الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطبة وعظية للعربي الزرهوني
على حسب أطوار الإنسان وسنيه
عباد الله! إن الله تبارك وتعلى، كتب علينا الانتقال من هذه الدار، وأمرنا بالنظر فيها والاعتبار، والتزود منها لدار القرار، وخالف بمقتضى حكمته بين مقادير الأعمار، فمن معجل تخترمه المنية في ريعان شبابه، وعنوان عمره ولبابه، ومن موجل ينسأ له في أجله، حتى يستوفي ما كتب له من رزقه وعمله، فالعبد لا يدري متى يأتيه حمامه، وتنقضي بوفاته أيامه، فما أحقه وأولاده أن يعمر أوقاته بطاعة مولاه، الذي خلقه وسواه، ليكون يوم لقياه من الفائزين. فيا من بلغ سن الاحتلام، وحطت عنه الأقلام، وتعبد بشرائع الإسلام، خذ نفسك بالاجتهاد في الطاعة، ولا تطلب الربح بغير بضاعة، ولا تفتتح عمرك بالتفريط والإضاعة، فتكون من الجاهلين. ويا من بلغ العشرين، لا تطمئن إلى ما بقي من السنين، ولا تغترر برونق شبابك، فإنك لا تدري متى يقف المنون بيابك، وتفرد من بين أصحابك وأحبابك، ويذهب بك في الذاهبين. ويا من بلغ الثلاثين راجع نفسك عن هواها، فقد كمل شبابها واستحكمت قواها، فأنفق جديد عمرك في الطاعة ولا تركن إلى سواها، وهب أنه قد بقي من عمرك مثل ما مضى، فهل تجد لما فرطت فيه من صالح العمل عوضاً؟ ففكر في أمر نفسك وكن لها من الناصحين. ويا من بلغ الأربعين ذهب عنك معظم الأيام، وشرعت في النقصان بعد
التمام، فأخلص إلى ربك المتاب، وقل كما جاء في الكتاب:«رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين» ويا من بلغ الحسين ذهب أكثر عمرك وأطيبه، وبقي أقله وأتعبه، وبدت في رأسك طلائع المشيب، وأوشكت شمس عمرك أن تغيب، فهل لك أن تقلع وتنيب؟ وتسمع وتجيب؟ فما أقبح العصيان بعد المشيب؛ وإن كان مستقبحاً في كل حين. ويا من بلغ الستين بلغت العمر الذي أعذر الله فيه إلى العباد، وعزمت على السفر البعيد فأين الزاد؟ فتزود التقوى إن الله يحب المتقين. ويا من بلغ السبعين لمقترب الآجال فيك دلائل، فاغتنم ما بقي من أيام عمرك القلائل، قبل أن تنتقل إلى دار البقاء ولم تحصل من صالح الأعمال على طائل، فتصبح من النادمين. ويا من بلغ الثمانين عشت ما قد كفاك، وكلت جوارحك وضعفت قواك، وأبغضك من كان يحبك ويهواك، وذهب عنك حلو العيش وبقي المر فتأهب للرحيل، وتهيأ للسفر الطويل، وأعلم أنك عما قريب من الراحلين. ويا من بلغ التسعين وقفت على ثنية الوداع، وأشرفت على اللحاق بمن فقدت والاجتماع، فإنك وإن كنت في الأحياء معدود في الميتين. ويا من بلغ المائة، وما أظنه في هذه الفئة، بلغت الغاية القصوى من السنين، وما بعد المائة من بقاء فلا تكن من المغرورين. ويا من غدت سنه بين هذه الحدود المحدودة، والأعداد المعدودة، اعمل على شاكلة
الرحيل، وتزود للسفر الطويل، وإياك والتسويف والتعليل، خشية أن يأتيك الموت عما قليل، فتموت وأنت من المفرطين. خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس! كأن الموت في الدنيا على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن ما نشيعه من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون نبوئهم أجداثهم، ونأكل ثرائهم، كأنا مخلدون بعدهم. يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً، إن وعد الله حق، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، اللهم أكتبنا في ديوان من ختمت لهم بالحسنى، وتممت لهم الفوز بالرضوان في المقر الأسنى، ووفقنا اللهم لطاعتك، وأعنا على ذ كرك وحسن عبادتك، إنك جواد كريم، رؤوف رحيم.