الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن أحمد النّقور، وجماعة غيرهم، وحصّل بها كثيرا، وكان شديد العناية والاجتهاد فى السماع والكتابة، وحدّث بمصر، ومنية ابن خصيب من صعيد مصر الأعلى، ودرس بها، وبها توفى فى الرابع والعشرين من رجب سنة تسع وتسعين وخمسمائة.
والمحمودى: نسبة إلى بنى محمود من كومة العنبروس [ ............. ](1).
كتبت هذه الترجمة ملخصة من التكملة للمنذرى، وذكر أنه حدّث عنه، وترجمه بالفقيه الإمام.
2061 ـ على بن داود بن يوسف بن عمر بن على بن رسول، السلطان الملك المجاهد بن الملك المؤيد بن الملك المظفر بن الملك المنصور:
صاحب اليمن والمدرسة التى بمكة، ذكرناه فى هذا الكتاب، لكونه من أصحاب المآثر بمكة، لأن له بها مدرسة حسنة، مشرفة على المسجد الحرام بالجانب اليمانى منه، وقفها على الشافعية، وأرباب وظائف بها، وذلك فى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة.
وفى ترجمته من تاريخ الخزرجىّ فى كتابه المسمى «بالعقود اللؤلؤية فى أخبار الدولة الرسولية» أن المجاهد أمر بعمارة مدرسته بمكة فى سنة أربعين، وهذا وهم قطعا.
ومن أفعاله الجميلة بمكة: عمارته لمولد النبى صلى الله عليه وسلم، بسوق الليل فى سنة أربعين وسبعمائة، وتحليته لباطن الكعبة.
وصح لى عن بعض فقهاء مكة، أنه رأى اسم الملك المجاهد، مكتوبا بأحرف غليظة الحروف، فى حلية من الفضة فى جوف الكعبة مما يلى بابها الشرقى، وأدركنا هذه الحلية وليس فيها اسم المجاهد.
وله مآثر باليمن يأتى ذكرها، وسيرة طويلة، ونشير إلى ما يحصل به المقصود من ذلك على وجه الاختصار.
بويع الملك المجاهد بعد موت أبيه بالسّلطنة، فى ذى الحجة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وله من العمر نحو خمس عشرة سنة، فاستناب الأمير شجاع الدين عمر بن يوسف بن منصور، وجعله أتابك العسكر.
(1) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.
2061 ـ انظر ترجمته فى: (العقود اللؤلؤية 2/ 2، 83، الدرر الكامنة 3/ 49، البدر الطالع 1/ 444، ابن خلدون 5/ 513، البداية والنهاية 14/ 237، 240، الأعلام 4/ 286 ـ 287).
وكان شادّ الدواوين فى دولة أبيه، وعزل من النيابة الأمير جمال الدين يوسف بن يعقوب. وفى أثناء ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين، توجه المجاهد إلى حصن الدّملوة، ولبث بها أياما، وافتقد الخزائن، ونزل منها ولم يحسن لأحد بشئ، على جارى عادة الملوك، وأتى ثعبات، وأقام بها، وأنفس العسكر عليه متغيرة، فسعوا فى إقامة عمه الملك المنصور أيوب بن المظفر فى السلطنة عوضه، ولما تم للسّاعين فى ذلك قصدهم، اجتمع المماليك بالأمراء الكبار ومضوا لدار الشجاع عمر بن يوسف بن منصور المحارب بتعز، فقتلوه وقتلوا من كان حاضرا عنده وخرجوا من فورهم إلى ثعبات، فقبضوا المجاهد، وعادوا إلى المنصور أيوب فى آخر ليلتهم، والمجاهد معهم أسير، ولبث عند المنصور ثلاثة أيام، والمنصور يستحلف العسكر على الطاعة له والوفاء، فحلفوا له أيمانا مغلّظة.
