المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقد توبة لميمون الخطابي - النبوغ المغربي في الأدب العربي - جـ ٢

[عبد الله كنون]

فهرس الكتاب

- ‌رسالة من المستشرق بروكلمان

- ‌المنتخبات الأدبيةقسم المنثور

- ‌قسم المنثور

- ‌التحميد والصلاة

- ‌تحميد القاضي عياضجمع فيه بين توحيد الجلالة وتمجيد صاحب الرسالة

- ‌تسبيح للمهدي بن تومرت

- ‌دعاء ومناجاة لأبي العباس السبتي

- ‌صلاة لعبد السلام بن مشيشوهي المعروفة بالصلاة المشيشية

- ‌صلاة لمحمد بن سليمان الجزوليمن كتابه دلائل الخيرات

- ‌صلاة لإبراهيم التازيوتعرف بالصلاة التازية

- ‌تحميد لمحمد ميارةيذكر فيه هداية الإسلام وجهاد النبي عليه السلام

- ‌صلاة لمحمد بن ناصرمن كتابه الغنيمة، (حرف الهمزة)

- ‌صلاة للمعطي بن الصالحمن كتابه الذخيرة، يذكر فيها شرف الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تحميد لخالد العمريمن خطبة له إثر عزل أحد ولاة الجوار بمدينة طنجة عام 1243 ه

- ‌صلاة للمختار الكنتيمن كتابه نفح الطيب، ضمنها عمود النسب الكريم

- ‌الخُطب

- ‌خُطبةلطارق بن زياد

- ‌خطبة إدريس الأزهرقالها بإثر مبايعته وهو ابن إحدى عشرة سنة

- ‌خطبة أخرى له

- ‌خطبة لعبدالله بن ياسينخطبها في شيوخ المرابطين وقد طعن في حروبهمع «برغواطة»

- ‌خطبة للقاضي عياضفي الحض على

- ‌خطبة للمهدي بن تومرتخطبها في شيوخ المصامدة عاهداً إلى عبد المومن

- ‌خطبة للقاضي أبي حفص بن عمريحذر فيها من مذهب الفلاسفة ويحض على اتباع السنةوهو متأثر في ذلك، ولا شك، بحملة المنصور الموحدي على الفلسفة

- ‌خطبة للمنصور المرينيكان له بإسبانيا غزوات عظيمة ومن بعض خطبه فيهايحض جيشه على القتال قوله:

- ‌خطبة لابن رشيدقام ابن رشيد للخطبة يوم الجمعة بعد فراغ المؤذن الثانيظنه الثالث فكثر لغط الناس فقال بديهة

- ‌خطبة وعظية لأبي مدين الفاسي

- ‌خطبة في التذكير والترغيبلأبي عبدالله الرهوني

- ‌خطبة للسلطان مولاي سليمان العلويفي التحذير من بدع المواسم والطوائف الضالة

- ‌خطبة وعظية للعربي الزرهونيعلى حسب أطوار الإنسان وسنيه

- ‌المناظرات

- ‌أ- في الدين

- ‌مناظرة أبي عمران الفاسي الفقهاء القيروان

- ‌مناظرة الخروبي والليسيثني والهبطيوما عقب به اليوسي عليها

- ‌ب- في الأدب

- ‌مناظرة مالك بن المرحللابن أبي الربيع النحوي، في كان ماذا

- ‌ج- في السياسة

- ‌مناظرة المهدي بن تومرت لعلماء مراكشبحضرة علي بن يوسف بن تاشفين

- ‌مناظرة السلطان زيدان بن المنصور الذهبيللشيخ يحيى بن عبدالله بن سعيد الحاحي

- ‌الرسائل

- ‌أ- السلطانيات

- ‌توقيع يوسف بن تاشفينعلى كتاب الفونش

- ‌كتابه بالفتح في واقعة الزلاقة إلى العدوة

- ‌كتاب عبد المؤمن إلى الشيخ محمد بن سعدالمعروف بابن مردنيش صاحب شرق الأندلسيدعوه إلى الدخول في دعوتهم ويظن أنه من إنشاء الوزير أبي جعفر بن عطية

- ‌رسالة من عبد المومن أيضاً إلى أهل تلمسانوهي من إنشاء الكاتب أبي عقيل بن عطية

- ‌توقيعه على رسالة أبي جعفر بن عطية

- ‌رسالة أبي حفص الهنتاتي إلى عبد المؤمن بالفتحفي ثورة أبن هود، وهي من إنشاء الوزير أبي جعفر بن عطية

