المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقامة الزهريةفي منح المكارم البكرية لمحمد المكلاتي - النبوغ المغربي في الأدب العربي - جـ ٢

[عبد الله كنون]

فهرس الكتاب

- ‌رسالة من المستشرق بروكلمان

- ‌المنتخبات الأدبيةقسم المنثور

- ‌قسم المنثور

- ‌التحميد والصلاة

- ‌تحميد القاضي عياضجمع فيه بين توحيد الجلالة وتمجيد صاحب الرسالة

- ‌تسبيح للمهدي بن تومرت

- ‌دعاء ومناجاة لأبي العباس السبتي

- ‌صلاة لعبد السلام بن مشيشوهي المعروفة بالصلاة المشيشية

- ‌صلاة لمحمد بن سليمان الجزوليمن كتابه دلائل الخيرات

- ‌صلاة لإبراهيم التازيوتعرف بالصلاة التازية

- ‌تحميد لمحمد ميارةيذكر فيه هداية الإسلام وجهاد النبي عليه السلام

- ‌صلاة لمحمد بن ناصرمن كتابه الغنيمة، (حرف الهمزة)

- ‌صلاة للمعطي بن الصالحمن كتابه الذخيرة، يذكر فيها شرف الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌تحميد لخالد العمريمن خطبة له إثر عزل أحد ولاة الجوار بمدينة طنجة عام 1243 ه

- ‌صلاة للمختار الكنتيمن كتابه نفح الطيب، ضمنها عمود النسب الكريم

- ‌الخُطب

- ‌خُطبةلطارق بن زياد

- ‌خطبة إدريس الأزهرقالها بإثر مبايعته وهو ابن إحدى عشرة سنة

- ‌خطبة أخرى له

- ‌خطبة لعبدالله بن ياسينخطبها في شيوخ المرابطين وقد طعن في حروبهمع «برغواطة»

- ‌خطبة للقاضي عياضفي الحض على

- ‌خطبة للمهدي بن تومرتخطبها في شيوخ المصامدة عاهداً إلى عبد المومن

- ‌خطبة للقاضي أبي حفص بن عمريحذر فيها من مذهب الفلاسفة ويحض على اتباع السنةوهو متأثر في ذلك، ولا شك، بحملة المنصور الموحدي على الفلسفة

- ‌خطبة للمنصور المرينيكان له بإسبانيا غزوات عظيمة ومن بعض خطبه فيهايحض جيشه على القتال قوله:

- ‌خطبة لابن رشيدقام ابن رشيد للخطبة يوم الجمعة بعد فراغ المؤذن الثانيظنه الثالث فكثر لغط الناس فقال بديهة

- ‌خطبة وعظية لأبي مدين الفاسي

- ‌خطبة في التذكير والترغيبلأبي عبدالله الرهوني

- ‌خطبة للسلطان مولاي سليمان العلويفي التحذير من بدع المواسم والطوائف الضالة

- ‌خطبة وعظية للعربي الزرهونيعلى حسب أطوار الإنسان وسنيه

- ‌المناظرات

- ‌أ- في الدين

- ‌مناظرة أبي عمران الفاسي الفقهاء القيروان

- ‌مناظرة الخروبي والليسيثني والهبطيوما عقب به اليوسي عليها

- ‌ب- في الأدب

- ‌مناظرة مالك بن المرحللابن أبي الربيع النحوي، في كان ماذا

- ‌ج- في السياسة

- ‌مناظرة المهدي بن تومرت لعلماء مراكشبحضرة علي بن يوسف بن تاشفين

- ‌مناظرة السلطان زيدان بن المنصور الذهبيللشيخ يحيى بن عبدالله بن سعيد الحاحي

- ‌الرسائل

- ‌أ- السلطانيات

- ‌توقيع يوسف بن تاشفينعلى كتاب الفونش

- ‌كتابه بالفتح في واقعة الزلاقة إلى العدوة

- ‌كتاب عبد المؤمن إلى الشيخ محمد بن سعدالمعروف بابن مردنيش صاحب شرق الأندلسيدعوه إلى الدخول في دعوتهم ويظن أنه من إنشاء الوزير أبي جعفر بن عطية

