الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1981 ـ عجلان بن رميثة بن أبى نمىّ محمد بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة بن إدريس بن مطاعن الحسنى المكى، يكنى أبا سريع، ويلقب عز الدين:
أمير مكة، ولى إمرة مكة غير مرة، نحو ثلاثين سنة، مستقلا بها مدة، وشريكا لأخيه ثقبة مدة، وشريكا لابنه أحمد بن عجلان مدة، كما سيأتى بيانه. وقد ذكر ابن محفوظ المكى شيئا من خيره، وأفاد فيه ما لم يفد غيره.
ورأيت أن ألخص هنا ما ذكره من خبره بالمعنى، مع ما علمته من خبره مما لم يذكره ابن محفوظ، وملخص ما ذكره ابن محفوظ: أن عجلان وأخاه ثقبة، اشتريا مكة من أبيهما رميثة فى سنة أربع وأربعين وسبعمائة بستين ألف درهم، حين ضعف وكبر وعجز عن البلاد وعن أولاده، وصار كل منهم له فيها حكم، ثم إن ثقبة توجه إلى مصر بطلب من صاحبها الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وبقى عجلان وحده فى البلاد، إلى آخر ذى القعدة من السنة المذكورة، ثم فارقها لما علم أن صاحب مصر قبض على أخيه ثقبة، وأنه وصل مرسوم من صاحب مصر لأبيه رميثة بردّ البلاد عليه، وقصد عجلان جهة اليمن، ومنع الجلاب من الوصول إلى مكة، فلم يصل منها إلا القليل.
وحصل فى هذه السنة غلاء عظيم فى أيام الحج. وكان حجّاج مصر كثيرين، وكذلك حجاج الشام، ولما رحل الحاج من مكة، وصل إليها الشريف عجلان من جهة اليمن، ونزل الزاهر، وأقام بها أياما. ثم بعد ذلك اصطلح هو وأبوه، وأخذ من التجار مالا جزيلا.
وذكر ابن محفوظ: أن فى سنة ست وأربعين وسبعمائة: توجه عجلان إلى مصر، فولاه الملك الصالح البلاد دون أبيه.
ولما توفى الملك الصالح، وولى أخوه الملك الكامل شعبان السلطنة بالديار المصرية والشامية عوض أخيه الملك الصالح، كتب لعجلان مرسوما بالولاية ووصل عجلان إلى مكة، فى رابع عشر جمادى الآخرة سنة ست وأربعين، ومعه خمسون مملوكا شراء ومستخدمين، وقبض البلاد بلا قتال من إخوته، وتوجه أخوه ثقبة إلى نخلة، وأقام معه أخوه سند ومغامس بمكة وأعطاهما فيها رسما، وأقاما على ذلك مدة، ثم إنه تشوش
1981 ـ انظر ترجمته فى: (الدرر الكامنة 2/ 453، خلاصة الكلام 31، سمط النجوم العوالى للعصامى 4/ 239، الأعلام 4/ 216).
منهما، فأخرجهما من البلاد بحيلته إلى وادى مرّ، ثم أمرهما بالاتساع فى البلاد، فلحقا بأخيهما ثقبة، وكان قد توجه إلى الديار المصرية قبل توجههما إليها بشهر، فلما وصلوا إلى مصر قبض عليهم بها.