- ‌ومنها في ذكر الثائر المذكور

- ‌توقيع المنصور الموحدي على كتاب الفونش

- ‌توقيع آخر له

- ‌رسالة للمأمون الموحدي من إنشائهفي الإعلان بإبطال دعوى المهدي وعصمته

- ‌توقيع له

- ‌رسالة للأمير سلمان الموحدي من إنشائهإلى ملك السودان ينكر عليه تعويق التجار

- ‌توقيع له

- ‌كتاب السلمان أبي الحسن المريني إلى الملك الناصر محمد بن قلاوونصاحب مصر، في شأن ركب الحاج المغربي والمصحف الذيخطه بيده ووقفه على الحرم النبوي الشريف

- ‌كتاب منه إلى الملك الصالح أبي الفداء إسماعيل بن محمد بن قلاوونفي التعزية بوالده وأغراض أخرى

- ‌كتاب السلطان أبي سعيد المريني الأصغر إلى الملك الناصر فَرَج بن برقوقيعلمه باستعداده لمناصرته على العدو المهاجم

- ‌بيعة صاحب مملكة بُرْنُو من أقطار السودانللمنصور الذهبي. أنشأها له كاتب المنصورعبد العزيز الفشتالي

- ‌كتاب المنصور الذهبي إلى الشيخين البدر القرافي والزين البكريفي إعلامهما ببعض الفتوح وتشوُّفه للأندلس

- ‌توقيعه على كتاب جُؤْذر

- ‌كتابٌ للسلطان مولاي الحسن العَلوي

- ‌توقيعات له

- ‌(ب) الاخوانيات

- ‌رسالة للقاضي عياض إلى الفتح ابن خاقانحمله فيها تحية للرئيس أبي عبد الرحمان بن طاهر

- ‌رسالة لأبي الحسن بن مروان الرباطي الكاتبإلى ابن الربيب المؤرخ وقد استعار منه نسخة من تاريخ غريب

- ‌رسالة لابن هانئ السبتي أجاب بها أبا القاسم الشريفوكان بعث له بقصيدة همزية فرد عليه بقصيدة مثليها وهذا النثر

- ‌رسالة لابي جعفر الجنان المكناسي بعث بها لابن الخطيبوقد فاتحه بنظيرتها محركاً قريحته

- ‌رسالة للقاضي أبي عبد الله الفشتالي إلى ابن الخطيبجواباً عن مخاطبة مدح وثناء بعث بها إليه

- ‌رسالة لعبد العزيز الفشتالي بعث بها إلى المقريصاحب نفح الطيب جواباً عن كتاب كتبه له قبيل تشريقه

- ‌رسالة للأديب محمد ابن إبراهيم الفاسي إلى الشهاب محمود الخفاجيجواباً عن كتاب بعث به إليه

- ‌(ج) (المتفرقات)

- ‌رسالة للقاضي أبي موسى بن عمرانالمتوفي سنة 578 إلى ولد له بفاس قد ناهز الحلم

- ‌رسالة أبي جعفر بن عطية إلى عبد المؤمن يستعطفه بها

- ‌رسالة أبي الخطاب بن دحيةإلى والي بجاية يسأله تسريح خديم له أخذ في غزاة البحروقد ارتكب فيها غريب اللغة على عادته

- ‌رسالة إلى عبد الواحد المراكشيمن صديق له صبي لم يبلغ الاحتلام، يخبره ببعض الفتوح

- ‌عقد توبة لميمون الخطابي

- ‌إهداء أبي القاسم الشريف ديوان شعره إلى ابن الخطيب

- ‌كتاب الأستاذ ابن حكم السلوي إلى المقري الجدوكان بعث له بمحرر للبيع فسأله إبداله بإحرام تونسي

