الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
450 - عبد القادر بن محمد بن أحمد بن بلقاسم الإدريسى العلمى الحمدانى
.
كذا وقع هذا النسب في رسم كتب قيد حياته مؤرخ بثامن عشرى جمادى الثانية عام واحد وستين ومائتين وألف.
الولى المشهور المعروف بسيدى قدور العلمى نسبه لجبل العلم (1) الطالبى العبد السلامى نسبه لجده الأعلى مولانا عبد السلام بن مشيش، دفين جبل العلم الشهير مقر سلفه -أى المترجم- وهو من أولاد حمدون، وعليه فقول الرسم الحمدانى غير سديد وصوابه الحمدونى.
حاله: نشأ في صيانة وعفاف بمكناسة الزيتون في حجر والده بالدار التي اتخذها زاوية بعد وفاة والده، وبها أُقبر كما يأتي، وكان رحمه الله من أهل المقامات العالية والأحوال السنية السنية، لا يعرف لعبا ولا لهوا ولا ما يرجع لزخرف الدنيا وزينتها، كثير التطوف على أضرحة الصالحين وزيارة الأحياء منهم والأموات.
قال أبو عبد الله محمد الأمين الصحراوى المراكشى في مقدمة الارتجال في مشاهد ومشاهير سبعة رجال: قال لى الولى سيدى عبد القادر العلمى: إنه مكث بضعا وعشرين سنة وكان بمراكش، وكل يوم يزور سبعة رجال، أو يزور الأربعة المتقاربة: سيدى أبى العباس السبتى، وسيدى محمد بن سليمان الجزولى، وتلميذه سيدى عبد العزيز التباع، وتلميذه مولانا عبد الله الغزوانى، أو يقتصر على زيارة أبى العباس السبتى هـ
وقد لازم دهرا طويلا زيارة ضريح الإمام إدريس الأكبر، وبالأخص يوم الجمعة لم يتخلف عن صلاتها بمسجده في صيف ولا شتاء مدة من ثلاثين سنة،
(1) في هامش المطبوع: "بفتح العين واللام" حيث مدفن المولى عبد السلام بن مشيش".
وكان ذهابه لزرهون كل جمعة على أتان له، وكان يتطارح على شريف تلك الأعتاب ويتضرع إلى مولاه في تنوير سريرته وصفاء باطنه وتطهيره من الرعونات النفسانية، ثم بعد مدة لازم داره، وصار لا يخرج منها إلا يوم الجمعة.
وفى آخر عمره لما كبر سنه ووهن عظمه واعتراه ما اعتراه من الجذب وذلك قبل انتقاله لدار النعيم بنحو أربعة أعوام كما صرح بذلك تلميذه الملازم له العلامة السيد محمد فتحا غريط الطبيب الشهير في رجزه الموسوم برياض أنس الفكر والقلب حيث قال:
والجنب معه نحو أربع سنين
…
وبعضنا به من المستيقنين
ومع ذا بسائر الأذكار
…
يصدع بالليل وبالنهار
حتى قضى بقرب فجر الاثنين
…
ليلة يوم ساس وعشرين
ترك في الجمعة، وكان يتحرى صلاتها بجامع الزيتونة أحد المساجد الشهيرة بمكناس المؤسسة على عهد سيدنا الجد الأعظم السلطان مولانا إسماعيل.
ومن عادته شراء الخبز والتمر وتفريقه على الصبيان كل يوم جمعة، وربما ندب لذلك بعض الخاصة من معتقديه، حتى رتب سيدنا الجد السلطان المولى عبد الرحمن بن هشام على شراء قدر من ذلك كل جمعة جراية، فصار يشترى ويفرق، واستمر الأمر على ذلك بعد وفاة المترجم في دولة السلطان المذكور وبعدها إلى آخر الدولة الحسنية أو أول العزيزية.
