الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من كونك مضيعاً أن أكون كذلك، والنسخة التي رمت إعارتها هي مؤنسي إذا أوحشني الناس، وكاتم سرتي إذا خانوني فما أعيرها إلا بشيء أعلم إنك تتأذى بفقده إذا فقد جزء من النسخة وأنا الذي أقول:
أنس أخي الفضل كتاب أنيق. . . أو صاحب يعنى بود وثيق
فإن تعره دون رهن به. . . تخسره أو تخسر وداد الصديق
وربما تخسر هذا وذا. . . فاسمع رعاك الله نصح الشفيق
رسالة لابن هانئ السبتي أجاب بها أبا القاسم الشريف
وكان بعث له بقصيدة همزية فرد عليه بقصيدة مثليها وهذا النثر
هذا بني، وصل الله سبحانه لي ولك علو المقدار، وأجرى وفق أو فوق إرادتك وإرادتي لك جاريات الأقدار، ما سنح به الذهن الكليل واللسان الفليل، في مراجعة قصيدتك الغراء، الجالبة السراء الآخذة بمجامع القلوب، الموفية بجوامع المطلوب، الحسنة المهيع والأسلوب، المتحلية بالحلى السنية، العريقة المنتسب في العلى الحسنية، الجالية لصدأ القلوب ران عليها الكسل، وخانها المسعدان السؤل والأمل، فمتى حامت المعاني حولها، ولو أقامت حولها (1)، شكت ويلها وعولها،
(1) أي عامها.
وحرمت من فريضة الفضيلة عولها (1)، وعهدي بها والزمان زمان، وأحكامها الماضية أماني مقضية وأمان، تتوارد آلافها، ويجمع إجماعها وخلافها، ويساعدها من الألفاظ كل سهل ممتنع، مفترق مجتمع، مستأنس غريب، بعيد الغور قريب، فاضح الحلي، واضح العلا، وضاح الغرة والجبين، رافع عمود الصبح المبين، أيد من الفصاحة بأياد، فلم يحفل بصاحبي طييء وإياد، وكسي نصاعة البلاغة، فلم يعبأ بهمام وابن المراغة، شفاء المحزون، وعلم السر المخزون، ما بين منثوره والموزون.
والآن لا ملهج ولا مبهج، ولا مرشد ولا منهج، عكست القضايا فلم تنتج، فتبلد القلب الذكي، ولم يرشح القلم الزكي وعم الإفحام، وغم الأحجام، وتمكن الإكداء والإجبال، وكورت الشمس وسيرت الجبال، وعلت سآمة، وغلبت ندامة، وارتفعت ملامة، وقامت لنوعي الأدب قيامة، حتى إذا ورد ذلك المهرق، وفرع غصنه المورق، تعنى به الحمام الأورق، وأحاط بعداد عداته القصص والشرق، وأمن من الغصب والسرق، وأقبل الأمن وذهب لإقباله الفرق، نفخ في صور أهل المنظوم والمنثور، بعث ما في القبور، وحصل ما في الصدور، وتراءت للأدب صور، ومرت للبلاغة
(1) العول في الميراث زيادة السهام على الفريضة فيدخل عليها النقصان بحسب تلك الزيادة.
كور، وهمت لليراعة درر، ونظمت للبراعة درر، وعندها تبين إنك واحد حلبة البيان، والسابق في ذلك الميدان يوم الرهان، فكان لك القدم، وأقر لك مع التأخر السابق الأقدم، فوحق فصاحة ألفاظ أجدتها حين أوردتها وأسلتها حين أرسلتها، وأزنتها حين وزنتها، وبراعة معان سلكتها حين ملكتها، وأرويتها حين رويتها، وأوريتها وأصلها حين فصلتها، ووصلتها ونظام جعلته بجسد البيان قلباً، ولمعصمه قلباً، وهصرت حدائقه غلباً وارتكبت رويه صعباً، ونثار اتبعته له خديماً، وصيرته لمدير كأسه نديماً، ولحفظ ذمامه المدامي أو مدامه الذمامي مديماً، لقد فتنتني حين أتتني، وسبتني حين صبتني، فذهبت خفتها بو قاري، ولم يرعها بعد شيب عذاري، بل دعت للتصابي فقلت مرحباً وحللت لفتنتها الحبا، ولم أحفل بشيب، وألفيت ما رد نصابي نصيب، وإن كنا فرسي رهان، وسابقي حلبة ميدان، غير أن الجلدة بيضاء، والمرجو الأغضاء بل الإرضاء.
بني، كيف رأيت للبيان هذا الطوع، والخروج فيه من نوع إلى نوع، أين صفوان بن إدريس، ومحل دعواه بين رحلة وتعريس، كم بين ثغاء بقر الفلاة وزئير ليث الفريس، كما أني أعلم قطعاً وأقطع علماً، وأحكم قضاء وأمضي حكماً، أنه لو نظر إلى قصيدتك الرائقة، وفريدتك
الحالية (1) الفائقة، المعارضة بها قصيدته، المنتسخة بها فريدته، لذهب عرضاً وطولاً، ثم اعتقد لك اليد الطولي، وأقر فارتفع النزاع، وذهبت له تلك العلامات والأطماع، ونسي كلمته اللؤلؤية، ورجع عن دعواه الأدبية، واستغفر ربه من الألهية.
بني، وهذا من ذلك، ومن الجري في تلك المسالك، والتبسط في تلك المآخذ والمتارك، أينزع غيري هذا المنزع أم المرء بنفسه وابنه مولع، حياً الله الأدب وبنيه وأعاد علينا من أيامه وسنيه، ما أعلى منازعه، وأكبر منازعه، وأجل مآخذه، وأجهل تاركه وأعلم آخذه، وأرق طباعه، وأحق أشياعه وأتباعه، وأبعد طريقه، وأسعد فريقه، وأقوم نهجه، وأوثق نسجه، وأفصح عكاظه، وأصدق معانيه وألفاظه، وأحمد نظامه ونثاره، وأغنى شعارة ودثاره، فعانبه مطرود، وعاتبة مصفود، وجاهله محصود، وعالمه محسود، غير أن الإحسان فيه قليل، ولطريق الإصابة فيه علم ودليل، من ظفر بها وصل، وعلى الغاية القصوى منه حصل، ومن نكب عن الطريق، لم يعد من ذلك الفريق، فليهنك أيها الابن الذكي، البر الزكي، الحبيب الحفي، الصفي الوفي، إنك حامل رايته، وواصل غايته، ليس أولوه وآخروه لك بمنكرين، ولا تجد أكثرهم شاكرين، ولولا أن يطول الكتاب،
(1) الحالية المحلاة غير العاطلة.