الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقالات
البلاغة النبوية للقاضي عياض
. . وأما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان صلى الله عليه وسلم من ذلك بالمحل الأفضل والموضع الذي لا يجهل سلاسة طبع وبراعة منزع وإيجاز مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول وصحة معان وقلة تكلف أوتي جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم وعلى ألسنة العرب يخاطب كل أمة بلسانها ويحاورها بلغتها ويباريها في منزع بلاغتها حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله، من تأمل حديثه وسيره علم ذلك وتحققه وليس كلامه مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونجد ككلامه مع ذي الشعار الهمداني وطهفة النهدي وقطن بن حارثة العليمي والأشعث بن قيس ووائل بن حجر الكندي وغيرهم من أقيال حضرموت وملوك اليمن.
وانظر كتابه إلى همدان: «إن لكم فراعها (1) ووهاطها وعزازها (2)
(1) أي ما علا منها ضد وهاطها والضمير للأرض.
(2)
أي ما اشتد منها وصلب.
تأكلون علافها (1) وترعون عفاءها (2)؛ لنا من دفئهم (3) وصرامهم (4) ما سلوا بالميثاق والأمانة ولهم من الصدقة الثلب) (5) والناب والفصيل (6) والفارض) (7) والداجن) (8) والكبش الحوري (9) وعليهم فيها الصالغ (10) والقارح (11)» وقوله لنهد: «اللهم بارك لهم في مخضها ومخضها ومذقها (12) وابعث راعيها في الدثر (13) وافجر له الثمد (14) وبارك لهم في المال والولد، من أقام الصلاة كان مسلماً ومن آتى الزكاة كان محسناً ومن شهد أن لا إله إلا الله كان مخلصاً، لكم يا بني نهد ودائع الشرك (15) ووضانع الملك (16)، لا تلطط (17) في الزكاة ولا تلحد في الحياة ولا تتثاقل عن الصلاة» وكتب لهم: «في الوظيفة الفريضة (18) ولكم الفارض (19) والفريش (20) وذو العناق الركو (21) والفلو (22) الضبيس (23) لا يمنع سرحكم (24) ولا يعضد طلحكم (25) ولا يحبس
(1) جمع علف.
(2)
مواتها وهو ما لا ملك لأحد عليه.
(3)
أي نعمهم.
(4)
أي نخلهم.
(5)
الجمل الهرم والناب الناقة الهرمة.
(6)
ولد الناقة الصغير.
(7)
البقرة الهرمة.
(8)
ما يألف البيوت من الحيوان.
(9)
الكبش الكبير الذي يتخذ للضراب والمراد أن ما ذكر يحسب في عدد النصاب ولا تؤخذ الزكاة منه أما لنفاسته أو لخسته وإنما تؤخذ من الوسط.
(10)
ما كمل من البقر والغنم السنة السادسة.
(11)
هو من الخيل ما دخل في السنة الخامسة.
(12)
المحض اللبن الخالص والمخض ما أخرج زبده والمذق اللبن المخلوط بالماء.
(13)
الإبل الكثيرة.
(14)
الماء القليل.
(15)
عهوده ومواثيقه.
(16)
ما كان يوضع على الأملاك من المغارم.
(17)
أي تمنع.
(18)
الوظيفة الزكاة والفريضة المسنة من النوق.
(19)
المريضة التي عرض لها آفة.
(20)
القريبة العهد بالوضع.
(21)
الفرس الذلول.
(22)
المهر الصغير من الخيل.
(23)
الصعب الركوب لعدم رياضته والمراد أن ذلك كله يحسب في عدد الفريضة.
(24)
أي من الرعي.
(25)
الطلح شجر عظيم الشوك من العضاه وإذا لم يقطع هذا فغيره بالأحرى.