وكان السلطان المولى عبد الرحمن من خاصة محبى المترجم ومعتقديه، يذهب لزيارته كلما حل بالحضرة المكناسية، ويستشيره في كل مهم عنّ له، ويقف عند حد إشارته، وقد شاهد له كرامات وخوارق عادات، ولما قبضه الله تعالى
وبلغ خبر نعيه إليه، كتب على الفور لعامله على مكناس القائد الجيلانى بن بوعزة بما نصه بعد الحمدلة والصلاة:
"وصيفنا الأرضى القائد الجيلانى بن بوعزة وفقك الله، وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد: فغير خاف عنك ما كان بيننا وبين الولى البركة، مولاى عبد القادر العلمى، نفعنا الله ببركاته، من صفاء المحبة، وخلوص المودة، في ذات لله ولأجله، وقد بلغتنا وفاته رحمه الله ورضى عنه، وانتقاله لدار الكرامة والسعادة، فبوصول كتابنا هذا إليك توجه لتعزيه أقاربه وحشمه بنفسك نيابة عنا، وقل لهم: نحن وإياهم في مصيبته سواء، آجرنا الله فيها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌّ بأجل مسمى، فليس إلا الصبر والاحتساب والرضا، والتسليم لما جرى به القضا.
وإياك ثم إياك أن يمد أحد يدا في متروكه من أقاربه أولاد مولاى عبد السلام أو غيرهم أو يخرج الأمر بعده عمن قدمه قبل وكان يتصرف حال حياته، فالناظر الذى كان متوليا أمر زاويته يبقى على حاله فيها من غير منازع ولا معارض، فهو الذى يخوض في متروكه ويختص بالتصرف فيه خاصة، وقد عضدناه وشددنا أزره بخديمنا الأرضى الناظر الطالب الطاهر بن عثمان ليعينه في ذلك، وظهير صدور أمرنا به يصلك في إثره، فأطلع على هذا خديمنا الأرضى الطالب أحمد اللب، وجميع خدامنا كالأمناء والمحتسب ليعملوا بمقتضاه، وأولاد مولاى عبد السلام تعرف حالهم فمن تقرب إليه منهم ورام الخوض في أمر الزاوية ومتاعها، كفه عن ذلك بالزجر البليغ، حتى لا يتطاول أحد إلى ذلك، فإن أبناء الزمان لا يردهم إلا الجد، والسلام في سادس عشرى رمضان المعظم عام ستة وستين ومائتين وألف هـ".
والمتروك المشار إليه في هذا الظهير الشريف اشتمل من النقد الناض على اثنى عشر ألف مثقال وزيادة، وقد أنكر ذلك بعض الناس لما سمعه قائلًا: كيف يكون من يترك مثل هذا القدر وليا؟ فرأى في نومه كأن قائلا يقول: لو لم يأذن المترجم للشمس أن تطلع ما طلعت أو كلامًا نحو هذا، فلما أفاق استغفر وتاب.
وقد قدمنا في الكلام على المساجد ظهيرين آخرين للسلطان المذكور، في أولهما التصريح بأن المترجم إنما خلف ذلك لأسرار كما قدمنا هناك، وأن من ذلك المال أتم بناء مسجد زاوية المترجم، ومنه اشتريت الأصول المحبسة على مصالح ذلك، ولا زالت قائمة إلى الآن، ولو لم يكن من أسرار ذلك إلا هذا القدر لكفى.
وقد كان المترجم سيدا حصورًا، لم يحتلم قط، ولا عرف معنى الالتذاذ كما أخبر هو بذلك عن نفسه لا في صغره ولا في كبره، ولا يأكل دسما، جُل قوته الخبز والزيتون، وقد كان لا يمكن أحدا من تقبيل يده حتى قدم إلى مكناسة الشريف سيدى المختار البقالى وأذن له في إطلاقها للتقبييل ففعل إذ ذاك، وصار لا يمنع من تقبيلها أحدًا، كما أخبر بذلك بعض الخاصة من أصحابه.
