الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحافظ ابن عساكر: وكان صحيح الاعتقاد، حسن السّمت، سخىّ النفس، زاهدا فى الدنيا، وجعلت له دار طرخان مدرسة، ودرّس بها وبمسجد خاتون ووقفت عليه الأوقاف، وكثر عليه الفتوح، فما التفت إليها.
وقد كان تزوّج بنت القاضى الشريف أبى الفضل إسماعيل بن إبراهيم، فادعى أخوها عدم الكفاءة، فانتسب البلخىّ إلى جعفر بن أبى طالب، وثبت نسبه، وعرف الناس صحته، وما كان ذنب البلخى عند ابن منير الشاعر، إلا أنه غيّر الأذان فى حلب، وأزال منه «حىّ على خير العمل» .
وقال ابن عساكر: ثم عاد إلى دمشق فى أول مملكة نور الدين محمود بن زنكى، بعد خروج أبق منها. وتوفى بها فى شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ودفن بالباب الصغير.
وقال صاحب المرآة: وقول ابن عساكر: عاد إلى دمشق فى أول مملكة نور الدين محمود بن زنكى، فيه نظر، لأنه قال: توفّى البرهان فى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ونور الدين إنما ملك دمشق سنة تسع وأربعين.
2125 ـ علىّ بن محمد المصرىّ:
واقف الرباط المعروف برباط غزّىّ، بغين معجمة وزاى مشددة وياء النسبة، لأن على بابه حجرا مكتوب فيه: إنه وقفه على الفقراء والمساكين الرجال المجرّدين، أىّ جنس كان من المسلمين، سنة اثنتين وأربعين وستمائة.
2126 ـ على بن محمد الحنديدىّ، ويقال الحندودىّ، موفق الدين، ويقال نور الدين:
شاعر مجيد مشهور، من بلاد اليمن فيما أحسب، سكن مكة، ومدح جماعة من أمرائها وغيرهم. وتوفى بمكة فى يوم الأحد الخامس عشر من شهر ربيع الأول، سنة سبع وسبعمائة، ودفن بالمعلاة. ومن حجر قبره نقلت تاريخ وفاته، ولقب فيه بنور الدين، وعرف بالحندودى، وقد تقدّم شيء من شعره فى ترجمة أبى نمىّ صاحب مكة، وولديه: حميضة ورميثة. ومن شعره يتغزّل [من الوافر]:
إلى علم الّلوى شدّوا الرّحالا
…
وفوق جمالهم حملوا الجمالا
وولّوا سائرين إلى إلال
…
على الأنضاء يا نائى ألا لا
وبين هوادج الغادين بدر
…
تقلّد فوق لبّته هلالا
ترنّح فى غلائله قضيبا
…
تشيّع فى مآزره ومالا
تبسّم عنبرا وافترّ درّا
…
وراح غزالة ورنا غزالا
وهزّ من القوام علىّ رمحا
…
وسدّد من لواحظه نبالا
جعلت هواه دنياى ودينى
…
رشادا كان ذلك أم ضلالا
ومنها:
وكيف أصون دمع جفون عينى
…
وقد أمسى ببينهم مدالا
وكيف من الهوى يخلو فؤادى
…
وقد أبصرت خلخالا وخالا
وله أيضا رحمه الله [من الكامل]:
بفتور حور عيونهم فتنوكا
…
وبنافذات سهامهم رشقوكا
أما نهاتك عن أميم فلو بدت
…
لهم محاسن وجهها أمروكا
عذلوك إذ سمعوا بكاك ولو دروا
…
ما أنت فيه من الأسى عذروكا
سألوك أن تسلو ولو ذاقوا الّذى
…
قد ذقت ما سألوك ما سألوكا
قالوا كلفت بحب أهل طويلع
…
وحفظت عهدهم وهم غدروكا
خانوا وفيت وأخلفوا فحفظتهم
…
يوم النوى وذكرتهم فنسوكا
إن أو عدوك بهجرهم صدقوا وإن
…
وعدوا ولو بخيالهم كذبوكا
ملّوك حين رأوك واعدت الصّبا
…
ولو استدام صباك ما ملوكا
صرموا وما وصلوا ولو علموا الّذى
…
بك من علاقات الهوى رحموكا
فارق هواك إذا أتاك ولا ترى
…
من لا يراك ولو يكون أبوكا
وله أيضا:
دعها فلا تسمع زجر زاجر
…
وما لها عن حاجر من حاجر
وخلّها وخلّنى فكلّنا
…
بلا عقول وبلا خواطر
إن كنت لا تعلم عنها فأنا
