الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2174 ـ عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الضياء محمد بن عمر القسطلّانى المكىّ المالكىّ، ابن اخى الشيخ خليل المالكى:
إمام مقام المالكية بالمسجد الحرام. ولى الإمامة بمقام المالكية، بعد عمه الشيخ خليل، حتى مات فى رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاة.
2175 ـ عمر بن عبد الله بن يحيى القرشى المخزومىّ المعروف بابن الهليس اليمنىّ:
أحد تجار اليمن. توفى فى آخر العشر الأخير من ذى الحجّة، سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ودفن بالمعلاة. ومن حجر قبره لخصّت ذلك.
2176 ـ عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة، عمرو، وقيل حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرّة القرشى المخزومىّ المدنىّ المكىّ:
الشاعر المشهور. ذكره الفضلاء فى كتبهم، وأوسع بعضهم فى ترجمته، وممن أحسن فيها ابن خلّكان، فنذكر كثيرا مما ذكره، ونضم إلى ذلك ما يناسبه، مع عزوه إلى ذاكره.
قال ابن خلّكان: كانت ولادته فى الليلة التى مات فيها عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهى ليلة الأربعاء، لأربع بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، وغزا فى البحر، فأحرقوا السفينة، فاحترق فى حدود سنة ثلاث وتسعين للهجرة، وعمره مقدار سبعين. رحمه الله تعالى.
وفيما ذكره ابن خلّكان فى وفاة عمر بن أبى ربيعة نظر بحكاية رويت، فيها ما يقتضى أنه عاش إلى سنة سبع وتسعين من الهجرة، لأن فيها أنه اجتمع مع الخليفة سليمان بن عبد الملك بن مروان فى أيام الحج، لما حجّ سليمان، وخاطب عمر سليمان بأمير المؤمنين، وكان حجّ سليمان فى سنة سبع وتسعين، فيما ذكر غير واحد من أهل الأخبار، فيلزم على مقتضى الحكاية المشار إليها، حياة عمر فى هذا التاريخ، وهو يخالف
2175 ـ انظر ترجمته فى: (تاريخ ثغر عدن 254).
2176 ـ انظر ترجمته فى: (الشعر والشعراء 457، الأغانى 1/ 30، تاريخ ابن عساكر 3/ 120، تهذيب الأسماء واللغات القسم الأول من الجزء الثانى 15، وفيات الأعيان 3/ 436، تاريخ الإسلام 4/ 161 سرح العيون 356، البدايه النهاية 9/ 92، النجوم الزاهرة 1/ 247، شذرات الذهب 1/ 101، خزانة الأدب 2/ 32، سير أعلام النبلاء 4/ 379).
ما ذكره ابن خلكان. والله أعلم. وستأتى هذه الحكاية منقولة عن «التّمهيد» للحافظ أبى عمر بن عبد البر. انتهى.
وقال ابن خلّكان: وكان الحسن البصرىّ رضى الله عنه، إذا جرى ذكر ولادة عمر ابن أبى ربيعة فى الليلة التى قتل فيها عمر رضى الله عنه، يقول: أى حق رفع، وأىّ باطل وضع.
وقال قبل ذلك: ولم يكن فى قريش أشعر منه، وهو كثير الغزل والنوادر والوقائع والمجون والخلاعة، وله فى ذلك حكايات مشهورة، وكان يتغزل فى شعره بالثريّا بنت على بن عبد الله بن الحارث بن أميّة الأصفر بن عبد شمس بن عبد مناف الأموية.
