الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعين ذوى هياكل مفزعة بسجونه في سلاسل وأغلال لا يكلمون ولا يكلمون، ولا يعرفون في الخارج، ثم لمادنا أجله انتقل من زرهون إلى مكناسة الزيتون، وفيها أدركته منيته، وبالجملة آثار المترجم وأحواله الخارقة وكراماته الباهرة لا تكاد تنحصر.
مشيخته: منهم ابن عمه سيدى الحاج العربى الوزانى المتوفى ليلة الأربعاء أول ليلة من المحرم عام سبعة وستين ومائتين وألف كما في بلوغ القصد والمرام تأليف البركة الصالح سيدى العربى الوزانى التهامى الرباطى.
الآخذون عنه: أخذ عنه العلامة المجتهد البركة السيد الحاج أحمد اعبابو، والمجذوب الساقط التكليف السيد محمد المدعو منصور آل السيد سعيد المَشَنْزَائى المتقدم الترجمة في المحمدين وغيرهما.
وفاته: توفى بمكناس سنة خمس وتسعين ومائتين وألف، ودفن بزاوية أسلافه من حومة باب البراذعيين قرب جناح الأمان، وضريحه ثَمَّ من أشهر المزارات.
433 - عبد المالك بن فخر الملوك أبى النصر إسماعيل
.
حاله: إمام عدل، شهم سخى، ذو ثبات وأصالة في الرأى، بهذا وصفه أبو محمد عبد السلام بن الخياط القادرى، ووصفه بعض السفراء الإنجليزيين بما ترجمته: ولهذا الإمام خلق مخالف تماما لخلق مولاى أحمد الذهبى، مقتنعا زاهدا لا يشرب إلا الماء، وكان متدينا شديد التمسك بشريعة محمد رضي الله عنه، وكان من أكثر الجنود بسالة وشجاعة، ولكن من شدة تعصبه للدين أنه كان لا يثير معركة في يوم عيد ولو كان في ذلك ما فيه من الأخطار على المملكة كلها، ويقال: إنه تحت ستار الصلاح والتقوى كان جبارا سفاكا للدماء، وكان أشياعه يرون في ذلك تنفيذا للعدل الإلهى وقد استولى على العرش لخروج أخيه عن الجادة المستقيمة وتعاطيه للخمور هـ.
ووصفه الزيانى ومن تبعه بالبخل والشح، والظاهر أن المترجم لم تكن يده مغلولة إلى عنقه ولا مبسوطة كل البسط كأخيه أبى العباس أحمد الذهبى الذى أفضى به جوده إلى حد التبذير المذموم من اتصف به على لسان الشارع، وقد بلغ جيش عبيد البخارى ومن في حكمهم من الشره ما صير الاقتصاد المحمود في نظرهم شحا وبخلا، يدل لذلك ما يتلى عليك مما بذله من العطاء لوفود البيعة وغيرهم.
وقد كان عقد له والده قبل على درعة وأعمالها، وأنزله بقصبتها، ورتب معه ألف فارس، وذلك سنة إحدى عشرة ومائة وألف، ولما كانت سنة أربع عشرة حاربه صنوه أبو النصر وشرده من محل مأموريته، ففر لضريح أبى العلاء إدريس الأكبر بزرهون، واستولى أخوه أبو النصر المذكور على درعة، فبعث السلطان والده ولده المولى الشريف إلى درعة واليا عليها، ثم ولى صاحب الترجمة على سوس.
