الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنهم إن حادوا عن هذا السبيل، وانقادوا الدعاء داعي التغيير والتبديل، أو انحرفوا عن هذا المنهاج وسنته، فهم برآء من حول الله وقوته، ومن دينه وعصمته، ومستوجبين لعذابه وغضبه وسخطه ونقمته، وبُعداء من رحمته، ومن شفاعة نبيه الكريم يوم القيامة لأمّته، وأنهم خالعون لربقة الإسلام، وخارجون عن سنة الرسول عليه السلام، أعلنوا بهذا إعلاناً تعضده النجوى، وأدّوه بشروطه الجارية على مذاهب الفتوى، وأحكامه اللازمة لكلمة التقوى، استرضاء لله وللخلافة النبوية، والإمامة العلوية، ورياضة للنفوس على بيعتها المباركة الميمونة النقيبة، واستيفاء لشروطها وأقسامها الواجبة والمستحبة والمندوبة، مستسلمين إلى الله بالقلوب الخاشعة، ومتضرعين إلى بابه الكريم بالأدعية النافعة، في أن يعرفهم خير هذا العقد الكريم، والعهد الصميم بدءاً وختاماً، وأن يمنحهم بركته التي تصحبهم حالاً ودواماً، لا رب غيره ولا خير إلا خيره.
أشهد على نفسه بما فيه وعلى رعيته الرئيس أبو العلاء إدريس أسعده الله وأكرمه وبتاريخ المحرم الحرام من عام تسعين وتسعمائة من الهجرة النبوية.
كتاب المنصور الذهبي إلى الشيخين البدر القرافي والزين البكري
في إعلامهما ببعض الفتوح وتشوُّفه للأندلس
من عبد ربه المجاهد في سبيله أحمد المنصور بالله أمير المؤمنين الحسني
إلى الفاضل الذي اعتجر بالتقوى وهو زين العابدين، وتحلى بحلى المعارف الربانية وتلك حلى العارفين، والسالك الذي برز في الطريقة، وسلك على المجاز الواضح إلى الحقيقة، ففاتَ شأْوَ السابقين، والعارف الذي تجرد عن رعونة الأهواء النفسانية فكان سلوكه على التجريد إلى حضرة الواصلين الشيخ العالم الحجة الوافي، السيد بدر الدين القرافي، والشيخ العارف الواصل، السرية الكامل، سلالة العلماء، سبط الفضلاء، أبي عبد الله زين العابدين ابن الشيخ السامي المقام، قطب المشائخ الأعلام، فخر علماء الإسلام، الشهير البركة في الأنام، أبي عبد الله محمد بن أبي الحسن الصديقي، أبقاكما الله وأرواحكما تتعطر برياحين الأنس، في حضرة القدس وتَشمُّ النفحات الهابَّة من رياض المشاهدة على مدارج الأنس ومعارج النفس، وسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
وبعد حمد الله مفيض أنوار عناية أحمد على صاحبه الصدّيق، مظهر كنوز المعارف الربانية جيلاً بعد جيل من بيت عتيق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي اختار لمرافقته صاحبه في الغار والعريش والطريق والرضا عن آله أيمة الخلق، وسيوف الحق، وأصحابه الذين فاضت أنوار هدايتهم على الغرب والشرق، وببركتهم انتسق لنا الفتح انتساق الأسلاك، وبفضلهم يعلو سعدنا على الكفر علوّ القطب على دائرة الأفلاك- فكتبنا هذا إليكم من حضرتنا السعيدة مراكش حاطها الله وصُنْعُ الله لها مفعم السجال، واسع المجال، وعزمتها الماضية تبعث
إلى العِدَى رسل الأوجال. والأيام بعز صولتها، ويمن دولتها، بهذه المغارب باسمة الثغور، مؤذنة باتصال أمرها العزيز بحول الله إلى أن تطوى ملاءة الدهور.
هذا وإنه اتصل بعلي مقامنا كتابكما الذي صدحت على أفنان البلاغة سواجعه، وعذبت في موارد المحبة الصديقية مناهله ومشارعه ولطفت في كل معنى من المعاني أفانينه ومنازعه، وتألّفت على الإجادة في كل مقصد من المقاصد مواصله العذبة ومقاطعه، وأينعت بأزهار العناية الربانية أباطِحَه الفيح وأجارعه، ومعه المنظومات التي سحّت بالحكم ديمها، ورسا في البلاغة، قدمها، وربا في منبت المواهب الربانية يراعها الفصيح وقلمها، وحلت من نفوسنا موقعها العجيب محلاً من دونه الثريا في مطلعها والبدر ليلة تمامه إعجاباً بها وتنويهاً بمهديها، وابتهاجاً بالخوارق التي اطلق الله على لسان مبديها، وإلى هذا فليحط علمكما بأن مقامنا تَنفَق فيه على الدوام إن شاء الله نفائس بضائعكم، وتنمو فيه مع الأيام سعود مطالعكم، وتسمو فيه على كل مقام مقاماتكم، وتستوضح فيه على المحبة الصميمة أماراتكم الواضحة وعلاماتكم، فعلى هذا تنعقد منكم الخناصر، وتشتد الأواخي والأواصر، بعز الله ومنه.