وقال السّهيلىّ فى «الرّوض الأنف» : هى الثريا ابنة عبد الله، ولم يذكر عليّا. وقال ابن خلكان، بعد شيء نقله عن السّهيلى: وكانت الثريا موصوفة بالجمال، فتزوّجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهرىّ رضى الله عنهما، ونقلها إلى مصر، فقال عمر المذكور فى زواجها، يضرب المثل بالثّريا وسهيل، النجمين المعروفين [من الخفيف] (1):
أيّها المنكح الثريا سهيلا
…
عمرك الله كيف يلتقيان
هى شاميّة إذا ما استقلّت
…
وسهيل إذا استقلّ يمانى
ثم قال: ومن شعر عمر المذكور [من الخفيف](2):
حىّ طيفا من الأحبّة زارا
…
بعد ما صرّع الكرى السّمّارا
طارقا فى المنام تحت دجى اللّي
…
ل ضنينا بأن يزور نهارا
قلت ما بالنا جفينا وكنّا
…
قبل ذاك الأسماع والأبصارا
قال إنّا كما عهدت ولكن
…
شغل الحلى أهله أن يعارا
وله أيضا [من الخفيف](3):
أيّها الرّاكب المجدّ ابتكارا
…
قد قضى من تهامة الأوطارا
إن يكن قلبك الغداة خليّا
…
ففؤادى بالخيف أمسى معارا
ليت ذا الدّهر حتما علينا
…
كلّ يومين حجّة واعتمارا
(1) أوردهما ابن خلكان فى وفيات الأعيان (1/ 378)، وعمر بن أبى ربيعة فى ديوانه (50).
(2)
الأبيات فى وفيات الأعيان (3/ 439).
(3)
الأبيات فى ديوان عمر بن أبى ربيعة (152، 153) والأغانى (2/ 148).
وقال عبد الله بن عمر، لعمر بن أبى ربيعة: يا ابن أخى، ما اتّقيت الله حيث قلت (4):
ليت ذا الدهر كان حتما علينا
…
كلّ يومين حجّة واعتمارا
فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنى وضعت ليت حيث لا يعره، قال: صدقت.
وبينا عمر يطوف بالبيت، إذ رأى امرأة تطوف فأعجبته، فسأل عنها، فإذا هى من أهل البصرة، فدنا منها وكلّمها، فلم تلتفت إليه، فلما كانت الليلة الثانية تعرّض لها، فقالت: إليك عنى أيها الرجل، فإنك فى حرم الله تعالى، موضع عظيم الحرمة، فلما ألحّ عليها ومنعها من الطّواف، أتت محرما لها فقالت: تعال معى، أرنى المناسك، فإنّى لا أعرفها، فأقبلت وهو معها، وعمر جالس على طريقها، فلما رآها عدل عنها، فتمثّلت بشعر الزّبرقان بن بدر السّعدى [من البسيط] (5):
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
…
وتتّقى مربض المستأسد الحامى
قال: فبلغ هذا الحديث المنصور، قال: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش فى خدرها، إلا سمعت هذا الحديث.
ويروى أن يزيد بن معاوية، لما أراد توجّه مسلم بن عقبة إلى المدينة، اعترض الناس، فمرّ به رجل من أهل الشام، معه ترس قبيح، فقال: يا أخا الشام، مجنّ ابن أبى ربيعة، أحسن من مجنّك، يريد قول ابن أبى ربيعة [من الطويل] (6):
فكان مجنّى دون من كنت أتّقى
…
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
وهذا البيت من جملة قصيدة، وهو من ظريف شعره، ومن جملتها:
فحيّيت إذ فاجأتها فتلهّفت
…
وكادت بمكتوم التّحيّة تجهر
وقالت وعضت بالبنان فضحتنى
…
امرؤ ميسور أمرك أعسر
أريتك إذ هنّا عليك ألم تخف
…
رقيبا وحولى من عدوّك حضّر
فو الله ما أدرى أتعجيل حاجة
…
سرت بك أم قد نام من كنت تحذر
فقلت لها قادنى الشّوق والهوى
…
إليك وما عين من النّاس تنظر
فلمّا تقضّى الليل إلا أقلّه
…
وكادت توالى نجمه تتغوّر
(4) ديوان عمر بن أبى ربيعة (152).
(5)
البيت فى الأغانى (1/ 78).
(6)
ديوان عمر 92، ووفيات الأعيان (3/ 438).