وقد ظهرت له رضى الله عنه كرامات وأسرار، وقصده وفود الزوار من سائر الأقطار، ومن ذلك أن بعض الناس حضر بين يديه فذكر المترجم أمراً وقع في نفس الحاضر المذكور تكذيبه فيه، فاطلع المترجم من طريق كشفه على ما حدث الحاضر المذكور به نفسه، وقال: والحاضر المذكور يسمع من كذبنا يعمى هـ فعلم الحاضر المذكور أنه هو المقصود بذلك وانصرف، فبعد مدة عمى واستمر كذلك إلى أن توفى أعمى، نسأل الله العافية وهذه القصة ثابتة أرويها مفصلة بسند صحيح.
ومن ذلك ما حدثنى به شيخنا العرائشى أنه حدثه شيخه السيد فضول بن عزوز أنه كان يزور المترجم ويلازمه كثيرا ويصلى معه صلاة الجمعة بجامع
الزيتونة، ويراقب أحواله، ففى بعض الأيام قال في نفسه: إن هدا السيد الجليل العظيم القدر منذ رأيته وصحبته ما رأيت منه أمرًا يخالف الشريعة، غير أنه يرفع رأسه من السجود قبل الإمام، قال: وكان في قلبى من ذلك حزازة ثم ساقتنى المقادير إلى مطالعة كتاب الشعرانى الميزان الكبرى فوجدته ذكر فيه أن العارفين تتجلى لهم عظمة الله تعالى في السجود، فخفف عنهم ورخص لهم في الرفع لئلا تتفطر قلوبهم في ذلك التجلى، قال: فلما وقفت على ذلك حصل لى فرح وسرور حتى صرت أضرب على صدرى، وأقول: يا فرحى وياسعدى، ثم قمت في الحين وذهبت إليه، فلما جلست بين يديه قبض على أذنى وقال لى قبل أن أكلمه: ما رأيته صحيح، ولعله كرر هذه المقابلة مرتين هـ.
ثم راجعت الكتاب المذكور في المسألة فوجدت ذلك صحيحا ودونك نصه: وربما استحضر الساجد عظمة الله تعالى فانهدت أركانه، فلم يستطع كمال الرفع، وربما استحضر بعض الأصاغر عظمة الله تعالى في الركوع أو السجود فكادت روحه تزهق منه، فبادر إلى الرفع من الركوع أو السجود بسرعة من غير بطء، فمثل هذا ربما يعذر في عدم إتمامه الطمأنينة وهو في السجود أكثر عذرا كما جرب هـ.
قلت: ولا محذور في ذلك شرعا فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد أباح سبحانه لمن عجز عن القيام في الصلاة الجلوس، ولمن عجز عن الصلاة جالسا الصلاة مضطجعا، ولمن عجز عن أدائها مضطجعا أن يصليها إيماء، وللضرورة أحكام.
وأخبرنى أيضا محدثى الشيخ المذكور عن شيخه المذكور أنه كان في ابتداء طلبه يقرأ يوما مصنف الألفية في لوح، فصعب عليه حفظه فرمى به مع حائط، وقام من حينه وذهب إلى المترجم، فلما جلس بين يديه قال له: لا تعجل ها
مجلسك بين يدى انظر إليه، فكان كما قال رضى الله عنه، قال مخبرى: فإنى قرأت عليه يعنى شيخه المذكور في زاوية هذا السيد الجليل المرشد المعين بين العشائين من أوله إلى آخره ثم الشمائل النبوية كذلك، ثم طرفا وافرًا من صحيح الإمام البخارى هـ.
وما ينسب للمترجم من الأزجال هو له حقيقة وقد كان له رواة يتلقونه منه ويكتبونه عنه، منهم: العلامة السيد محمد غريط، والسيد الحاج قاسم بن المير، والسيد الحاج أحمد الدقيوق وغيرهم، حيث إن المترجم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك قد ضمن تلك الأزجال من أنواع فنون البلاغة ودقائق المعانى ما أخرس الفصحاء وأخجل البلغاء وأودعها من الحكم والمواعظ والأمثال ما حير أولى الألباب، وألزم المعاند الحجة.
