الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالطاعة وبادروا، وقد تحققتم يا عباد الله أنه ليس بعد هذه الدار، منزل ولا قرار، سوى الجنة أو النار، فاختاروا لأنفسكم وانظروا. . . في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق ثمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة، إن أحسن ما أنتم له سامعون، كلام من نحن له عابدون (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).
خطبة للسلطان مولاي سليمان العلوي
في التحذير من بدع المواسم والطوائف الضالة
أما بعد أيها الناس، شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم، واستعمل فيها يرضيه آمركم ومأموركم، فإن الله قد استرعانا جماعتكم وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم، ولهذا نرثي لغفلتكم وعدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم، فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا لله سركم وإعلانكم، وأعلموا أن الله أوضح لكم طريق السنة لتسلكوها، وصرح
بذم اللهو والشهوات لتملكوها، فامتثلوا أمره في ذلك وأطيعوه، وأعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدعة هذه المواسم التي أنتم بها متلبسون، والضلالة التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون (1)، افترقوا أوزاعاً) (2)، وانتزعوا الأموال انتزاعاً وأنفقوها فيما هو حرام كتاباً وسنة وإجماعاً، وصاروا يترقبون للهوهم الساعات وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه (3) منهم الجماعات، وكل ذلك حرام ممنوع، والإنفاق فيه انفاق في غير مشروع، فأنشدكم الله عباد الله هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه سيد الشهداء موسماً؟ وهل فعل سيد هذه الأمة أبو بكر السيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم موسماً؟ وهل تصدى لذلك أحد من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين؟ ثم أنشدكم الله هل زخرفت على عهد رسول الله المساجد؟ أوزوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد؟ كأني بكم تقولون في نحو هذه المواسم وزخرفة أضرحة الصالحين وغير ذلك من أنواع الابتداع: حسبنا الاقتداء والاتباع، (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (وهذه المقالة قالها الجاحدون، وقد رد الله مقالهم، ووبخهم وما أقالهم، والعاقل من اقتدى بالسلف المهتدين، أهل الصلاح والدين، (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.) كما في الحديث، وبالضرورة إنه لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، فقد قبض رسول
(1) أي يخلطون.
(2)
أي فرقاً وهو جمع لا مفرد له.
(3)
يعني وسائله التي يستهويهم بها.
الله صلى الله عليه وسلم وعقد الدين قد سجل، ووعد الله بإكماله قد عجل، (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة رضي الله عنهم: أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الجادة، فلا تميلوا بالناس يميناً ولا شمالاً، ألا وإنه ليس في دين الله، ولا فيما شرع نبي الله، أن يتقرب بغناء ولا شطح، في فرح أو قرح، والذكر الذي أمر الله به وحث عليه ومدح الذاكرين به هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد، فهذه سنة السلف، وطريقة صالحي الخلف، فمن قال بغير قولهم فلا يستمع، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع، (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع؟ أأمنا من مكر الله؟ أم تلبيساً على عباد الله؟ أم منابذة لمن النواصي بيديه؟ أم اغتراراً من الرجوع إليه؟ فتوبوا واعتبروا، وغيروا المناكر واستغفروا، فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع ما بين العاصي والمداهن والمطيع، ومن أراد منكم التقرب بصدقة، أو وفق المعروف من إطعام أو نفقة، فعلى من ذكر الله في كتابه، ووعد فيهم بجزيل ثوابه، كذوي
الضرورة غير الخافية، والمرضى الذين لستم بأولى منهم بالعافية، ولا يتقرب إلى مالك النواصي، بالبدع والمعاصي، بل بما يتقرب به الأولياء الصالحون، والأتقياء المفلحون، أكل الحلال، وقيام الليال، ومجاهدة النفس في حفظ الأحوال، بالأقوال والأفعال، البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد، ونصيحة تهدى، وأمانة تؤدى وصلاة وصيام، واجتناب مواقع الآثام، (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) الصراط المستقيم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليس الصراط المستقيم كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والأحداث وتغيير الأحكام الشرعية بالبدع والإحداث، والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص، (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً) في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: يجاء بالرجل يوم القيامة وبين يديه راية يحملها، وأناس يتبعونه فيسأل عنهم ويسألون عنه (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب) فإياكم عباد الله ثم إياكم وهذه البدع، فإنها تترك مراسم الدين خالية خاوية، والعكوف على المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية، ومن المنقول عن كل الملل، والمشهور في الأواخر والأول، أن المناكر والبدع إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات
ووقعت فيهم المثلات، وشحت السماء، وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقصت بركة الزروع، لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طرق الفوائد، والأدب مع الله ثلاثة، حفظ الحرمة بالاستسلام والاتباع، ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع، ومراقبة الله في الضيق والاتساع لا ما يفعله هؤلاء المتسمون بالفقراء، وكل ذلك كذب على الله وافتراء. عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فاعهد إلينا قال أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجد، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وها نحن عباد الله أرشدناكم، وحذرنا كم وأنذرناكم فمن ذهب بعد لهذه المواسم، أو أحدث بدعة في شريعة أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين (1)، وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
(1) أي أوقعه على وجهه.