قال ابن الخياط ما ملخصه: لما قبض الله والده إليه بايعه أهل مراكش وبلاد السوس، إذ كان عاملا لوالده على تلك البلاد، وكان محل استيطانه بتارودانت، أما عبيد البخارى الذين كانوا بمكناس ومشرع الرملة فبايعوا لصنو المترجم أبا العباس أحمد المعروف بالذهبى خليفة والده المرحوم بتادلا، ثم وقع بين المترجم وصنوه المذكور قتال وحروب انجلت بظفر العبيد وانهزام صاحب الترجمة، فرجع لتارودانت، ثم بعد مدة خلع العبيد أبا العباس المذكور، وبايعوا لصاحب الترجمة ووجهوا له بيعتهم لتارودانت واستقدموه فقدم، ولما حل بمكناسة وفدت عليه وجوه فاس ببيعتهم على منبر جامع القصبة، وكانت البيعة من إنشاء الشيخ أبى مدين الفاسى وقفت عليها بخطه في مسودتها وإليك نصها:
"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد المصطفى الكريم، وعلى آله وصحبه أولى البر والتعظيم، أفضل الصلاة وأزكى التسليم،
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا، الحمد لله الملك الفتاح، بحده في كل الأمور يحمد الاستفتاح، فتح لنا أبواب السعادة من فضله وارتضى لنا الإسلام دينا قويما، وشرع لنا منه منهاجا واضحا وسبيلا مستقيما، وأسبغ علينا بسابغة كنتم خير أمه أخرجت للناس فضلا عميما، عجزت العقول عن كنه ذاته فضلت في بيداء الأوهام، وحارت الأفكار في باهر صفاته فأصبحت طائشة السهام. وسددت الأفهام الثاقبة إلى محيط علمه فكان القصور قصارى تلك الأفهام، ووقفت توقف الانقطاع عن بلوغ ذلك المرام، لا تستطيع تأخيًرا ولا تقديما، تقدس في ربوبيته عن الشبيه والنظير، والشريك والمعين والظهير والوزير، وتنزه في وحدانيته وكبريائه عن لواحق المحدثات، وأحاط علما بالكائنات، على تباين الأنواع وتنافر الأضداد والمشابهات، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض إنه كان عليما حكيما، وتبارك الله الذى خلق الخلق أطوارا، وأودعهم من حكمته لطائف وأسرارا، وأحسن خلقهم تقويما، وأودع قلوبهم من هداية العقل نورا، وألهمهم طريق النظر والاستدلال فعلموا بسواطع البراهين أن لهم صانعا قديرا، يسر لهم المآرب تيسيرا، وتمم لهم المصالح تتميما، وجبلهم على التمدن والائتلاف، ولم يجعل من سجاياهم التنافى والتباعد والاختلاف، وبوأهم من عصمة النفس والمال حرما أمينا، وأهلهم ليسلكوا من رفقه ولطفه سبيلا مبينا، وألزمتهم وظائف التكليف مفروضا ومسنوبا، ومحظورا ومحتوما.
والحمد لله الذى لا تحصى ضروب نعمه المترادفة، ولا تنفذ خزائن رحمته مع اتصال سحائبها الواكفة، ويعطى من لجأ إليه وتوكل علية فضلا جسيما، فبأى مواهبه العميمة نغرى لسان التحميد، وفى أى باب من الأبواب آلائه الكريمة تحط
ركاب التمجيد، أبنعمة الخلق، أم بنعمة الرزق؛ لقد بهرت آلاء ذى العرش المجيد، خصوصا وعموما، ومن عنايته جل جلاله بهذا النوع الذى فضله بالعقل على كثير من خلقه، وشرفه لما عرفه طرق القيام بحقه، وجعل له بمقتضى لطفه حدودًا يقتفى آثارها ورسوما، واصطفى منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبعث منهم رسلا لبيان تفاصيل الأحكام، وكان فضل الله عليه عظيما، وخصنا سبحانه بهذا النبى الكريم الذي تأخر بالزمان. وتقدم لديه جل وعلا بشرف الحظوة والمكان، تشريفا لنا وتكريما، وأطلع شهب هدايته المنيرة، وأحمد به نار الشرك المستطيرة، فاتسق نظم الدين به خير اتساق، واستقر الحق محوطا بأمره ونهيه من اضطراب وافتراق، حتى تكامل الدين بأقصى كمال، ومد الإسلام على البسيطة أورف ظلال، وأينعت أدواح الرشد بعد أن كانت هشيما.
نحمده تعالى حمدا نستوجب به المزيد من نعمائه، ونستجلب جزيل مواهبه وآلائه. ونستنشق من أنفاس عطاياه الجليلة نسيما، ونشكره سبحانه على أن ألهمنا شكره المستدعى المزيد من الإنعام. والمولى من الآلاء أوفى الحظوظ والأقسام. شكرا يكون بتضاعف الجود والكرم زعيما.
