الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتقل من فاس لعاصمتنا المكناسية وأسندت إليه رياسة التوقيت بمنار مسجدها الكبير حسبما الإشارة لذلك في السلوة.
513 - على أبو البركات بن محمَّد المدعو حمدوش بن عمران الشريف العلمى العروسى
.
كذا وقفت على نسبته هذه في عقد إراثة لوالد المترجم بتاريخ حادى عشر صفر عام تسعة عشر ومائة وألف -الوالى الشهير دفين جبل زرهون (1).
حاله: كان في ابتداء أمره بفاس يجلس بباب القرويين المقابلة لباب الشماعين، دام على ذلك سنين، ثم انتقل لزرهون حيث زاويته الآن، وكان من أهل الجذب ساقط التكليف، قوى الحال، يحب السماع والأمداح ويرتاح للطرب، ويصبو لسماع آلاته، أظهر الله على يده كرامات، وخوارق عادات، وأورثت عنه أحوال ومقامات، وربما ضرب الناس في بعض الأحيان بكل ما يجد من أوانى وعصى وحجر وغير ذلك، حتى لا يقدر أحد على القرب منه وله معتقدون وأتباع كثيرون في أقطار كثيرة دانية وشاسعة، تشد الرحال للوفود لزاويته بقصد الزيارة كل سنة، وقد وقفت في بعض التقاييد بخط أحد أعلام مكناس أن للمترجم وردا وهو ثمانية عشر ألفا من الهيللة، وأن الشيخ بن قدور الزواق كان يجيز به الناس هـ.
أما هؤلاء الذين يزعمون له اليوم الأتباع، ويحسبون أنهم يسيرون سير النتيجة والانتفاع، فيجلبون على رءوسهم بالمعاول والفئوس ويحاربونها بالعصى وزبر الحديد ولا كحرب البسوس، فهم عن عهد الهدى بمعزل، بل إنهم اتخذوا
513 - من مصادر ترجمته: التقاط الدرر - ص 325، نشر المثانى في الموسوعة 5/ 1979.
(1)
في هامش المطبوع: طرق سمعى أن بعض العلماء ألف في مناقبه تأليفا سماه (الذهب المنقوش في مناقب ولى الله تعالى سيدي على بن حمدوش).
من مسالك الضلالة والعمى أردى منزل، ولعمر الله إنهم فيما يفعلون لفى قصوى درجة السفه في الدين، وأقبح ما يأتيه من يغسل منه انسلال الشعرة من الطين، تواطئوا على شدخ الرءوس، والسعى في هلاك النفوس، ويعدون ذلك كرامة حيث لا يقع لهم هلاك بالشدخ وسيل الدماء، بل يعتقدون أن ما يرتكبون من الخرق المصادم للإنسانية بل والدين الإسلامي يقربهم إلى الله زلفى، ويكسبهم رضا متبوعهم المتبرئ من سوء فعلهم في الواقع براءة الذئب من دم يوسف، وربما اعتقد فيهم ذلك أيضًا همج الرعاع وأخلاط الخلق سفهاء الأحلام وما ذاك إلا من عمى الجهل الطام، وكبير الخذلان العام.
ولا سلف لهم في ذلك الفعل الشنيع، والعمل البشيع، غير ما يقال من أن بعض أتباعه وهو أحمد الدغوغى أحد اتباع المترجم من العوام الصرف لم يحضر وفاة متبوعه المترجم، فلما آب من سفره وعلم بوفاته صار يضرب رأسه مع الجدارات وبالأحجار أسفا على فقد شيخه، وتحسرًا على عدم حضوره لوفاته، واغتنامه صالح دعواته، فاتخذ الأخلاط من أصحابه ذلك عادة ولم يعلموا أن صاحب ذلك الفعل المحرم إجماعًا ليس محلاً للقدوة، سواء قلنا إنه صدر منه ذلك بحال اعتراه لأن صاحب الحال يسلم له حاله ولا يقتدى بفعله لأنه فاقد التكليف، أو قلنا إنه تعمد ذلك الفعل الجاهلى وألقى بنفسه للتهلكة اتباعا لهواه، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، فلا تحل متابعته على هذه السنة السيئة المصادمة لما قضى الله ورسوله، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم، ومعلوم أن ذلك الفعل ليس من سبيل المؤمنين، ومن يتبع غير سبيل المؤمنين قوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الكتاب والسنة، وأن يميتنا على العمل بهما آمين.