وفى اليوم الرابع طلع المنصور فى أبّهة السلطنة إلى حصن تعزّ، ومعه المجاهد محتفظا به، وأودع دار الإمارة مكرّما، ، واستوسق الأمر للمنصور، وكانت سلطنته فى جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وصرف فى مدة سلطنته من المال، نحو سبعمائة ألف دينار، غير المركوب والملبوس، وكانت سلطنته ثمانين يوما، وقيل نحو تسعين يوما، وزالت سلطنته فى سادس رمضان، سنة اثنتين وعشرين، وسبب زوالها، أن والدة المجاهد فيما قيل، بعثت بعض غلمان لها إلى العربيين، واتفقت مع جماعة منهم، وعاملوا شخصا على طلوع الحصن من قفاه، بمباطنة جماعة من عبيد الشّر بخاناه الذين بالحصن.
فلما حضروا إلى الحصن أدليت إليهم الحبال، وأطلعوا واحدا بعد واحد، وعددهم أربعون رجلا، وبعد استقرارهم بالحصن أرادوا الثورة، فنهاهم عن ذلك عبيد الشّربخاناه، وقالوا لهم: لا تحدثوا حدثا حتى نقول لكم، فلما نزل الخادم وقت الصباح بمفاتيح الحصن، وعلم بذلك عبيد الشربخاناه، أشاروا إلى الذين أطلعوهم بالقيام، فحضروا إلى الخادم وقتلوه وأخذوا المفاتيح منه، وما شعر بهم المنصور، إلا وهم معه فى موضع مبيته، فأخذوه أسيرا، ومضوا به إلى موضع ابن أخيه المجاهد، فسلموه إليه، وصاحوا بشعار المجاهد، فارتاع الناس لذلك، وحصل بين والى الحصن والرتبة معه، وبين الذين ثاروا بالحصن، قتال شديد، فقتل الوالى، واجتمع إلى الحصن أصحاب المنصور، فلم يجدوا إليه طريقا لإغلاقه دونهم، ولما رآهم المجاهد، أمر مناديا فصاح بإباحة بيوت المنصورية، فافترقوا إلى بيوتهم خوفا عليها، وتعدّى النهب لنساء الملوك، ثم أمر المجاهد بالإعراض عن النهب، وقبض على الناصر محمد بن الأشرف وأبيه، وغيرهم من الملوك، وكان المماليك البحرية والأمراء، قد أطمعوا الناصر بالملك. لما علموا بالنداء فى الحصن
بشعار المجاهد، وأمر المجاهد عمّه المنصور، أن يكتب إلى ابنه الظاهر عبد الله، وكان بالدّملوة، يأمره بتسليمها للمجاهد، فامتنع من ذلك، فبعث إليه المجاهد عسكرا، فأحسن الظاهر إلى بعض مقدّميهم فرحل، وتلاه الباقون، وأعرضوا عما فى المحطّة، وكان شيئا كثيرا، وكانت المحطة بالمنصورة، ودام الحرب والحصار بين الفريقين نحو شهرين.
وفى سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، مات المنصور والد الظاهر، وبعث الظاهر حسن ابن الأسد فى عسكر ومال جزيل إلى الجند، فاستولوا عليها، ومال إليهم بعض من كان فيها من قبل المجاهد من المماليك البحرية، وحلفوا للظاهر، وكان أخذهم للجند فى ثالث عشرى ربيع الأول، وأتى هذا العسكر إلى تعزّ وحطّوا على الحصن، وأتاهم من صوب الدّملوة الغياث بن الشيبانى فى عسكر أنفذه الظاهر، فحطّ معهم على حصن تعز، ثم رحلوا بعد سبعة أيام، وقتل من أصحاب الظاهر، أزيد من مائة نفر، ولم يقتل من أهل تعز، إلا اثنا عشر رجلا، ومضى جماعة من المماليك إلى الظاهر، فأحسن إليهم وطيّب خواطرهم، ولم يسهل ذلك بالمجاهد، وقطع الجامكيّة عن المماليك، فتعبوا لذلك، وجاهروا المجاهد بالقبيح والأذى، فأمر صائحا بإباحة قتل المماليك وأسرهم ونهبهم، فقتل منهم ستة عشر نفرا، ومضوا إلى زبيد، فدخلوها بإعانة متولّيها محمد بن طريطان، وكان من أعيان المماليك، وبإعانة بعض أهل زبيد، وملكوها للظاهر، وكان استيلاؤهم على زبيد فى غرة سنة ثلاث وعشرين. ولما علم بذلك المجاهد، بعث إليهم عسكرا مقدمهم نجم الدين أزدمر، وكانوا خمسمائة فارس وستمائة راجل، فخيموا بحائط المنصورة، بين القرتب وزبيد، فخرج إليهم من زبيد المماليك فى حال غفلة من أصحاب المجاهد وافتراق، فقتل المماليك معظم عسكر المجاهد، وأسروا مقدمهم، وذلك فى ثامن رجب سنة ثلاث وعشرين.