- ‌رسالة لأبي بكر بن شبرينإلى أبي الحكم بن مسعود وهو شاهد بالمواريث يداعبه فيها

- ‌المقامات

- ‌المقامة الزهريةفي منح المكارم البكرية لمحمد المكلاتي

- ‌مقامة الحجاملابن الطيب العلمي

- ‌المقامة النطوانيةله

- ‌مقامةللوزير ابن إدريس

- ‌المحاضرات

- ‌خير العلم ما حوضر بهشجاعة إدريس الأزهر

- ‌الحسن الحجام

- ‌محاسن الزهد والورع

- ‌تحري القاضي ابن محسود للعدالة

- ‌ملح أهل التصوف

- ‌وكل ناطقة في الكون تطربني

- ‌همة عالم

- ‌عالم ابن دلأل

- ‌حسن الجواب

- ‌بين عبد المؤمن ووزيره

- ‌أعاقبه بالحلم

- ‌المنصور الموحدي والفيل

- ‌سوء الفال

- ‌وقف على الشعراء

- ‌بين أمرين

- ‌مُلح نحوية

- ‌من محاسن التصحيف

- ‌حديث اللظافة)

- ‌نجابة الأولاد

- ‌بديهة الجراوي

- ‌الأصيل في فاس

- ‌بين ابن عبدوس وابن الجهم

- ‌الوجد مع الوجد

- ‌حسن الاعتذار

- ‌حسن التعليل

- ‌من اللطائف في التشميت

- ‌شاعر بليد الطبع

- ‌المودة في القربى

- ‌إنك لبحر

- ‌حلم المنصور الموحدي وعلمه

- ‌من إكرام أبي العلاء الموحدي للعلماء

- ‌هي الشمس

- ‌حيوانات معلمة

- ‌أحب سلا

- ‌نتيجة العلم

- ‌تظليل صحن القرويين

- ‌تحت ثريا القرويين

- ‌قاض حضرمي

- ‌فتحت لنجلك باب الفتوح

- ‌بين ابن المرحل وابن رشيق

- ‌زكانة ابن البناء

- ‌شعر للشريف المومنانييغنيه ابن الطراحة

- ‌محتسب وشاعر

- ‌حلف لا يمشي شاعره لداره إلا على الذهب

- ‌من حكاياتهم في العفاف

- ‌من محاسن الكناية

- ‌غريبة رابغ

- ‌آخر ما نسمع منهم

- ‌كلم نوابغللكاتب محمد بن سلمان من رجال الأنيس

- ‌المقالات

- ‌البلاغة النبوية للقاضي عياض

- ‌الألقاب والنعوتلابن الحاج الفاسي

- ‌النارجيللابن بطوطة

- ‌أطول الطريقللشيخ زروق

- ‌التاريخوالألفاظ المستعملة فيهلأحمد بن عرضون

- ‌التوشيح والوشاحونللإفراني

- ‌تقسيمُ العُلومُإلى فلسفيّة ومِلِّيَّةوبيان ما تواطأت عليهالمِلَّة والفلسفة مِنْهَالأبي علي اليوسي

- ‌القلم في اللغةلأكنْسُوس

الفصل: ‌عقد توبة لميمون الخطابي

‌عقد توبة لميمون الخطابي

(1)

يقول العبد الذي اعترف بما اقترف لمولاه، وأقر له بما أضاعه لا بما أطاعه على ما منحه من النعم وأولاه، الميمون بن علي الخطابي، جبر الله بالتقوى كسره، وفك من حبائل الدنيا أسره، لم أزل مدة أيام بل عدة أعوام، أخالل كل مخل بديني، واستظل من إطالة البطالة بكل ظل مضل يرديني، وأخالف كل صالح مصلح، وأحالف كل طالح غير مفلح، وأجر أذيال المجون على أرض الراحة، وأطلق عنان مهر الغفلة في ميدان النسيان فيطيل جماحه ومراحه، راكباً مطاياً التسويف دون إهمال، مستوطئا فرش الكسل والانهماك في الشهوات والانهمال، مستوطناً ربع التصابي بقلة الأعمال وكثرة الآمال، سالكاً سبيل الهزل وطريقه، تاركاً قبيل الجد وفريقه، لا أثني عناني، إلى ما يعنيني، ولا أزال أعاني، ما يعنيني، ولطائف الله عز وجل التي يضيق عن حمل أصغرها الأمكنة الفسيحة، ولا يطيق بلوغ شكرها الألسنة الفصيحة، ضاحية الورود، ضافية البرود وقد طنبت علي قبابها وأرواقها، وخلعت بعنقي ثيابها وأطواقها وأطردت بماء النعمة مذانبها

(1) لبهلول المجنون حديث يشبه أن يكون هو الأصل هذا العقد فأنظره إن شئت في كتاب عقلاء المجانين لابن حبيب النيسابوري.