أما الشيخ المترجم فالمعتقد أنه لا يصح لمميز الاقتداء به بحال، فقد أطبقت
كلمة من نظمه معه الزمان على أنه كان مجذوبا معلوما بالغيبة والوله، ومن هذا سبيله سقط عنه التكليف، ولا يصح الاقتداء به في حال ولئن فرضنا سلوكه وقيامه على الأمر فهو من الشريعة تحت حكمها؛ ومؤاخذ إن أخل بشيء من نظمها، إذ الشريعة حاكمة على كل واحد وليس لأحد عليها حكم، فالرجوع إليها والوقوف عند حد تعاليمها واجب؛ لأن صاحبها معصوم من الهوى، {
…
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
…
(7)} [الحشر: 7]، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65].
وقد أتانا بتحريم الإلقاء بالنفس في التهلكة ونجاسة الدم المسفوح والتلطيخ به، وقضى بالاهتداء بهديه والاقتداء بالخلفاء الراشدين من بعده والعض على سنته بالنواجذ، وهؤلاء نبذوا ذلك وراءهم ظهريا، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا.
فإن قلت: ما يرى عليهم من تعجيل البرء بمجرد انقضاء زمن اجتماعهم فيه أعظم كرامة لهم.
قلنا: الأمر الخارق غير محصور في الكرامة، ولا بد من التفصيل فيه، فإما أن يظهر على يد مبتدع أو على يد متبع للقوانين التي أسسها الإِسلام وأوجب الائتمار بأوامرها والانتهاء بنواهيها، فإن ظهرت على يد متبع وكان من دعوى النبوة فمعجزة، وبدونها مع الاستقامة فكرامة، إذ كل ما يقع للنبى معجزة جاز أن يكون للولي كرامة، وإن ظهر على يد مبتدع فلا يشك عاقل أنه مكر من الله واستدراج لمن علم الله شقاوته وضلالته، قال الله تعالى: {
…
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)} [سورة الأعراف آية: 182] ولا يغتر عاقل بذلك ولو رآه يطير في الهواء، ويمشى على الماء. قال أبو يزيد البسطامى: إذا رأيت من يطير في
الهواء فلا يغرنك فعله، حتى تراه واقفا عند الأمر والنهى لأن إبليس لعنه الله يطير في الهواء ويمشى على الماء ويخترق الأرضين إلى الأرض السفلى، وأن السامرى ألقى الحلى في النار فأخرج له عجلا جسدا له خوار، والنمروذ بن كنعان حين ارتفع إلى الهواء في تابوت فكان يرمى بالنشاب إلى السماء ليقتل إله إبراهيم بزعمه، وكانت ترجع إليه السهام مخضوبة بالدم فقال: قتلته، وكل ذلك فتنة واستدراج من الله ليزيد في كفره وطغيانه.
فإذا كانت هذه الخوارق العظيمة يظهر مثلها على يد هؤلاء القوم الظالمين، فكيف يغتر عاقل بما يجرى من الأوهام والحيل على يد أهل البدع والضلال؟ كأهل هذه الطوائف الزائغة الضالة التي أصبحت قذى في عين شريعة الإِسلام، ساعية جهدها وطاقتها في إفساد سمعتها عند غير أهله، فكل ما يظهر من هذا على يد غير متبع للقوانين الإِسلامية فهو فتنة وبلية يضل الله بها من خالف أمره وأمر نبيه عليه السلام واتبع هواه، هذا على تسليم اطراد وقوع البرء ناجزًا، على أننا لا نسلمه، إذ قد مات غير واحد على الفور وربما كان البرء صوريا، وقد تمكن الألم باطنا فرمته الأيام بالحدثان فأقبل على الآخرة مدبرًا، وكتاب الله الحكم فقد قال تعالى: {
…
وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
…
(195)} [سورة البقرة آية: 195] فمن لم يَنْقَد لأحكام الكتاب والسنة لَفَظَهُ الإيمان، فأصبح مخلدا في دركات النيران، فقد روينا عن خير من نطق بالضاد: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، وقد كان إمامنا مالك رضي الله عنه كثيرًا ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة
…
وشر الأمور المحدثات البدائع
فإن قلت: فعلهم هذا هو من الأمور التي مرت عليها الأجيال، وقد ظهر وانتشر واشتهر في كثير من العواصم وارتاح إليه، وعضده الجم الغفير من
الدهماء، ولم نر من تصدى لإنكاره ممن يشأهد ذلك من أهل العلم والدين، ومن مكنهم الله في الأرض وجعل بيدهم الحل والعقد.
