الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2080 ـ على بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسنىّ الفاسىّ المكى، يلقب نور الدين:
إمام مقام الحنابلة بالمسجد الحرام. ولد فى العشر الأخير من شوال سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، قبل موت أبيه بيسير، واستقر عوضه بالإمامة، بمقام الحنابلة بالحرم الشريف، وباشر ذلك عنه، عمه الشريف أبو الفتح الفاسى مدّة سنين كثيرة، حتى تأهّل، ثم باشر هو بنفسه مدّة سنين، واستمرّ على ولايته، حتى مات فى ليلة الثالث والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ست وثمانمائة، بزبيد من بلاد اليمن، ودفن بمقابرها.
سمع من النّشاورىّ، وشيخنا ابن صدّيق، وغيرهما من شيوخنا، وله اشتغال بالعلم، وفيه خير.
2081 ـ على بن عبد اللطيف بن محمد بن على بن سالم الزّبيدى الأصل، المكى المولد والدار:
ولد بمكة وبها نشأ، وسمع بها فيما أحسب على النشاورى وغيره، وأصابه بعد موت أبيه تعب، لقلّة ما بيده، وتوفى بمكة فى ربيع الأول سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، عن نحو ثلاثين سنة.
2082 ـ على بن أبى طالب، واسم أبى طالب، عبد مناف ـ على الأصح فيما قال ابن عبد البر، والمشهور على ما قال النووى وقيل اسمه كنيته ـ بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب القرشى:
أمير المؤمنين أبو الحسن، ويكنى أبا تراب، كنّاه بذلك النبى صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك إليه أحب ما يدعى به صهر النبى صلى الله عليه وسلم ومؤاخيه، وأحد الخلفاء الأربعة الراشدين، والستّة
2080 ـ انظر ترجمته فى: (الضوء اللامع 5/ 244).
2081 ـ انظر ترجمته فى: (الضوء اللامع 5/ 244).
2082 ـ انظر ترجمته فى: (ابن الأثير حوادث سنة 40، الطبرى 6/ 83، البدء والتاريخ 5/ 73، اليعقوبى 2/ 154، مقاتل الطالبيين 14، حلية الأولياء 1/ 61، شرح نهج البلاغة 2/ 579، منهاج السنة 3/ 2، تاريخ الخميس 2/ 276، المرزبانى 279، المسعودى 2/ 2 ـ 39، الإسلام والحضارة العربية 2/ 141، 379، الرياض النضرة 2/ 153 ـ 249، الإصابة ترجمة 5704، أسد الغابة ترجمة 3789، الاستيعاب ترجمة 1875، الأعلام 4/ 295 ـ 296، تلقيح فهوم أهل الأثر 110، 367، أزمنة التاريخ الإسلامى 1/ 773، مروج الذهب 2/ 358، صفوة الصفوة 1/ 308، معرفة القراء الكبار 1/ 30).
الذين جعل عمر بن الخطاب رضى الله عنهم الخلافة فيهم شورى، وأحد العشرة الذين شهد لهم النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة، وتوفى وهو عنهم راض.
وأول من أسلم وآمن بالله ورسوله، على ما روى عن سلمان الفارسى، وأبى ذرّ الغفارىّ، والمقداد بن الأسود، وخباب بن الأرتّ، وجابر بن عبد الله الأنصارى، وزيد ابن أرقم، وأبى سعيد الخدرىّ، رضى الله عنهم على ما نقل عنهم ابن عبد البر، قال: وفضله هؤلاء على غيره.
وقد اختلف فى كونه أول من أسلم، فروى سلمان الفارسى رضى الله عنه، عن النبىصلى الله عليه وسلم، أنه قال:«أول هذه الأمة ورودا على الحوض، أولها إسلاما: على بن أبى طالب» وروى هذا موقوفا على سلمان رضى الله عنه، قال ابن عبد البر: ورفعه أولى، لأن مثله لا يذكر بالرأى.