- ‌رسالة من عبد المومن أيضاً إلى أهل تلمسانوهي من إنشاء الكاتب أبي عقيل بن عطية

- ‌توقيعه على رسالة أبي جعفر بن عطية

- ‌رسالة أبي حفص الهنتاتي إلى عبد المؤمن بالفتحفي ثورة أبن هود، وهي من إنشاء الوزير أبي جعفر بن عطية

- ‌ومنها في ذكر الثائر المذكور

- ‌توقيع المنصور الموحدي على كتاب الفونش

- ‌توقيع آخر له

- ‌رسالة للمأمون الموحدي من إنشائهفي الإعلان بإبطال دعوى المهدي وعصمته

- ‌توقيع له

- ‌رسالة للأمير سلمان الموحدي من إنشائهإلى ملك السودان ينكر عليه تعويق التجار

- ‌توقيع له

- ‌كتاب السلمان أبي الحسن المريني إلى الملك الناصر محمد بن قلاوونصاحب مصر، في شأن ركب الحاج المغربي والمصحف الذيخطه بيده ووقفه على الحرم النبوي الشريف

- ‌كتاب منه إلى الملك الصالح أبي الفداء إسماعيل بن محمد بن قلاوونفي التعزية بوالده وأغراض أخرى

- ‌كتاب السلطان أبي سعيد المريني الأصغر إلى الملك الناصر فَرَج بن برقوقيعلمه باستعداده لمناصرته على العدو المهاجم

- ‌بيعة صاحب مملكة بُرْنُو من أقطار السودانللمنصور الذهبي. أنشأها له كاتب المنصورعبد العزيز الفشتالي

- ‌كتاب المنصور الذهبي إلى الشيخين البدر القرافي والزين البكريفي إعلامهما ببعض الفتوح وتشوُّفه للأندلس

- ‌توقيعه على كتاب جُؤْذر

- ‌كتابٌ للسلطان مولاي الحسن العَلوي

- ‌توقيعات له

- ‌(ب) الاخوانيات

- ‌رسالة للقاضي عياض إلى الفتح ابن خاقانحمله فيها تحية للرئيس أبي عبد الرحمان بن طاهر

- ‌رسالة لأبي الحسن بن مروان الرباطي الكاتبإلى ابن الربيب المؤرخ وقد استعار منه نسخة من تاريخ غريب

- ‌رسالة لابن هانئ السبتي أجاب بها أبا القاسم الشريفوكان بعث له بقصيدة همزية فرد عليه بقصيدة مثليها وهذا النثر

- ‌رسالة لابي جعفر الجنان المكناسي بعث بها لابن الخطيبوقد فاتحه بنظيرتها محركاً قريحته

- ‌رسالة للقاضي أبي عبد الله الفشتالي إلى ابن الخطيبجواباً عن مخاطبة مدح وثناء بعث بها إليه

- ‌رسالة لعبد العزيز الفشتالي بعث بها إلى المقريصاحب نفح الطيب جواباً عن كتاب كتبه له قبيل تشريقه

- ‌رسالة للأديب محمد ابن إبراهيم الفاسي إلى الشهاب محمود الخفاجيجواباً عن كتاب بعث به إليه

- ‌(ج) (المتفرقات)

- ‌رسالة للقاضي أبي موسى بن عمرانالمتوفي سنة 578 إلى ولد له بفاس قد ناهز الحلم

- ‌رسالة أبي جعفر بن عطية إلى عبد المؤمن يستعطفه بها

- ‌رسالة أبي الخطاب بن دحيةإلى والي بجاية يسأله تسريح خديم له أخذ في غزاة البحروقد ارتكب فيها غريب اللغة على عادته

- ‌رسالة إلى عبد الواحد المراكشيمن صديق له صبي لم يبلغ الاحتلام، يخبره ببعض الفتوح

- ‌عقد توبة لميمون الخطابي

- ‌إهداء أبي القاسم الشريف ديوان شعره إلى ابن الخطيب

- ‌كتاب الأستاذ ابن حكم السلوي إلى المقري الجدوكان بعث له بمحرر للبيع فسأله إبداله بإحرام تونسي