قلنا: أما ظهور مثل ذلك وانتشاره في الحواضر والبوادى فلا مفر عنه، ولا يزيد أهل الرسوخ في الدين إلا إيمانا وتسليما، لأنه مصداق لما أنبأ به نبينا الصادق المصدوق صلوات الله عليه وسلامه من ظهور البدع وافتراق الأمة فيها على فرف كغيرها من الأمم، وأحاديث ذلك مشهورة في دواوين الشريعة المطهرة، واللازم حينئذ بعد تحقيق كونها بدعا منابذة للدين الإسلامي، التحذير منها وإنكارها بقدر المستطاع. أخرج الإِمام أحمد، وعبد بن حميد، والبزار، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه وابن مردويه كلهم عن عبد الله ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما، ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
…
(153)} [سورة الأنعام آية: 153] قال: البدع والشبهات.
وقال الجنيد رضي الله عنه: الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يسمع الحديث ويجالس الفقهاء ويأخذ أدبه عن المتأدبين أفسد من يتبعه.
وعن عبد الرحمن بن مهدى قد سئل مالك بن أنس عن السنة قال: هي ما لا اسم له غير السنة وتلا هذه الآية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} قال بكر بن العلاء يريد إن شاء الله حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم خط له خطًّا وذكر الحديث، قال الشاطبى في الاعتصام إثره: فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع لا تختص ببدعة دون أخرى هـ.
وأخرج مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبه: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمَّد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. وفي رواية للنسائي: وكل محدثة بدعة وكل بدعة في النار. وقال عليه الصلاة والسلام: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدّ.
وقد بين العلماء رضي الله عنهم أن المعنى في الحديثين المذكورين راجع لتغيير الحكم باعتقاد ما ليس بقربة قربة لا مطلق الإحداث، إذ تتناوله الشريعة بأصولها فيكون راجعًا إليها أو لفروعها، فيكون مقيسا عليها، قالوا: وبحسب هذا فلا تكون البدعة إلا محرمة لا سيما إن كانت في مقابلة منصوص عن الشارع أو مخالفة لأصل الملة، أو خارجة عن قواعد الأحكام الشرعية.
وأما زعم أن ذلك وأمثاله لم ينكره أهل العلم ولا حذروا منه، فكلا ومعاذ الله أن يرضى بذلك ذو علم حقيقى أو عاقل هذبته الإنسانية فضلا عن أن يقر عليه، بل لم يأل العلماء جهدًا في بيان شرح خصال الإِسلام ويبذلون المجهود في ذلك بأساليب تقرب من الإفهام، ويوضحون في كل قول وفعل ما يوافق السنة وما يراغمها من البدعة ويتفننون في ذلك باختلاف الأحوال وما يقتضيه ما أحدث في كل زمان، وإنما الذي كاد أن يعدم إن لم نقل عدم هو الآذان الواعية، والقلوب المهتدية، وإلا فكم قرع المبتدعة أهل الدين ووبخوا وما قصروا؟ وقد نظموا في ذلك ونثروا، كما أن أمراء العدل وإن قلوا لم يزالوا يتعاهدون الضرب على أيدى أمثال هؤلاء وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولكن من يضلل الله فما له من هاد.