أما تغزلاته فقد أزرت بنسيم الصبا ووسيم الصباح، وكلها إما في الحضرة العلية أو النسمة النبوية، أو الأكابر من الأولياء والصالحين شنشنة فطاحل العرب والصحابة والتابعين وسلف الأمة وخلفها المتقين في تغزلاتهم في أشعارهم الفائقة الرائقة، لا فيما يفهمه بعض الأوغاد من أنه في معين لا يحل، حاشا أهل الفضل والدين من ارتكاب ذلك.
والحوم حول ولوج وخيم تلك المسالك.
ولو دُوِّن جميع ما قال من الأزجال لجاء في عدة أسفار، ولكنه منه ما لعبت به أيدى الإتلاف، ومنه ما مات بموت حفاظه، ومنه ما حرق على عهد المترجم بإذن منه، وما بقى إنما هو قُلٌّ من كُثْر.
مشيخته: أخذ عن الولى الصالح، العارف الفالح، السيد الحاج المختار البقالى المتوفى سابع أو ثامن عشرى صفر عام خمسة وخمسين ومائتين وألف،
وسيدى على بن عبد الرحمن المعروف بالجمل دفين فاس المتوفى عام أربعة وتسعين ومائة وألف لازمه وانتفع بصحبته، وكذا عن شيخ أفاقى اسمه بدر الدين، ومولاى الطيب الوزانى، وسيدى محمد بن أحمد الصقلى المتوفى عام اثنين وثلاثين ومائتين وألف وغيرهم، وكان كثير الزيارة لأبى الأسرار حمادى الحمادى المكناسى المترجم فيما مر.
الآخذون عنه منهم: السيد فضول بن عزوز، والسيد فضول السوسى، والسلطان مولاى عبد الرحمن بن هشام، والسيد محمد غريط، والعارف الكبير أبو عبد الله محمد بن عبد الحفيظ الدباغ، والإمام أبو عبد الله محمد صالح الرضوى الذى صح عنه أنه قال: قد كان على سفر ثمانية أعوام بملاقاة رجلين بالمغرب سيدى قدور (بالكاف المعقودة) العلمى، وسيدى عمر بن المكى الشرقى، والبركة الصالح أبو زيد عبد الرحمن بن التهامى الإدريسى الزرهونى، وأبو حامد العربي بن السائح الشرقى دفين الرباط لازمه سنين وانتفع به، حدثنى من وثقت بخبره من الأعلام أنه حدثه بقية السلف في الخلف أبو المواهب عبد الكبير بن محمد الكتانى، أنه حدثه سيدى العربي المذكور برباط الفتح عام سبعة وثلاثمائة وألف، وقد جرى ذكر حديث: إن لله عبادًا من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا: أنا سمعته من مولاى عبد القادر بمكناس بلفظ إن لله عبادًا من نظروا إليه نظرة سعد سعاد سعادة لا يشقى بعدها أبدا هـ.
قلت: وليس مراده ورود هذا اللفظ عن الرسول، وإنما مراده التعريف بسعة فضل الله واعتنائه بخاصة عباده المتقين، وأنه يؤتى فضله من يشاء، وفى الصحيح إن لله عبادًا لو أقسموا على الله لأبرهم.
ومن الآخذين عنه أيضا: الشريف العلامة سيدى محمد بن هاشم العلوى الحرونى وخلق كثيرون.
