الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
462 - عبد السلام بن محمد فتحا بن عبد الله بن الطاهر الأمرَانى
.
وقد تقدم رفع عمود نسبه في ترجمة والده وأخويه في حَرفَي الكاف والميم.
حاله: فقيه أديب، دين خير فاضل، وجيه نزيه، صدر رئيس سياسى مذاكر مطلع على أخبار من مضى وسيرهم وأحوالهم، له اعتناء كبير بمطالعة التواريخ والسير وكتب الأدب، لا تجد في كتبه كتابا من الكتب المذكورة الأغانى فما دونه إلا وهو مملوء الهوامش بالتوقيفات والتنبيه على المهمات، كاتب بارع، لطيف الإنشاء، جزل المعانى، جواد كريم مفضال معظم محبوب.
صاهره السلطان سيدى محمد بأخته ثم بعد أن لبت داعى مولاها صاهره نجله السلطان المقدس مولانا الحسن بأخته أيضا، وكان يرشحه للمهمات ويعقد له على الجيوش، وقدمه في البعوث وبالأخص للقبائل البربرية لما يعلمه فيه من السياسة وحسن التدبير، والتنازل مع الكبير والصغير، وكان لا يرجع إلا منصور الراية من غير إيقاد نار فتنة ولا إيثار هرج ولا مرج، وكان يرافق ركابه في حركاته وتنقلاته، وقد حضر وفاته بدار ولد زيدوح حسبما وقفت على ذلك في رسالة كتبها لأخيه المولى الكامل سابق الترجمة، يصف فيها مرض السلطان ووفاته، وبيعة المولى عبد العزيز، رأيت إدراجها هنا إذ كان صاحبها شاهد عيان ونصها من خطه:
"حفظ الله بمنه أخى مولاى عبد الله الكامل الأمرانى ورعاه، وسلام عليكم وحمة الله وبركاته.
وبعد: عظم الله أجرنا وأجركم في مولانا أمير المؤمنين مولانا الحسين قدس الله روحه، وأسكنه من الجنان فسيحه، فيا لها من مصيبة ما أعظمها، وبشارة ما
462 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في موسوعة أعلام المغرب 8/ 2857.
أمرها، إنا لله وإنا إليه راجعون، توفى قدس الله روحه ليلة الخميس ثالث الحجة بدار ولد زيدوح، وذلك أننا لما خيمنا بها يوم الثلاثاء 23 قعدة كان محسوسا، ثم خرج يوم الأربعاء على المادة ثم أقام الخميس والجمعة لم يخرج، ثم خرج صبيحة السبت بكرة وصبيحة الأحد وصبيحة الاثنين كذلك، وما قطع الخروج بكرة حتى لقى الله، غير أنه يمكث نحو نصف ساعة أو ربع ساعة ويتلاقى بالمكلفين ثم يرجع لمحله إلى يوم الأربعاء ثانى قعدة (كذا بخطه والصواب حجة ليلئتم مع ما قبله) خرج قبل الشروق وجلس بالصوان ربع ساعة واشتد به الحال ودخل، وظل كذلك إلى الحادية عشر من ليلة الخميس قضى عليه، وقدم على ربه أكرم الأكرمين رحمه الله وألحقنا به مسلمين تائبين آمنين.
ثم كتم المكلفون موته، ولم يعلم به أحد إلا خاصة الخاصة، واجتمعوا ليلا واتفقوا على الرحيل والنهوض من بلاد بنى موسى والخروج من القطر التادلى، فأدخل رحمه الله المحفة، وأغلقت عليه وحملت على القاعدة المعلومة، وأحدق بها من كان يحاذيها على العادة ورجعنا القهقرى، وعبرنا وادى أم الربيع من مشرع ترماست، وجددنا في السير إلى البروج خيمنا بها عند الزوال، ونصبت الأخبية واستقر القرار بالمحلة ريثما استرحنا واجتمع الناس، فبعث خلفنا وخلف غيرنا من أعيان المحلة شرفاء وفقهاء وكتاب وعمال الجيوش والقبائل والرؤساء واجتمع الكل بالجامع، فتصدى للكلام الفقيه الحاجب السيد أحمد، وقائد المشور القائد إدريس ابن العلام، والوزير الحاج المعطى، والسيد محمد الصغير، والسيد على المسفيوى وغيره، فأعلنوا بموت السلطان رحمه الله، وعزى الناس بعضهم بعضا في مصابهم به، وأعلنوا بنصر نجله الأسعد مولاى عبد العزيز حفظه الله.
وأذعن الجميع لبيعته، وضربت الطبول والأبواق والموسيقى، وقام المنادى يبرح في المحلة وغيرها بنصره وتأييده، وأول من بايع إخوانه مولاى الكبير،
ومولاى حفيد، ثم أعمام والده منهم مولاى الأمين، ومولاى عبد القادر، ومولاى عبد المالك ثم أعيان دار مولاى عبد الله، منهم: سيدى الكبير بن خالنا مولاى عبد الرحمن، وأخيه مولاى المصطفى وغيره، ثم العبيد المذنبين، ثم سائر الأعيان والقواد والقبائل أسعد الله به الأمة وشد أزره وأعانه على ما ولاه.