أشارت بأنّ الحىّ قد حان منهم
…
هبوب ولكن موعد منك عزور
فما راعنى إلا مناد برحله
…
وقد لاح مفتوق من الصّبح أشقر
فلمّا رأت من قد تنوّر منهم
…
وأيقاظهم قالت أشر كيف تأمر
فقلت أباديهم فإمّا أفوتهم
…
وإمّا ينال السّيف ثأرا فيثأر
فقالت أتحقيقا لما قال كاشح
…
علينا وتصديقا لما كان يؤثر
وإن كان ما لابدّ منه فغيره
…
من الأمر أدنى للخفاء وأستر
أقصّ على أختىّ بدء حديثنا
…
وما لى من أن تعلم متأخّر
لعلّهما أن يبغيا لك مخرجا
…
وأن يرخيا سترا بما كنت أحصر
فقالت لأختيها أعينا على فتى
…
أتى زائرا والأمر للمرء يقدر
فأقبلتا فارتاعتا ثمّ قالتا
…
أقلّى عليك اللّوم فالخطب أيسر
يقوم فيمشى بيننا متنكّرا
…
فلا سرّنا يفشو ولا هو يظهر
فكان مجنّى دون من كنت أتقّى
…
ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
انتهى ما اخترنا ذكره من كتاب ابن خلكان، فى أخبار عمر بن أبى ربيعة.
ومن أخباره وشعره فى غير كتاب ابن خلكان، ما ذكره الفاكهىّ فى كتاب «أخبار مكة» ، قال: حدّثنى أحمد بن حميد الأنصارى، عن الأصمعىّ، قال: حدّثنى صالح بن أسلم، قال: نظرت إلى امرأة تطوف بالبيت مستثفرة بثوب، فنظر إليها عمر بن أبى ربيعة من وراء الثوب، ثم قال [من الطويل] (7):
ألمّا بذات الخال فاستطلعا لنا
…
على العهد باق عهدها أم تصرّما
وقولا لها إن النوى أجنبيّة
…
بنا وبكم قد خفت أن يتيمّما
فقلت له: امرأة مسلمة محرمة غافلّة، قد سيّرت فيها شعرا، وهى لا تدرى؟ فقال لها: لقد سيّرت من الشعر ما بلغك، وربّ هذه البنيّة، ما حللت إزارى على فرج امرأة حرام قطّ.
ثم قال: وحدّثنى محمد بن أبى عمر، قال: حدّثنا ابن القدّاح سعيد بن سالم، قال: كان فلان الأعمى، يسكن فى شعب الخرّازين، وكانت له فيه زوجة، فبلغه أن عمر بن أبى ربيعة أطاف ببيته، فقال لقائده: صلّ بى الجمعة إلى جنب عمر بن أبى ربيعة، فلما انصرف من الجمعة، أخذ بحاشية ثوب عمر، ثم صاح [من الوافر]:
(7) انظر: ديوان عمر (352).
ألا من يشترى جارا نؤوما
…
بجار لا ينام ولا ينيم
ويلبس بالنّهار ثياب إنس
…
وتحت الليل شيطان رجيم
فقال له عمر: أقلنيها، فهى التوبة، فأرسله.
وقال الفاكهى، بعد أن ذكر مسجد الشجرة، الذى دون يأجج، قال عمر بن أبى ربيعة يذكر يأجج [من الطويل]:
وأسرح لى الدهماء واجعل بمطرفى
…
ولا يعلمن حىّ من الناس مذهبى
وموعدك البطحاء من أرض يأجج
…
أو الشّعب ذى المرخ من بطن مغرب
وقال: حدّثنا الزبير بن أبى بكر، قال: حدّثنى بكّار بن رباح، قال: أخبرنى ابن جريج، قال: كنت مع معن بن زائدة باليمن، فحضّر الحج، فلم تحضرنى نيّة، قال: فخطر ببالى قول ابن أبى ربيعة [من البسيط]:
بالله قولى له فى غير معتبة
…
ماذا أردت بطول المكث باليمن
إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها
…
فما أخذت بترك الحجّ من ثمن
فدخلت على معن، فأخبرته أنى عزمت على الحج، فقال: ما نزعك إليه، ولم تكن تذكره؟ فقلت: ذكرت قول ابن أبى ربيعة، وأنشدته شعره هذا، فجهزنى وانطلقت.
حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهرى البصرى قال: سمعت أبا عاصم الضحّاك بن مخلد، يقول: قدمت مكة، فإذا ابن جريج عند معن بن زائدة، فلما كان قبل يوم التروية بيوم أو يومين، قال لى رجل قد قدم، فذكر نحو الحديث الأول. وأوّل هذه الأبيات (8):
هيهات من أمة الوهّاب منزلنا
…
إذا حللنا بسيف البحر من عدن
واحتلّ أهلك أوطانا فليس لهم
…
إلّا التذكّر أو همّ مع الحزن
قالت لأخت لها سرّا مراجعة
…
وما أرادت به إلا لتبلغنى
بالله قولى له فى غير معتبة
…
ماذا أردت بطول المكث باليمن
لو أنّها أبصرت بالجزع عبرته
…
إذا تغرّد قمرىّ على فنن
إذا رأت غير ما ظنّت لصاحبها
…
وأيقنت أنّ لحجا ليس من وطنى
ما يملك إن أمسى بصنعاء، فقال: قدم للحج. انتهى. وزاد عبد الله بن إسحاق: فدخل على معن بن زائدة، فقال: عتق ما يملك إن أمسى بصنعاء، فقال: قدم للحج. انتهى.
(8) ديوان عمر بن أبى ربيعة 413.
وروينا بإسناد لابن جريج، حكايته مع معن بن زائدة، وفيها غير ما ذكره الفاكهى ونقص عنه.
أخبرنى الإمام الخيّر أبو اليمن محمد بن أحمد بن الرضىّ إبراهيم الطبرى وغيره سماعا، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن خالد بن محمد بن أبى بكر الفارقى إجازة، قال: أخبرنا قاضى القضاة شمس الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسى، قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو يعلى حمزة بن السيد بن أبى الفوارس الأنصارى، قال: حدّثنا أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان الأزدىّ قال: أخبرنا أبو القاسم على بن محمد بن أبى العلاء المصّيصىّ، قال: أملى علينا الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن علىّ بن عبد الله، ابن محمد الغازى فى داره بمصر، سنة تسع عشرة وأربعمائة، قال: حدثنا أبو بكر بن خروف إملاء قال: حدثنا يموت بن المزرّع، قال: حدثنا نصر بن منصور بن المطيعى قال: حدثنا علىّ بن المدينىّ قال: حدثنا سفيان قال: حدثنى ابن جريج قال: لزمنى دين، فضاقت علىّ ساحتى وبلدى، فأتيت معن بن زائدة وهو بأرض اليمن، فنزلت فى منزلى، ثم إنى سرت إليه، فقال لى: أهلا بك وسهلا، ما أقدمك هذه البلدة؟ فقلت: دين ـ أصلح الله الأمير ـ طردنى عن وطنى، فقال: نقضى دينك وتردّ إلى بلدك مجبورا، فأقمت عنده مديدة، ثم إنى رأيت الناس يتجهزون للحج، فحننت إلى مكة، وذكرت قول عمر بن أبى ربيعة (9):
بل ما نسيت غداة الخيف موقفها
…
وموقفى وكلانا ثمّ ذو شجن
وقولها للثّريّا وهى باكية
…
والدمع منها على الخدّين ذو سنن
بالله قولى له فى غير معتبة
…
ماذا أردت بطول المكث فى اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها
…
فما أفدت بترك الحجّ من ثمن
انتهى.
ومن أخبار عمر بن أبى ربيعة، الحكاية التى نقلها شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى فى كتابه «الوصل والمنى، فى فضائل منى» قال: لما حجّ سليمان بن عبد الملك، أرسل إلى عمر بن أبى ربيعة يقول له: أنت القائل [من الطويل]:
وكم من قتيل لا يباء به دم
…
ومن غلق رهنا إذا ضمّه منى
ومن مالئ عينيه من شيء غيره
…
إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى
(9) انظر: ديوانه 413.
يسحّبن أذيال المروط بأسؤق
…
خدال إذا ولّين أعجازها روى
أوانس يسلبن الحليم فؤاده
…
فيا طول ما شوق ويا حسن مجتلى
فلم أر كالتّجمير منظر ناظر
…
ولا كليالى الحج أفلتن ذا هوى
قال: نعم. فقال سليمان بن عبد الملك: والله لا يشهد الحج العام مع الناس، أما والله لو اهتممت بحجك، لم تنظر إلى شيء غيرك! فإذا لم يفلت الناس منك فى هذه الأيام، فمتى يفلتون؟ ثم أمر بنفيه إلى الطائف، فقال: يا أمير المؤمنين، أو خير من ذلك؟ قال: ما هو؟ قال: أعاهد الله عزوجل، أن لا أعود لمثل هذا الشعر، ولا أذكر النساء فى شيء أبدا، وأجدّد توبة على يديك، قال: أو تفعل؟ قال: نعم: فعاهد الله على توبته وخلّاه. انتهى.