وفى آخر شعبان منها، خطب للظاهر بعدن، والذى أخذها له، عمر بن الدّوادار بإعانة بعض المرتّبين من يافع، وقبض على نائبها للمجاهد، وأنفذه إلى الظاهر، وأرسل الظاهر إلى عدن، من أتاه منها بخزانة جيّدة، فى الحادى والعشرين من شهر ربيع الأول سنة أربع وعشرين، وقدم إلى تعزّ، عمر بن باليل الدوادار العلمى بعد نهبه للجند، فحطّ فى الجبيل موضع المدرسة المجاهدية والأفضلية، وأمر بإحضار المنجنيق من عدن، فأحضر بعضه فى البحر إلى موزع، وبعضه فى البر على أعناق الرجال، وركّب ورمى به إلى الحصن، فما أثّر شيئا، واستدعوا من الظاهر منجنيقا آخر، فأنفذه إليهم من الدّملوة.
وممن وصل معه الغياث بن بوز، وكان قبل ذلك من أصحاب المجاهد، وكان يرمى
الحصن كل يوم بأربعين حجرا، وكان المجاهد ينتقل إلى عدة مواضع فى يومه وليلته، وكاد المجاهد يهلك بحجر المنجنيق فى بعض الأيام، لولا ما قيل من أن جنّيا خرج إليه من جدار فى الحصن، فنقل المجاهد من موضع جلوسه إلى موضع آخر، وبإثر نقله له، سقط الحجر فى الموضع الذى كان فيه المجاهد فأتلفه.
ويقال إن هذا الجنّىّ أخ للمجاهد من جارية كانت لأبيه، وأنه اختطف من بطن أمه، ووعده هذا الجنّىّ بالنصر فى يوم ذكره له. ولما كان ذلك اليوم، جمع المجاهد أصحابه وقاتلوا، فظهر أصحاب المجاهد على قلّتهم، وكثرة عدوّهم. فلما كانت ليلة العشرين من ذى الحجة سنة أربع وعشرين، ارتفع أصحاب الظاهر عن محاطّهم على حصن تعزّ، ومضى ابن الداوادار للحج، ومضى بعض المماليك الذين كانوا معه إلى صوب زبيد.
وسبب ذلك، أن طائفة من المماليك الذين كانوا محاصرين للمجاهد، انصرفوا قبل ذلك إلى صوب تهامة، نصرة لبعض الأشراف، ثم حصل حرب بين المماليك هؤلاء، وأشراف أتى بهم الزعيم، وكان من خواصّ المجاهد، لينصروه بمكان يقال له جاحف، استظهر فيه الأشراف على المماليك، ولمّا علم بذلك المماليك الذين كانوا مع ابن الدّوادار، لم يستقرّ لهم قرار، فرحلوا نحو أصحابهم.
