الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقامة النطوانية
له
(اخبر الراغب بن عبد الوارث) قال: انتظمت في تطوان برفقاء، انتظام الأخوة الأشقاء «صنوان وغير صنوان» ونزلت معهم إلى البحر أيام عيد النحر، ونحن في زي بني مروان، فوجدنا على طرفه، منطيقاً ملك بطرفه، ولدانا لم يملكهم ذو إيوان، ذوي قدود أسنة، وخدود أجنة وثغور تفتر عن أقحوان، فاصخت له أذني استمع كلامه، حتى تحقق عندي أنه أبو سلامة، الذي لم يشتمل على مثله ديوان، ولما انتشر الطعام لدينا وصفه طاهيه بين يدينا، بعثنا إليه بخوان، وانتخبنا له ألطف رسول، وقلنا له قل هل لك سول، في منادمة هؤلاء الإخوان، فبلغه هديتنا، وادى إليه وصيتنا، فقال لست رفقائي بخوان، ولا أترك الريحان، لأم غيلان واختار التناغم على الغزلان، وابدل السلم بالحرب العوان، فرجع الرسول خائباً، بشاب معه آئبا، وقد علا على وجهه هوان، فلما اخبرنا بخبره المستطرف أي استطراف، قلنا للشاب وكان من النخب الظراف، آن أتيتنا به فلك كذا وكذا حلوان، فذهب وأسرع، حتى أتاه يهرع، وتخنث عليه
تخنث الغوان، فما لبث أن وقع في فخه، وسقط على مخه، سقوط النشوان، ولما جاء بالمصيد، قال ها بيت القصيد، لبى دعوتي دون لعل ولوان) (1)، فشكرنا له الصنع، وحبوناه دون منع، ما استوجب من الحلوان، ثم وثب ودرج، وبقي في حرج، فانشد غير متوان:
صادني ظبي بدل وغنج. . . وبطرف ذي احورار ودعج
إن خطا يحسده الخطي أو. . . يتجلى قلت من عدن خرج
إن رنا يرنو له القلب إلى. . . ما دعا لبيك من دون حرج
قادني نحو بلاء ورمى. . . بزمامي من يديه ودرج
قال الراوي: فقلت مستدعياً كلامه، سحرت والله أبا سلامة، وحيل بين العير والنزوان (2)، فقال ايه يا ابن عبد الوارث، حتى متى تعين أخاك الحارث (3)، في تبديد شمل السلوان، فقلت ليت شعري ألما فرقت أجمع، إن دعوت الغلمان، جاءوا أجمع، فقال إي والله ولا عدوان، فدعوناهم لنادينا، فأجابوا منادينا، من دون تراخ ولا توان، فأماط الترح، ولبس المرح، واستحال سخطه لرضوان، ورأى شاباً منهم يجر
(1) هو مخفف من لو أن.
(2)
مثل يضرب لعدم استطاعة الشيء مع الرغبة فيه.
(3)
يعني به الحارث بن همام راوية مقامات الحريري.
رداء مرطه، ويعض سالفاً له أخرجه من قرطه فاستحسنه وقال في الأوان:
قد عض سالف شعره من بعد أن. . . أبداه من قرط تحير ناظره
خيط الظلام من الهلال بدا على. . . قمر وفي وسط الثريا آخره
فاستحيى الفتي وأطلق دلاله، فكاد أن يفارق هلاله، فقال أيضاً وما توان:
وكأن سالف شعره في قرظه. . . أفعى تطل من الهلال براس
ويردها نشر الشعاع بخده. . . لما بدا كالشمس والنبراس
ثم قال كأنكم أضمرتم غيبة، وخالجت قلوبكم ريبة باختياري الذكران على النسوان، كلا والذي حف الجنة بالمكاره والنار بالشهوات، ما دنست وجه علمي بما ليس لي بموات، ولكن طبعني على حب الحسان سوان، فما لاح ذو جمال، إلا استدعاني واستمال، ولو إني وطوان وقد علقت بالنساء والولدان غير ما مرة، وذقت من الهوى حلوه ومره، ثمرات مختلفات الألوان، وغاية الأمر إن ظفرت أن أطرب وأمرح، وفي رياض المحاسن أسرح ولا أغوى للشيطان أن أغوان:
إذا ما ظفرت بوصل حبيب. . . وزار على غفلة للرقيب
تعقفت عنه ولا مانع. . . سوى إن ربي علي رقيب
فقلنا يا تجرب حب الولدان والنساء (فهو به في كل حكم وائتساء) إيما أفضل حب المرد أم الغوان، فأنشد، وأرشد، لفضيلة النسوان.
حب النساء شاع في البراري. . . كما جرى المثل في الأقطار
وحسنهن طائل الأعمار. . . وغير مسرع إلى توار
والشمس أثبت من الأقمار. . . في سيرها في الفلك الدوار
لاكنهن داعي افتقار. . . بالصرف للدرهم والدينار
وقلماً يسلمن من إكثار
ثم قال، وما استقال، ولا تحرك منه عضوان:
حب الذكور ذاع في الأمصار. . . كما فشا الإيمان في الأنصار
وحسنهم أوفق للنظار. . . وغير محتاج إلى انتظار
والبدر لا حرج فيه جار. . . والشمس بالعكس لدى الأنظار
لاكنهم اجلب لاحتقار. . . إلى ذوي الأخطار والأقدار
وقلما يسلون عن إكثار
ولما نشر علينا أحاديثه الاصمعية المنبئة عما له من الألمعية، وظاهر الأمر على باطنه عنوان، نشرنا عليه من التحف والملابس، ما لم يكن لخاطره ملابس، حتى أحتاج في طيه لعوان، فقال شكر الله إحسانكم إلي، وتفضل عليكم كما تفضلتم علي، بتجدد النعم تجدد الملوان، وليست الدنيا بفاخرة، إلا إذا كانت مطية للآخرة، «وإن الدار الآخرة هي الحيوان» وإن من تمام الإكرام، وليس فيه إبرام، إن
تتكفلوا لي بهذا الرهوان (1)، وأشار إلى رهوان صائد، فاكتريناه منه بالزائد، وقلنا نحن له صوان وحيث تهيأ المسير، سار معنا حيث نسير، حتى إذا دخلنا المدينة فقدنا الخوان ولم نجد من يخبرنا عن مسالكه، والزمنا الشرع غرم الرهوان لمالكه، وطارت فعلته بما في أرجاء تطوان.
(1) هو البرذون.