الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العزيز إلى ما سواه، فقد علم بضرورتي المشاهدة والاستفاضة سوء منقلبه، وخسارة مذهبه ومطلبه، وتنقل منه حادث الانتقام اخسر ما تنقل به، وحق عليكم - وفقكم الله وسيركم لما يرضاه - أن تحسنوا الاختيار، وتصلوا الأذكار والاعتبار، وتبتدروا الابتدار، وما حق من انقطع إلى هذا الأمر الموصول الواصل، وأز مع ما يناله من خيره المحوز الحاصل، أن يناله منكم شاغل يشغله عن مقصوده، ويحيط به ما يصرفه عن محبوبه ومودوده. فقد كان منكم في أمر أهل بلنسية حين إعلانهم بكلمة التوحيد، وتعلقهم بهذا الأمر السعيد، ما كان ثم كان منكم في عقب ذلك ما اعتمدتموه في أمر أهل لورقة - وفقهم الله. حين ظهر اختصاصهم وبان إخلاصهم، وليس لذلك وأمثاله عاقبة تحمد، فالخير خير ما يقصد، والنجاة فيا ينزح عن الشر ويبعد، وإنا لنرجو أن يكفكم عن ذلك وأشباهه نظر موفق، ومتاع محقق، ويجذبكم إلى موالاة هذه الطائفة المباركة جاذب يسعد وسائق رشد، والله يمن عليكم بما ينجيكم ويمكن لكم في طاعته أسباب تأميلكم وترجيكم بمنه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رسالة من عبد المومن أيضاً إلى أهل تلمسان
وهي من إنشاء الكاتب أبي عقيل بن عطية
من أمير المؤمنين أيده الله بنصره، وأمده بمعونته، إلى الطلبة الذين بتلمسان وجميع من فيها من الموحدين أدام الله كرامتهم بتقواه، سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد فالحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء على العموم والإطلاق وجمعت عصمته أهل الاجتماع على طاعته والاتفاق، وتمت نعمته تماماً على أبلغ وجوه الانتظام والاتساق، والصلاة على محمد نبيه المبتعث لتتميم مكارم الأخلاق، وعلى أله الطاهرين وصحبه المتوازرين أولى البواء إلى مرضاته والاستباق، والرضى عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، علم الأعلام، وذخيرة الإيمان والإسلام، وبدر الكمال والتمام، الطالع بأشرف مطالع الإشراق، الفارع عند تطاول الرؤوس والأعناق، الجامع أشتات الفضل وأجناسه على الاستيفاء والاستغراق، وهذا كتابنا إليكم كتب الله لكم في خولكم النماء والزيادة، ومكن في تمكينكم وإصلاح شؤونكم الإنالة والإفادة، وبسط في أرجائكم ومتعلقات رجائكم اليمن والسعادة، من حضرة بجاية حرسها الله عن أحوال ترتب صلاحها على أفضل وأجوده، وفتوح تتابع افتتاحها في قريب المعمور وبعيده، وبشائر ينزه بشرها وسماحها عن الجري على معتاد الدأب المألوف ومعهوده، وآيات بينات أغنى تجليها واتضاحها عن كل برهان وجحوده، نسأل الله سبحانه عوناً بعين وينهض، وعملاً يتخلص بشكر آلائه الباهرة ويمحض، وقوة لا تنتكث بالعجز عن أداء حقوقه ولا تنتقض،
وقد تقدم أعلامكم واصل الله سروركم، وضاعف شكوركم بما كانت من صنع الله تعالى في فتح هذه البلاد التي يسر مرامها بحوله واقتداره، ونور ظلامها بأضواء هذا الأمر السعيد وأنواره، وصير
أباطحها وآكامها من مواطئ أوليائه وأنصاره، وإن أبا زكرياء يحيى ابن العزيز بالله بن المنصور (1) وجميع إخوته وقرابته وخوولته حسين أتاهم الرائد الذي لا يكذب أهله، وانتحاهم القائد المبيح وعر المنتحى وسهله، لم يكن لهم بد من التولي عن قرارهم والتخلي عن أوطانهم وأقطارهم، لأمر قضى الله فيه هذا الأمر المبارك بخير قضائه، وشأن طوى الخيرة درج تضمنه واقتضائه، فكان مأمهم الذي اعتقدوا منعته وحصانته، واعتمدوا ثقته عليهم وأمانته، بلد قسنطينة عمره الله، لكونه بحيث لا ينال بقدرة مخلوق، وأين (2) يستعلى بامتناعه على كل ملحوظ بعين المحاربة أو مرموق، وكانت جمل من عساكر الموحدين حين اختلال الجملة المذكورة فيه، واعتدادهم في عداد من يحويه ويؤويه، بجهة القلعة حرسها الله على إثر فتحها الميسر، ونيل أجرها على الوجه المتخير، فأنهض منهم بعون الله إلى تلك الجهة من رجي الخير في إنهاضه، وحض على خدمة هذا الأمر وأغراضه، فحين أم الناهضون المذكورون وفقهم الله بجهات قسنطينة حرسها الله، فتح لهم الفتح الذي تقدم إليكم بيان القول فيه وإعرابه، وأورد عليكم إبداع القدر في تقريبه وإغرابه، وعلمتم كيف انهزمت له جموع الضلال وأحزابه، وحل الموحدون
(1) يعني صاحب مملكة بجاية التي اكتسحها عبد المؤمن في جملة ما اكتسح من بلاد الشمال الإفريقي.
(2)
أين هذه، معطوفة على بحيث قبلها.
هناك وفقهم الله بساحة ذلك القطر وثراه، وغشيه منهم ما غشيه وعراه، وما ترك القطا به أن يطعم كراه.
وكان التخييم الملاصق، والتدويم المراهق، والحق يتجلى، والنصر يتولى من إظهار الطائفة العزيزة ما يتولى، إلى أن صرف الله ألباب القوم المذكورين إلى قبلة الإصابة، وأراه أن النجاة في جانب هذه العصابة، والحياة في قرارها الذي هو مقر قرار اليمن والمثابة، فاتفق رأيهم على إنفاذ جماعة منهم فيهم أخو أبي زكرياء وشيوخ صنهاجة وقسنطينة معتصمين بهذه العروة الوثقى، مستسلمين للأمر الذي لا يقابل بعناد ولا يلقى، سائلين من التأمين والإبقاء ما يدوم خيره للمحق السائل ويبقى، ووصلت الجماعة المذكورة إلى هذه الحضرة المحروسة يسعى أملها بين يديها، ويعرف القصد عما لديها، وأنهت ما تحملته من المخاطبة، وأمته لها ولمن وراءها من حسن العاقبة، فمنَّ الله على جميعهم بتيسير مطلبهم، وإجمال منقلبهم، وصدروا إلى مرسلهم تتهلل أسرتهم، وتتجمل بحلل العافية والنعمة الصافية كرتهم، فأتوا قومهم على تطلع إلى بشراهم، وتمتع بطيب ذكراهم، وأعلموهم بالصنع الذي عرفهم تعظيم صنع الله وأدراهم، فرأوا أجمعين أن الله سبحانه سنى لهم بفضله غاية ما طلبوا، ورزقهم من حيث لم يحتسبوا، ووهبهم من إيواء الفضل وقبوله فوق ما استوهبوا، حين لم يكن لهم منجى إلا الذي نزحوا عنه وهربوا، وفتحوا أبواب المدينة المذكورة عند تيقن الأمر وتحققه، وتعرف سنة هذا الأمر المبارك وعظيم خلقه، وخرجوا عن آخرهم فرحين بفضل