واتفق لعمر بن أبى ربيعة حكاية طريفة بمنى، فى زمن الحج، ألفيتها فى كتاب شيخنا القاضى مجد الدين الشيرازى، قال بعد أن أشار إليها مستظرفا لها: وهى ما حكاه القاسم ابن محمد رحمه الله تعالى، قال: كنت فى مجلس فيه عمر بن أبى ربيعة المخزومىّ رحمه الله تعالى، فقلنا له: يا أبا الخطاب، إن لك مع النساء أحاديث عجيبة، قد نقلها الرّواة، وسارت بها الركبان، فحدّثنا بأعجبها! فقال: نعم، إنى سأحدثكم حديثا ظريفا: إنى كنت ذات يوم بمنى، إذ دخل علىّ الحاجب، فأعلمنى مكان عجوز بالباب، تطلب الإذن، فقلت له: إيذن لها، فدخلت عجوز بها مسحة من الجمال، وعليها كسوة فاخرة، فسلّمت علىّ، وسألتنى عن نسبى، فأخبرتها أنّى عمر بن أبى ربيعة، فقالت: يا أبا الخطاب، هل لك أن أريك أحسن خلق! . قلت: فداك أبى وأمى، كيف لى بذلك! قالت: يا أبا الخطاب، أنت ناظر إليها على شريطة، قلت: وما هى؟ قالت: آخذ عليك العهد، على أنك تريها من نفسك العفاف، ولا تتعرّض لها بسوء، قلت: نعم، ذاك لك، قالت: وعلى أن أعصب عينيك، وألبسك لبس النساء، وأقودك إلى الموضع، قلت: نعم. وذلك أيضا لك. قال: فأخرجت مصحفها من ردفها، فاستحلفتنى به على ذلك، ثم أخرجت عصابة فعصبت بها عينىّ.
وألبستنى إزارا وخفّا، ثم قادتنى، حتى أدخلتنى على مضرب، فأخذنى من يدها وصائف، ثم حللن العصابة عن عينىّ، وإذا أنا فى مضرب من الديباج الأحمر، مفروش بالوشى المنسوج بالترهب، وإذا فيه جوار أبهى من البدور، فأجلسننى على سرير من الأبنوس المسجّف بالذهب، ووقفن على رأسى يروّحننى، فبينما أنا جالس على ذلك الحال، وإذا جارية قد طلعت من باب المضرب، أحسن من الشمس، فسلّمت علىّ، ثم
جلست إلى جانبى، وأقبلتّ علىّ تحدّثنى، وسألتنى عن حالى، وأنا والله منها فى غمرات شديدة، وقد زال عقلى حين شاهدت جمال صورتها، فلما مضى لى معها ساعة، قالت: يا عمر، من الذى يقول (10):
وناهدة الثديين قلت لها اتّكى
…
على الرّمل من جبّانة لم توسّد
فقالت على اسم الله سمعا وطاعة
…
وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد
فلمّا دنا الإصباح قالت فضحتنى
…
فقم غير مطرود وإن شئت فازدد
فزّودت منها واتّشحت بمرطها
…
وقلت لعينىّ اسكبا الدّمع فى غد
وقامت تعفّى بالرداء مكانها
…
وتطلب شيئا من جمان مبدّد
فقلت لها: أنا قائل ذاك، فداك أبى وأمى، قالت: يا عمر، من كانت هذه الناهدة الثديين، التى كانت هذه حالها معك؟ قلت لها: أطال الله بقاءك، ما كان هذا منّى من قصد ولا عمد، ولا قلته فى امرأة بعينها، غير أنى أحبّ الغزل، وأقول الشعر، والتّشبّب بالنساء، فقالت: أنت كذاب على الحرائر، فاضح للنساء، وقد فشا شعرك فى الحجاز والعراق والشام، ولم يكن فى امرأة بعينها! يا وصائف، أخرجن هذا الكذاب الفضاح للنساء الحرائر، فعصبن عينى، ودفعننى إلى العجوز، فقادتنى إلى مضربى، ثم قالت: يا أبا الخطاب، لا تيأس، فبتّ ليلتى قلقا لم أذق مناما، فلما كان الغد، دخل علىّ الحاجب، وقال: إن العجوز التى كانت أمس بالباب قد جاءت، فقلت: ائذن لها، فدخلت وسلمت وقالت: هل لك أن تراها ثانية؟ قلت: نعم. قالت: أأنت ناظر إليها على الشرط المتقدم، قلت: نعم. فأخرجت المصحف واستحلفتنى، وعصبت عينىّ، وقادتنى إلى مضربها، فأخذنى منها الوصائف، وحللن العصابة عن عينى، وإذا أنا فى مضرب من الديباج الأسود، منقوش بالذهب، مفروش بالحرير، وإذا فيه جوار كالظباء، فجلست على السرير، وإذا هى قد طلعت علىّ كالبدر بتمامه، فسلّمت علىّ وصافحتنى، فوجدت برد كبدها فى يدى، ثم جلست إلى جانبى، وسألتنى عن خبرى، وكيف كان بيتى فى ليلتى، وحادثتنى ساعة، فما رأيت أطيب من حديثها، ثم قالت لى فى غضون ذلك: يا أبا الخطاب، من الذى يقول [من الرمل]:
بينما ينعتننى أبصرننى
…
دون قيد الميل يعدو بى الأغرّ
قالت الكبرى أتعرفن الفتى
…
قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيّمتها
…
قد عرفناه فهل يخفى القمر
(10) انظر الأبيات: (فى الأغانى 1/ 78، ديوان عمر 113).
وإذا ما عثرت فى مرطها
…
عثرت باسمى وقالت يا عمر
قلت: أنا قائل ذاك، فدك أبى وأمى، قالت: فمن هذه الكبرى والوسطى والصغرى؟ قلت: أطال الله بقاك، قد تقدم عذرى عن هذا أمس، وإنى لم أقل ذلك فى جارية بعينها، ولا كان منى عن قصد ولا عمد، قالت: يا فضّاح الحرائر، يا كذابا على النساء، ما حملك على أن تقول على النساء ما لم يكن حقا، حتى شاع فى أقطار الأرض، وظن الناس أنه حق فى امرأة بعينها! يا وصائف، عزّرن هذا الفاسق على كذبه على الحرائر.
وضربننى على وجهى ورأسى ضربات شديدة، ثم شددن العصابة على عينى، ودفعننى إلى العجوز، فقادتنى إلى مضربى، ثم قالت: لا تيأسنّ، فبتّ ليلتى قلقا مفكرا، لم أذق مناما، حتى برق الصبح، فلما طلعت الشمس، دخل علىّ الحاجب وأعلمنى بمكان العجوز، فقلت: اشغلها عنى ساعة، إلى أن يخرج إليك رسولى، ثم أمرت جارية أن تضرب لى فى باطية خلوقا، ففعلت، فغمست يدى فيه إلى معصمى، ثم أسدلت إزارى، وأمرت بإدخال العجوز، فدخلت فسألتنى عن حالى، ثم قالت: هل لك أن تراها ثالثة؟ قلت: نعم. فداك أبى وأمى، قالت: أنت ناظر إليها على الشرط؟ قلت: نعم. فأخرجت المصحف واستحلفتنى، ثم عصبت عينىّ، وقادتنى إلى الموضع، فلما حسّيت بباب المضرب، أخرجت يدى فمسحتها ببابه، وجعلت أمسك الطّنب بكفّى، ثم ناولتنى الوصائف، فأخذتنى منها وصيفة، وأدخلتنى الموضع، وفتحت عينىّ، فإذا أنا بمضرب من الديباج الأبيض، منقوش بالذهب، مفروش بالحرير، فجلست على السرير، فإذا هى قد طلعت، فلما نظرت إليها، سقطت على وجهى مغشيا علىّ، فلما أفقت، تناولت كفّى وجعلت تغمره، وقالت: كيف حالك يا أبا الخطاب؟ قلت: سوء حال، والنظر يغنى عن الشكوى، فتبسمت، فما رأيت شيئا أحسن من ثغرها، ثم جعلت تسائلنى عن أخبار أهل الحجاز، وأيام العرب، وأخبار أهل العشق، حتى انتصف النهار، وأنا والله يخيّل إلىّ كأنى فى بعض قصور الجنة مع حورها، فبينما أنا كذلك فى أسرّ حال، إذا التفتت إلىّ وقالت: يا أبا الخطاب، من الذى يقول [من الكامل] (11):
سجج الغراب ببين ذات الدّملج
…
ليت الغراب ببينها لم يسحج
ما زلت أتبعهم لأسمع حدوهم
…
حتى دخلت على ربيبة هودج
قالت وحقّ أبى وحرمة والدى
…
لأنبّهنّ أبى إن لم تخرج
فتناولت كفّى لتعلم مسّه
…
بمخضّب الأطراف غير مشنّج
(11) الأغانى الموضع السابق، وديوان عمر 82، 83.