ص: 480

وأنهارها، وتساوي في القدوم بالكرم ليلها ونهارها، وأنا مع ذلك لا أزيد إلا غفلة عن القصد السني وسهواً، ولا استزيد إلا اشتغالاً عن المقصود السني ولهوا، إلى أن أجرى الله عادة إحسانه وجوده، وأرادت مراداته السائقة السابقة إخراج العبد المذكور من عدم الغفلة إلى ظهور الإلهام ووجوده، فسلط رعد الخوف على سحائب سمائه فكشفها وجلاها، وحل بساحة أرضها سكر السلو فسكرها من سواه وخلاها، وقلد أجياد فكره بقلائد حمده وشكره وحلاها، وسل من سويداء قلبه محبة غيره فتزهها عنه وسلاها فلاح إصباح النجاح وآذن ليل الغفلة بالصباح، ونادي منادي الوصلة بمنار العزلة حي على الفلاح وصاح كالئ، صبح النجح بالسفر المعرسين شدوا المطي فقد سال نهر النهار، ومال جرف الليل والنهار، وانفجر عمود الفجر بنوره الوضاح، فلاح، فأفاق العبد المذكور من نوم الركون، إلى السكون والكرى، وشمر للسير ذيوله وضمر للسبق خيوله إذ سمع عند الصباح يحمد القوم السرى.

ثم كتب العبد المذكور عقداً وعهد مع المولى الجليل عهداً، وهو على خوف ووجل يسأله ادراك ما أمله، والوصول إلى ما أم له، ويتبرأ من حوله وقوته إليه، ويتوكل في جميع أموره عليه، ويقف بقدم الندم بين يديه، معترفاً بما كان له مقترفاً، وراجياً أن يكون من بحر الإحسان لدار الامتنان مغترفاً، والعقد المذكور:

ص: 481

هذا ما اشترى المولى اللطيف الجليل، من العبد الضعيف الذليل الميمون ابن علي، اشترى منه في صفقة واحدة دون استبقاء ولا تبعيض، ولا استثناء بتصريح ولا تعريض، جميع المنزل المعروف بمنزل القلب والفؤاد، الذي من سكانه الإخلاص والمحبة والوداد، حده من القِبلة قبوله الأوامر المطاعة، ومن الشرق لزوم السمع والطاعة، ومن الجنوب الإقبال على ما عليه أهل السنة والجماعة، ومن الغرب دوام المراقبة في كل وقت وساعة، بكل ما يخص هذا المبيع المذكور ويعمه، وينتهي إليه كل حد من حدوده ويضمه، من داخل الحقوق وخارجها، ومداخل المنافع ومخارجها، وبكل ما له من الآلات التابعة له في التصرف، والحواس الجارية معه في حالتي الإضاعة والتشرف، السالكة مسلكه في التنكر والتعرف، من يدين ورجلين، ولسان وشفتين، وعينين وأذنين، اشتراء صحيحاً تاماً، شائعاً في جميع المبيع المذكور وعاماً، ثبتت قواعده، وظهرت بالتسليم الصحيح شواهده، بلا شرط ولا ثنيا ولا خيار، ولا بقيا مع حظ نفس ولا اختيار، بثمن رتبته العناية الربانية، ونسخته المشيئة الإلاهية، بين عاجل وآجل، فالعاجل العون على كل مندوب ومفترض، والصون عن كل غرض وعرض، والثناء على النعم الظاهرة والباطنة، وإهداء الآلاء المتحركة والساكنة. والآجل الفوز بالدار القدسية، والحضرة الأنسية، التي فيها ما امتد به جناح التواتر بالخبر الصادق وانتشر، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر

ص: 482

على قلب بشر، من النعيم السرمدي، والحبور الدائم الأبدي.

سلم العبد المذكور هذا المبيع المذكور تسليماً تبرأ فيه من الملكة، ورفع به يد الاعتراض عما يفعل المولى الجليل فيما ملكه، وأيقن أنه المتصرف فيه في سره وجهره، وعلم أن الملك المذكور تحت يد عنزته وقهره، يجري فيه أحكامه القاهرة، وينفذ فيه قضاياه الباهرة، ومقتضي قدرته الظاهرة، وقد أحاط المولى الجليل بهذا المبيع المذكور، إحاطة ظهور، ولم يخف عليه شيء من قليله وكثيره، وجليله وحقيره، ومبانيه ومساكنه، ومتحركه وساكنه، واطلع عليها اطلاع عليم قدير، «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير» .

