الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1702 ـ عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر المرسى الرقوطى:
نسبه إلى رقوطة، وهى حصن منيع بقرب مرسية، يلقب بالقطب، ويعرف بابن سبعين الصوفى.
ذكر أبو حيان، نقلا عن القطب القسطلانى، أنه اشتغل بمرسية فى مبدأ أمره بعلوم الأوائل، من المنطق، والإلهى، والطبيعى، والرياضى، الذى مجموع الحكمة عليه، التى تدعى الفلسفة، ونظر فى شيء من أصول الدين، على طريقة الأشعرية المتقدمين، ومهر فيما ظهر به من المعتقد، وأظهر أن ما قال به هو عين التحقيق، وأنه فوق التصوف رتبة.
وكان علم الفلسفة قد غلب عليه، فأراد أن يظهره متسترا فى ستر وخفاء، وغير مصطلح الفلاسفة فى بعض ألفاظه، حتى لا تنفر النفس عن مقاله، كما عبر عن العقول بالسفر. وقد ادعى الترقى عن الفلسفة والتصوف، بما انتحاه من دعوى الإحاطة والتحقيق.
وصنف كتبا مشتملة على شرح ما ادعاه، منتظمة فى سلك الوحدة، وأكبرها كتاب «فكر العارف» وسماه «النور اللامع فى الكتاب السابع» وله مختصرات، منها: الرضوانية، والفقيرية، والإحاطة، وهى عنده الغاية القصوى، فيما قرره من هذا المذهب، وقسم الطوائف فى «البد» إلى فقهاء وأشعرية، يعنى يذكر المتكلمين، وفلاسفة، وصوفية، ومحققين، ثم جعل غير المحققين: أصم، لم يسمع الهداية، ثم قسم الصم، إلى صم سعداء، وهم الصوفية وباقى الأنام، وصم أشقياء، وهم الجهال الكافرون الجاهلون بالله أو بنعم الله. واصطلح مع نفسه فى مصنفاته، بمصطلحات توهم السامع أن وراءها علوما تسمو الهمم إلى الاطلاع عليها.
وقال فى «الإحاطة» : فدع عنك هذا البحث عن النفس الكلية والجزئية، أو عن العقلى الكلى والعقل الفعال، والعقل الثوانى والذوات المختلف فيها بين المشائين وغيرهم، وأرباب الشرائع، والروح الكلى على مذهب الصوفية، والمثل المعلقة، والمراتب المتوجه إليها على رأى بعض أهل الحق، وهى كالأنموذج أو كالهيولى بوجه ما عند الضعفاء وهى الكل عند القوى المدركة.
1702 ـ انظر ترجمته فى: (جلاء العينين 51، فوات الوافيات 1/ 247، نفح الطيب 1/ 421، شذرات الذهب 329، النجوم الزاهرة 7/ 323، البداية والنهاية 13/ 261، دائرة المعارف الإسلامية 1/ 188، دار الكتب 1/ 244، الأعلام 3/ 280).
فمن وقف على هذا الكلام، أوقع عنده التطلع للعلم بما عدد من الأنواع. ومراده بذلك أنه قد اطلع على ما ذكر وأحاط به علما، وأنه قد ترقى عن ذلك إلى جعل القضايا المذكورة قضية واحدة، وأنها غير تلك الموجودات، وكلها فيها مندرجة، وهى به محيطة، فهى الكل عند من فى إدراكه قوة، وأنها أسماء اختلفت لمسميات متحدة. وقد اشتهرت مقالته تلك بين أتباعه، وتفرقوا فى بلدان شتى، يبثون هذه المقالة، وتابعهم عليها جمع شاركوهم فى أفعالهم الظاهرة، وما أطلعوهم على عقائدهم الباطنة، وعمت المفسدة، بهم فى الأقاليم، بما ألقوه فى العقول من هذا المعتقد.
ولابن سبعين فى كتاب الإحاطة [من البسيط]:
من كان يبصر شأن الله فى الصور
…
فإنه شاخص فى أنقص الصور
بل شأنه كونه بل كونه كنهه
…
فإنه جملة من بعضها وطرى
إيه فأبصرنى إيه فأبصره
…
فلم قلت إن النفع فى الضرر
قال أبو حيان: انتهى كلام الشيخ قطب الدين القسطلانى.
ثم قال أبو حيان: ومازال ابن سبعين مشردا فى البلاد، ينفى من بلد إلى بلد، وأصحابه مذمومون مبغوضون. ثم قال بعد أن ذكر شيئا من خبرهم: وهؤلاء كلهم جهال أتباع جاهل.
حكى عن شيخهم ابن سبعين، مقالات تدل على كفره، منها لقد زرب بن آمنة على نفسه، قال: لا نبى بعدى.