ونشهد أنه الله الذى لا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة لا يحوم حولها الالتباس، وإنما تتأرج منها رياض الصدق عاطرة الأنفاس، وتطلع وجه التحقيق لأبصار البصائر (1).
ونشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمدًا عبده ورسوله النبى العربى القرشى الهاشمى الذى اختاره واصطفاه، ووفاه من حظوظ اختصاصه واعتنائه ما وفاه. وأزاح به عن الوجود علله وشفاه. وأثنى عليه في محكم كتابه الحكيم وكفاه فخرا
(1) في هامش المطبوع: "خرق بالأصل ويناسبه أن يقال وسيما".
عظيما، انتخبه من سلالة إبراهيم وإسماعيل، وأنزل بشارة مبعثه في التوراة والإنجيل، وكرم بولادته الذبيح والخليل، وجعله أزكى الخلائق عنصرا وأطهرهم خيما.
النور الذى تضاءلت الأنوار لطلوعه، وتفجرت ينابيع الخيرات والبركات من ينبوعه، واحتفل الشرف الغض بين أصوله الطاهرة وفروعه، حديثا وقديما، ختم الله به النبوة والرسالة، ومحا بنور الحق الذى جاء به ظلم الظلم والضلالة، وأوضح المذاهب عن الله تحليلا وتحريما، فكان مما جاء به صلى الله عليه وسلم من دين الله وجوب نصب الإمام، لإقامة الحدود والأحكام، وليحصل الاجتماع والالتئام، على كلمة الحق وشرائع الإسلام فتظافرت الدلائل الشرعية منطوقا ومفهوما، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى خلافة أفضل هذه الأمة على التحقيق، وأَهله لحمل تلك الأمانة وهو الخليق بها والحقيق، صاحبه وخليفته سيدنا أبى بكر الصديق، فكان على أهل الباطل شديدا وبأهل الحق رحيما.
ونصلى ما لاحت الزواهر في أفلاكها، ونظمت الجواهر في أسلاكها، على أشرف الخلق وسيد ملوكها وأملاكها، ونسلم تسليما، ونرضى على آله وصحابته، وأوليائه وأنصاره وعصابته، المستوجبين من الله عز وجل بنصرته وإجابته، مزية قوله تعالى: {
…
وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)} [سورة النساء آية 31] مما ركضت جياد الألسن في ميادين ثنائهم، واقتدت الأمة في الأمور الدينية والدنيوية بآثار عليائهم انتفاعا وتعليما.
أما بعد: هذه الفاتحة التي فتحت من النجح كل باب، واستمسكت من الله ورسوله بوسائل وأسباب، فإن من المتقرر في القواعد السنية. أن كل ما نتعبد به فمرجعه إلى الدلائل الشرعية، وأَن العقل إذا سدد حكما من الأحكام عند تناوله قبولا وردا فحقه أن يعرض على سلطان الشرع توقيعه، ويلقى في يد ذلك المسيطر
الناقد جميعه، فما كتب بإمضائه أنفذ وأعمل، وما لم يجزه طرح وأهمل، ولا خفاء أن نصب الإمام مما اقتضاه الشرع والعقل، وتعاضد فيه السمع والنقل، إذ به تحفظ رسوم مصالح الدنيا والدين، وتخفض رقاب المعتدين المتعدين، وترفع لهيبته المظالم، وتعلو بكلمته للدين مشاهد ومعالم، وتصان به الحرم والأموال، وتزول الفتن وتدفع الأهوال، وأن طاعته واجبة وجوبا محتما، وجنابه الجليل حقيق أن يكون لدى الخاص والعام محترما معظما، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
…
(59)} [سورة النساء آية 59] وقد جاء في الأثر: أنه لا ينبغى لمؤمن أن يبيت ليلة وليس عليه إمام، وقال عليه السلام: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية، ومن خرج على أُمتى يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمنها ولا يفى لذى عهدها فليس منى ولست منه. رواه مسلم.
وقال عليه السلام: إذا مررت ببلدة ليس فيها سلطان فلا تدخلها إنما السلطان ظل الله ورمحه في الأرض. أخرجه البيهقى.