ووجدت بخط جمال الدين بن البرهان الطبرى: أن عجلان سافر إلى مصر فى ثانى المحرم من سنة ست وأربعين، فولاه مكة الملك الصالح، وأنه دخل إلى مكة يوم السبت السابع عشر من جمادى الآخرة من سنة ست وأربعين وسبعمائة، وهو متولى مكة، وقرئ مرسومه بالتولية على زمزم، فى الساعة الثالثة من النهار، ودعى له بعد المغرب، وللسلطان الملك الكامل وصلّى على أخيه الملك الصالح بعد المغرب، وقطع عجلان دعاء والده رميثة، وراح أخوه ثقبة إلى نخلة، وأعطى أخاه سندا ثلث البلاد بلا دعاء ولا سكة، وأعطى أخويه مغامسا ومباركا السّرين، يعنى الموضع المعروف بالواديين، وسافر ثقبة إلى مصر، ثم سافر بعده أخواه سند ومغامس إلى مصر، ثم جاء نجّاب الشريف عجلان من مصر، فى أوائل ذى القعدة من سنة ست وأربعين، وأخبر أن البلاد لعجلان، وأن إخوته قبضوا فى مصر، حتى ينظر حال عجلان مع الحاجّ، وزين السوق بمكة. فلما مات رميثة بطلت الزينة.
وكان موته فى ثامن ذى القعدة من السنة المذكورة، بعد وصول النجاب بخمسة أيام. انتهى.
وذكر ابن محفوظ: أن عجلان نشر بمكة من العدل والأمان ما لم يسمع بمثله، وطرح ربع الجنايات، ورفع المظالم.
وذكر أن عجلان كان متوليا بمكة فى سنة سبع وأربعين وسبعمائة، ولم يحدث فيها حادث.
وذكر أن فى سنة ثمان وأربعين، وصل إخوته: ثقبة وسند ومغامس، بنو رميثة، ومحمد بن عطيفة من مصر. فأخذوا نصف البلاد من عجلان بلا قتال، بعد أن ملكها وحده سنتين بلا شريك، وحصّل من الأموال ما لا يحصى.
وذكر أن فى سنة خمسين وسبعمائة، تنافر الشريفان عجلان وثقبة. وكان عجلان بمكة وثقبة بالجديد، ثم إن عجلان خرج إلى الوادى لقتال ثقبة، فلما أن بلغ الدّكناء، رام المسير إلى ثقبة، فمنعه القواد من ذلك، ثم إنه نزل بوادى العقيق من أرض خالد، وأقام بها مدة يسيرة، ثم أصلحوا بينه وبين أخيه، وصعد عجلان إلى الخيف الشديدى
وأقام بها مدة يسيرة، ثم توجه إلى مصر، وبقى ثقبة فى البلاد وحده، وقطع نداء أخيه عجلان من زمزم.
فلما كان اليوم الخامس من شوال سنة خمسين وسبعمائة، وصل عجلان من مصر متوليا لجميع البلاد، فتوجه ثقبة إلى ناحية اليمن بلا قتال، وأقام عجلان متوليا لمكة بمفرده، بقية سنة خمسين، وسنة إحدى وخمسين، ودخل ثقبة وأخوه إلى مكة، فى ولاية عجلان هذه؛ لأنهم لا يموا الملك المجاهد صاحب اليمن من حلى، وهو متوجه إلى مكة للحج، فى سنة إحدى وخمسين.
وكان عجلان هم بمنع المجاهد وإخوته من دخول مكة، فغلبوه ودخلوها، ولم يلتفت المجاهد لعجلان، ولا أنصفه، ولم يلتفت إلى أحد من الأشراف والقواد، ولا إلى أمير الحاج المصرى بزلار، وإنما أقبل على الأمير طاز، أحد الأمراء المقدمين فى الركب المصرى.
فعمل عليه عجلان عند أمير الركب بزلار، حتى ركب بزلار ولفيفه على المجاهد بمنى فى أيام التشريق، وحاربوا المجاهد، ولم يقاتل، وإنما قاتل عسكره، فانكسر عسكر المجاهد ونهبت محطته، وأخذ أسيرا بأمان، وحمل إلى مصر. وكان من خبره ما يأتى ذكره فى ترجمته إن شاء الله تعالى، ثم إن المصريين هموا بالقبض على عجلان؛ لأنه ربما أظهر للمجاهد أنه معه على المصريين.
