الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوَانِعُ الإِرْثِ
مَوَانعُ الإِرْثِ اخْتِلَافُ الدِّينِ وَالرِّقُّ وَالقَتْلُ فَخُذْ تَبْيِيني
المانع في اللغة: الحائل بين الشيئين.
وفي الاصطلاح: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، عكس الشرط.
-
مسألة: (موانعُ الإِرْث) ثلاثة:
المانع الأول: (اخْتِلَافُ الدِّينِ)، بأن يكون أحدهما على ملة والثاني على ملة أخرى، فلا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم؛ لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما مرفوعًا:«لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ المُسْلِمَ» [البخاري 4283، ومسلم 1614].
وأهل الذمة يرث بعضهم بعضًا مع اتفاق أديانهم؛ كيهودي ويهودي، ولا يرث بعضهم من بعض مع اختلاف أديانهم؛ كاليهود مع النصارى؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» [أحمد 6664، وأبو داود 2911، وابن ماجه 2731]، وعن محمد بن الأشعث: أن عمَّةً له توفيت
باليمن وهي يهودية، فذكر ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال:«لَيْسَ ذَاكَ لَكَ، يَرِثُهَا أَقْرَبُ النَّاسِ مِنْهَا مِنْ أَهْلِ دِينِهَا، لَا يَتَوَارَثُ مِلَّتَانِ» [سنن الدارمي 3039].
- فرع: يستثنى من اختلاف الدين أمران:
1 -
الولاء، فيرث المسلم عتيقه الكافر؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَرِثُ المُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ» [الدارقطني 6356]، ولأن ولاءه له بالإجماع، وهو شعبة من الرق، فورثه به كما يرثه قبل العتق.
ويرث الكافر عتيقه المسلم بالولاء؛ قياسًا على ما تقدم.
2 -
إذا أسلم كافر قبل قسم ميراث مورثه المسلم، فيرث منه؛ لحديث عروة وابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» [سعيد بن منصور 189، 190]، ولما روي: (أن عمر رضي الله عنه قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فإنه يصيبه، وقضى به عثمان رضي الله عنه [ابن عبد البر بإسناده في التمهيد 2/ 57]، والحكمة فيه الترغيب في الإسلام والحث عليه.
فإن قُسِم البعض دون البعض؛ وَرِثَ مما بقي دون ما قُسِم.
ولا يرث من أسلم قبل قسم الميراث إن كان زوجًا؛ لانقطاع علق الزوجية عنه بموتها بخلافها، وكذا لا ترث هي منه إن أسلمت بعد عدتها.
واختار شيخ الإسلام: أنه يستثنى من مانع اختلاف الدِّين أيضاً ثلاثة أمور:
1 -
المسلم، فإنه يرث من قريبه الكافر الذمي، لا العكس؛ لحديث عائذ بن عمرو رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإِسْلامُ يَعْلُو وَلا يُعْلَى» [الدارقطني 3620]، و «كَانَ مُعَاوِيَةُ، يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مِنَ الْكَافِرِ، وَلَا يُوَرِّثُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُسْلِمِ» [سعيد بن منصور 146]، ولئلا يمتنع قريبه من الإسلام.
2 -
المرتد إن قُتِل في ردته أو مات عليها؛ فماله لوارثه المسلم، وهو رواية عن الإمام أحمد؛ لوروده عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما [سنن الدارمي 3116، 3117]، قال شيخ الإسلام:(وهو المعروف عن الصحابة)، ولأن توريث قرابته المسلمين أولى من توريث عموم المسلمين.
والمذهب: أن ماله فيء؛ لأنه كافر فلا يرثه المسلم، ولا يمكن جعله لأهل دينه؛ لأنه لا يرثهم فلا يرثونه.
3 -
الزنديق: وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهو المنافق: فإنه يرث ويورث؛ لأنه عليه السلام لم يأخذ من تركة منافق شيئًا، ولا جعله فيئًا، فعُلم أن التوارث مداره على النصرة الظاهرة، واسم الإسلام يجري عليه في الظاهر إجماعًا.
والمذهب: أن المنافق كالمرتد على ما تقدم؛ لأنه في الحقيقة كافر.
وعنه، واختاره ابن باز وابن عثيمين: أن اختلاف الدين مانع من التوارث مطلقًا ولا يستثنى شيء مما تقدم؛ لحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه السابق: «لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ المُسْلِمَ» .