قال الحافظ السخاوى في التبر المسبوك ما نصه: في يوم الاثنين سابع عشر ذى القعدة عام اثنين وخمسين وثمانمائة أمر السلطان راجح بن الرفاعى وجماعته
بعدم فعل ما لا يجوز كالمزمار والتشبيبة والرقص في زواياهم، بمقتضى مرسوم سأل فيه أولاد الشيخ عبد القادر الكيلانى بعد أن حكم عليهم قاضى الحنابلة بذلك، ولله در القائل، من السادة الأوائل.
الضرب بالطار والتشبيب بالقصب
…
شيئان قد عرفا باللهو والطرب
إنى لأعجب من قوم وطيشهم
…
وأن أمرهم من أعجب العجب
ومطرباتين (1) لا تصغى لقولهما
…
فالشرع قد حرم الإصغاء للطرب
إن نقروا الطار أمسوا يرقصعون له
…
شبه القرود ألا سحقا لمرتكب
صوفية أحدثوا في ديننا لعبا
…
وخالفوا الحق دين المصطفى العربي
من اقتدى بهم قد ضل مثلهم
…
سحقا لمذهبهم لوكان من ذهب
أهل المراقص لا تأخذ بمذهبهم
…
فقد تمادوا على التمويه والكذب
أنكر عليهم إذا ما كنت مقتدرا
…
واضرب ظهورهم بالسوط والخشب (2)
وهذا السلطان العادل المولى سليمان قام في وجوه تلك الطوائف البدعية وسفه أحلامها وقبح أفعالها، وبين ما كان عليه سلفنا الصالح ودونك نص خطابه في ذلك:
"الحمد لله الذي تعبدنا بالسمع والطاعة، وأمرنا بالمحافظة على السنة والجماعة، وحفظ ملة نبيه الكريم، وصفيه الرءوف الرحيم، من الإضاعة، إلى قيام الساعة، وجعل التأسى به أنفع الوسائل النفاعة، أحمده حمدا ينتج اعتماد العبد على ربه وانقطاعه، وأشكره شكرا يقصر عنه لسان اليراعة، وأستمد معونته بلسان المذلة والضراعة، وأصلى على العموم والإشاعة، والرضا عن آله وصحبه الذين اقتدوا بهديه بحسب الاستطاعة".
(1) تحرف في المطبوع إلى: "ومطربانينا" وصوابه لدى السخاوى.
(2)
التبر المسبوك للسخاوى 2/ 100 - 101.
أما بعد: أيها الناس شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم، وأعمل فيما يرضيه آمركم ومأموركم، فإن الله قد استرعانا جماعتكم، وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم، يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية وإجماع الأمة المحمدية، الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولهذا نرثى لغفلتكم وعدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان على أنواعكم وأجناسكم، فالقوا لأمره آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا لله إسراركم وإعلانكم، واعلموا أن الله بمحض فضله أوضح لكم طرق السنة لتسلوكها، وصرح بذم اللهو والشهوة لتتركوها، وكلفكم لينظر عملكم فاسمعوا في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعًا، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا، بما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقرا، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا، قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، ووصمة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطانى وخبال، وزينة الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتًا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من عيساوة وجيلالة، وغيرهم من ذوى البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يرتقبون للهوهم الساعات، ويتزاحمون على حبان الشيطان، وعصيهم منهم الجماعات.
وكل ذلك حرام ممنوع، والإنفاق فيه إنفاق غير مشروع، فأنشدكم الله عباد الله هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمزة عمه سيد الشهداء موسما؟ وهل فعل سيد هذه الأمة أبو بكر لسيد الأرسال صلوات الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب موسما؟ وهل فعل عمر لأبي بكر موسما؟ وهل تصدى لذلك أحد من التابعين؟ رضي الله عنهم أجمعين.
ثم أنشدكم الله هل زخرفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المساجد؟ أم زوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد. وكأنى بكم تقولون في نحو المواسم وزخرفة أضرحة الصالحين وغير ذلك من أنواع الابتداع، حسبنا الاقتداء والاتباع، إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، وهذه المقالة قالها الجاحدون هيهات هيهات لما توعدون.