فلما علم بذلك عجلان، أخبر أصحابه، فاجتمعوا إليه وصاروا فى جمع عظيم. فلما أحسّ بهم الأمراء المصريون، هالهم ذلك، وأنكروا على عجلان، وسألوه أن يكفّهم عنهم فكفهم، ورحل الحاج من فوره، وأقام عجلان بمكة بقية سنة إحدى وخمسين.
وفى سنة اثنتين وخمسين، كان عجلان بمكة، وثقبة بالجديد، وجبى ثقبة الجلاب الواصلة إلى جدة، جباء عنيفا ونجلها جميعا.
وفى سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وصل مرسوم من صاحب مصر، يطلب الشريفين عجلان وثقبة، فتوجها إلى القاهرة. فأما ثقبة فبلغها. وأما عجلان فإنه وصل إلى ينبع، وقصد منها المدينة النبوية للزيارة، وتوجه منها إلى مكة. ولم يزل مالكها إلى ذى القعدة من سنة اثنتين وخمسين، ومنع ثقبة لما أن وصل من مصر متوليا لمكة بمفرده، من دخول مكة.
فأقام ثقبة بخليص، إلى أن وصل الحاج المصرى فى سنة اثنتين وخمسين، وجاء ثقبة
مع أمير الحاج المجدى، وأراد عجلان منعهما من دخول مكة، ثم إن المجدى أصلح بين الأخوين، على أن يكون لكل منهما نصف البلاد، بموافقة ثقبة على ذلك.
وفى سنة ثلاث وخمسين، توجه عجلان إلى ناحية اليمن، فلقى جلبة وصلت من اليمن فيها عبد القاضى شهاب الدين الطبرى قاضى مكة، وجماعة من أهل مكة فأخذ ما فيها.
وكان قدرا جسيما، وبعد فعله هذا بأيام، زالت إمرته من مكة؛ لأن أخاه ثقبة لما بلغه فعل عجلان هذا، توجه إلى عجلان، وعجلان فى قلة من أصحابه، وغرّه بالصلح. فوثب عليه، وقيد معه على بن مغامس بن واصل الزباع، وأخذ جميع ما كان مع عجلان من الخيل والإبل، فلما كان الليل، ورقد الموكّل بعجلان، فخلع عجلان القيد من رجليه، وكان واسعا، وهرب إلى امرأة من الفريق الذى كانوا فيه فانزوى إليها، وعرّفها بنفسه، وسألها أن تخفيه، فقالت له: ما تخشى من ثقبة؟ فقال لها: لا بأس عليك، أنا أتحيّل فى إخفائى، بأن أحفر حفرة تغيّبنى، وأقعد فيها، وحطّى علىّ أمتعتك ولا عليك. فلما انتبه الموكل بعجلان فقده، فلم يجده. فذهب إلى ثقبة، وعرفه الخبر.
فأخذ هو وأصحابه فى طلب عجلان فلم يجدوه، وأتى إلى بيت المرأة التى هو مختف عندها، ودوره بنفسه، فلم يجد عجلان فيه. فلما كان الليل، أركب فرسا وراح إلى بنى شعبة باليمن.
وفى سنة أربع وخمسين: توجه عجلان إلى نخلة، بعد أن كان فى أول السنة بالواديين، وأخذ منها المال الذى كان نهبه، وقصد الجديد، وفرق المال، وأقام بالجديد، إلى آخر السنة، فلما آن وقت وصول الحاج، وسمع أن البلاد لأخيه ثقبة، وليس له فيها أمر، ارتحل إلى الحردة، وبعث إليه أمير الحاج المصرى، وهو الأمير عمر شاه بأمان، وأمره أن يصل إليه ويصلح بينه وبين أخيه.