وقال ابن عثيمين: (أما المنافق الذي لم يظهر نفاقه؛ فإنا نحكم بإسلامه في الظاهر، فيرث ويورث، إلا إن كان معلوم النفاق).
(وَ) المانع الثاني: (الرِّقُّ)، وهو: عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر.
وهو مانع من الجانبين:
- فلا يرث الرقيق اتفاقاً، ولو مدبرًا أو مكاتبًا أو أم ولد؛ لأنه لو ورث لكان لسيده، وهو أجنبي عن الميت، قال الموفق: (لا أعلم فيه خلافًا، إلا ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه.
- ولا يورث الرقيق؛ لأنه لا مال له.
وأما المبعَّض: فيرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية، واختاره ابن باز؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصَابَ المُكَاتَبُ حَدًّا، أَوْ وَرِثَ مِيرَاثًا؛ يَرِثُ عَلَى قَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ» [أبوداود 4582، والترمذي 1259، والنسائي 4811، وقال شيخ الإسلام: وهو إسناد جيد، يجب العمل به]، وروي عن علي رضي الله عنه [عبدالرزاق 15734]، قال الزركشي: (وهذا الحديث دل على شيئين: أحدهما: أن المكاتب يعتق،
منه بقدر ما أدى. والثاني: أن المعتق بعضه يحد، ويودي، ويرث بقدر ما عتق منه)، ولأنه يجب أن يثبت لكلٍّ بعض حكمه، كما لو كان الآخر معه.
مثاله: ابنٌ نصفه حر، وأم وعم حران، فلو كان الابن كامل الحرية كان للأم السدس وله الباقي، وهو نصف وثلث، ولا شيء للعم، فللابن مع نصف حريته نصف ما يرث لو كان حرًّا كله، وهو ربع وسدس وللأم ربع، لأن الابن الحر يحجبها إلى السدس، فنصفه الحر يحجبها إلى نصف سدس، فلها سدس ونصف سدس، ومجموعهما ربع، والباقي وهو ثلث للعم تعصيبًا، وتصح من اثني عشر، للأم ثلاثة، وللمبعض خمسة، وللعم أربعة.
(وَ) المانع الثالث: (القَتْلُ)، فلا يرث القاتل باتفاق الأئمة، مكلف أو غير مكلف، انفرد بقتل مورثه أو شارك فيه، ولو كان القتل بسبب؛ كحفر نحو بئر؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» [الموطأ 2/ 867، وأحمد 348، وابن ماجه 2646].
والقتل مانع من جهة القاتل فقط، وليس بمانع من جهة المقتول؛ فلو جرح مُوَرِّثه، ثم مات الجارح قبل موت المجروح؛ ورثه المجروح.
- فرع: القتل الذي يكون مانعًا من موانع الإرث: هو الذي يلزم القاتل فيه قود أو دية أو كفارة.
فشمل القتل العمد العدوان، والخطأ، وشبه العمد؛ لعموم حديث عمر رضي الله عنه السابق.
فأما ما لا يُضمن من القتل بشيء؛ كالقتل لمورثه قصاصًا، أو حدًّا، أو دفعًا عن نفسه؛ كالصائل إن لم يندفع إلا بالقتل، وكقتل العادل الباغيَ؛ فلا يمنع الإرث؛ لأنه مأذون فيه، فالمنع من الميراث بالقتل يتبع الضمان.
واختار ابن القيم وابن عثيمين: إن قتل مورثه عمدًا عدوانًا، فلا يرث من مال مورثه ولا من ديته؛ لحديث عمر رضي الله عنه السابق، وإن قتله خطأ فإنه يرث من ماله ولا يرث من ديته؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً:«المَرْأَةُ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَمَالِهِ، وَهُوَ يَرِثُ مِنْ دِيَتِهَا وَمَالِهَا، مَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا لَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ وَمَالِهِ شَيْئًا، وَإِنْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ خَطَأً وَرِثَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ» [ابن ماجه 2736، وقال ابن القيم: وبه نأخذ (1)]، ووجه كونه يرث من المال: أنه لم يتعجله بالقتل، ووجه كونه لم يرث من الدية: أنها واجبة عليه، ولا معنى لكونه يرث شيئًا وجب عليه.
وقوله: (فَخُذْ تَبْيِينِي) أي: افهم معنى كلامي الذي تقدم.
(1) أعل الحديث الإشبيلي بمحمد بن سعيد، وقال:(وأظنه المصلوب)، وهو وضاع، وتبعه الألباني، وصرح الدارقطني بأنه محمد بن سعيد الطائفي، وقال عنه:(ثقة).