أزجاله من ذلك قوله متغزلا:
قسم
الخال غلام عساس فروض منعما
…
فيمين حربة إلى أوما
كينوا درغام
…
من حاده يترك رميم
صنع العلام نقط في روض منعما
…
حكمت ربى رافع السما
ما نزلت بقلام
…
كون الله الدايم القديم
وجعاب أروم وكوابس للطعن رايما
…
فمكاتب كفار ظالم
ما تقبل تدمام
…
مولوع بالقتل والهجيم
والجيد رام
…
قدام جليب وهايما
…
على العف والطيب قادم
شرادت لوهام
…
ما نقر الأمان ما تقيم
زين المعجم
…
العين الشهلا النيما
…
وحروف الزين المسقما
والبياض تمام
…
وصف الزين فصنعت حكيم
قامت لعلام
…
جبين وغر مبسم
…
وخدود كورد ناسما
حسن بغير وشام
…
صنع الله المالك العظيم لخ
وقوله:
راح الوقت ولا بقا
…
إلا وقت المعانقة
…
كب وراورخى وراق
والأشجار الباسقة
…
والأطيار الناطقة
…
عمرت بلغاها أسواق
كب الصهبا الخارقا
…
في كيسان بنادقا
…
من زاج بلاد العراق
تظهر خمر بارقة
…
فالأوانى شارقة
…
كلون سحيق الرهاق لخ
وقوله من إدريسية طويلة:
بوجودك يا سراج محفل هل اليقين
أسعد الغرب بعد كان فبرج نحيس
…
انتصرت ملى النبى وتشهر الدين
…
والحق سقام منهج بعد التنكيس
وقطع سيف الهدى أرقاب المرتدين
بالقهر ولا بقى رهيب ولا قسيس
…
نبنات مساجد العباد للمبين
…
وفنون العلم بالتلاو والتدريس
بوجودك يا لغوث أمولاى إدريس لخ.
وقوله في المديح النبوى:
ببر كتابك نجا الله من فيضه نوح
…
ورد عن يعقوب النبى ضيا الماح
وبل أيوب تعافا من أسقام القروح
…
وبك عز الله صالح واتشهر صلاح
وبك ارتقا ادريس مكان صدق موضوح
…
ربك موسى غلب أحبار اليهود دجاح
وبلك سليمان تولى الملك مشهور
…
وفات لقمان وقيصر وملوك كسرا
على الجن والإنس وساير الوحوش منصور
…
وكل من درجت به الروح فوق الترا
الصلاة والسلام على النبى المبرور
…
عدد ما خلق الله ميات ألف مرة
بك استجاب الإله لدعوة المسيح
وبك عزم ربنا ليوسف بسراح
وبك تفدا النبى إسماعيل الذبيح
وبحقك قال هودعز ونجاح
…
وبك قال حكمت داوود الفصيح
…
وسخر بك صنع زرد وسلاح
وطفا الجمر اللهيب بعد كان وقيح
عن إبراهيم حق وبرد تلحاح
حجب جبريل من لظاها بجناح
قسم
أنت سبب وجود الارسال يالمرسول
…
من على شانك دركت الأنبيا المعالى
أنت المامن وأنت مفتاح باب القبول
…
وأنت الطود المانع وأنت البحر المالى
أنت المؤيد بالحسن الزهى المكمول
…
وأنت السراج الناير فبصاير الموالى
لبسك ربى حلة من محاسن النور
…
فايق الشمس بهاك وزين من القمر
والأدرار والنجوم الشارقة والبدور
…
والهلال بحسن كمال فليلة عشر
الصلاة والسلام على النبى المبرور
…
عدد ما خلق الله ميات ألف مرة
خلق آدم فيك ولسان إسماعيل
وبها يوسف عطاك ومحبة دنيال
…
وزهد عيسى الصابر وخلة الخليل
…
وشجاعة نوح هابها لك ذو الجلال
وشدة موسى الكليم ورضى إسرافيل
