الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخُطب
خُطبة
لطارق بن زياد
قالها في جيشه الذي فتح به الأندلس بعد أن أحرق الأحفان
التي حملتهم إلى الجبل المسمى باسمه قطعاً لأملهم في الرجوع.
أيها الناس: أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضع من الأيتام في مأدبة اللئام. وقد استقبلكم عدوكم بجيشه، وأسلحته وقواته موفورة. وأنتم لا وزر لكم إلا سبوقكم، ولا أقوات نكم إلا ما تستخلصونه به من أيدي عدوكم. وإن امتدت بكم الابام على افتقاركم، ولم تنجزو لكم أمراً، ذهبت ريحكم وتعوضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم. فادفعوا عن أنفسكم خدلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة. وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن أن سمحتم لأنفسكم بالموت وإلى لم حدركم أمراً أنا عنه بنجوة، ولا حملنكم على حطة أرخص متاع فيها النفوس (من
غير (1) أن أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً استمتعتم بالأرفه الألذ طويلاً، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فما حظكم فيه بأوفى من حظي. وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان، من بنات اليونان، الرافلات في الدر والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان. وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عرباناً، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهاراً وأختاناً. ثقة منه بارتياحكم للطعان، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان، ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة وليكون مغنمها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم. والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكراً في الدارين. واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم «لذريق» فقاتله إن شاء الله تعالى فاحملوا معي فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكت قبل وصولي إليه فأخلفوني في عزيمتي هذه وأحملوا بأنفسكم عليه واكتفوا لهم من فتح هذه الجزيرة بقتله فإنهم بعده يخذلون.
(1) هذه الكلمة ليست بالأصول التي وقفنا عليها وبدونها لا ينسجم الكلام وفي رواية أخرى للخطبة ولا حملنكم بالإثبات والتأكيد، ومع ذلك يبقى في الكلام تقطيع.