وقال ابن عباس: كان على بن أبى طالب رضى الله عنه، أول من آمن من الناس بعد خديجة رضى الله عنها، وساقه ابن عبد البر بسنده إلى ابن عباس: وقال: لا مطعن فيه لأحد، لصحته وثقة نقلته، وهو يعارض ما ذكرناه عن ابن عباس فى باب أبى بكر، والصحيح فى أمر أبى بكر، أنه أوّل من أظهر إسلامه، كذلك قال مجاهد وغيره. وقال ابن شهاب وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقتادة، وابن إسحاق: أوّل من أسلم من الرجال على، واتفقوا على أن إسلامه بعد خديجة، وروى ابن عبد البر بسنده إلى محمد ابن كعب القرظىّ، أنه سئل عن علىّ وأبى بكر: أيهما أسلم أولا؟ . فقال: سبحان الله! علىّ أولهم إسلاما، وإنما شبّه على الناس، لأن عليا أخفى إسلامه من أبيه أبى طالب، وأسلم أبو بكر وأظهر إسلامه، قال: ولا شك عندى أن عليا أولهم إسلاما. انتهى.
قال النووى: قال العلماء: والأورع أن يقال: أوّل من أسلم من الرجال الأحرار: أبو بكر، ومن الصبيان: علىّ، ومن النساء: خديجة، ومن الموالى: زيد بن حارثة، ومن العبيد: بلال. انتهى.
واختلف فى سنّه وقت أسلم، فقيل ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل ابن اثنتى عشرة سنة، وقيل ابن خمس عشرة سنة، وقيل ابن ستة عشرة سنة، وقيل ابن عشرين سنة، وقيل ابن ثمان سنين. والقول بأنه كان ابن ثلاث عشرة سنة، يروى عن ابن عمر من وجهين جيّدين، على ما قال ابن عبد البر. وقال: هذا أصح ما قيل فى ذلك.
واختلف فى أفضليته على غيره، فقال ابن عبد البر: واختلف السلف أيضا فى تفضيل على وأبى بكر. وحديث ابن عمر: كنّا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، ثم نسكت ـ يعنى فلا نفاضل ـ وهم وغلط، وأنه لا يصح، وإن كان إسناده صحيحا، لأن أهل السنة من السلف والخلف، من أهل الفقه والأثر، مجمعون على أن عليّا أفضل الناس بعد عثمان، قال: وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا فى تفضيل علىّ وعثمان، قال: ووقف فى تفضيل كل منهما على الآخر: مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، وذكر أن ابن معين: تكلّم بكلام غليظ فى الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان، ويسكتون عن تفضيل علىّ.
وقد جاء فى فضل علىّ رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، أخبار صحيحة، منها أن النبىصلى الله عليه وسلم قال لعلى رضى الله عنه، لما خلفه فى غزوة تبوك، على المدينة وعلى عياله:«أنت منى بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبىّ بعدى» (1).
رواه عن النبى صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة، منهم سعد بن أبى وقاص ـ من طرق كثيرة جدا ـ وابن عباس، وأبو سعيد الخدرى، وجابر، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، رضى الله عنهم، وهو مخرّج فى الصحيحين.
ومنها أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال يوم غدير خمّ عند الجحفة:«من كنت مولاه، فعلىّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» (2).
يروى ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم: بريدة، وأبو هريرة، وجابر، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وبعضهم لا يزيد على:«من كنت مولاه، فعلىّ مولاه» . وأخرجه الترمذى من حديث أبى شريحة، أو زيد بن أرقم، عن النبى صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذى: حسن، والشك فى غير الصحابى، لا يقطع فى صحة الحديث، لأن الصحابة رضى الله عنهم كلهم عدول.
ومنها أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال يوم خيبر:«لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله، ليس بفرّار، يفتح الله على يديه» (3) ثم دعا بعلىّ رضى الله عنه وهو أرمد، فتفل فى عينيه،
(1) أخرجه مسلم فى صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم 2404، والبخارى فى صحيحه، كتاب المناقب، حديث رقم 3706، وفى المغازى، حديث رقم 4416، والترمذى فى سننه، كتاب المناقب، حديث رقم 3731.
(2)
أخرجه الترمذى فى سننه، فى المناقب، حديث رقم 3713، وأحمد بن حنبل فى المسند، حديث رقم 18793، 18815، 18838.