وفصاحة لوط وصوت داوود فالتمثال
…
وطاعة يونس وعصمة أيوب الفضيل
وعلم شيت وزهد يوشع على الكمال
وعلوم السابقين والآتى ما زال
قسم
عرفت وتحققت ويقنت بالمحبوب
…
بين أنت كنز الأسرار والمواهب
من عظم شأنك نزل في مقام مهيوب
…
ومن فضلك جاهك نلت القصد والمراغب
الخير فيك وفامتك يا طبيب القلوب
…
حديث هذا ظاهر يدريه كل راقب
لك شهدت الوحوش الهايمة والطيور
…
كيف نطقت بك البكم فكل قفرا
وعليك صلات فغمق الماء دواب البحور
…
وكلما فالأرضين تلوها وصحرا
الصلاة والسلام على النبى المبرور
…
عدد ما خلق الله ميات ألف مر
من كثر معزتك على الحق المجيب
شرف بوجودك أمتك عاتق لرقاب
…
ورفع المسخ ونبطل سحر الترهيب
…
وصنام الجاحدين خرت على لجناب
وخرب سيف الإيمان ملك أهل التكذيب
بوجودك يا همام المعجم والعرب
…
سعدت مكة وصلحت مدينة يثرب
…
والديلم والسودان وساير لنساب
وأصبح دين الإسلام متايد غلاب لخ
وقال:
هكذا سعفت بصبرى سرور لأيام
…
قل دى وقواصمتى وصنت فمى
ما قدرت على الصلح ولا نجمت لخصام
…
وشغلت مع الدنيا الفانيا فهمى
من لغانى يحسبنى من جملة الكرام
…
ومن بغضنى ما يعرف غيردى شتمى
اخترت قصيد مرسوخ فرق قرطاس
…
مديح عجمى ما يدرى فاللغا نغيم
كغزالة حضرية من بنات أهل فاس
…
معنقة شى عبد من ضنايت الصماصم
(آش ما عار عليكم أرجال مكناس
…
مشات دارى فحماكم يا أهل الكرايم)
يا سر فالناس من بيع لى في الجليا
وفرح قلب على محانى وكدارى
…
وياسر فالناس من عطف قلب ليا
…
واشفق من حالتى وبكاه أغيارى
وياسر فالناس من ضحك وظنز فيا
يوم فراقى مع أحبابى ووكارى
…
وياسر فالناس من فتا الرى عليا
…
وزين لى فالخروج من عتبة دارى
وامشيت فليلتى من الساعة كارى
(قسم)
من كثرنى يحبانى إلى نكون في الخير
…
يضل وكرى ويبات بجمعهم عامر
شحال من صاحب نوجد وكمن عشير
براطل الدار حدير غير تنقت لطير
هكذاك أصحابى دار جميع فالكاس
من لقانى من عشرانى يهز لى الراس
(آش ما عار عليكم أرجال مكناس
…
إلى يكون طعامى فكل وقت حاضر
…
كيف حوت المشرع يجرى على السنانر
…
يوم أصبحت لا مال لا مراسم
…
تقول عمرهم ما كناونى بئاسم
…
مشات دارى فحماكم يا أهل الكرايم)
لحباب إلى كنت نعتادهم يحشم
ولى ننحاز لهم يرفد عارى
…
أعتاد يخيطو مراى ويشتم
…
بكلام أفصح من مزارق ليبارى
ونحس بديهم فيا ونكتم
ونزين بشرتى ونضحك وندارى
…
وطويت القلب الحزين على هم
…
وصبرت لما قضى وقدر ليا البارى
حد حومة وحد عز في دارى
(قسم)
الله يرحم لأشياخ الفايزين لحبار
ما أحلى الضيق إلى يوريك طبع لعشار
النكد يتفاج ويفوت جمع لغيار
يستهل من يبنى سور بغير تلساس
ويستهل من يدخل للبحور دون رياس
(آش ما عمار عليكم أرجال مكناس
…
كل شى خلاوه للحادثين مجهور
…
تعود بحبيبك ولى هو عدوك مخبور