وقال عليه السلام: السلطان ظل الله في الأرض يأوى إليه الضعيف وبه ينتصر المظلوم ومن أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة أخرجه ابن النجار.
وقال عليه السلام: السلطان ظل الله في الأرض فمن غشه ضل ومن نصحه اهتدى. أخرجه البيهقى.
وقال عليه السلام: السلطان العدل المتواضع ظل الله ورمحه في الأرض يرفع إليه عمل سبعين صديقا. أخرجه أبو الشيخ.
وقال سهل بن عبد الله رضى الله عنه: من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتاع، ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل، وقال: إن لله سبحانه في كل يوم نظرتين نظرة إلى سلامة أموال الناس ونظرة إلى سلامة أبكارهم فيطلع في صحيفته فيغفر له ذنوبه.
وقال عليه السلام: الولاية في قريش ما أطاعوا واستقاموا. ولا شك ان أهل بيت سيد المرسلين، أعظمهم موقعا في قلوب المؤمنين، وأكرمهم منزلة عند رب العالمين، أنالهم تعالى في خلقه فضلًا كبيرًا، وكان جنابهم الكريم بالتفضيل والإكبار جديرا، ومنحهم إجلالا ورفعة وتكبيرًا، وأولاهم بين الأنام تعظيما وتوقيرا. ونور بهم العالم تنويرا، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأمر أن تعتقد حرمة شرفهم النبوى، وأن يقدر قدر منصبهم الشريف المصطفوى، وكفاهم شرفا ومجدا، أن كان أشرف خلق الله لهم جدا. أكرمهم سبحانه في سابق أزله، بأن أهَّلهم للقرب من أكرم رسله فأكرم بذلك الإكرام إكراما وبذلك القرب قربا، وأحبهم تعالى وجعل من حق نبيه أن يحبوا فقال جل ثناؤه: {
…
قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى
…
} [سورة الشورى: آية 23] قال ابن عباس لما نزلت هذه الآية قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى، قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: على وفاطمة وولداهما أخرجه الطبرانى وغيره، ابن حجر باطل موضوع.
وقال عليه السلام: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبونى لحب الله وأحبوا أهل بيتى لحبى أخرجه الترمذى.
وقال عليه السلام: لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتى، أخرجه النسائى.
وقال عليه السلام: من أبغضنا أهل البيت فهو منافق أخرجه ابن عدى.
وقال أبو بكر رضى الله عنه: ارقبوا النبى صلى الله عليه وسلم في أهل بيته، رواه البخارى.
وقال عليه السلام: النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتى أمان لأمتى أخرجهُ الطبرانى.
وقال عليه السلام: إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى كتاب الله وعترتى أهل بيتى ولن يفترقا حتى يردا على الحوض.
وإن مما امتن الله به علينا من أهل هذا البيت الشريف، الذى أولاه الله أشرف التعظيم وأَعظم التشريف، من قدمه الله تعالى لسلطانه العزيز، ورفعهُ المولى جل وعلا على منصة التبريز، شريف السلاطين وسلطان الشرفاء، ومن بجده عليه السلام له الاتباع والاقتفاء، الإمام الذى ألقت إليه الإمامة زمامها، وقدمتهُ الأفاضل لما اختص به من الفضائل أمامها، فأحيا الله به ما كاد أن يسلب من الأمن الأثر، وأقال به عثرة الدهر بعد ما عثر، وأقام به سوق العدل وأوضح معالمه، وأشاد مفاخر الفضل وأضحك مباسمه، وسعدت بوجوده وجوده الخلافة، واندفع عن الدين به كل آفة، عميد المجد الذى لا يتناهى فخره، ووحيد الحسب الذى تسامى قدره، فرع الدوحة المحمدية التي عم خيرها الإسلام، وغصنها الناعم الذى في روض أمنه أنام الأنام، بضعة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التحيات