- ‌رسالة لأبي بكر بن شبرينإلى أبي الحكم بن مسعود وهو شاهد بالمواريث يداعبه فيها

- ‌المقامات

- ‌المقامة الزهريةفي منح المكارم البكرية لمحمد المكلاتي

- ‌مقامة الحجاملابن الطيب العلمي

- ‌المقامة النطوانيةله

- ‌مقامةللوزير ابن إدريس

- ‌المحاضرات

- ‌خير العلم ما حوضر بهشجاعة إدريس الأزهر

- ‌الحسن الحجام

- ‌محاسن الزهد والورع

- ‌تحري القاضي ابن محسود للعدالة

- ‌ملح أهل التصوف

- ‌وكل ناطقة في الكون تطربني

- ‌همة عالم

- ‌عالم ابن دلأل

- ‌حسن الجواب

- ‌بين عبد المؤمن ووزيره

- ‌أعاقبه بالحلم

- ‌المنصور الموحدي والفيل

- ‌سوء الفال

- ‌وقف على الشعراء

- ‌بين أمرين

- ‌مُلح نحوية

- ‌من محاسن التصحيف

- ‌حديث اللظافة)

- ‌نجابة الأولاد

- ‌بديهة الجراوي

- ‌الأصيل في فاس

- ‌بين ابن عبدوس وابن الجهم

- ‌الوجد مع الوجد

- ‌حسن الاعتذار

- ‌حسن التعليل

- ‌من اللطائف في التشميت

- ‌شاعر بليد الطبع

- ‌المودة في القربى

- ‌إنك لبحر

- ‌حلم المنصور الموحدي وعلمه

- ‌من إكرام أبي العلاء الموحدي للعلماء

- ‌هي الشمس

- ‌حيوانات معلمة

- ‌أحب سلا

- ‌نتيجة العلم

- ‌تظليل صحن القرويين

- ‌تحت ثريا القرويين

- ‌قاض حضرمي

- ‌فتحت لنجلك باب الفتوح

- ‌بين ابن المرحل وابن رشيق

- ‌زكانة ابن البناء

- ‌شعر للشريف المومنانييغنيه ابن الطراحة

- ‌محتسب وشاعر

- ‌حلف لا يمشي شاعره لداره إلا على الذهب

- ‌من حكاياتهم في العفاف

- ‌من محاسن الكناية

- ‌غريبة رابغ

- ‌آخر ما نسمع منهم

- ‌كلم نوابغللكاتب محمد بن سلمان من رجال الأنيس

- ‌المقالات

- ‌البلاغة النبوية للقاضي عياض

- ‌الألقاب والنعوتلابن الحاج الفاسي

- ‌النارجيللابن بطوطة

- ‌أطول الطريقللشيخ زروق

- ‌التاريخوالألفاظ المستعملة فيهلأحمد بن عرضون

- ‌التوشيح والوشاحونللإفراني

- ‌تقسيمُ العُلومُإلى فلسفيّة ومِلِّيَّةوبيان ما تواطأت عليهالمِلَّة والفلسفة مِنْهَالأبي علي اليوسي

- ‌القلم في اللغةلأكنْسُوس

الفصل: ‌المقامة الزهريةفي منح المكارم البكرية لمحمد المكلاتي

‌المقامة الزهرية

في منح المكارم البكرية لمحمد المكلاتي

حدثنا بشر بن سرور، عن سهل بن ميسور، عن الضحاك بسنده عن بسام، قال: تراءت لي من الأماني الوجوه الوسام، وأنا من نشاط الشيبة وافر الحظوظ والأقسام، لم يفتني من قواعد اللهو إلا الحج، فأقمت من قول القائل وظائف العين والثج (1)،

أحجج إلى الروض لتحظى به. . . وارم جمار الهم مستنفراً

من لم يطف بالروض في زهره. . . من قبل أن يحلق قد قصرا

فلبيت داعيه، ، وأصغيت إليه بأذن واعية، وأزمعت المجاز، إلى المشاعر التي ليس بينها وبين اللذات حجاز (2)، وأعملت يعملات العزم، وأدخلت على معتل التواني عوامل الجزم، فتخيرت من السمر أطيب أوقاته، وأحرمت مع حجيج الأنس من ميقاته، وسرت

(1) العج رفع الصوت بالتلبية والثج إسالة دم الهدي وذلك في الحج.

(2)

فاصل.