وقد رد الله مقالهم، ووبخهم وما أقالهم، فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدين. وأهل الصلاح والدين. خير القرون قرنى الحديث.
وبالضرورة أنه لم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، فقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقد الدين قد سجل، ووعد الله بإكماله قد عجل، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإِسلام دينا.
قال عمر بن الخطاب: أيها الناس قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على العبادة، فلا تميلوا بالناس يمينا وشمالا، فليس في دين الله ولا فيما شرع نبى الله أن يتقرب إلى الله بغناء ولا شطح، والذكر الذي أمر به وحث عليه ومدح الذاكرين به هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد، فهذه سنة السلف، طريقة صالحى الخلف.
فمن قال بغير طريقهم فلا يستمع، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع، ومن
يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين قوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا، قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين.
فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع؟ أأمنا من مكر الله أم تلبيسا على عباد الله أم منابذة لمن النواصى في يده؟ أم غرور بمن الرجوع بعد إليه؟ فتوبوا واعتبروا، وغيروا المناكر واستغفروا، فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع، ما بين العاصى والمداهن المطيع، أفيزلكم الشيطان وكتاب الله بأيديكم؟ أم كيف يضلكم وسنة نبيكم تناديكم؟.
فتوبوا إلى رب الأرباب. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب، ومن أراد منكم التقرب بصدقة، أو وفق لمعروف إطعام أو نفقة، فعلى من ذكر الله في كتابه، ووعد فيهم بجزيل ثوابه، كذوى الضرورة الغير الخفية، والمرضى الذين لستم أولى منهم بالعافية، ففي مثل هذا تسد الذرائع، وفيه تمثل أوامر الشرائع، {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)} [التوبة: الآية 60].
ولا يتقرب إلى ملك النواصى، بالبدع والمعاصى، بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون والأتقياء المفلحون، أكل الحلال، وقيام الليال، ومجاهدة النفس في حفظ الأحوال، وبالأقوال والأفعال، البطن وما حوى، والرأس وما وعى، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد، ونصيحة تهدى، وأمانة تؤدى، وخلق على خلق القرآن يحدى، وصلاة وصيام، واجتناب مواقع الآثام، وبيع النفس والمال عن الله، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} [التوبة: الآية 111].
{
…
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
…
(177)} [البقرة: الآية 177]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام: الآية 153] صراط مستقيم كتاب الله وسنة رسول الله.
وليس الصراط كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والأحداث، والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص، أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا فإن الله يضل من يشاء ويهدى من يشاء.
عني المقدام بن معد يكرب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يجاء بالرجل يوم القيامة وبيده راية يحملها وأناس يتبعونه فيسأل عنهم ويسألون عنه، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب.
فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئًا من السلطان والخلائف، أن يمنعوا هؤلاء الطوائف، من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم، فإياكم ثم إياكم والبدع، فإنها تترك مراسم الدين خاوية، والسكوت عن المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية، فمن المتقول عن الملل، والمشهور في الأواخر والأول، أن البدع والمناكر إذا فشت في قوم أحابابهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت فيهم المثلات، وشحت السماء، وسحت النقماء، وغيض الماء واستولت الأعداء، وانتشر الداء وجفت الضروع،
وانقطعت بركة الزروع؛ لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طريق الفوائد، والأدب مع الله ثلاثة: حفظ الحرمة بالاستسلام والاتباع، ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع، ومراعاتها في الضيق والاتساع، لا ما يفعله اليوم هؤلاء الفقراء، فكل ذلك كذب على الله وافتراء، قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم.
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فما تعهد إلينا؟ وقال: أوصنا. قال أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة لمن وليكم وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وها نحن عباد الله أرشدناكم، وحذرناكم وأنذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" هـ.
قال الزيانى في رحلته بعد نقلها: فتأملوا ما أملاه أمير المؤمنين في هذه الخطبة التي لم يسمع مثلها فيما مضى من العصور، ولا ذكرها ملك ولا عالم مشهور، فهي سادسة خطب الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز فمن تأملها علم علم يقين، أنها برزت من قلب خالص عارف بما أعد الله للمتقين هـ.