وأنمى البركات وأطيب التسليم، إمامنا المنصور بالله المظفر المؤيد المعتمد على الله المستعين بالله الخاضع المتواضع لله المتوكل على الله المفوض أمره إلى الله المحلى بحلية الطاعة والتقوى، المستمسك من سنة جده عليه السلام بالحبل الأقوى السالك من سبل المعالى أسنى المسالك، أمير المؤمنين أبو المفاخر مولانا (عبد المالك)، ابن السلطان الأظهر، الهمام الأطهر، الملك المعظم الأفخم الأشهر، الحائز قصب السبق في ميادين التفضيل، أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، مولانا إسماعيل، ابن سيدنا شمس فلك السعادة، وينبوع الملك المنوط
بمجد الشرف وشرف المجادة، الذى تدرع بدرع التقى والورع، وجمع من محاسن المعالى ما جمع، المستغنى شرفه الصريح عن الإيضاح والتعريف، ذو المواهب اللدنية، والفتوحات الربانية، مولانا الشريف، ابن مولانا على ابن مولانا محمد ابن مولانا على ابن مولانا يوسف ابن سيدنا علم الأعلام، كعبة الزائر وركن الاستلام، باب الفضائل ومفتاحها، ومشكاة البركات ومصباحها، ذى العناية السابقة والأنوار البارقة، من أصبحت تربتهُ مزورة، وكراماتهُ مشهودة ومشهورة، الإمام البركة الولى، مجاب الدعوة مولانا على، ابن مولانا الحسن ابن مولانا محمد ابن مولانا حسن ابن مولانا قاسم ابن مولانا محمد ابن مولانا أبى القاسم ابن مولانا محمد ابن مولانا الحسن ابن مولانا عبد الله ابن مولانا أبى محمد ابن مولانا عرفة ابن مولانا الحسن ابن مولانا أبى بكر ابن مولانا على ابن مولانا حسن ابن مولانا أحمد ابن مولانا إسماعيل ابن مولانا قاسم ابن مولانا محمد ابن مولانا عبد الله ابن مولانا حسن المثنى ابن مولانا الحسن السبط ابن مولانا أمير المؤمنين على بن أبى طالب ومولاتنا فاطمة بنت سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الأكرمين، وأصحابه الجلة المكرمين، وبجاههم نسأل الله بقاء وجود مولانا نصره الله في العز المكين، وتأييده بكمال التأييد والتمكين، وأن يديم دوام الدهر سعادة أيامه، ويجعل البسيطة في قبضة يده وطوع أحكامه، ولا برحت كواكب سعوده في السعادة زاهرة المطالع، ومواكب جنوده في ميادين الظفر ظاهرة الطلائع، وعدله سائرا في الليالى والأيام، وفضله ناشرا أعلام إحسانه على الخاص والعام.
فانعقد الإجماع على أنه خلد الله نصره المتعين لاختصاصه بهذه المزية العظيمة، لما اشتهر من استكماله شروط الإمامة المباركة الجلية الكريمة، ولطالما كانت تستشرف إليه، لتتشرف بقبوله إياها وحلولها لديه، إلى أن حظيت منه بالقبول، وفازت من مجادته ببلوغ الأمول، فلو رام غيره أن يسلك هاتيك
المسالك، لقالت يأبى الله والمسلمون ذلك، ولانعقاد الإجماع على استحقاقه لها، ولكونه أحق بها وأهلها، بايعته بالحضرة الإدريسية حرسها الله بوجوده شرفاؤها وعلماؤها وصدورها وأهل الحل والعقد منها على طاعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى ما بويع به الخلفاء الراشدون الهديون رضى الله عنهم، وعلى السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر بيعة مباركة صحيحة قرت بها نواظرهم، وشهدت في ذلك على صفاء بواطنهم ظواهرهم، وأعطوا بها مع الإفصاح بالكلام صفقة إيمانهم، وجعلوها أُسا يبنون عليه صالح أعمال أديانهم، وتقلدوا من طاعته طوق الحمامة، معتقدين أن سلامة الأمة إنما هى باتباع هذه الإمامة، وزادوا عندها توثقا وتأكيدا، حين أشهدوا الله به على أنفسهم وكفى بالله شهيدا.