وفى يوم الجمعة الرابع عشر من ربيع الأول سنة خمس وعشرين وسبعمائة، خطب بزبيد للمجاهد، بإشارة عوّارين زبيد، وتهدّد بعض شياطينهم الخطيب بالقتل إن لم يفعل، فلم يتخلف، ولم يخطب بعد ذلك للظاهر على منبر من منابر تهامة. وسبب ذلك، أن المماليك الذين انصرفوا من المحطة بتعز، فى ليلة العشرين من ذى الحجة من السنة الماضية، لما دخلوا زبيد، سألوا القصرىّ، وهو من كبار المماليك الذين بها، أن يخرج عنها، وأن يكون الأمر بها لناس من المماليك سمّوهم له، ونسبوا ذلك للظاهر، ورأى منهم ما رأى، فخادعهم وبذل للعوّارين أربعة آلاف دينار على نصرته، والقبض على من عانده، فقصدوا دور القائمين عليه ونهبوها، وأتوه يطلبون منه ما وعدهم به، فامتنع، فرموه بالحجارة، وتسوّروا عليه داره فهرب، وأخذوا من منزله مالا جزيلا، وأتوا إلى الخطيب، فأمروه بالخطبة للمجاهد، ففعل كما ذكرنا، وقصد المماليك بعد خروجهم من زبيد، الناصر محمد بن الأشرف بالسّلامة، وأطمعوه بالملك، فسار معهم إلى زبيد، فقاتلهم أهل زبيد ساعة من نهار، ثم انتقل الناصر إلى التريبة ثم إلى الكدراء، وأقام بها شهرا وجبى أموالها، ثم قصد زبيد، فلقيه بفشال، جماعة من أصحاب المجاهد، فقاتلوه فظهر عليهم الناصر، ثم أتى زبيد، فخرج إليه العوارين فقاتلوه، فقتل من
العوارين نحو عشرين رجلا، وكتبوا للمجاهد يسألونه أن يرسل إليهم واليا يحفظ المدينة وعسكرا، ففعل.
ثم ولّى والى المجاهد جماعة من أهل زبيد، وقالوا له: إن لم تنزل لزبيد، وإلا فلا بلاد لك ولا للظاهر. ثم سار إلى زبيد، فدخلها فى يوم الجمعة الثانى عشر من جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وسبعمائة، ونزل بحائط لبيق، ثم توجه المجاهد إلى النّخل، ولما علم بذلك الناصر ومن معه، وكانوا جمّا غفيرا انحلّت عراهم، وافترقت كلمتهم، وارتفعت محطتهم، وقصد الناصر فى طائفة من أصحابه السلامة، فلما علم بذلك المجاهد، بعث إليهم من قبض عليهم وسجنهم بحصن تعزّ.
وفى يوم الأحد السابع عشر من رجب سنة خمس وعشرين، وصل إلى المجاهد نجدة من مصر، وكانت هذه النجدة ألفى فارس، ومعهم ألفا راحلة، وفيهم من الأمراء أربعة، والتعويل منهم على أميرين هما: بيبرس وطيلان، ومعهم من الجمال ما يحمل أزوادهم، وعددهم، اثنان وعشرون ألف جمل، وتلقّاهم المجاهد إلى القوز الكبير، وحين عاينوه ترجلوا له، وقبّلوا الأرض بين يديه، وساروا فى خدمته ساعة، واجتمعوا مع المجاهد فى خيمة نصبوها، وأخرجوا له من صندوق كان معهم، عمامة بعذبتين، وخلعة فاخرة، فألبسوه ذلك، وركبوا جميعا إلى أن حطوّا بباب الشّبارق، ومكثوا هناك أياما قليلة، ثم تقدّم المجاهد لتعزّ فى طائفة من عسكره والعسكر المصرى، ثم أتى بقية العسكر المصرى لتعز، فعاثوا فيها وفى نواحيها كثيرا، وأفسدوا زرع تعز، ونهبوا بعض البلاد، وسبوا حريمها وباعوهم، ومات كثير من الناس من ضربهم، ومضى بعضهم للظاهر إلى الدّملوة فأكرمهم، ووعدهم بمال جزيل، على أن يمسكوا المجاهد، وأوقفهم على مكاتيب تشهد له بأنه أرشد من المجاهد، وأتوا من عنده إلى تعزّ، واجتمعوا مع أصحابهم لفعل ما أمرهم به الظاهر، فيما قيل، فقصدوا المجاهد وهو بدار الشّجرة، فاعتذر لهم بأنه فى الحمّام، وخرج من باب السّر من فوره إلى حصن تعزّ، وكتب إلى مقدّمهم: أن قد بلغ شكركما، وهذا خطّنا بأيديكما، يشهد بوصولكما، وانقضاء الحاجة بكما. وقصدوا بعد ذلك أهل تعزّ، وتقاتلوا، فقتل من الترك نحو أربعين رجلا، ثم ظفروا بالقصرىّ، وكان ملائما للمجاهد بعد ملاءمته للظاهر، فوسّطوه وسحبوه، وعلّقوه على أثلة بسوق الوعد بتعز، وأسروا الغياث بن بوز، وتوجّهوا به معهم، لما سافروا من تعز، وكان سفرهم منها فى شعبان، ولم يدخلوا زبيد، ورجعوا فى طريقهم التى أتوا منها، واشتدّ نهبهم لتهامة.