وقد نص العلماء على أن العاصى أحسن حالًا من المبتدع؛ لأن العاصى
يعلم أنه عاص، ويقول أتوب وأرجع إلى الله، والمبتدع يزعم أنه على الحق حتى يموت على بدعته، ومن مات مبتدعا وجد في قبره حفرة من حفر النار.
أخرج الطحاوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ستة ألعنهم لعنهم الله وكل نبى مجاب: الزائد في دين الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت يذل به من أعزه الله ويعز به من أذله الله، والتارك لسنتى، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتى ما حرم الله.
وفى رواية أبى بكر بن ثابت الخطيب: ستة لعنهم الله ولعنتهم، وفيه الراغب عن سنتى إلى بدعة هـ. واللعن الإبعاد من رحمه الله تعالى، أى هلاك أعظم من ذلك عياذا بالله.
وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه في بعض خطبه: أيها الناس قد سنت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة ألا لا تضلوا بالناس يمينا وشمالا، وصفق بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم، إن يقل قائل لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، الحديث.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وقال ابن الماجشون: سمعت مالكا رضى الله عنه يقول: من أحدث شيئًا لم يكن عليه سلفنا فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان في الرسالة، لأن الله تعالى يقول: {
…
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
…
(3)} [سورة المائدة آية: 3] وسئل إمامنا مالك رضى الله عنه عن قوم يأكلون كثيرا ويرقصون كثيرا، فقال على وجه الإنكار لهم: أمجنونون هم أم صبيان؟ وقال: هذا لا يفعله أهل العقل والمروءة.
وقال الإمام الطرطوشى حين وصف له حالهم: فمذهب هؤلاء جهالة وبطالة، وبدعة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام.
وخرج ابن وهب عن سفيان أنه كان يقول لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا موافقا للسنة، ولما بايع الناس عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه ليس بعد نبيكم نبى، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة ألا وإن الحلال ما أحل الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإنى لست بمبتدع، ولكنى متبع، ألا وإنى لست بقاض، ولكنى منفذ، ألا وإنى لست بخازن ولكنى أضع حيث أمرت، ألا وإنى لست بخيركم ولكنى أثقلكم حملا، ألا ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ثم نزل.
فإن قيل: هؤلاء يحبون شيخهم ونبيهم ويصلون عليه ويرجون شفاعته، ولهم نية خالصة في عبادتهم وأفعالهم في الله قلنا: كما قال الحسن: لا يغرنك قول من يقول: المرء مع من أحب، فإنك لن تلحق الأبرار إلا بعملهم وسنتهم، فإن اليهود أحبوا موسى وليسوا معه، إذ لم يتبعوه بل كذبوه ولقد أحسن من قال:
ومن يدعى حب النبى ولم يكن
…
بسنته مستمسكا فهو كاذب
علامة صدق المرء في الحب أن يرى
…
على منهج كانت عليه الحبائب
والنية لا تنفع إلا مع اتباع السنة فقد كان للكفار نية خالصة في أصنامهم ولا ينفعهم ذلك، وما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله ابتعادًا.
تنبيهان: الأول أسلفنا فيما نقلناه من قضية السلطان رافع التحذير من أفعال من ينتسب إلى الصوفية، وليس القصد الإرسال في ذلك فيجد من في قلبه مرض لإيقاد نار الفتنة السبيل إلى الانتقاد على أماثل أهل الدين، الذين بذلوا أرواحهم في خالص الطاعة كل حين، كالحسن البصرى والشاذلى والجنيد والسرى السقطى وابن أدهم ومن ضاهاهم من سلف الأمة وخلفها المهتدين المتقين، المنوه بهم في
نص الكتاب، فإن الصوفية الحقيقييّن قوم خلص الله بواطنهم وظواهرهم، ونور بمعرفته سرائرهم، وأقامهم على درجة الاختصاص والقرب، فهم القوم لا يشقى جليسهم، ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفى الآخرة.