ولما أسلم العبد المذكور المبيع المذكور وأمضاه، واستسلم لمولاه فيما حكم به وقضاه، تفضل عليه مولاه وغمره بجوده العميم وأولاه، وجعل له السكني بهذا المنزل المذكور مدة حياته، والإقامة فيه إلى حين مماته، وإتيان وفاته، إذ يستحيل على المولى الجليل الحلول في شيء، أو السكون إلى شيء، وهو موجد كل شيء وخالق كل ميت وحي، ومريد كل رشد ومقدر كل شيء (1) به قيام جميع العبيد، وعن قدره غناهم وفقرهم لأنه الفعال لما يريد، وهو ميسرهم لليسرى فمنهم شقي وسعيد، وله الغني عن كل شيء وهو الغني الحميد.

(1) كذا، ولعله غي،

ص: 483

وقد أمر المولى الجليل بخدمة هذا المنزل المذكور خدمة التقرب إليه، وجعل له التصرف فيه لقبول أمره للفوز بما لديه، وبهذا المنزل المذكور بساتين تسمى بساتين الإخلاص، وجنات تعرف بجنات حضرة القلب المعروف بمحل الاستخلاص، التزم العبد المذكور تسهيل أرضها من شوك الشرك والارتياب، وتذليلها من حجر العجب والاضطراب، في حالتي الحضور والغياب، وتنقيتها من أعشاب الحسد والحقد والكبر، وزوال ما فيها من عوارض الغش والخديعة والمكر، وإن يقطع منها كل عود لا منفعة فيه بحديد الفكر، مثل عود الحرص والطمع، ويغرس مكانه شجر الزهد والورع، ويقلم أغصان الميل إلى الأدران والأقذار، وأفنان الركون إلى الأغيار والأكدار، وقضبان السكون إلى الشهوات والأوطار، ويفتح أبواب البذل والإيثار، بمفاتح الجود الحميد المساعي والآثار، ويطلق ينابيع التوكل على مصرف الأقدار، وإن يخدم ما توعر من سواقي مياهها الإخلاصية وحياضها، ويمشي بالمصلحة المصلحة لدوحاتها وغياضها، ويفجر بها مياه الصفاء من الأكدار، المتصلة بساقية الوفاء في الإيراد والإصدار، والملاصقة لساقية ترك الجفاء في هذه الدار، حتى يبدو إن شاء الله صلاحها، ويكثر ببركة الله إصلاحها، وتهب بقبول القبول أرواحها، وتثير بجنى المنى أدواحها، فتنبت قرنفل التنقل، وعود التقبل، وآس الأنس

ص: 484

والسوسان، وياسمين اليأس من كل إنسان، ونعمان النعمة التي لا يصفها لسان.

وقد علم العبد المذكور أن بخارج هذا المنزل حرس الله إيمانه، وأدام أمانه، جيشاً يغير عليه في مسائه وصباحه، وينتهز فيه الفرصة في غدوه ورواحه، ويقطع جادة السبيل بالمرور عليها إلى حضرة الملك الجليل وملك هذا الجيش المذكور النفس الكثيرة الأغراض، الميالة إلى ما يعرض من الأعراض، المعتكفة على المشارب المهلكة والإعراض، وخادم الملك المذكور الشهوة الموقوفة على خدمته، المعدودة في أعلى خزنته، ووزيره المفاخرة، وزمامه المنافسة في زهرة الدنيا وحاجبه المكاثرة، وقيم جيشه المقدم، وفارسه الأقدم، شجاع الغضب، الذي عنده يتولد الهلاك وبه يكون العطب. وطلب العبد المذكور من مولاه السداد بعساكر العزم، وفوارس الحزم، ورغب منه الإعانة بكتائب السداد والتوفيق ومواكب الرشد والتحقيق، وإرسال جيوش الاصطبار، وفوارس الانتصار في ميادين الاختبار، والتدرع بدروع الأذكار، وجولان خيل السعادة في ميادين الاختيار، والعون بأعلام العلم، والسكون في حصن الحلمٍ، حتى يذهب حدة النفس ويزيل كيدها ويميتها في المجاهدة بسيوف المجادلة ويقطع قوتها وأيدها، أو تمديد التسليم بقهرها واضطرارها، وينطق بلسان اعترافها وإقرارها، أنها أسقطت جملة دعواها واختيارها، ودخلت تحت امتثال الأوامر

ص: 485