ص: 504

والنسيم معتل، وخد الثرى بمدامع الأنداء مبتل، فأتيت روضا قد تولاه الولي، ووسمه الوسمي (1) وأظلته رايات الصباح، وباكرت الصبا تقبيل نوره من قبل أن ترشف شمس الضحى ريق الغوادي من ثغور الأقاح؛ فأقمت منه

حيث الغدير وقد أجادت نقشه. . . كف النسيم ومرها في جوشن

وغصون أدواح الرياض تهزها. . . نغم القماري بالغناء المحسن

ما بين ثغر للأقاح مفلج. . . وجبين نهر بالنسيم مغضن

ووجوه هاتيك الرياض سوافر. . . غيد تزان في المياه بأعين

والأرض تجلى في رياض أخضر. . . والجو يبرز في قناع أدكن

وما زلنا بين تلك المنازل ترمي جمار الفوايد، ونرد من ذلك أحلى المصادر وأعذب الموارد، إلى أن ارتقت الشمس درجة العلى، واستوت لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلا، فترامينا على تلك الظلال، مستحسنين قول من قال:

وقانا لفحة الرمضاء واد. . . وقاه مضاعف الغيث العميم

يصد الشمس أني قابلتنا. . . فيحجبها ويأذن للنسيم

(1) الوسمي أول مطر الربيع والولي المطر الذي يليه.

ص: 505

وأسقانا على ظمأ زلالاً. . . ألذ من المدامة للنديم

تروع حصاه حالية الغواني. . . فتلمس جانب العقد النظيم

فإنا لكذلك إذ برق الجو فسل علينا نصوله المذهبة، وارتفعت للغمام فماطيط مطنبة، وجعل السحاب يسوق المواكب، وأخذ الرباب) (1) رتب الكتايب، فتصبب عرقاً، ونادم الروض فغنى وسقى، فما أغمد سيف ذلك البرق، ولا انقشع ذلك الودق، إلا والمساء قد طفَل، والروض في ثوب الأصيل قد رفل

ورب عشية فيها طفقنا. . . نرود الظل والماء القراحا

وقد ضرب الضريب (2) بها قباباً. . . على البطحاء أبهجت البطاحا

وكان جنابها المخضر آساً. . . فأصبح وهو مبيض أقاحاً

كأن الخضر (3) جربها يميناً. . . ومد عليها جبريل جناحاً

فبتنا حيران دولاب يهدل، وأغصان تنثني وتعتدل، وستر الظلام ينسدل، فانجلى الأفق عن روضة غارت منها الرياض، ينساب من مجرتها ما يفعم الحياض، وأنستنا ما طوى النهار عنا من المحاسن،

(1) السحاب الأبيض.

(2)

الثلج.

(3)

هو بكسر الضاد ويخفف بالسكون نبي معروف روي أنه جلس على ربوة بيضاء فاهتزت تحته خضراء

ص: 506

ووردنا من بقية أنسنا ماءها غير كدر ولا آسن

تحسب النجم في دجى الليل زهراً. . . في رباها وتحسب الزهر نجماً

فمتعنا الطرف في الروضتين، وحصلنا من الأنس على جنا الجنتين، حتى إذا عبث الابتسام بالوجوم، وفاض نهر المجرة على حصباء النجوم، وكاد جرف الليل ينهار، سمعنا من بين جلبة الطير والأزهار:

هات المدام إذا رأيت شبيهها. . . في الأفق يا فرداً بغير شبيه

فالصبح قد ذبح الظلام بنصله. . . فغدت حمائمه تخاصم فيه

قال الراوي فأوجست خيفة في نفسي، واعتضت الخيفة بدل أنسي، وقمت مذعوراً لفرط الدهش، والجو بين الضياء والغبش، «يقلب الله الليل والنهار، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، » فتراءت لي وجوه الرياض تثعب دماً، كأنما اكتست الآفاق من حمرته عندما، فتوهمته من بقايا الشفق أسفر عنها ضوء الفلق، فإذا هو ينادي بلسان طليق: أنا أخو الرياض (الشقيق)، كم كسوته جمالاً، وكسبته من ورق ورقي مالاً، من وجهي تعرف نضرة النعيم ومزاج كأسي من تسنيم، فدع قول عياض (1)، ووصفه إياي بين الرياض، وخل من الألوان

(1) يشير إلى بيتي القاضي عياض في الشقيق الآتيين بعد.