وهم في اجتلاب مرضاة الخلافة المباركة ساعون، وفى أعقاب صلواتهم وأوقات خلواتهم لها داعون، اللهم كما أسعدتنا بخلافة وليك الميمونة، واخترته لإقامة شرائع دينك المفروضة والمسنونة، وجعلت طاعته بين أيدينا وبأيماننا نورا، وشرحت لفهم آيات فضله منا صدورا، فانصره اللهم نصرا مؤزرا، واجعل نصيبه من عنايتك جزيلا موفرا، وعرفه في كل مرام فتحا مبينا وظفرا ميسرا، اللهم واصنع له خير ما صنعت، واجمع على طاعته ومحبته القلوب كما جمعت، وارفع ذكره في الأذكار، ودرجته في أئمة العدل الأبرار، فوق ما رفعت.
اللهم إنك قلت وقولك الحق هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فجازه عنا بإحسانه، واحرس أمره العلى بأكرم حفظته وأعز أعوانه، واجعله اللهم على رعيته شفيقا، وبجميعهم مدى الدوام رفيقا، وأبقه ملاذا للمؤمنين، وحصنا حصينا لجميع المسلمين، في هناء متصل شامل، وفرح وافر وسرور كامل، إنك يا مولانا على ذلك قدير، وأنت نعم المولى ونعم النصير، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وآله وأصحابه أجمعين وسائر الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين، وفى ثامن شعبان المبارك عام أربعين ومائة وألف" هـ من خطه.
ثم إن المترجم وصل شرفاء الوفد الذى أتى له بالبيعة بألف دينار ذهبا، كما وصل الطلبة والأعيان مثل ذلك، وأعطى الراتب للرماة، فنال كل فرد منهم سبعة مثاقيل ذهبا، ثم أصدر أوامره برد المظالم، وشدد في اجتناب المحرمات، فكبر ذلك على العبيد وأبوا أن يردوا ما اغتصبوه للناس من عقار ومال، ولما رأى المترجم ذلك صرح لهم بأنهم أحرار فليذهبوا حيث شاءوا، وأنه لا حاجة له بخدمتهم، وأعلن النداء في جميع البلاد التي دخلت تحت طاعته بأن من أراد الدخول في الجندية فليأت إليه، فوفد عليه سرعان الناس، ولما تحقق عبيد مشرع الرملة بذلك خافوا سطوته لما يعلمونه من شهامته فأجمعوا أمرهم ونهضوا يطوون المراحل فلم يشعر المترجم حتى دهموه وكانوا سبعين ألف مقاتل، فجمع أتباعه ومن كان داخل ديوان العسكر من الأحرار الوافدين عليه، وخرج لقتالهم بظاهر العاصمة المكناسية وأمر بغلق جميع أبواب المدينة ومع قلة جيشه إذ كان لم يبلغ عشرة آلاف مقاتل، ووفور جيش العبيد فقد قاتلهم قتالا لم يعهد له مثيل بالبلاد المغربية، يقال: إنه مات في هذه الواقعة ما يزيد على ثلاثين ألفا.
وكانت النصرة لصاحب الترجمة على العبيد ولكن بكل أسى وأسف أن بعض زوجات والده أمرت بفتح أبواب البلد، فامتثل أمرها، ولما فتحت الأبواب دخل العبيد القصبة المولوية وعمروها ولا علم للمترجم بذلك، ولما اتصل به الخبر فرّ إلى فاس، ولما وصل إليها أغلق الودايا الذين بفاس الجديد أبواب البلد في وجهه.
فتوجه لباب الفتوح أحد أبواب فاس الإدريسية، واستدعى أهل فاس فخرجوا إليه، ثم اختلفوا في نصرته، فأجابه قوم وامتنع آخرون، ومع ذلك دخل المدينة ونزل بدار القيطون منها.
أما العبيد فإنهم لما فتحت لهم أبواب العاصمة المكناسية ودخلوها على حين غفلة من صاحب الترجمة عثوا فيها ونهبوها وما حولها، وارتكبوا كل مخجل للمروءة، وأعادوا البيعة لأبى العباس الذهبى، ونهضوا به يقتفون أثر صاحب الترجمة، وانضم إليه كل من كان على شاكلتهم من القبائل، وساروا إلى أن نزلوا على فاس في مائة ألف مقاتل على ما قاله ابن الخياط القادرى، ورموا المدينة بالأنفاض من جميع جهاتها، وجاءوا بالسلاليم للتسور عليها من الأسوار، وشددوا الحصار وكثر القتل والجرح واشتد الحال وغلت الأسعار وعدمت الأقوات والمقومات التي تأتى من خارج البلد كالحطب والفحم، فاضطر الناس للصلح بتسليم صاحب الترجمة لأعدائه الناكثين بيعته المحاربين له.