…
ولا يفاد تغنم بها سنين وشهور
…
ويستهل من ينزل للبحور دون صارم
…
ويستهل من يسمك لطواد بالسلاقم
…
مشات دارى فحماكم يا أهل الكرام)
أواه أواه خاب لى الظن فالأصحاب
إلى بهم كنت نفخر ونفايش
…
فيا خلاو سم لظفار ولنياب
بعد نيح وهرنو مثل الهوارش
بقلوب أقصح من الحديد ووجوه صلاب
أقفال الهند ما تنطرش بمطارش
لسون تقول مرحبا بمجى لا حباب
وقلوب مكسر ما تحمل غاوش
والله مابقات حرم لدراوش
(قسم)
لسونهم يجرح وعيونهم يكويو
…
وصاعهم يشير للخصم والدعاوى
يقيل ويبات مثل الذباب يعويو
…
ملوكهم يطلع دغيا بغير جاوى
من تدوق عنهم يبداو فيه يدويو
…
ويقطع لحم فالساعة بلا جناوى
عرفتنى هذا الحز بسيرت الناس
…
ويح من لا عتد فمخازن دراهم
صحبت فلس زلاغى من قوارط نحاس
…
خير من صبحت شر الخلق من بنادم
(آش ما عمار عليكم أرجال مكناس
…
مشات دار فحماكم أهل الكرايم)
أواه أواه وين لولاف العشران
وين أصحابى وبن هما صدقانى
…
لا وحد منهم يوم الحز بان
…
غير تدرق على بلعانى
ما عرفونى ما تفكرونى بحسان
كينى جيت للمدينة يرانى
…
شى منهم ماتلا يلاغنى بلسان
…
وشى منهم كل ساعة يلقانى
ويفاقدنى الخسيس عنوة فمكانى
(قسم)
كيف ننسا تلطامى في دروب مكناس
…
وغربتى ومباتى فدكاكن المدارس
أعياو بيا الحوانت في سواق لبخاس
…
والفنادق وبيوت وساير المجالس
عدت فالليل نبات على الحبال عساس
…
وفالنهار نظل بباب الدراز جالس
امنين حس بياتم اصطبت لجلاس
…
رادف عنى بالقهرات والنقايم
المبات بالجوع ولا طعام لكناس
…
الفقر والغربة ولا صحبة شاتم
(آش ما عمار عليكم أرجال مكناس
…
مشات دار فحماكم يا أهل الكرايم)
فإن أعداى وقصدهم خلاص رشيت
…
فسوق أهل الله بعت بنظامى واشتريت
ما عرف بين صرخة الله معايا
وبر بعد السقام ضرى وتعافيت
…
وابلغ قصدى مع ضراغم الولايا
وقنعت من الزمان بالقسمة وارضيت
…
وكملت مراغبى وقصدى ومنايا
…
وفرح قلبى بما أعطانى مولاى
وهنيت ولا بقات غمرة فحشايا
(قسم)
من وقف للمسعى يسعى الديور الكبار
…
الكريم يضايف من لابغاه البخيل
الحلاوة بالمنة كتدير المرار
…
يالطامع فمودة من ارباو فالويل
المغطس فالعر ما يزول العار
…
والموتى بالعلة ما يطب العليل
فلافسى دهقانى رباوئى الكياس
…
مقر مختبر شيخ حكيم ناجم
القضى صرفت أحكام وصرت لاباس
…
أحمدت بى وشكرت سابغ النعايم
(آش ما عمار عليكم أرجال مكناس
…
مشات دار فحماكم يا أهل الكرايم)
والله ما ضرنى ولا عذب قلبى
غير اشفايت الحباب إلى ظنيت أصحاب
…
أما أنا فإن مشيت لى ربى
…
في كل مكان صرخت لى تصاب
بدل رب الكريم بالراح تعبى
من دار تكل فالله عمر ما يخاف
…
ماحد الحاسدين تتمنا كربى
…
والله يزيدنى الأجر والثواب
ويكثر عن عداى الحساب والعقاب
(قسم)
هكذا الدنيا الحارة كتدير للقوم
