الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مِيرَاثِ الغَرْقَى وَنَحْوِهِمْ
الغرقى: جمع غريق، وهو من مات بالغرق، ونحوهم ممن خفي حال موتهم؛ بأن لم يعلم أيهم مات أولًا؛ كالهدمى، والحرقى، ومن وقع بهم طاعون، والانقلاب والاصطدام بالمركبات، ونحو ذلك.
وَحَيْثُ مَاتَ اثْنَانِ أَوْ جَمْعٌ وَلَمْ
…
يُعْلَمْ مَنِ السَّابِقُ مِنْهُمْ بِالعَدَمْ
فَلَا تُوَرِّثْ وَاحِدًا مِنْ واحِدِ
…
مِنْهُمْ بَلِ اجْعَلْهُمْ كَمِا الأَبَاعِدِ
·
مسألة: توريث الغرقى ونحوهم بعضهم من بعض لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يعلم موتهم معاً في زمن واحد: فلا إرث لأحدهم من الآخر إجماعاً؛ لأنه لم يكن حيًّا حين موت الآخر، ومن شروط الإرث: حياة الوارث بعد المورث.
الحالة الثانية: أن يعلم تأخر موت أحد المتوارثين -ولو بلحظة-:
فيرث المتأخر منهم إجماعاً؛ لتحقق شرط الإرث السابق.
الحالة الثالثة: أن يجهل أوَّلهما موتًا، أو علم أوَّلهما موتًا ثم نسي، أو جهلوا عينه؛ بأن علم السبق وجهل السابق، فلا تخلو من أمرين:
1 -
أن يدعي كل ورثة تأخر موت مورثهم عن صاحبه، وهذا على قسمين:
أأن توجد بينة: فيعمل بها.
ب ألا توجد بينة، أو كان لكل واحد بينة وتعارضت البينتان: حلف كلٌّ منهما على ما أنكر من دعوى صاحبه؛ لعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» [البيهقي: 21201].
ولم يتوارثا، لعدم وجود شرطه، وهو تحقق حياة الوارث بعد موت المورث، فيعطى ميراث كل منهم لورثته الأحياء حين موته دون الذين ماتوا معه.
مثاله: لو ماتت امرأةٌ وابنُها، فقال زوجها: ماتت فورثناها، ثم مات ابني فورثته، وقال أخوها: بل مات ابنها فوَرِثَتْه، ثم ماتت بعده فورثناها، أي: ورثها أخوها المدعي وزوجها، فإنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه؛ لأنه ينكرها، وكان ميراث الابن لأبيه؛ عملًا باليقين، وكان ميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين، للزوج نصفه فرضًا، والباقي لأخيها تعصيبًا.
2 -
ألا يدعي ورثة كلٍّ سبق موت الآخر، بل يُجهل الأمر: فإنه يرث كل واحد من الموتى صاحبه، لما روى الشعبي:«أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا قَضَيَا فِي الْقَوْمِ يَمُوتُونَ جَمِيعًا لَا يُدْرَى أَيُّهُمْ يَمُوتُ قَبْلُ: أَنَّ بَعْضَهُمْ يَرِثُ بَعْضًا» [عبد الرزاق 19150]، ونحوه عن إياس بن عبد رضي الله عنه موقوفاً [عبد الرزاق 19159]، قال أحمد: (أذهب إلى قول عمر رضي الله عنه.
فيرث بعضهم من بعضٍ تِلاد ماله - أي: القديم - الذي مات وهو يملكه، دون الطريف -أي: الجديد الحادث- وهو ما يرثه كل منهم من صاحبه الذي مات معه؛ لئلا يدخله الدور، ولئلا يرث الإنسان نفسه، ولما روى الشعبي أيضاً:«أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَرَّثَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ تِلَادِ أَمْوَالِهِمْ ، لَا يُوَرِّثُهُمْ مِمَّا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ شَيْئًا» [عبد الرزاق 19151].
فيُقدَّر أحدهما مات أولًا، فيورث الآخر منه، ثم يقسم ما ورثه منه على الأحياء من ورثته، ثم يصنع بالثاني كذلك، ويأتي بيان صفة العمل.
ومذهب الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد، ومشى عليها الناظم تبعاً للرحبي، واختاره شيخ الإسلام، وابن باز، وابن عثيمين: لا يرث بعضهم من بعض؛ لما روى يحيى بن سعيد: «أَنَّ قَتْلَى الْيَمَامَةِ وَقَتْلَى صِفِّينَ وَالْحَرَّةِ لَمْ يُوَرَّثْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَرَّثُوا عَصَبَتَهُمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ» [سعيد بن منصور 238]، وعن خارجة بن زيد: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَضَى فِي أَهْلِ