(3)
أخرجه البخارى فى صحيحه، فى كتاب الجهاد والسير، حديث رقم 3009، ـ
وأعطاه الراية، ففتح الله على يديه. وهذا الحديث فى الصحيحين من حديث سهل بن سعد، رضى الله عنه.
ومنها أن النبى صلى الله عليه وسلم، لّما آخى بين الصحابة رضى الله عنهم، وجاءه على رضى الله عنه تدمع عيناه، يقول له: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك، ولم تؤاخ بينى وبين أحد، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:«أنت أخى فى الدّنيا والآخرة» (4) أخرجه الترمذى، وقال: حديث حسن.
ومنها أن النبى صلى الله عليه وسلم، عهد إلى على رضى الله عنه، أنه «لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق» (5). وهذا الحديث فى صحيح مسلم، من رواية زرّ بن حبيش، عن على رضى الله عنه.
ومنها أن الله تعالى، أمر النبى صلى الله عليه وسلم بحبّ على، كما فى الترمذى (6)، من حديث بريدة بن الحصيب رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم.
والأخبار الواردة عن النبى صلى الله عليه وسلم، فى فضل على بن أبى طالب رضى الله عنه كثيرة مشهورة، وإنما أوردنا ذلك للتبرك.
وأما الحديث المروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«أنا دار العلم وعلىّ بابها» . وفى رواية: «أنا مدينة العلم» فهو حديث منكر على ما قال الترمذى. وفى بعض نسخ الترمذى: غريب. ولا ريب فى أن عليا رضى الله عنه فى العلم بالمكان الأعلى. قال ابن عباس رضى الله عنهما: أعطى علىّ رضى الله عنه، تسعة أعشار العلم، وو الله لقد شاركهم فى العشر الباقى. انتهى.
وكان رضى الله عنه أقضى الصحابة، على ما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الصحيح، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يتعوّذ من معضلة ليس هو فيها. وقالت عائشة رضى الله عنها، لّما أخبرت أن عليا أفتى الناس بصوم عاشوراء: أمّا إنه لأعلم الناس بالسّنة.
ـ وأخرجه مسلم فى صحيحه، فى كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم 2406.
(4)
أخرجه الترمذى فى سننه، كتاب المناقب، حديث رقم 3720.
(5)
أخرجه مسلم فى صحيحه، كتاب الإيمان، حديث رقم 78، والترمذى فى سننه، كتاب المناقب، حديث رقم 3736 ..
(6)
أخرجه الترمذى فى سننه، كتاب المناقب، حديث رقم 3718، وابن ماجة فى سننه، فى المقدمة، حديث رقم 149.
وقال معاوية، لما بلغه موت على رضى الله عنه: ذهب الفقه والعلم، بموت ابن أبى طالب. وكان معاوية رضى الله عنه، يكتب إليه فيما ينزل به، يسأله عنه، وسئل عطاء ابن أبى رباح: كان فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من علىّ؟ قال: لا والله، ما أعلمه.
قال ابن المسيّب: ما كان أحد يقول: سلونى، غير علىّ بن أبى طالب. انتهى. وفضائله رضى الله عنه كثيرة.
وهاجر رضى الله عنه، بعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم بمدّة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم، لما هاجر إلى المدينة، أمره أن يقيم بمكة بعده أياما، حتى يؤدّى عنه أمانته. والودائع والوصايا التى كانت عند النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يلحقه بأهله، ففعل. وشهد بدرا والحديبية، وسائر المشاهد، إلا تبوك، فإن النبى صلى الله عليه وسلم خلّفه على المدينة وعلى عياله، وأبلى ببدر وأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأغنى فى تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم.
وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى يده فى مواطن كثيرة، منها يوم بدر، على اختلاف فى ذلك، ومنها يوم أحد، بعد قتل مصعب بن عمير.