فتوجه إليه عجلان ولقيه بالجموم، وأخلع أمير الركب على عجلان، وسار معه إلى مكة. فلما أن وصل الأمير إلى الزاهر، خرج إليه ثقبة وإخوته على جارى العادة، لتلقى الأمير وخدمة المحمل. فأحاط به أصحاب الأمير، وسألوا ثقبة فى الإصلاح بينه وبين أخيه عجلان، فأبى إلا أن يكون السلطان رسم بذلك، وصمّم على ذلك.
فقبض عليه وعلى إخوته ودخلوا بهم مكة محتاطين عليهم؛ وأمّر الأمير عجلان على مكة، فقبض عجلان البلاد، وذهب أمير الركب بالأشراف إلى مصر تحت الحوطة.
ودام عجلان على ولاية مكة بمفرده سنة خمس وخمسين وفيما بعدها، كما سيأتى بيانه.
وكان فى سنة خمس وخمسين، عشّر جميع نخل وادى مرّ وقت الصيف، وجعل على كل نخلة أربعة دراهم وثلاثة ودرهمين.
وسبب ذلك: أن المجاهد صاحب اليمن، من وقت رجوعه إلى اليمن بعد القبض عليه بمنى، منع التجار من السفر إلى مكة. فقل ما بيد عجلان، وفعل ما ذكرناه من عشره للنخيل، وحصل له من ذلك مال جزيل، وعنف فى هذه السنة بالأشراف والقواد عنفا عظيما، وأخذ منهم ما كان أعطاهم من الخيول والأموال، وكان أغدق عليهم فى العطاء، بحيث يقال: إنه وهب فى يوم واحد مائة وعشرين فرسا، وألفين ومائتى ناقة، وثلاثمائة ألف درهم وستين ألف درهم.
وفى سنة ست وخمسين وسبعمائة: وصل إليه توقيع بالاستمرار فى الولاية مع الرّجبيّة، فى أول شهر رمضان. فلما كان اليوم الثالث والعشرون منه، وصل الشريف ثقبة وأخواه إلى الجديد، فى ثلاثة وخمسين فرسا، فأقاموا به، وكانوا فرّوا من مصر، ووصلوا إلى وادى نخلة، وليس معهم إلا خمسة أفراس.
وكان عجلان عند وصولهم بخيف بنى شديد، فارتحل إلى مكة وأقام بها. فلما كان ثالث عشر ذى القعدة، نزل ثقبة ومن معه المعابدة، وأقاموا بها محاصرين لعجلان. وجرى فى هذا اليوم بين العبيد بعض قتال، قتل فيه بعض القواد اليواسفة، من أصحاب الشريف ثقبة وعبد له، ثم ارتحل هو ومن معه فى صبيحة يوم الاثنين الرابع والعشرين من ذى القعدة إلى الجديد، وأقاموا به.
فلما كان وقت وصول الحاج، رحلوا إلى ناحية جدّة، وأخذوا الجلاب ودبروا بها. فلما رحل الحاج من مكة، توجهوا بالجلاب ونجلوها، ونزلوا الجديد.
فلما كان يوم التاسع عشر من المحرم سنة سبع وخمسين. اصطلح عجلان وثقبة، واقتسما الإمرة نصفين، وانقسم الأشراف والقواد، وكان مع عجلان خمسون مملوكا، فقسمها بينه وبين أخيه. وكانت ولاية عجلان لمكة بمفرده بعد القبض على أخيه ثقبة، سنتين وخمسين يوما أو نحوها.
فلما كان اليوم الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين. توجه ثقبة من ناحية اليمن إلى مكة وملكها بمفرده، وقطع نداء أخيه عجلان على زمزم، وأقام بمكة إلى الموسم، وعجلان بالجديد.
فلما وصل الحاج مكة فى موسم سنة سبع وخمسين، دخلها عجلان مع الحاج وملكها بمفرده، بعد أن فارقها ثقبة فى هذا التاريخ، وبعد من مكة، ثم إنه وصل ونزل الجديد، وأقام به مدة، ثم وصل إلى الجديد ثانيا، فعمل عليه أصحابه القواد، وحالفوا عجلان.