وفى حرض وسّطوا ابن بوز، بعد أن بذل لهم المجاهد فيه مالا جزيلا، وبعد رحيل العسكر المصرى من تعز، قصد المجاهد عدن، وحاصرها سبعة أيام، ونزل بمسجد المباه، وتخيّل من بعض من فى عسكره السوء، فمسك بعضهم، وتأخر إلى لخبة، فأقام بها ثمانية أيام، ثم ارتحل إلى صوب زبيد، على طريق الساحل، لاضطراب حصل فى عسكره، ودخل زبيد فى أثناء شهر رمضان سنة خمس وعشرين.
وفى شوال خرج المجاهد لبلاد المعازبة، فاستولى عليها بعد إخرابه لها، وقتل منهم جماعة، وبعث المجاهد بهدية لصاحب مصر فى هذه السنة، مع الجمال بن يونس، وعاد إليه فى ذى القعدة من السنة التى بعدها، ومعه ثلاثون مملوكا هدية.
وفى سنة ست وعشرين، قصد المجاهد عدن، كان بها ابن عمه الظاهر، فخرج إليه جماعة من عسكره، واقتتلوا مع عسكر المجاهد، فقتل من أصحاب الظاهر نحو تسعين، وأقام المجاهد ستة أيام بلخبة، ثم حصل حرب آخر، فقتل فارسان من أصحاب المجاهد، وانهزم عسكره إلى جبل حديد، ثم حصل حرب آخر عند جبل حديد، وعاد المجاهد إلى لخبة، ثم رحل إلى تعز فى ربيع الآخر، لما توهّمه من أن عسكره يريدون المكر به، ورأى كتابا يؤيّد ذلك.
وفى جمادى الآخرة، خرج الظاهر من عدن، فطلع السّمدان فأقام به. وفى شعبان، أوقع المجاهد بالعوّارين بزبيد، وشنق منهم طائفة.
وفى سنة سبع وعشرين وسبعمائة، أخذت منصورة الدّملوة من الظاهر، بمساعدة مرتبيها، ورتّب عسكر من قبل المجاهد.
وفى يوم الجمعة السادس والعشرين من رمضان منها، توجه المجاهد من تعز إلى عدن، فنزل بلخبة، ولم يزل المجاهد يغزو عدن، ويخرج إليه منها خيل ورجل، والحرب بينهم سجال، واستمر الحصار إلى آخر صفر من سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ثم أخذ المجاهد عدن.
وسبب ذلك: أن جماعة من المرتّبين بعدن من يافع، خرجوا إلى المجاهد، وقرروا معه كلاما، وأخذوا من عند المجاهد جماعة من الشّفاليت، وطلعوا بهم من جهة التّعكر ليلا.
فلما كان يوم الخميس الثالث والعشرين من صفر سنة ثمان وعشرين، زحف المجاهد بعسكره على عدن، فخرج أهلها لحربهم على العادة، ولم يكن لهم شعور بمكيدة يافع لهم، فصاح عليهم من ورائهم عسكر المجاهد، وأعلنوا باسم المجاهد، ففشل من بعدن من
أصحاب الظاهر، وفتح باب عدن، ودخلها الزعيم، وهو كبير دولة المجاهد، والملك الأفضل بعد الظهر، وبات المجاهد بالتّعكر ليلة الجمعة الرابع والعشرين، فلما كان الصباح سار المجاهد من التّعكر، إلى الخضراء على طريق الدّرب، ثم قتل المجاهد من أصحاب الظاهر جماعة، وكحل جماعة، وغرّق جماعة.