ص: 507

المخضر، وأسمع ما قيل الحسن أحمر فالأزاهير عساكر وأنا لها أعلام، فحسبي ما قال علماء الشعر الأعلام:

وكأن محمر الشقيق إذا تصوب أو تصعد

أعلام ياقوت نشر. . . ن على رماح من زبرجد

فصاح به (النمام)، أقصر فلي بحضرتكما إلمام، متى جملت الرياض، ومتى أغنيت الحياض، وأني لوجهك النضرة، وقد أبدى صفحة، ليس لها عرف ولا نفحة، أما ذكرت سواد قلبك، وقضاء ربك، وقد جرح القاضي (1) شهادتك، ورد نداءك وإشادتك:

انظر إلى الزرع وخاماته. . . تحكي وقد ماست أمام الرياح

كثيبة خضراء مهزومة. . . شقائق النعمان فيها جراح

نعم صبغك مستحيل، وأعلامك مؤذنة بالرحيل عن الرسم المحيل، فما النضرة، إلا للخضرة، أو ما علمت أن بها يشبه العذار، إذا استدار، ما أحسن الريحان في الجلنار فإن قلت نمام فما نم إلا بأمره، ولا باح إلا بسره

لم كرة النمام أهل الهوى. . . أساء إخواني وما أحسنوا

(1) يريد به القاضي عياض وما في بيتيه من تشبيه الشقائق بالجراح.

ص: 508

إن كان نمام فعكوسه. . . من غير تأديب لهم مأمن

فناداه (البان)، وقد ظهر عليه وبان، أيها المفتخر بفيه، المتحلي بما ليس فيه، تسرق السمع بأدني فرس، فشأنه كله خلس، أما علمت أن النمام في النار أما كفاك هذا العار، بغيض الذات، هادم اللذات، تطير من اسمك الناس وما له في التنقل من ناس،

أقول وطرف الرجس الغض شاخص. . . إلى وللنمام حولي إلمام

أيا رب حتى في الحدائق أعين. . . علينا وحتى في الرياحين نمام

ما الحسن إلا للقضيب الممشوق، والقد المعشوق، المكتسي فاخر الملبس، الزاهي في الديباج الأطلس، إلي تنسب القدود الملاح، وعلى قامتي يعذل العاذل ويلحي اللاح.

تبسم زهر البان عن طيب نشره. . . وأقبل في حسن يجل عن الوصف

هلموا إليه بين قصف ولذة. . . فإن خصور البان تصلح للقصف

فأجابه (البهار) البهار، البادي فضله على فضل النهار:

نفش غصن البان أذنابه. . . وقاس وقت الصبح عجباً وفاح

وقال هل في الروض مثلي فقد. . . تغزى إلى قدي قدود الملاح

فحدق النرجس يهزأ به. . . وقال حقاً قلت ذا أم مزاح

ص: 509

بل أنت بالطول تحامقت يا. . . مقصود عجب بالدعاوي القباح

فقال غصن البان من تيهه. . . ما هذه الأعين إلا وقاح

أما راقك الياقوت الأصفر، وسط الدر الأبيض على الزمرد الأخضر، يشهد بمنافعي البينة، في الفصول والأزمنة، شموا النرجس ولو يوماً في السنة، فأنا غذاء الروح، لمن يغدو عني ويروح، لطيف المزاج، أصلح للعلاج، وأزيل من الدماغ مضرة دخان السراج، وأخف على العشاق، يوم التلاق.

وإذا قضيت لنا بعين مراقب. . . بأرب فلتك من عيون النرجس

فنهض إليه (البنفسج) وثار، وتكلم بألسن كأنها أوائل النهار، وقال لا يظهر لك أمر، ولا يسلم لك فخر، إلا على الورد، فما لأمرك عليه من رد.