فارتحل ثقبة إلى خيف بنى شديد، ثم أتى نخلة، ثم التأم عليه جميع الأشراف، ونزلوا خيف بنى شديد، والتأم جميع القواد على عجلان، وخرج من مكة ونزل الجديد، ثم ارتحل منه إلى البرقة طالبا قتال ثقبة ومن معه، فمنعه القواد من ذلك، وأقام بالبرقة قريبا من شهر، وجمع صروخا كثيرة، وذلك فى شهر رجب سنة ثمان وخمسين، ثم عاد إلى الجديد، ورتب فى مكة خيلا ورجلا.
فلما كان أول شهر ذى القعدة سنة ثمان وخمسين. قصد ثقبة مكة ليدخلها فمنع من ذلك.
فلما وصل الحاج فى هذه السنة، اصطلح الشريفان ثقبة وعجلان، وحج الناس طيبين، ولم يزل عجلان وثقبة مشتركين فى الإمرة بمكة، ومن موسم سنة ثمان وخمسين، إلى حين وصل الخبر بعزلهما من إمرة مكة، وتوليتها لأخيهما سند بن رميثة، وابن عمهما محمد بن عطيفة.
وكان سند مع إخوته فى ناحية اليمن، وابن عطيفة بمصر، ووصل إلى مكة فى ثامن شهر جمادى الآخرة من سنة ستين وسبعمائة، ومعه عسكر وصل به من مصر ـ تقدم خبره فى ترجمة ابن عطيفة ـ وخلع عليه وعلى سند بعد وصوله إلى مكة بالإمرة، وتوجه عجلان إلى مصر ومعه ابناه: أحمد وكبيش.
وكان صاحب مصر قد استدعى عجلان وثقبة للحضور إليه، قبل وصول هذا العسكر إلى مكة، فاعتذرا عن الحضور إليه.
وكان وصول الطلب إليهما منه، فى جمادى الأولى من هذه السنة، وسبب طلبهما ما حصل بمكة من الجور، بسبب افتراق الكلمة بمكة.
ولما وصل عجلان إلى مصر، قبض عليه وعلى بنيه. ولم يزل بها حتى أطلقه الأمير يلبغا العمرى المعروف بالخاصكى، لما صار له الأمر بالديار المصرية، بعد قبضه على أستاذه، الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، فى أثناء سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وبطّل يلبغا العسكر الذى كان السلطان حسن أمر بتجهيزه إلى
الحجاز بسبب قتال بنى حسن؛ لأنه جهز إلى مكة فى سنة إحدى وستين عسكرا من مصر، مقدمهم الأمير قندس، وعسكرا من دمشق مقدمهم ناصر الدين بن قراسنقر، وأمرهم بالمقام بمكة عوض جركتمر والعسكر الذى وصل إلى مكة مع ابن عطيفة، لتأييده وتأييد سند، لما وليا إمرة مكة فى سنة ستين وسبعمائة.
ووصل قندس ومن معه، وابن قراسنقر، ومن معه إلى مكة فى موسم سنة إحدى وستين وسبعمائة، وأقاموا بها بعد الحج، وتوجه منها جركتمر ومن معه، وحصل بمكة بإثر سفر الحاج، فتنة بين العسكر الذى بمكة، وبنى حسن، فاستظهروا على الترك قتلا ونهبا، وخرجوا من مكة على وجه مؤلم، فعظم ذلك على السلطان حسن، وأمر بتجهيز عسكر لقتال بنى حسن، ومن يتخّيل منه الخلاف من أعراب الحجاز.
فلما قتل السلطان حسن، كان ما ذكرنا من الإعراض عن سفر العسكر المشار إليه إلى مكة، وتوجه عجلان إلى مكة.