فلثمت فاها آخذا بقرونها
…
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
فقلت لها: أنا قائل ذاك، فداك أبى وامى، فقالت: من هذه الجارية التى دخلت عليها، وأخذت بقرونها، ولثمت فاها؟ قلت: يا سيدتى، إن عذرى قد تقدّم والمحنة فيه واحدة، قالت: فأراك مقيما على الكذب وفضيحة النساء، وهتك أسرار الحرائر، أخرجن عنى هذا الفاسق الكذاب، مجرورا مدحورا معزّرا على كذبه وافترائه على النساء، فبادرن الوصائف إلىّ، وسحبننى على وجهى، وضربننى بأيديهنّ وأرجلهن ضربا موجعا، ثم عصبن عينىّ، وسلّمننى إلى العجوز، فأخرجتنى وأنا لا أعقل، فقادنى ساعة، سنح لها جمّال فى بعض الطريق، فقالت له: خذ هذه المرأة الضريرة إلى مضرب عمر بن إلى ربيعة، ولك هذه الدراهم، فبادر الجمال وأخذنى من يدها، وهو يظن أنى امرأة ضريرة، حتى وصل بى إلى مضربى، فأخذنى منه بعض غلمانى، فدخلت المضرب، ولبست ثيابى، وأمرت بإدخال الناس علىّ، ثم قلت لهم: أىّ غلام وجد لى باب مضرب عليه كفّ خلوق، فهو حرّ لوجه الله تعالى، وأىّ رجل من أهلى وجد ذلك، فله ألف درهم. فخرج الناس من عندى واجتهدوا فى طلب ذلك، فعاد بعض غلمانى وقال: يا سيدى، قد عرفت المضرب، ثم قمت معه، فانتهى بى إلى مضرب مروة بنت عبد الملك ابن مروان، فأمرت بمضربى أن يقلع ويضرب حيال مضربها، فلما علمت أنى قد عرفتها، فحرجت من ذلك، ثم أسدلت الستور بينى وبينها، وكان لعبد الملك عيون، فكتبوا بذلك، شعرا، فشاع فى الناس، وهو [من الطويل] (12):
نظرت إليها بالمحصّب من منى
…
ولى نظر لولا التحرّز عارم
فقلت أشمس أم محاريب بيعة
…
بدت لك بين السّجف أم أنت حالم
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل
…
أبوها، وغما عبد شمس وهاشم
ثم أزف خروجها إلى الشام، فرحلت معها، أنزل بنزولها، وأرحل برحيلها، واشتد بى الوجد والدّنف، حتى ركبت فى العمّاريّة من ضعفى وشدة مرضى، وأنا أكتم حالى وأخفيه عن أهلى وعوّادى، ولم أفش سرى على أحد، إلى أن صرنا من دمشق على مرحلتين، فتلقاها رسول عبد الملك يأمرها بالنزول فى موضعها إلى أن يخرج إليها، وأقبل عبد الملك إلى نحوها فى سادات بنى أمية، ووجوه القوّاد، حتى إذا صار قريبا منها، اعتزل عنه الناس، فدخل إليها فى مضربها وبارك لها فى حجّتها، وهنأها بمقدمها، ثم قال: يا مروة، ألم أنهك عن الطواف نهارا، حتى لا تقع عين أحد عليك! فقالت: والله ما طفت إلا ليلا، فخرج من عندها، فحانت منه التفاتة، فإذا هو بمضربى، فقال:
(12) ديوانه 348، والأغانى الموضع السابق.