وبويع رضى الله عنه بالخلافة بعد عثمان، يوم قتل عثمان رضى الله عنه، سعى الناس إليه وهو فى داره. فأخرجوه منها، وقالوا: لابدّ للناس من إمام، وحضر طلحة والزبير وسعد بن أبى وقّاص والأعيان فبايعوه، وأوّل من بايعه طلحة، ثم سائر الناس من المهاجرين والأنصار، وتخلّف عن بيعته نفر، فلم يهجهم ولم يكرههم، وسئل عنهم فقال: هؤلاء قوم قعدوا عن الحق، ولم يقوموا مع الباطل. وفى رواية أخرى، : أولئك قوم خذلوا الحق، ولم ينصروا الباطل. وتخلّف عن بيعته رضى الله عنه، معاوية بن أبى سفيان، ومن معه من أهل الشام، غضبا لعثمان، ونعاه معاوية لأهل الشام، فتعاونوا على الطلب بدمه، ونصب ثوب عثمان رضى الله عنه، وهو مضرّج بالدم على منبر دمشق، ثم إن طلحة والزبير رضى الله عنهما، فارقا عليا، ولحقا بمكة، واجتمعا فيها مع عائشة أم المؤمنين رضى الله عنهم، وساروا إلى البصرة للطلب بدم عثمان، لأن قتلته التفّوا على علىّ رضى الله عنه، وصاروا معه من رءوس الملأ، وخاف علىّ رضى الله عنه من أن ينتقض الناس، فسار بمن معه من الناس إلى العراق، فجرى بينه وبين عائشة ومن معهما، الوقعة المعروفة بوقعة الجمل، أثارها سفهاء الفريقين، وخرج الأمر عن على وعن طلحة والزبير، وقتل من الفريقين نحو عشرين ألفا، منهم طلحة والزبير،
وظفر على رضى الله عنه بعائشة، فأكرمها ورعى لها حرمتها، وجهّز معها من أوصلها إلى المدينة. وكانت وقعة الجمل فى سنة ست وثلاثين من الهجرة، فى عاشر جمادى الأولى، وقيل فى عاشر جمادى الأخرى، والله أعلم.
ثم ثار الحرب بينه وبين أهل الشام، لا متناعهم من مبايعته، فسار علىّ نحوهم من العراق فى تسعين ألفا، وقيل فى مائة ألف، وقيل فى خمسين ألفا، والتقى مع معاوية وأهل الشام، وكانوا سبعين ألفا، وقيل ستين، على أرض صفّين بناحية العراق، فى صفر سنة سبع وثلاثين من الهجرة، ودام الحرب والغارة بين الفريقين أياما وليالى، وقتل من الفريقين ستون ألفا، وقيل سبعون ألفا، وغلب أصحاب علىّ رضى الله عنه على الماء، وأزالوا عنه أهل الشام. ولما خاف أهل الشام الكسرة، رفعوا المصاحف بإشارة عمرو بن العاص رضى الله عنه، ودعوا إلى الحكم بما فى كتاب الله، فأجاب علىّ رضى الله عنه إلى تحكيم الحكمين، حكما من جهة علىّ، وحكما من جهة معاوية، على أن من اتفق الحكمان على توليته الخلافة، فهو الخليفة.
واختلف على علىّ رضى الله عنه أصحابه، لإجابته إلى ذلك، وخرجت عليه الخوارج، وهم أزيد من عشرة آلاف، وقالوا: لا حكم إلا الله، وكفّروا عليا رضى الله عنه بفعله، واعتزلوه، وشقّوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السّبل، فخرج عليهم على رضى الله عنه بمن معه، ورام رجعتهم، فأبوا إلا القتال، فقاتلهم واستأصل جمهورهم، ولم ينج منهم إلا اليسير. وجملة من قتل منهم أربعة آلاف، على ما قيل. فلما كان شهر رمضان من سنة ثمان وثلاثين، اجتمع الحكمان، وهما أبو موسى الأشعرى، من جهة علىّ رضى الله عنه، فيمن معه من وجوه أصحاب على رضى الله عنه، وعمرو بن العاص، من جهة معاوية، فيمن معه من وجوه أصحاب معاوية، بدومة الجندل، وهى مسيرة عشر أيام من دمشق، وعشرة من المدينة، وعشرة أيام من الكوفة، فلم ينبرم أمر، لأن عمرا رضى الله عنه، خلا بأبى موسى فخدعه، فقال له: نخلع الرجلين ـ يعنى عليا ومعاوية ـ ونولّى من يختاره المسلمون، فأذعن لذلك أبو موسى، وقال له عمرو: تكلم قبلى، فأنت أفضل منى وأكبر سابقة. فلما خرجا إلى الناس، تكلّم أبو موسى، وخلع عليّا ومعاوية، ثم قام عمرو، فقام وقال: أما بعد، فإن أبا موسى قد خلع عليا كما سمعتم، وقد واقفته على خلع علىّ، وولّيت معاوية.