خجلت خدود الورد من تفضيله. . . خجلاً توردها عليه شاهد

للرجس الفضل المبين وإن أبي. . . آب وحاد عن الطريقة جاحد

فضل قديم، يعرفه المدام والنديم، وأما أنا فبهجة لازوردية، ونسمة عنبرية، ريحانة الجيوب، المحببة للقلوب

يا مهدياً لي بنفسجاً أرجاً. . . ترتاح صدري له وينشرح

ص: 510

بشري تصحيفه عاجلاً. . . بأن ضيق الأمر ينفسح

فأقبل (الورد) في جنوده، ناشراً لراياته وبنوده، محمر الوجنات، منكراً على البنفسج ما جاء به من الترهات.

ولقد رأيت الورد يلطم خده. . . ويقول وهو على البنفسج يحنق

لا تقربوه وإن تضوع نشره. . . من بينكم فهو العدو الأزرق

كيف يفخر النرجس من بين الرياحين، على نخبة الملوك والسلاطين.

إن كنت تنكير ما ذكرنا بعدما. . . وضحت عليك دلائل وشواهد

فانظر إلى المصفر لوناً منهما. . . وأفهم فما يصفر إلا الحاسد

ألم تسمع ما قيل، مما سيلقي عليك القول الثقيل.

من فضل النرجس فهو الذي. . . يرضى بحكم الورد إذ يرأس

أما ترى الورد غداً قاعداً. . . وقام في خدمته النرجس

أنا مشرف الربيع، وظهر ما له من البديع، أنعش الأرواح، فأنا عروس الأفراح، نوافح ذكية وروايح شذية، أبديت ألواناً لأهل الأدب، يقضون لها بالعجب، فمني الأبيض والأسود الحالك، ومني وراء ذلك، أصفر فاقع، وما نصفه قاني ونصفه ناصع،

ص: 511

وبالهند مني شجر تخرج ورداً عليه مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فأنا للرياحين ملك ملوكها، ووسط عقودها وسلوكها.

فمن ذا يضاهيني بوصف فضيلة. . . وفضلي على كل الرياحين ظاهر

زماني على الأزمان بي متشرف. . . وفخري لمن يبغي التفاخر قاهر

فرام (المنثور)، أن يراجعه بالمنظوم والمنثور، ويذكر له من ذلك ما هو مأثور، فأسكته، ورد عليه وبكته، وتحامل عليه، ولم يصغ إليه، فأما الأبيض فاستسلم، وأبي الدعاء على من ظلم، وكل من الأصفر والأزرق باح بالشكوى، إلى عالم السر والنجوى، فلم يزل يسيل مدامعه، ويمد إلى الله أصابعه، وعنده تجتمع الخصوم، وإليه تعالى ينتهي الظالم والمظلوم.

حاذر أصابع من ظلمت فإنه. . . يدعو بقلب في الدجا مكسور

فالورد ما ألقاه في جمر الغضا. . . إلا الدعا بأصابع المنثور

قال الراوي، فبينما هما في مطارحة وجواب، ومفاخرة وإعجاب، إذ أقبلت مطوقة الرياض، ولها من الجو انصباب وانقضاض.

ورقاء قد أخذت فنون الشوق عن. . . يعقوب والألحان عن إسحاق

وأنا الذي أملى الهوى من خاطري. . . وهي التي تملي من الأوراق

ص: 512

فباحت بشجنها، وتكلمت على فننها، وقالت كل يحاول جهده، ويقول بما عنده، إلي لا لكم الفخار، وأنتم لنا أعشاش وأوكار، وفروعكم لخطبائنا منابر، ولقيانا ستائر، أليس رؤوسكم لأقدامنا خاضعة، ولنا كلما نزلنا ساجدة وراكعة، وإنا على ما زعمتم بنا من الجوى وتباريحه، آخذون في ذكر الله وتسبيحه، شغلنا ذلك بالأسحار، والعشي والإبكار،

قال الراوي: فبينما أعجب مما سمعت، وأهم بتقييد ما رويت، إذ نشأت غمامة تصافح أهدابها الأرض، وتسد الآفاق على الطول والعرض، يحدوها الرعد، ويستنجز منها الوعد.