دركم (1) ما لم تضمروا الرماق) (2) وتأكلوا الرباق (3) من أقر فله الوفاء بالعهد والذمة ومن أبي فعليه الربوة (4) ومن كتابه لوائل بن حجر: «إلى الأقيال العباهلة (5) والأرواع (6) المشابيب (7)» وفيه «في التيعة (8) شاة لا مقورة الألياط (9) ولا ضناك (10) وأنطوا الثبجة (11) وفي السيوب (12) الخمس ومن زنامم (13) بكر فاصقعوه مائة واستوفضوه (14) عاماً ومن زنامم ثيب فضرحوه (15) بالأضاميم (16) ولا توصيم (17) في الدين ولا غمة (18) في فرائض الله وكل مسكر حرام ووائل بن حجر يترفل (19) على الأقيال» .
أين هذا من كتابه لأنس في الدقة المشهور لما كان كلام هؤلاء على هذا الحد وبلاغتهم على هذا النمط وأكثر استعمالهم هذه الألفاظ، استعملها معهم ليبين للناس ما نزل إليهم وليحدث الناس بما يعلمون، وكقوله في حديث عطية السعدي قال: اليد العليا هي المنطية واليد
(1) يعني الماشية ذات الدر لا تحبس لأجل المصدق الذي يأخذ الزكاة.
(2)
أي النفاق.
(3)
جمع ربقة أي ما لم تبطنوا الخلاف وتخلعوا الطاعة.
(4)
أي الزيادة في الوظيفة عقوبة له.
(5)
أي الملوك الذين أقروا على ملكهم.
(6)
جمع رائع.
(7)
الزهر الألوان.
(8)
أربعون من الغنم.
(9)
أي مسترخية الجلد من الهزال.
(10)
كثيرة اللحم سمينة.
(11)
أي الوسط.
(12)
الركاز أي الكنز.
(13)
أي من.
(14)
غربوه.
(15)
أي أدموه حتى يموت.
(16)
الحجارة.
(17)
لا عار.
(18)
لا سترة.
(19)
يتأمر ويترأس.
السفلى هي المنطاة، قال: فكلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتنا. وقوله في حديث العامري حين سأله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: سل عنك أي سل عما شئت وهي لغة بني عامر.
وأما كلامه المعتاد وفصاحته المعلومة وجوامع كلمه وحكمه المأثورة فقد ألف الناس فيها الدواوين وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب ومنها ما لا يوازي فصاحة ولا يبارى بلاغة كقوله: المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم وقوله: الناس كأسنان المشط والمرء مع من أحب ولا خير في صحبة من لا يرى لك ما ترى له والناس معادن وما هلك إمرؤ عرف قدره والمستشار مؤتمن وهو بالخيار ما لم يتكلم ورحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو سكتت فسلم وقوله: أسلم تستلم وأسلم يوتك الله أجرك مرتين وإن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون وقوله لعله كان يتكلم بما لا يعنيه (1) وقوله: ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً ونهيه عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات وحقوق الأمهات ووأد البنات، وقوله: اتق الله حيث
(1) هو حديث أوله أصيب رجل يوم أحد فقالت أمه هنيئاً لك الشهادة فقال: وما يدريك لعله الخ.
كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن وخير الأمور أوساطها وقوله: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وقوله: الظلم ظلمات يوم القيامة وقوله في بعض دعائه: اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري وتلم بها شعثي وتصلح بها غائبي وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتلهمني بها رشدي وترد بها ألفتي وتعصمني بها من كل سوء أللهم إني أسألك الفوز في القضاء ونزل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء.
إلى ما روته الكافة عن الكافة من مقامات ومحاضراته وخطبه وأدعيته ومخاطباته وعهوده مما لا خلاف أنه نزل من ذلك مرتبة لا يقاس بها غيره وحاز فيها سبقاً لا يقدر قدره. وقد جمعت من كلماته التي لم يسبق إليها ولا قدر أحد أن يفرغ في قالبه عليها كقوله حمي الوطيس ومات حتف أنفه ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين والسعيد من وعظ بغيره في أخواتها، ما يدرك الناظر العجب في مضمنها ويذهب به الفكر في أذاني حكمها وقد قال له أصحابه ما رأينا الذي هو أفصح منك فقال: وما يمنعني وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين. وقال مرة أخرى: أنا أفصح العرب بيد أني من قريش ونشأت في بني سعد فجمع له بذلك صلى الله عليه وسلم قوة عارضة البادية وجزالتها ونصاعة ألفاظ