وفى حال حصاره لعدن، أخذت له الدّملوة من الظاهر، وسبب ذلك: أن المرتبين بالدّملوة، باعوها على يد المرتّبين بالمنصورة؛ فبادرت والدة المجاهد، جهة صلاح، بإرسال زمامها جوهر الرّضوانىّ إلى الدملوة فتسلّمها، وكان ثمنها ستة آلاف دينار ملكية، غير الخلع والكساوى، وذلك فى صفر سنة ثمان وعشرين، وأقام بعدن إلى أن خرج منها فى العشرين من جمادى الأولى من سنة ثمان وعشرين، يريد الدّملوة، فدخلها فى غرّة جمادى الآخرة.
وفى المحرم من سنة ثلاثين وسبعمائة، حصل صلح بين المجاهد والظاهر، وما زال حال الظاهر يضعف، وحال المجاهد يستفحل، لأنه فى ذى القعدة سنة اثنتين وثلاثين، أخذ المجاهد حصن حبّ.
وفى سنة ثلاث وثلاثين، قبض سائر الحصون المخلافية، وأذعنت له القبائل طوعا وكرها، واتّسق له الملك، فعند ذلك كتب الظاهر إلى القاضى جمال الدين محمد بن مؤمن، والأمير شرف الدين موسى بن حباجر، يسألهما أن يسعيا فى الصلح، وذمّة شاملة، له ولمن معه من أهله وغلمانه، فأجاب المجاهد إلى ذلك، وتقدّم ابن مؤمن وابن حباجر إلى السّمدان، ومعهما ذمّة من المجاهد للظاهر، فوصل فى صحبتهما، فأمر المجاهد بطلوعه لحصن تعزّ، وإيداعه فى دار الإمارة مكرّما، فأقام هناك حتى توفّى فى شهر ربيع الآخر، سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وافى أولها، كان نزوله من حصن السّمدان. ولما علم المجاهد بموته، أمر قاضى تعزّ وسائر أعيان فقهائها، بأن يحضروا غسل الظاهر، ويتفقدوا أعضاءه، فما وجدوا فيه أثرا، ودفن بتربة الملوك الملاصقة لجامع عدينة من جهة القبلة.
وفى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، كملت عمارة ثعبات، والذى أمر بإنشائه المجاهد فى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة.
وفى سنة ست وثلاثين، استولى المجاهد على جميع الحصون السّردديّة.
وفى سنة تسع وثلاثين، أمر المجاهد بتجديد عمارة سور زبيد وأبوابها وخنادقها.
وفى سنة إحدى وأربعين، انقضت عمارة سور زبيد وجدّدت أبوابها الثمانية، وزخرفت شراريفها.
وفى سنة اثنتين وأربعين، توجه المجاهد إلى مكة للحجّ فى عسكر كثير، وفى خدمته الشريف ثقبة، ابن صاحب مكة رميثة بن أبى نمىّ، فلما بلغ يلملم، تصدّق بصدقة طائلة من الدراهم والثياب، وسقى الناس السّويق والسكر، وسبّل ذلك لعائلة الناس.
وأتاه فى يلملم، الشريف رميثة فى وجوه أصحابه، فأعطاه من النقد أربعين ألف درهم جددا مجاهدية، ومن الكسوة والطّيب شيئا كثيرا، وأعطاه عدّة من الخيل والبغال كوامل العدد والآلات، وخلع عليه وعلى من معه، ثم سار إلى مكة، فدخلها عشاء ليلة الأربعاء ثانى ذى الحجة، فطاف وسعى، ودخل البيت بعد سعيه، ثم خلع على أميرى الحاجّ المصرىّ والشامىّ، بعد حضورهما إليه، وبات بمنى ليلة التاسع حتى أصبح، ثم سار إلى عرفة، وحضر صلاة الإمام فى يوم عرفة، ثم سار إلى الموقف، فوقف عند الصّخرات، وأفاض من منى إلى مكة، فى يوم الجمعة حادى عشر الحجة، ثم عاد إلى منى، فأقام بها إلى الرابع عشر، وودّع البيت بالطّواف فى هذا اليوم وسافر فى سابع عشر الحجة، وهو متغير الخاطر على بنى حسن، لكونهم لم يمكنوه من كسوة الكعبة، وتركيب باب عليها فيما قيل. وبلغ منازله سالما.