ولما شعر المترجم بذلك استجار بالضريح الإدريسى، فدخل عليه عبد النبى ابن الباشا سعود الحيانى أحد عسكر البخارى وكان باشا على ثمانية عشر ألف فارس، وسالم الدكالى البخارى وكان إلى نظرة اثنان وعشرون ألف فارس وانضم إليهما زعانف الغوغاء ومن لا خلاق لهم وأخرجوه، وذلك زوال يوم الخميس الواحد والعشرين من جمادى الأولى عام واحد وأربعين ومائة وألف، ووجهوه مع الباشا مساهل بن مسرور.
ومن الغد نهضت محال العبيد وسارت إلى مكناسة، ولما وصلوا إليها سجنوا بها صاحب الترجمة، ولما كان الغد توفى أبو العباس أحمد الذهبى، ثم أمر العبيد أخاه محمد ولد الطليقية وآخر فدخلا عليه، ومعهما زعانف الخدم والحرس وأمسكوا على جميع أطرافه وحجزه، وجعل أخواه مجدولا في عنقه من حرير وخنقاه وأعضاؤه تضطرب إلى أن مات رحمه الله، وفى غده جهز وصلى عليه عوام الناس وأهل الدين المتين، هذا ملخص ما في مؤلف ابن الخياط القادرى في الإمام محمد النفس الزكية وبنيه.
والذى للزيانى في البستان والروضة والترجمان المعرب: أن أهل فاس لما صالحهم أحمد الذهبى على أن يسلموا له صنوه المترجم وأجابوه لذلك، كتب إليه بالتخيير بين أن يتوجه لسجلماسة وبين أن يبقى بالحرم الإدريسي، فاختار الأخير، ثم إن السلطان أحمد أصدر أوامره لأهل فاس بأن لا يكلم أحد المترجم ولا يجتمع به ولا يبايع ولا يشارى هو ولا أصحابه، ومن خالف الأمر يعاقب، فضاق الفضاء بالمترجم، ووجه ولده للعبيد يطلب منهم أن يؤمنوه، ثم لا خرج مكنوا منه صنوه أبا العباس، ولما مثل بين يديه أمر بتوجيهه لمكناسة ليسجن بها، فسجن بدار الباشا مساهل.
ولما أحس السلطان أحمد بالموت أمر بخنق المترجم، فخنق ليلا ليلة الثلاثاء أول يوم من شعبان العام، ومات الذهبى ليلة السبت الرابع من شعبان المذكور.
وتبع الزيانى أكنسوس وصاحب الاستقصاء، وزاد الأخير أنه رأى بخط جده للأم الفقيه الأستاذ أبى عبد الله محمد بن قاسم الإدريسى اليحيوى الخيارى عرف بابن زروق، وكان حيا في هذه المدة أن المولى عبد المالك بويع في الآخر من رجب سنة إحدى وأربعين ومائة وألف وهو بالسوس الأقصى بمدينة تارودانت، ثم ورد على دار المملكة بالحضرة المكناسية ليلة السابع والمعشرين من رمضان المعظم من السنة المذكورة، ثم ثار عليه أخوه المولى أحمد المخلوع في عاشر المحرم فاتح سنة اثنتين وأربعين، واقتحم عليه دار الملك من مكناسة عنوة، ووقع فساد كبير بالمدينة المذكورة، وهلك بشر كثير في الحرب، ومنهم من قتل صبرا، وفر المولى عبد الملك ناجيا بنفسه إلى فاس، ثم حاصره بها المولى أحمد نحوًا من أربعة أشهر حتى خرج إليه على الأمان، فأمر بسجنه بمكناسة، ثم قتل المولى عبد الملك صبرا مخنوقا في أواخر رجب المذكور أيضا هـ باختصار يسير.
وفى درة السلوك أن المولى عبد الملك المترجم ظل يوم قتله صائما، وأَن