وسار الشاميون وقد بنوا فى الظاهر على هذه الصورة، وود أصحاب علىّ الكوفة،
على أن الذى فعل عمرو حيلة وخديعة لا يعبأ بها، وكانت مصر مرّة يستولى عليها أصحاب على، ومرة يستولى عليها أصحاب معاوية، وقد ندم على التخلف عن على رضى الله عنه فى حروبه، غير واحد من كبار السّلّف، كما روى من وجوه، عن حبيب بن أبى ثابت، عن ابن عمر، أنه قال: ما آسى على شيء إلا أنى لم أقاتل مع أهلى مع علىّ أهل الفئة الباغية.
قال الشّعبى: ما مات مسروق، حتى تاب إلى الله تعالى عن تخلّفه عن القتال مع على. قال ابن عبد البر: ولهذه الأخبار طرق صحاح، ذكرناها فى موضعها، قال: وكان علىّ رضى الله عنه يسير فى الفيئ سيرة أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى القسم، وإذا ورد عليه مال، لم يبق منه شيئا، إلا قسمه، ولا يترك فى بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته فى يومه. ويقول: يا دنيا غرّى غيرى. ولم يكن يستأثر من الفئ بشئ، ولا يخصّ به حميما ولا قريبا، ولا يخص بالولايات إلّا أهل الديانات.
وروى بسنده عن مجمّع التميمى، أن عليا رضى الله عنه، قسم ما فى بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به فكنس، وصلّى فيه، ورجاء أن يشهد له يوم القيامة.
روى بسنده عن عاصم بن كليب عن أبيه، قال: قدم على علىّ رضى الله عنه، مال من أصبهان، فقسمه سبعة أقسام، ووجد فيه رغيفا، فقسمه سبع كسر، وجعل على كل جزء كسرة، ثم أقرع بينهم، أيّهم يعطى أولا. وثبت عن ابنه الحسن بن على بن أبى طالب من وجوه، أنه قال: لم يترك إلا ثمانمائة درهم، أو سبعمائة درهم، فضلت من عطائه، كان يعدّها لخادم كان يشتريها لأهله. وروى عن عبد الله بن الهذيل قال: رأيت عليا رضى الله عنه، يخرج وعليه قميص غليظ، إذا مدّ كُمّ قميصه بلغ الظفر، وإذا أرسله صار إلى نصف السّاعد.
وروى عن الحسن بن [ ...... ](7) عن أبيه قال: رأيت علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه، يخرج من مسجد الكوفة، وعليه قطريتّان، متّزرا بالواحدة، متردّيا بالأخرى، وإزاره إلى نصف السّاق، وهو يطوف بالأسواق، وبيده الدّرّة، يأمرهم بتقوى الله تعالى، وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان. انتهى.
ولعلىّ رضى الله عنه فى الزهد، والتقشّف فى المعيشة، والمواعظ البليغة لعمّاله، والأجوبة النفيسة عن مشكلات المسائل، أخبار كثيرة مشهورة. ومن كلامه رضى الله
(7) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
عنه فى الزهد: الدنيا جيفة، فمن أراد منها شيئا، فليصبر على مخالطة الكلاب. انتهى.