وفى سنة ست وأربعين، استولى المجاهد على جميع جبل سورق. وفى سنة ثمان وأربعين، عصى أهل الشّوافى، فخرج لهم المجاهد فى جيش كثيف، فاستولى على البلاد جميعها، وقتل وكحل وغرّق جماعة من العصاة.
وفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، توجه المجاهد لمكة حاجّا، ولما دخلها، كان معه ثقبة بن رميثة، وأخواه سند ومغامس، فلم يسهل ذلك بأخيهم عجلان، وكان أمير مكة، قد طرد عنها إخوته المذكورين، فأغرى المصريين بالمجاهد، وقال لهم: إنه يريد أن يكسو الكعبة، ويولّى مكة غيرى، ويغيّر منازلكم، فقبلوا قوله، لأن المجاهد لم يلتفت إليهم، ولم يكن من أمراء المصريين سوى الأمير طاز، فلما كان يوم النّفر الأول، ركب أمير الحاج ومن انضم إليه، وتلاهم الطمّاعة، وكان غافلا عنهم، وفى قلّة من غلمانه، ففر إلى جبل بمنى، ونهبت محطّته عن آخرها، وراسلوه فى الحضور إليهم، فحضر بأمان إليهم، واحتفظوا به مع الكرامة، وساروا به معهم إلى مصر، وأحضروه عند صاحبها الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون، فأكرمه وأحسن إليه، وأمره بالمسير إلى
بلاده، فسار حتى بلغ الدّهناء من وادى ينبع، ثم جاء أمره بردّ المجاهد، وإنفاذه إلى الكرك واعتقاله به، وكان سبب ذلك، أن المجاهد فيما قيل، لم يحسن معاشرة الأمير المسفّر فى خدمته، وأنه قال للمسفّر، لما سأله عما يعطيه له من بلاده: أعطيك حافة منيح فسأل المسفّر عنها بعض من كان معه من غلمان المجاهد، فقال له: إنها موضع الجذمان بتعزّ، فتأثّر لذلك خاطره، ونقل ذلك عنه وغيره إلى الدولة بمصر، والمجاهد لا يشعر بذلك، فكتبوا للمسفّر معه بردّه. واعتقاله بالكرك، وما زال بها حتى شفع فيه الأمير بيغاروس، فأطلق وتوجّه لمصر، وتوجه منها إلى بلاده، على طريق عيذاب وسواكن، وخرج من البحر إلى ساحل الحادث، فى سادس الحجة سنة اثنتين وخمسين، وتلقّاه العسكر، وضبطت والدته بعد عودها من مكة له البلاد، فلم يفته منها إلا بلاد بعدان، ثم حطّ المجاهد عليهم فى سنة أربع وخمسين، فلم يظفر بهم، وفاتت من بعده من الملوك، ومنع المجاهد التجار من السفر إلى مكة، حنقا على عجلان.
وفى سنة خمس وخمسين، جهّز المجاهد هدية لمصر، مع الطواشى جوهر الرّضوانى، فغرق والهدّية عند جبل الزّقر.
وفى سنة ست وخمسين، قويت شوكة العرب المفسدين فى التهائم، فخرب لذلك قرى كثيرة من أعمال زبيد، واشتدّ فسادهم فى سنة سبع وخمسين.
وفى سابع شعبان من سنة تسع وخمسين، قصدت القرشيّون والمعازبة، نخل وادى زبيد، فاقتسموه بعد نهبهم لمن كان فيه من أهله، وارتفعت أيدى أصحاب النخل عن أملاكهم، وتملكوه العرب المفسدون.