وقد ولى إمرتها شريكا لأخيه ثقبة ـ على ما بلغنى، بسبب تسكين ثقبة الفتنة على العسكر ـ ووصل عجلان إلى وادى مرّ، فى آخر شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، أو فى أوائل شوال منها.
وقصد ثقبة السلام عليه، وكان ثقبة ضعيفا قد أنهكه الضعف. فأظهر القوة والجلد لعجلان، حين حضر إليه، وأنكر على عجلان نزوله فى الموضع الذى نزل فيه. فقال له عجلان: نرتحل منه، وأقام ثقبة أياما قليلة، ثم توفى، ودخل عجلان عند وفاة ثقبة إلى مكة، وأمر ابنه أحمد بن عجلان باللحاق بأخواله القواد ذوى عمر، ليسألهم أن يسألوا له أباه عجلان، فى أن يشركه معه فى إمرة مكة، ففعل، وحضر القواد إلى عجلان، وسألوه ذلك ففعل، وجعل له ربع البلاد.
وقيل إنه لما أتى مكة بعد موت أخيه ثقبة، أمر ابنه أحمد بن عجلان بالطواف نهارا، وأمر المؤذن على زمزم بالدعاء جهرا، كما يصنع لأمراء مكة، وجعل له ربع الحاصل، وأمره بقصد أخواله ليعضدوه ففعلوا.
وفى سنة ثلاث وستين: توجه عجلان من مكة لحرب صاحب حلى الأمير أحمد بن عيسى الحرامى ـ بحاء وراء مهملتين ـ والتقى الفريقان بموضع يقال له: قحزة ـ بقاف وحاء مهملة وزاى معجمة وهاء ـ بقرب حلى، فكان النصر لعجلان وأصحابه، فلم يقتل منهم إلا اليسير. وقتل من المحاربين لهم نحو المائتين ـ فيما قيل ـ واستولوا على
حلى، وعلى أموال كثيرة لأهلها، واستأثر بأشياء من ذلك، فلم يسهل ذلك بمن كان معه من بنى حسن، وتغيرت عليه خواطرهم. وتقدم عنه إلى صوب مكة طائفة منهم. وكاتبوا أخاه سند بن رميثة، وأطمعوه بالنصر وكان قد ظفر بجلبة فيها مال لتاجر مكى، يقال له ابن عرفة، فى غيبة أخيه بحلى، والتأم عليه طائفة من بنى حسن، وفرق عليهم ما نهبه، وقدر أنه هلك بإثر ذلك، فلم يجدوا شيئا يغيظوا به عجلان، إلا بتوليتهم لولده أحمد بن عجلان عليه. وقالوا له: سله يزيدك ربعا آخر فتستويان، وعرف بذلك عجلان، فأعطى ولده ربعا آخر من حاصل البلاد، لعلمه أنه يغرم ذلك وأكثر منه لبنى حسن، ثم يصلحون بينهم على ذلك، واستمرا على ولاية مكة، وعلى أن يكون لكل منهما نصف الحاصل، إلى سنة أربع وسبعين وسبعمائة، أو قبلها بقليل، ثم بدا لعجلان فى ترك الإمرة كلها لابنه أحمد على مال جزيل من النقد، يسلمه إليه ابنه أحمد، وعلى أن يشترى منه جانبا من خيله بمال جزيل شرطه، وكان من سبب ذلك فيما قيل: أن عجلان حين رأى علوّ قدر ابنه أحمد، ومحبة الناس له، أمر لابنه محمد بخيل ودروع بنخلة ليضاهى أخاه أحمد، فلم ينهض محمد لما أريد منه، ونمى هذا الخبر إلى أحمد بن عجلان، فعاتب أباه على ذلك، واعتذر له، وقال: سأترك لك البلاد.