وما زال تلفظه البلاد، حتى استقر بمكة عند واليها أبى نمى، وتقدم عنده، وكان قد جرح جرحا شديدا، فعالجه ابن سبعين حتى برئ.
وقد سمعت قاضى القضاة تقى الدين بن دقيق العيد يقول: رأيت ابن سبعين بمكة، وهو يتكلم للناس بكلام ألفاظه معقولة المعنى، وحين تركبها لا تفهم لها معنى، ونحوا من هذا سمعت قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة يقول ـ وقد حضر مجلسه ـ: ولا شك أن الذى ظهر به ابن سبعين، هو مسروق من عقيدة ابن المرأة، وابن أحلى وأتباعه، إذ كانوا كلهم اشتغلوا بمرسية.
ولنذكر شيئا من حال هذين الرجلين، ليفهم منه انحلالهم وانحلال ابن سبعين من الشريعة.
فأما ابن أحلى: فهو على ما وجدت بخط أبى حيان، نقلا عن الأستاذ أبى جعفر بن الزبير: أبو عبد الله محمد بن علىّ بن أحلى اللورقى، كان لزم بمرسية ابن المرأة، وهو أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن محمد بن دهاق الأوسى المالقى، شارح «الإرشاد لإمام الحرمين» ونقل عنه مذهب ابتداع لم يسبق إليه.
فمن ذلك قولهم بتحليل الخمر، وتحليل نكاح أكثر من أربع، وأن المكلف إذا بلغ درجة العلماء عندهم، سقطت عنه التكاليف الشرعية، من الصلاة والصيام وغير ذلك. انتهى.
وقد استبان بهذا شيء من حال ابن أحلى، وابن المرأة؛ لأنه أخذ عنه. وزاد ابن المرأة، بأنه كان ـ على ما ذكر أبو جعفر بن الزبير ـ صاحب حيل وتواريخ مستطرفة، يلهى بها أصحابه ويؤنسهم، وكان يستطيع أشياء غريبة من الخواص وغيرها، وبذلك فتن الجهلة. انتهى.
قلت: ووقع لابن سبعين أشياء، منها على ما بلغنى: أنه خرج بأبى نمى صاحب مكة فى بعض الليالى، إلى بعض الأودية ظاهر مكة، فأراه خيلا ورجلا ملأت الوادى، فهال ذلك أبا نمى، وعظم ابن سبعين فى عينه.
ومنها على ما بلغنى: أنه كان يأخذ الورق ويقصه على صفة الدراهم المسعودية، ويشترى بها حوائجه وتمشى على الباعة.
وبلغنى أنه اشترى بشيء من ذلك، شاة من بعض الأعراب، وهو متوجه فى جماعة من أصحابه إلى جبل حراء، فذهب البائع ليقضى بذلك بعض ضروراته، فوجده ورقا، فعاد إليه مطالبا بالثمن، فأشار له الحاضرون إلى أن ابن سبعين هو الذى اشترى منه، وأمروه بمطالبته وإيقاظه، وكان مستلقيا نائما على قفاه، فجذب البائع بعض أعضائه، فخرج العضو وصار فى يد البائع، فاستهال مما رأى وهرب، وذهب بخفى حنين.
وذكر الذهبى، ابن سبعين فى تاريخ الإسلام له، فقال: كان صوفيا على قاعدة زهاد الفلاسفة وتصوفهم، وله كلام فى العرفان على طريق الاتحاد والزندقة، نسأل الله السلامة فى الدين. وقد ذكرنا محط هؤلاء الجنس، فى ترجمة ابن الفارض وابن العربى وغيرهما. فيا حسرة على العباد، كيف لا يغضبون لله تعالى، ولا يقومون فى الذبّ عن معبودهم، تبارك اسمه وتقدست ذاته، عن أن يمتزج بخلقه أو يحل فيهم، وتعالى الله عن أن يكون هو عين السموات والأرض وما بينهما، فإن هذا الكلام شر من مقالة من قال
بقدم العالم، ومن عرف هؤلاء الباطنية عذرنى، أو هو زنديق يبطن الاتحاد، يذب عن الاتحادية والحلولية، ومن لم يعرفهم، فالله يثيبه على حسن قصده، وينبغى للمرء أن يكون غضبه لربه إذا انتهكت حرماته، أعظم من غضبه لفقير غير معصوم من الزلل، فكيف بفقير يحتمل أن يكون فى الباطن كافرا، مع أنا لا نشهد على أعيان هؤلاء بإيمان ولا كفر، لجواز توبتهم قبل الموت، وأمرهم مشكل، وحسابهم على الله تعالى.
وأما مقالاتهم، فإنها شر من الشرك، فيا أخى وحبيبى، أعط القوس باريها، ودعنى ومعرفتى بذلك، فإنى أخاف أن يعذبنى الله على سكوتى، كما أخاف أن يعذبنى على الكلام فى أوليائه. وأنا لو قلت لرجل مسلم: يا كافر، لقد بؤت بالكفر. فكيف لو قلته لرجل صالح، أو ولى لله تعالى؟ .