قال ابن عبد السلام: والله لقد قعد الصوفية على قواعد الشرع التي لا تتهدم، ومبغضهم في دركات حرابة الله، ففى الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، فالمعترض لهم بالقول السيئ لا إخاله إلا استبطأ غضب الله ونقمته، ورام أن ينقض من عهد الله حرمته، والله حسيب أقوام نسبوا إليهم ما هم منه أخلياء، ورموا الحط من مقاماتهم وتلطيخهم بما هم منه أبرياء، ولا تزر وازرة وزرة أخرى، وإنما المراد المتصوفة المخلطون المدعون المتهورون.
الثانى: قد عمم صاحب القطعة الشعرية في تحريم الشبابة وما شاكلها، وليس ذلك على إطلاقه، ومحمل ذلك على من يمزج الذكر بالشطح والرقص وضرب الصدور ونتف الشعور والتشبه بالحيوانات العادية وأكل الميتة والتلطيخ بالدم المسفوح المحرم بنص الكتاب {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ
…
(3)} [سورة المائدة: آية: 3] {
…
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا
…
. (145)} [سورة الأنعام آية: 145] الآيتين، إلى غير هذا من أنواع المجون كالمزمار والطبل والتلحين، إذ ذكر الله ينبغى تعظيمه، وإجلاله وإقبال المتلبس به بسره وعلانيته على الله بخشوع وفراغ القلب من غير المذكور ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون، وتدبر قول الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
…
(35)} [سورة الحج آية: 35] وضرورة أن الوجل مباين لحضور آلة اللهو ويباينها تمام المباينة، ومعلوم أن الموضوع مخصوص فكيف إذا انضم لآلة اللهو ما ذكر والتفصيل في ذلك قد علم في مسائل الفقه، وألم به العلماء في أبواب خصوصا مبحث الولائم فليراجع في
مظانه، فليس المحل لبيانه، وقد بسطنا القول فيه في غير هذا التقييد شرح الله صدورنا لمتابعة الكتاب والسنة في الأقوال والأفعال، وجعلنا بمنه من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه آمين.
ولم يقع ولله الحمد في عصرنا اليوسفى إهمال وإغضاء عن تلك البدع، بل النهضة اليوسفية ساهرة على اجتثاثها من أصلها تدريجا، وذلك أوقع في النفوس، فقد دمرت بعض أولئك الطوائف بثغر الدار البيضاء جملة، وأخذ في تطهير فاس ومراكش من دنسها، ونرجو من الله التوفيق والإعانة لمولانا الأمير وأنصاره، وولاة أمره على حسم مادتها تماما، من سائر إيالته الشريفة بيده سبحانه التوفيق والهداية (1).
مشيخته: أخذ عن السيد محمد المدعو الحفيان، وهو عن والده الشيخ محمد فتحا المدعو أبا عبيد الشرقى، عن والده أبى القاسم الزعرى الجابرى الرتحى، عن التباع، وأخذ أيضا أبو عبيد الشرقى أخذ إرادة وانتساب عن الشيخ عبد الله بن ساسى الغزوانى عن التباع، برد الله ثرى الجميع.
الآخذون عنه: أخذ عنه السيد محمد بن يوسف المدعو الحمدوشى نسبة لشيخه المترجم المتوفى بفاس عام أربعة وخمسين ومائة وألف، وأبو عبد الله
(1) في هامش المطبوع: أما في عصر مولانا الإمام، المعتنى بشريعة جده عليه السلام، سيدى محمد أبد الله ملكه، وأجرى بالتوفيق فلكه، فقد أظهر اهتماما عظيما بمنكرات تلك الطوائف وكف أيديهم كما كانوا يفعلون وأصدر أدام الله حفظه أوامره المطاعة بمنع الذين يدعون الانتساب للشيخ ابن عيسى مما كانوا يفعلونه بمقابر مكناسة حسبما سيأتى الكلام على ذلك عند ذكر عوائد مكناس في المولد النبوى الأنور لا زال مولانا ساهرا على رعاية السنة قامعا للبدعة حتى نرى أوامره الشريفة مطوقة جميع بدع الضلال، وأرباب المنكرات والخبال.