فوقع الاتفاق بينهما على أن يعطيه من النقد ما شرطه عجلان، وأن يكون له فى كل سنة الخبز الذى قرّر لعجلان بديار مصر، على إسقاط المكس عمن يصل إلى مكة من المأكولات، وعما يصل من الأموال مع حجاج الديار المصرية والشامية برا وبحرا، وهو مائة ألف درهم وستون ألف درهم، وألف أردب قمح، وأن لا يسقط اسم عجلان من الدعاء فى الخطبة وغيرها، مدة حياته.
فالتزم بذلك أحمد بن عجلان، ثم إن عجلان ندم على ذلك وألح على ابنه أحمد، فى تحصيل المال النقد الذى شرطه عليه، استعجازا منه له عن تحصيله، ليكون ذلك سببا إلى أن يرجع الأمر له كما كان من غير نكث منه، فقيّض لأحمد بن عجلان من أعانه على إحضار المال المشروط، فأحضره إلى أبيه.
فلم يجد أبوه من قبوله بدّا، وامتعض من ذلك، ووفّى أحمد لأبيه بما التزم له من اختصاص أبيه بمعلوم مصر، والدعاء له فى الخطبة، حتى مات أبوه عجلان فى ليلة الاثنين الحادى عشر من جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاة، وبنى عليه فيها قبة، وقد بلغ السبعين أو قاربها.
وكان ذا عقل ودهاء ومعرفة تامة بالأمور وسياسة حسنة، وفيه محبة لأهل السنة ونصرة لأهلها، وربما ذكر أنه شافعى المذهب، وحين حضره الموت، أوصى قاضى مكة أبا الفضل النويرى، يتولى غسله والصلاة عليه مع فقهاء السنة.
وبلغنى أن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما، ذكر عنده لينظروا رأيه فيه، فقال عجلان: معاوية شيخ من كبار قريش، لاح له الملك فلقفه. هذا معنى ما بلغنى عنه فى حق معاوية رضى الله عنه.
وكان ـ على ما بلغنى ـ يقوم الليل، ويطوف كثيرا فى آخر عمره، فلا جرم أنه رأى سعاة عظيمة، وتهيأت له أمور حصل له بها فخر عظيم.
فمن ذلك: أن فى سنة ثلاث وستين وسبعمائة، ملك البلاد المعروفة بحلى ابن يعقوب، كما سبق ذكره، وعظم شان عجلان بهذه الواقعة، ومدحه الناس بسببها.
وما علمت ان أحدا قبله من الأشراف ولاة مكة، استولى على حلى، غير أبى الفتوح الحسن بن جعفر المتقدم ذكره، ولم يتفق ذلك لأحد بعد عجلان، إلا لولده السيد الشريف حسن بن عجلان.
وكان توجه إليها فى صفر سنة أربع وثمانمائة، بعد موت صاحبها دريب بن أحمد بن أحمد بن عيسى مقتولا، فى حرب كان بينه وبين كنانة، فى يوم عرفة سنة ثلاث وثمانمائة، وهرب منه الأمير موسى بن أحمد أخو دريب، ورتب فيها الشريف حسن بن أحمد بن دريب وأخواله من بنى كنانة. وعاد إلى مكة فى جمادى الأولى من سنة أربع وثمانمائة.
ومن ذلك: ما اتفق فى أيامه، من إسقاط المكس كما ذكرنا. وذلك فى سنة ست وستين.
ومن ذلك: تقدم أولاده فى النّجابة فى حياته وبعد موته. وقد ذكرنا فى هذا الكتاب شيئا من تراجمهم.
ومنها: اتساع الدنيا لديه. فقد يبلغنى أنه ملك من السقاية بوادى مر ونخلة، مائتى وجبة ماء. وله من العمارات بمكة الموضع المعروف بالعلقمية عند المروة، ومدرسة أنشأها بالجانب اليمانى من المسجد الحرام، مطلة عليه، مقابلة لمدرسة الملك المجاهد، وحصن بجياد، بلحف جبل أبى قبيس، وحصن مليح، بأرض حسان، وأصائل حسنة بها وبغيرها من وادى مر ونخلة.