وكأن صوت الرعد خلف سحابة. . . حاد إذا ونت الركائب صاحا

أخفى مسالكها الظلام فأوقدت. . . من برقها كي تهتدي مصباحاً

جادت على التلعات فاكتست الربى. . . حل أقام لها الربيع وشاحاً

فنثرت الأرض جواهر تغار منها البحور، وتزدان بها من أجياد الأزهار اللبات والنحور، فاختفت بعد ما تجلت، وألقت على البطاح ما فيها وتخلت، ثم قالت يا ذوات الأطواق، الباحات بالأشواق، المفتخرات على الأدواح، بالغدو والرواح، بكاو كذب، ونوحكن لعب،

ص: 513

لو كان حقاً ما ادعيت من الجوى. . . يوماً لما طرق الجفون كراك

أو كان روعك الفراق إذا لما. . . ضنت بماء جفونها عيناك

ما الفضل إلا لمن أحيا الأرض بعد أن كاد زرعها يهيج، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فقلائدها مدبجة، ورؤوس أشجارها متوجة، فلولاي لم يكن لك مرعي ولا مسرح في الأرض ولا مسعى. قال الراوي: فبينما هي طلق اللسان، وتعد مالها من الحسن والإحسان، إذ طلعت الغزالة، وهي في مشيها مختالة.

مرآة تبر لم تشح بصياغة. . . كلا ولا جليت بكف الصيقل

حتى إذا بلغت إلى حيث انتهت. . . وقفت كوقفة سائل عن منزل

وهي قايلة أعماله كسراب، وعارض منجاب، إذا طلعت عليه الشمس ذاب، ألم تسمعوا بأني يوح) (1)، أغدو في مصالح العالم وأروح، فلولاي ما جرت الأنهار، ولا تفتقت الأزهار، قال الراوي: فلما رأيت إفراط اللجاج، والتعدي على الحجاج، قلت الحق أبلج، والبطل لجلج، هلا أعطيتم القوس باريها، وأسكنهم

(1) يوح علم جنس للشمس.

ص: 514

الدار بانيها، فمن كلام من يعقل. إذا فاض نهر الله بطل نهر معقل (1)، ألم تعلموا أن جامع هذه الفضائل وإمامها ومالكها الذي أحكم انتظامها، عالم المسلين محيي سنة الفضل في العالمين المساجد الفاضل، السحاب الهاطل، السَّنِي، السُّنّي، فخر المغرب الأكبر، محمد بن أبي بكر صاحب الدلاء الكريم الجواد، الكثير الرماد، كافي الله إنعامه، وجازاه عن مقام الدين الذي أراد جداره أن ينقض فأقامه، فهو الممدوح بكل لسان، والماجد الذي لم يختلف في فضله اثنان، والسخي الذي إذا ملأ الراحة خف عليه التعب، وإذا ذكر القدر الذي ارتفع هان عليه الفكر الذي انتصب، كم ساجلت جوده الغمائم، فأمست على افتضاحها ثنايا البروق وهي بواسم، متى طرقت حماه والليل قد سجى، تجد حطباً جزلاً وناراً تأججاً.

تلوح في غرة الأيام بهجته. . . كأنها ملة الإسلام في الملل

فاعترفت الأزهار بأن شذاها من نسماته، وأقرت الشمس بأنها من قسماته، وسلم الغمام بأنه من صلاته، وقال الحمام لا أتغنى إلا بمدائحه، ولا أرد إلا موارد منائحه، قال الراوي: فلما وقع التسليم لمعجزاته المحمدية، ومناقب أبيه البكرية، قضيت المناسك، وودعت المسالك، وطفت تلك البقاع طواف الوداع فلما أردت

(1) هو معقل بن يسار ينسب له نهر بالبصرة وهو الذي يضرب فيه هذا المثل.

ص: 515

الخروج، والرجوع على خضرة تلك المروج، نادتني الأزهار من كمائمها، والثمار من أغصانها، سمعاً لهذا الماجد الذي صار إجماعاً، وأحببته أنت عياناً ونحن سماعاً، ونحن قيم عليك بمواهبه التي كاثرت النجوم عدا، وطالت البحر مدا، إلا ما خدمت بهذه الفكاهة جنابه الفسيح، وأغنيت بها المساكين الذين يعملون له في كل بحر (1) من أشعار المديح، فقلت أجبت هذا القسم الكريم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، فيا له من حج مبرور، وعمل متقبل مشكور، فراند الفوائد في سلكه منظومة، وصحائف لذاته بالمسك مختومة.

(1) هو تلميح إلى قوله تعالى: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر. . .

ص: 516