…
وهكذا الدهر مشتت جمع كل لامة
يوم شلوق ويوم حلو ويوم زقوم
…
ويوم مستعدل بين الطيب والزهامة
يبات شمل المرو فحفظ الكريم ملموم
…
ويصبح الدهر مشتت الطالب السلامة
من مدعلى راس أعداه لا تقول فياس
…
يضرب ضربة وبالأخرى يعود عادم
يلتقى المرو نشاشبها من كباد القواس
…
ولا يلتقى دعوت مظلوم من الظالم
(آش ما علر عليكم أرجال مكناس
…
مشات دار فحماكم يا أهل الكرايم)
الخير إلى يكون فتباع الجميل
فالجوف مدت تورث العلايل
…
أصل البخل كثير وأصل الجود قليل
…
واحد فميات ألف توجد فاضل
كمن عز تبان لك في وجه جميل
وعلى راس الشان المشرقى شامل
…
قومان تدرك بثياب التفضيل
…
وضحات الناس عندهم قاع حتايل
ما لازمنى بقربهم نبقى نازل
(قسم)
كيف يتهدا من يرجاه سيف عزريل
…
وضيق القبر وملكين يوم لسئال
وكيف تعلى يامن ما زال ترجع ذليل
…
يالى قالتل نفس أنت المفضال
آش ما قاسك يابنادم ترجع عطيل
…
شوف تمغاطك فوق النعش يلذومال
بدوك الأول نطفة من ما هطيل نسناس
…
واخرك للتربة والدود يالظالم
شوف ما تحت لباسك يا كير لدناس
…
من العجب لولا الثوب مستر الحشايم
(آش ما عمار عليكم أرجال مكناس
…
امشات دارى فحماكم يا أهل الكرايم)
إلى غير هذا من الأزجال المشتملة على لطائف التسل والحكم ومديح الأولياء والعارفين الأصفياء.
ولادته: ولد بمكناسة الزيتون سنة أربع وخمسين ومائة وألف.
وفاته: توفى عن مائة واثنى عشر سنة بداره الكائنة بقعر درب ابن العواد من
مكناس، في البيت يمين الداخل قرب فجر يوم الاثنين ليلة سادس عشرى رمضان
المعظم عام ستة وستين ومائتين وألف، كما صرح بذلك تلميذه غريط المذكور في
رجزه بقوله:
حتى قضى بقرب فجر الاثنين
…
ليل يوم سادس وعشرين
من رمضان ستة وستين
…
وألف إثر مائتين ثنتين
وصلى عليه بجامع الزيتونة ودفن بدار والده التي صيرها زاوية قيد حياته بحومة أبى الطيب.
وهذه الدار هى التي يحكى أن الشيخ كان وكل بعض اللائذين به المظهرين له صدق الولاء من مسلمة بنى إسرائيل، فعمد هذا الوكيل المذكور إلى الدار المذكورة وباعها بغير إذن من المترجم، فلما شعر بذلك أقلقه وأنشأ قصيدته المذكورة ثَمَّ التي يقول فيها: امشات دارى فحماكم يا رجال مكناس لخ
ثم ردها الله عليه بعد ذلك، فصيرها زاوية يجتمع فيها مع أصحابه للذكر والعبادة، وكان يلقنهم في أول الأمر قراءة دلائل الخيرات، ثم صار الورد الذى يلقنه هو سورة يس، والصلاة المشيشية صباحا ومساء، وعلى ذلك استمر عملهم، وللمترجم بهذه الزاوية ضريح جليل له بهاء ومهابة، ومعه فيه ضريح أخته السيدة خديجة كانت توفيت قيد حياته فدفنها ثمة.
أما دار سكناه التي قدمنا موته بها فلا زال فراشه بها قائما إلى الآن وهو لبدتان كبيرتان من صوف تحتهما حصير والكل فوق طبلة من خشب تعلو من