ثم قال الذهبى بعد كلام كثير: وإن فتحنا باب الاعتذار عن المقالات، وسلكنا طريق التأويلات المسحيلات، لم يبق فى العالم كفر ولا ضلال، وبطلت كتب الملل والنحل واختلاف الفرق.
ثم قال الذهبى: وذكر شيخنا قاضى القضاة تقى الدين بن دقيق العيد، قال: جلست مع ابن سبعين من صحوة إلى قريب الظهر، وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تعقل مركباته.
قال الذهبى: قلت: اشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله: «لا نبى بعدى» . وجاء من وجه آخر عنه أنه قال: لقد زرب ابن آمنة على نفسه حيث قال: «لا نبى بعد» . قال: فإن كان ابن سبعين قال هذا، فقد خرج به من الإسلام، مع أن هذا الكلام فى الكفر، دون قوله فى رب العالمين: إنه حقيقة الموجودات، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقال الشيخ صفى الدين الأرموى الهندى: حججت فى حدود سنة ست وستينوستمائة، وبحثت مع ابن سبعين فى الفلسفة، وقال لى: لا ينبغى لك الإقامة بمكة. فقلت: كيف تقيم أنت بها؟ قال: انحصرت القسمة فى قعودى بها، فإن الملك الظاهر يطلبنى، بسبب انتمائى إلى أشراف مكة، واليمن صاحبها له فىّ عقيدة، ولكن وزيره حشوى يكرهنى.
وقال الذهبى: حدثنى فقير صالح، أنه صحب فقيرا من السبعينية، وكانوا يهونون له ترك الصلاة، وغير ذلك. انتهى.
وذكر ابن كثير، ابن سبعين فى تاريخه، وذكر فى ترجمته، أنه أقام بجبل حراء بمكة مدة ينتظر الوحى. انتهى. ولقد لقى ابن سبعين فى الدنيا عذابا، وعذابه فى الآخرة مضاعف، فمما لقى فى الدنيا ـ على ما ذكر بعض المغاربة ـ: أنه قصد زيارة النبى صلى الله عليه وسلم، فلما وصل إلى باب المسجد النبوى، اهراق دما كثيرا، كدماء الحيض، فذهب وغسله، ثم عاد ليدخل، فاهراق الدم كذلك، وصار دأبه ذلك، حتى امتنع من زيارتهصلى الله عليه وسلم.
ومنها على ما قال الذهبى: أنه سمع أن ابن سبعين فصد نفسه، وترك الدم يخرج حتى تصفى ومات. والله أعلم.
ووجدت بخط أبى العباس الميورقى: وسمعت أن ابن سبعين مات مسموما. ولد له ولد، توفى فى حياته، سنة ست وستين، على ما وجدت بخط الميورقى.
ووجدت بخطه أن الظاهر صاحب مصر، كان سجنه للكلمة المنقولة عن أبيه؛ وأن الظاهر لما حج فى سنة سبع وستين، طلب أباه غاية الطلب، فاختفى.
ووجدت بخط الميورقى، نقلا عن بعض تلامذة ابن سبعين: أن ابن سبعين قدم من المغرب، طالبا الحجاز سنة ثمان وأربعين وستمائة، والتحم الشنآن بينه وبين علماء مكة، سنة سبع وستين وستمائة، وأن أصحابه بغضوه إلى الفضلاء، لتغاليهم فيه، مع حمقهم فى أنفسهم، وأنه ليس بقرشى كما زعموا.
ونقل الميورقى عن بعضهم: أنه حضرمى، وأنه ولى الوزارة، وأن أباه ولى أمر الأشراف بمراكش وأشبيلية، وأن أخاه ولى أمر الأشراف بمرسية.
ووجدت بخط الميورقى: أنه توفى آخر شوال سنة تسع وستين وستمائة، وعمره نحو خمس وخمسين سنة.
ووجدت بخط غيره: أنه توفى فى ثامن عشرى شوال، وأن مولده سنة أربع عشرة وستمائة، وكانت وفاته بمكة، بعد أن جاور بها سنين كثيرة، ودفن بالمعلاة.
وكان قبره معروفا بالمعلاة، وكان عليه حجر قلعه جدى الشريف على الفاسى، مع جماعة من أصحابه، لانكباب جهال الغرباء على زيارته، فلذلك صار قبره الآن خافيا. وهو فيما بلغنى بالقرب من قبر أبى الحسن الشولى.
ووجدت بخط الميورقى: قال لى رضى الدين بن خليل: قدمت للصلاة عليه، فقيل لى: تصلى على ابن سبعين، وقد طعنا فيه؟ قال: فقلت: أصلّى عليه اعتمادا على ظاهره. انتهى.