وتوفى رضى الله عنه، وهو أفضل الأمة شهيدا مقتولا، قتله رجل من حمير، عداده فى مراد، وهو عبد الرحمن بن ملجم، أشقى الناس على ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم، كما فى سنن النسائى وغيره، وهو من الخوارج الذين قتلهم يوم النّهروان، وكان واثنان مثله من الخوارج، تعاقدوا على قتل علىّ، ومعاوية بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص، وأن لا يرجع أحد منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه. واتّعدوا لذلك ليلة معيّنة، وذهب كل منهم إلى المصر الذى فيه مراده، فرأى ابن ملجم بالكوفة امرأة من بنى عجل، يقال لها قطام، رائعة الجمال، فأعجبته ووقعت فى نفسه، فخطبها فقالت له: آليت ألا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه، فقال لها: ما هو؟ ، فقالت له: ثلاثة آلاف، وقتل علىّ، فأجابها إلى ذلك، وأخبرها بقصده له، فوعدته بمن يشدّ ظهره، وهو ابن عمها، وكلّمته فى ذلك فأجابها، وتكلّم هو مع شبيب بن بجرة الأشجعىّ فى ذلك، فوافقوه، واتفقوا على أن يكمنوا لعلىّ فى المسجد، فإذا خرج إلى الصلاة قتلوه.
فلما خرج ضربه شبيب فأخطأه، وضربه ابن ملجم على رأسه بسيف اشتراه بألف، وسقاه السّم، حتى زعموا أنه لفظه، وقيل إنه ضرب عليّا بخنجر كان معه، وقال لعلى: الحكم لله يا علىّ لا لك ولا لأصحابك، فقال علىّ رضى الله عنه: فزت وربّ الكعبة، لا يفوتكم الكلب، فشدّ الناس عليه من كل جانب وأخذوه، فأمر به فحبس وقال: إن متّ فاقتلوه ولا تمثّلوا به، وإن لم أمت، فالأمر إلىّ فى العفو والقصاص.
وروى أن عليّا رضى الله عنه، كان إذا رأى ابن ملجم قال:[من الوافر]:
أريد حياته ويريد قتلى
…
عذيرى من خليلك من مراد
أما إن هذا قاتلى، قيل له: فما يمنعك من قتله؟ فقال: إنه لم يقتلنى بعد.
ونقل عن علىّ رضى الله عنه أخبار كثيرة، تدل على أنه كان عنده علم السّنة والشّهر والليلة التى يقتل فيها، وأنه لما خرج لصلاة الصبح، صاحت الأوزّ فى وجهه، فطردن عنه، فقال: دعوهنّ فإنهنّ نوائح. انتهى.
واختلف فى قتل ابن ملجم لعلىّ رضى الله عنه، فقيل وهو فى الصلاة، وقيل قبل دخوله فيها.
واختلف على القول بأنه فتك فيه وهو يصلّى، هل استخلف علىّ من أتمّ الصلاة بالناس، أو أتمها بنفسه؟ . والأكثر على أنه استخلف جعدة بن هبيرة، فصلّى بالناس تلك الصّلاة، والله أعلم.
ومات علىّ رضى الله عنه بعد الفتك فيه بيومين، وكان الفتك به على ما ذكر ابن عبد البر: فى ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة، وقيل لإحدى عشرة ليلة، خلت، وقيل بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة.
وقال أبو الطّفيل، وزيد بن وهب، والشّعبىّ: قتل علىّ رضى الله عنه، لثمان عشرة ليلة بقيت من رمضان، وقبض فى أول ليلة من العشر الأواخر منه. انتهى بالمعنى.
وقيل إن عليا رضى الله عنه، قتل ليلة الأحد تاسع عشرى شهر رمضان سنة أربعين. وقيل إنه قتل ليلة الجمعة، سابع عشر شهر رمضان سنة أربعين، وغسّله ابناه الحسن والحسين، وابن أخيه عبد الله بن جعفر، رضى الله عنهما، وكفّن فى ثلاثة أثواب، ليس فيما قميص ولا عمامة، وحنّط رضى الله عنه على ما قيل، بحنوط فضل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان معه بوصيّة منه فى ذلك، ودفن فى السّحر، وصلى عليه ابنه الحسن رضى الله عنه.
واختلف فى موضع قبره رضى الله عنه، فقيل فى قصر الإمارة بالكوفة، وقيل فى رحبة الكوفة، وقيل فى نجف الحيرة، موضع بطريق الحيرة، وقبره رضى الله عنه مجهول.