…
أعلم ما تخفى من السرائر
لأنّ بى من ظاهر وباطن
…
كما بها من باطن وظاهر
أغذّك عيسى وكأن تحتها
…
من قلق الشّوق شفار جازر
هذا ولا تدرى فكيف لو درت
…
عن خبر الماطر أو فى الماطر
محدّثى عن رامة وحاجر
…
زد من حديث رامة وحاجر
فأىّ ظلّ غير ظلّ المنحنى
…
وأىّ شعب غير شعب عامر
وله [من الرجز]:
نمّ لسرّ الكلف المتيّم
…
صبيب دمع بدم منسجم
فإن رأت عيناك عين الحرم
…
سل عند مىّ الوجنتين عن دمى
واستفت معسول اللّما عن ألمى
…
كم عبرة يوم النّوى أفضتها
ودمعة من مقلتىّ أسلتها
…
وزفرة من أضلعى أشعلتها
من ناشدى عن كبد أضللتها
…
بالعصب ما بين الصفا وزمزم
أيدى النّوى جارت علينا وعدت
…
وأنجزت فى حيننا ما وعدت
والعيس فى الحىّ سرت بى وغدت
…
ما زمزم الحادى بهم إلا حدت
أكبادنا زمزمة المزمزم
…
آل إلال ما عرفت فنّهم
ظنّوا فما أخلف قلبى ظنّهم
…
كم قلت لمّا أن رأيت ظعنهم
لا سلّم الله الحداة إنهم
…
ساروا بسلمى عن لوى ذى سلم
كيف النوى لآية الصّبا محا
…
وغيم جفنى مذ أدرّ ما صحا
وبرّحت بى للغريق البرحا
…
أخالع البرق عن شمس الضّحى
طالعة من ليل شعر أفحم
…
أبرا من السلوان قلبى وبرا
سويحر اللّحظ بلبىّ سحرا
…
طاف به إذ طاف أكباد الورى
أحرم بالحجّ فحرّمنى الكرى
…
وطيبه أجفان كلّ مغرم
كحيل طرف ما رنا إلّا رمى
…
بأسهم تقضى بإهراق الدّما
ناديته فى حين لبّا محرما
…
يا قاتلى فى حرم الله أما
تخاف إهراق دمى فى الحرم
…
لم أقض من آل إلال وطرا
فهات خبّر عنهم بما جرى
…
فكم لهم كفكفت دمعى فجرى
عرّف دمعى عرفات فترى
…
غير ادمعى على البنان العندم
قطّع قلبى من عرى العلائق
…
بالأبرقين سائق الأيانق
فلا تكن بى عنهم بعائق
…
ففى منى منية كلّ عاشق
والخيف فيه خوف كلّ مغرم
…
جرح فؤادى لا يزال داميا
وداء قلبى لم يجد مداويا
…
وما له إلا الشّفاء شافيا
وللجمار كم رأينا راميا
…
من العيون البابليّات رمى
ما حجّر النوم عن المحاجر
…
إلّا فراقى لحلول حاجر
والله مالى عنهم من حاجر
…
واندمى فارقت شعب عامر
وعامر قدمى واندمى
…
ما الحب إلا منحة ومحنة
وفرحة طورا وطورا ترحة
…
وأهل ودى باللقا أشحة
وغادة أسلم جفنى صحة
…
من جفنها ممزوجة بالسّقم
ممكورة عنها فؤادى ما نوى
…
صدّا ولا أمسى عميدا للجوى
إنى وقيس فى الصّبابات سوا
…
لا تسألن عنى وعنه فالهوى
أعظم شجونى وأدقّ أعظمى
…
قولك عندى فى هواهم لم يصح
فخلّ عنك العذل فيهم واطّرح
…
أرح عن قلبى المعنّى واسترح
لو سلمت أكبادنا لم تفتضح
…
من الهوى وإنها لم تسلم
وكان الحنديدىّ المذكور، هجا الأشراف أصحاب المخلاف السّليمانى (1)، فكتب إليه الأديب أبو عامر منصور بن عيسى بن سيحان، بقصيدة يعاتبه على ذلك، ويعظم عليه وينهاه، وهى على روى قصيدته التى هجاهم بها، يقول فيها [من الوافر]:
[و](2) قل لى يا علىّ بأى وجه
…
جعلت قناع حرمتهم مذالا
تلقّب بعضهم فيها حميرا
…
وتجعل بعضهم فيها بغالا
2126 ـ (1) كانت الأقاليم فى اليمن مقسمة إلى مخاليف منها المخلاف اليمانى، وكان أحد المخاليف اليمنية، وهو منسوب إلى أحد ولاته فى القرن الرابع الهجرى؛ سليمان بن مطرف. وهذا المخلاف هو المقاطعة المعروفة بمقاطعة جيزان، ويقع فى حدود المملكة العربية السعودية. من هامش ط.
(2)
زيادة اقتضاها الوزن ولا تغير من المعنى.