وفى سنة ستين، كانت خيول العرب المفسدين، من المعازبة والقرشيين، تدور حول مدينة زبيد.
وفيها نوى نور الدين محمد بن ميكائيل العصيان على المجاهد، وكان إليه الأمر فى بعض البلاد الشامية.
وفى سنة إحدى وستين، أظهر ابن ميكائيل ما نواه من العصيان، واستدعى الأشراف من صعدة وغيرهم، وصار أمره مستفحلا.
وفى سنة ثلاث وستين، عصى على المجاهد ابناه: الصّالح والعادل.
وفيها تسلطن ابن ميكائيل، فضربت السّكة باسمه، وخطب له فى حرض والمحالب والمهجم، وذلك فى صفر من هذه السنة، واستمرت سلطنته سنتين.
وفى سنة أربع وستين وسبعمائة، عصى على المجاهد ابنه المظفر يحيى، وأفسد المماليك، وهجم على اسطبل أبيه ومناخه، فأخذ من الخيل والجمال ما أحبّ، وقصد عدن، واستخدم جماعة من العقارب، وأمرهم أن يتقدموا قبله لباب عدن، فلما قدّر أنهم بالباب، تلاهم فيمن معه من المماليك، فألفوا جملا يحمل بطيخا، فنزلوا إليه واشتغلوا بأكله، وكان العقارب واقفين بباب عدن ينتظرون وصول المظفر، وتشوّش البوابون بعدن من طول وقوفهم، فنحّوهم عن الباب، فما امتثل العقارب قول البوابين، وظهر للبوابين من العقارب ما أحوجهم إلى طردهم وإغلاق الباب، وبعد إغلاقه، وصل المظفر ومن معه، ففاتهم قصدهم، وبرز لهم من عدن أميرها وأصحابه.
فقاتلوا المظفر ومن معه ساعة، وقصد المظفر بعد ذلك لحج وأبين، وقبض وزير أبيه محمد بن حسّان وابنه عليا بأبين، وصادرهما ثم أطلقهما، ولما علم أبوه بخبره، بعث عسكرا لقتاله، فلقيهم المظفر بالشّراجى، فكان الظّفر له، وتوجّه المجاهد بسبب ابنه إلى عدن، وبعث عسكرا لابنه المظفر، فما ظفروا به. ثم تمنّى المجاهد حضوره إليه بعدن، وأن يفوّض إليه الأمر، لّما مرض مرضه الذى مات به.
وكان موته فى يوم السبت الخامس والعشرين، من جمادى الأولى سنة أربع وستين وسبعمائة بعدن، عن ثمان وخمسين سنة، وقيل سبع وخمسين سنة، وتسلطن عوضه ابنه الملك الأفضل عباس، وحمل أباه إلى تعزّ، فدفنه بالمدرسة التى أنشأها أبوه بالجبيل بتعز، فى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، ووقفها على جماعة من الفقهاء والمحدّثين والصوفية وغيرهم.
ومن مآثره: جامع أنشأه بالنّويدرة خارج زبيد، فى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وزيادة بجامع عدينة بتعزّ، وهى بالجانب الغربى منه، وجامع ثعبات، ومسجد عند بستان الرّاحة، المعروف بحائط لبيق، خارج باب زبيد، المعروف بباب الشّبارق، وله على ذلك أوقاف جيّدة. وكان له حظّ من العلم، وشعر صالح.
وبلغنى عن الشيخ عبد الله اليافعىّ شيخ مكة، أنه قال: إن المجاهد أفضل أهل بيته، وعندى فى ذلك نظر، بالنسبة إلى جدّه المظفر، والله أعلم.
ومن أخباره فى الجود، ما حكاه عنه فقيه اليمن وقاضى قضائه، جمال الدين محمد بن عبد الله الريمىّ، شارح «التنبيه» وغيره، وكان خصيصا بالمجاهد قال: أعطانى السلطان الملك المجاهد، فى أول يوم دخلت عليه، أربعة شخوص من الذهب، وزن كلّ واحد