معه فيه تمر، وقال: هذا تمر من نخل بالمدينة، يذكر أنه من نخل زرعه عمر بن الخطاب رضى الله عنه بيده، فأخذ السّلطان من ذلك التّمر حفنة، ثم قال: اللهم إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كتب إلى نيل مصر: تطلع، فطلع. اللهم إنّ هذا من آثار عمر رضى الله عنه، ورمى بتلك الحفنة فى البحر، قال: فما أصبحوا من الغد إلّا والنيل قد عمّ البلاد جميعها. وكان الشيخ أبو الحسن العينىّ من الصالحين المعروفين، رحمه الله. انتهى.
وكان عمر رضى الله عنه من أشراف قريش فى الجاهلية، قال الزبير: حدّثنى محمد ابن الحسن المخزومى، عن نصر بن مزاحم، عن معروف بن خرّبوذ، قال: من انتهى إليه الشّرف من قريش، فوصله الإسلام، عشرة نفر من عشرة بطون، من هاشم، وأميّة،
ونوفل بن أسد، وعبد الدار، وتيم، ومخزوم، وعدىّ، وسهم؛ فكان من بنى عدىّ عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، كانت إليه السّفارات، إن وقعت حرب بين قريش وبين غيرهم بعثوه سفيرا، وإن فاخرهم مفاخر، بعثوه منافرا ورضوا به. انتهى.
وكان رضى الله عنه، على ما ذكر ابن عبد البر: شديد الأدمة، طوالا كثّ اللحية أصلع أعسر يسر، يخضب بالحنّاء والكتم.
وروى عن مجاهد، أن عمر رضى الله عنه كان لا يغيّر شيبته. قال: ووصفه رضى الله عنه، أبو رجاء العطاردىّ ـ وكان مغفّلا ـ قال: كان عمر بن الخطاب، طويلا جسيما، أصلع شديد الصّلع، أبيض شديد حمرة العينين، فى عارضيه خفّة، سبلته كثيرة الشّعر، فى أطرافها صهبة.
قال: وذكر الواقدىّ من حديث عاصم بن عبيد الله، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: إنما جاءت الأدمة، من قبل أخوالى بنى مظعون، وكان أبيض. قال ابن عبد البر: وعاصم لا يحتج بحديثه، ولا بأحاديث الواقدى.
وزعم الواقدىّ، أن سمرة عمر رضى الله عنه إنما جاءت من أكل الزيت عام الرمّادة، قال. وهذا منكر من القول. وأصح ما فى الباب والله أعلم، حديث سفيان الثورى عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه ضخما كأنه من رجال سدوس، فى رجليه روح.
وقال الذهبى: وقال سماك بن حرب: كان عمر رضى الله عنه أروح، كأنه راكب والناس مشاة، لطوله، والأروح: الذى إذا مشى يقارب خطاه.
وذكر الذهبى عن أبى رجاء العطاردىّ، ما ذكره عنه ابن عبد البر بالمعنى من صفة عمر، وزاد الذهبى ـ بعد قوله صهبة ـ: إذا حزبه أمر فتلها، وكان أحول. ثم قال الذهبى: وقيل: كان يأخذ أذنه اليسرى بيده اليمنى، ويثب على فرسه، فكأنما خلق على ظهره، قال: وقيل: وكان فى خدى عمر رضى الله عنه، خطان أسودان من البكاء. انتهى.
وأم عمر: حنتمة ـ بحاء مهملة ونون ومثناة من فوق مفتوحة ـ بنت هاشم بن المغيرة. وقيل بنت هشام بن المغيرة، أخت أبى جهل: قاله ابن مندة، وأبو نعيم، ونقله عن ابن إسحاق، وهو غلط، والأول هو الصواب على ما قال الزبير بن بكار، وابن عبد البر، وغيرهما.
وذكر ابن عبد البر: أنه يقال لهاشم، جد عمر: ذو الرمحين، وأنه ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة. قال: وروى عنه أنه قال: ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين.
قال ابن عبد البر: واختلف فى سن عمر رضى الله عنه، فقيل: توفى وهو ابن ثلاث وستين سنة، كسن النبى صلى الله عليه وسلم حين توفى، روى ذلك من وجوه، عن معاوية، وهو قول الشعبى.
وروى عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه توفى وهو ابن بضع وخمسين سنة.
وقال أحمد بن حنبل، عن هشيم، عن على بن زيد عن سالم: أنه توفى وهو ابن خمس وخمسين سنة.
وقال الزهرى: توفى وهو ابن أربع وخمسين. وقال قتادة: وهو ابن اثنتين وخمسين. وقيل: مات وهو ابن ستين سنة. انتهى.
قال ابن قتيبة: وأولاد عمر رضى الله عنه: عبد الله وحفصة ـ وأمهما زينب بنت مظعون ـ وعبيد الله ـ أمه مليكة بنت جرول الخزاعية ـ وعاصم ـ أمه أم جميل بنت عاصم بن ثابت ـ وفاطمة وزيد ـ أمهما أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، من فاطمة رضى الله عنهم ـ ومجبر واسمه عبد الرحمن، وأبو شحمة، واسمه عبد الرحمن أيضا، وفاطمة، وبنات أخر.
وأما مواليه، فمنهم: أسلم، وهنى، وأبو أمية، جدّ المبارك بن فضالة بن أبى أمية، ومهجع، مولى عمر ـ استشهد يوم بدر ـ ومالك الدّار، وذكوان، وهو الذى سار من مكة إلى المدينة فى يوم وليلة. انتهى.
وقال النووى: وروى لعمر رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا، اتفق البخارى ومسلم منها على ستة وعشرين، وانفرد البخارى بأربعة وثلاثين، ومسلم بأحد وعشرين.
ومناقب عمر رضى الله عنه، وسيرته وزهده وشجاعته وهيبته وأخلاقه، يكوّن مجلدا، وقد أشرنا إلى عيون منها، فيها كفاية إن شاء الله تعالى.