ثم ما نستطرد لكم ذكره على جهة البُشري، وإهداء المسرة الكبرى إعلامكم أن عدو الدين طاغية قَشْتَالة الذي هو اليوم العدو الكبير للإسلام
وعميد ملل التثليث وعبدة الأصنام لما أَنِس من تلقاء جانبنا نار العزم تلتهب منا التهاباً، وبحر الاحتفال تضطرب أمواجه الزاخرة بكل عَدَد وعُدّة اضطراباً، وهم منا قد همَّت بتجديد الأسطول، والاستكثار من المراكب المتكفلة للجهاد إن شاء الله بقضاء كل دين ممطول، وعَلِم أن الحديث إليه يُساق، وإلى أرضه بالخسف والتدمير بحول الله يهفو كلّ لواء خفّاق رام خذله الله مكافاتنا على ذلك، بما أمّل أن يفُتَّ به في عضدنا الأقوى وعزمنا الذي بعناية الله يزداد ويقوى فرمى بمخذول من أبناء أخينا عبد الله كان رُبِّيَ لديه، وطوَّحت به الطوائح منذ ثمانية عشر عاماً، إليه، إلى مَلِيلِيةَ إحدى الثغور المصاقبة لغرب مالكنا الشريفة التي هي إلى كفالة ولدنا وولي عهدنا، كافل الأمة من بعدنا، الأمير الأجل الأرضى، صارم العزم المنتضى، وحسام الدين الأمضى، أبي عبد الله محمد الشيخ المأمون بالله وصل الله لراياته التأييد والظهور، والعز الذي يستخدم الأيام والدهور، فالتف عليه من اغتر بأباطيله الواهية البناء، من أوباش العامة والغوغاء، ومن قضي له من أجناد تلك الناحية بالشقاء جموع تُكاثر الرمل، وتفوت الحصا والنمل، لاح بها للشقي خُلَّبُ بارق أكذبته أمنيته إذ صدقته منيته، فصمم نحوه ولدنا أعزه الله بجنود الله التي إليه، وبعساكر تلك الممالك التي ألقينا زمام تدبيرها بين يديه فما راع الشقي إلا انقضاضه عليه من الجو انقضاض الأجدل، وتصميمه إليه بعزائم تدك الطود وتفلق الصخر والجندل فاستولى عليه بحمد الله للحين، وعلى جنوده الأشقياء في يوم أغر محجل وساعة أنزل الله فيها على الخوارج المارقين،
العذاب المعجّل، فاستأصلتهم الشِّفار، وحصدت هشيمهم المُصَوَّح أسِنَّة النار، وقبض على الشقي في يوم كان شفاء للصدور، ومنتزهاً لحملة السيوف وربات الخدور، وأحرز الله تعالى فخر هذا الفتح العظيم، والمنّ الجسيم، لولدنا أعزه الله عز وجل في خاصة أجناده، ونهض وحده بأعبائه ونحن على سرير ملكنا وادعون مطمئنون، وأجنادنا في أوطارنا لاهون ومفتون، فلم يحتج إلى إنجاده، من قبلنا ولا إمداده، والعاقبة للمتقين، والحمد لله حمد الشاكرين.
وعرَّفناكم لتأخذوا بحظكم من السرور بهذه البُشرى التي سرّت الإسلام وساءت بحمد الله عبدة الأوثان والأصنام، وتعلموا مع ذلك ما عليه الأحوال اليوم بحول الله لدينا من خفق رايات العزم، وشحذ آراء الحزم، وإعمال عوامل الجزم، إلى مجازاة عدو الدين إن شاء الله على فعلته التي عادت عليه أسفاً ولهفاً، وإعادة ما كان أسلف من ذلك إن شاء الله بالمكيال الأوفى، وقدمنا إليكم التعريف لتمدونا إن شاء الله بأدعيتكم الصالحة في أوقات الإجابة، وتحرصوا على التماسها هنالك وبالحرمين الشريفين من كل ذي خضوع وإنابة، أن يؤيدنا الله على عدو الدين بفضله، وينجز لنا وعده الصادق في إظهار دين الحق على الدين كله، ويسهل علينا بفضله ومعونته أسباب فتح الأندلس، وتجديد رسوم الدين بها وإحياء أطلاله الدُّرُس، حتى ينطلق لسان الدين في أرضها بكلمة الله التي طالما سكت عنها نداؤه وخرس، وشرق بريقه