واختلف فى مبلغ سنّه، فقيل سبع وخمسون سنة، وقيل ثمان وخمسون، وقيل ثلاث وستون، قال أبو جعفر محمد بن على الباقر، وأبو نعيم، وغيرهما: وقيل خمس وستون. وقيل ثلاث وستون، أو أربع وستون، ذكر هذه الأقوال ابن عبد البر، وصحّح القول بأن مبلغ سنه، ثلاث وستون من غير زيادة، وذكر أن خلافته أربع سنين وتسعة أشهر وستة أيام، وقيل وثلاثة، وقيل أربعة عشر يوما. انتهى.
وقيل إن خلافته خمس سنين إلا شهرا. وسئل أبو جعفر محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، عن صفة على رضى الله عنه، فقال: كان رجلا آدم شديد الأدمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن، أصلع، ربعة إلى القصر ما هو، لا يخضب.
وقال أبو إسحاق السبيعى: رأيت عليا رضى الله عنه، أبيض الرأس واللحية، وقد روى أنه ما خضب وصفّر لحيته. وقال ابن عبد البر: وأحسن ما رأيت فى صفته رضى الله عنه، أنه كان ربعة من الرجال، إلى القصر ما هو، أدعج العينين، حسن الوجه، كأنه القمر ليلة البدر حسنا، ضخم البطن، عريض المنكبين، شثن الكفين، أغيد، كأن عنقه إبريق فضة، أصلع ليس فى رأسه شعر إلا من خلفه، كبير اللّحية، ولمنكبه مشاش كمشاش السّبع الضارى، لا يبين عضده من ساعده، قد أدمجت إدماجا، إذا مشى
تكفّأ، وإن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطيع أن يتنفّس، وهو إلى السّمن ما هو، شديد السّاعد واليد، إذا مشى إلى الحرب هرول، ثبت الجنان، قويا شجاعا، منصورا على من لاقاه. انتهى.
وذكر خبرا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ذكر فيه أن عليّا رضى الله عنه، كان كثير الدّعابة، وأنه زوى عنه الخلافة لذلك.
وقال غيره: كان أبيض اللون، أصلع، ربعة، أبيض الرأس واللّحية، وربما خضب لحيته، وكانت كثّة طويلة، حسن الوجه، ضحوك السّنّ. انتهى.
وقد أكثر الناس فى قتل علىّ رضى الله عنه من المراثى، فممّا قيل فى ذلك، قول بكر بن حماد [من البسيط]:
قل لابن ملجم والأقدار غالبة
…
هدمت ويلك للإسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشى على قدم
…
وأول الناس إسلاما وإيمانا
وأعلم الناس بالقرآن ثم بما
…
سن الرسول لنا شرعا وتبيانا
صهر النبى ومولاه وناصره
…
أضحت مناقبه نورا وبرهانا
وكان منه على رغم الحسود له
…
ما كان هارون من موسى بن عمرانا
وثناء السلف على على رضى الله عنه لا يحصى كثرة، وذلك ما رويناه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، قال: قال عمر رضى الله عنه لأهل الشورى: إن ولّوها الأصيلع، كيف يحملهم على الحقّ! ولو كان السيف على عنقه؟ فقلت: أتعلم ذلك منه ولا تولّيه؟ فقال: إن لم أستخلف وأتركهم، فقد تركهم من هو خير منىّ.
وروينا عن ابن عبّاس رضى الله عنهما، أن عمر رضى الله عنه، ذكر له أمر الخلافة بعده، فقال له عمر رضى الله عنه: إنى أراك تقول: إنّ صاحبك أولى الناس بها ـ يعنى عليّا ـ فقال له ابن العباس: أجل والله، إنى لأقول ذلك فى سابقته وعلمه وقرابته من رسول اللهصلى الله عليه وسلم وصهره، فقال له عمر رضى الله عنه: إنه كما ذكرت، ولكنه كثير الدّعابة. انتهى بالمعنى.
وسئل عنه ابن عباس رضى الله عنهما فقال: كان قد ملئ جوفه حكما وعلما، وبأسا ونجدة، مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يظن أنه لا يمدّ يده إلى شيء إلا ناله، فما مد يده لشيء فناله. انتهى.