وعليه أوصيك بالسمع والطاعة والدخول فيما دخلت فيه جماة المسلمين، والزم قعر بيتك، ولا تخض مع من خاض حتى يجمعنا الله بالسلامة والعافية، ومولانا عبد العزيز من قد علمت، ولنا فيه من الحظ الأوفر ما ليس لغيرنا فالله يسعد المسلمين به ويجمع كلمتهم عليه والسلام".
وبظهر الرسالة: ثم اشتغل الناس بتجهيز أمير المؤمنين رحمه الله، وبعد الفراغ يحمل لمراكشة بل لرباط الفتح مع المحلة وبها يدفن تغمده الله بالرحمة والرضا والرضوان، وساعته كان أخونا حفظه الله بباب أفراق، فبعث البطاقة الواصلة إليك طيه، يحضنى على الكتابة إليك بعد المشافهة بضمنه والعاقل لا يعقل، والنبيه لا ينبه، وأما العزائب التي بسائس فلا تترك فيها ما يخشى عليه من ذوات الأربع والماشية وغير ذلك، ومن بها من الإماء كجوهرة وغيرها ابعثهم لمكناس، أو عندك بفاس، واترك بالدار من يدخل ويخرج ويجدد المزراك مع البرابر والجيران من الأعراب، وما في الرزق يصل وما ضاع خلفه على الله والأمر لله، وأرح نفسك من التدبير واطلب من الله السلامة والعافية، واحمد الله عليها، نطلب الله أن يجمع الشمل بكم في قريب جمع سلامة وعافية، إنه سميع مجيب، وأسلم على سيدتنا الشريفة الجليلة وأعزيها في مولانا أمير المؤمنين والسلام عشية الخميس ثالث قعدة (1) متم 1311
عبد السلام لطف الله به".
(1) في هامش المطبوع: "كذا وتقدم صوابه".
وكان المولى عبد العزيز يقدمه على الجيوش ويبعثه للقبائل كما كان والده يرشحه لمثل ذلك، ومن الوثائق الدالة على ذلك ظهير شريف كتبه المولى عبد العزيز إليه بإمضاء أمانه لبنى مستارة بعد الإيقاع بهم، ونصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الصغير بداخله (عبد العزيز بن الحسن الله وليه ومولاه):
"ابن عمنا الأرضى مولاى عبد السلام الأمرانى، سددك الله وسلام عليك ورحمة الله.
وبعد: وصل كتابك بما فتح الله به من الظفر بفساد جبالة بنى مستارة وهم بنو يمل وبنو قيس، وقضاء الغرض فيهم واستئصالهم وتخريب حصونهم وتفريقهم في الأوعار مذمومين، وعلمنا ما عزمت عليه من الأخذ في استئصال الباقين لما بينته، وما أخبرك به كبير الزاوية عندهم السيد محمد بن الطاهر من بلوغ العقوبة فيهم حدها، وتشوف باقيهم للفرار من البلاد لما خامرهم من الرعب وما أجبته به من الأمان عليهم، ورفعك العسكر عنهم ليعمروا بلادهم كما بكتابه الذى وجهت وصار بالبال، أصلحك الله وأعانك، وما حل بهم كله بسبب ما اقترفوه، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وقد صادف البلاء فيهم محله، وقد أمضينا تأمينك عليهم لأجل تعمير بلادهم، ونأمرك أن تجد في مطالبتهم وغيرهم من القبائل بأداء الموظف عليهم وإزعاجهم لذلك، ثم ما اقتضته المصلحة بعد تنصيص الموظف يكون الإقدام عليه إذ التربية والزجر لذوى الجرائم مطلوب والسلام في 22 محرم الحرام عام 1320".
ونص آخر في الربط على الأخماس:
"ابن عمنا الأرضى مولانا عبد السلام الأمرانى وفقك الله، سلام عليك ورحمة الله.
وبعد: وصل كتابك بأنك بصدد الربط على فساد الأخماس والتضييق بهم واخترت المرور على طريق بنى زروال لسهولتها وقربها، والتخييم عليهم ببنى قاسم من بنى زروال، على أن لا تكلفهم بشئ ليكونوا لكم إعانة عليهم، وطلبت تأخير عاملهم الحسن بن الطاهر لما شرحته من حاله وتولية الحسن الأكتامى، لما وصفته به من النجدة وصار بالبال، فحيث ترجح عندك المرور على طريق بنى زروال، فلا تعدل عن الراجح إلى المرجوح، والأكتامى قد وليناه على إخوانه وهو على سفر، والسلام في 15 جمادى الأولى عام 1320".
ونص ثالث في قضية محمى:
"ابن عمنا الأرضى مولاى عبد السلام الأمرانى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله.
وبعد: فقد رفع لأعتابنا الشريفة التهامى السلوى أصلا القصرى دارا محمى المركان شكايته بهجوم المذكورين طرته على صاحبه المخالط محمد بن بوسلهام، ولد الرحلة ونهبهم له ثمانية وعشرين رأسا من البقر، وعليه فنأمرك أن تعمل البحث عن الواقع بمحل النهب، وإن صح الهجوم فحقق بيان المنهوب عددا ونوعا والفعال لذلك، وبيان ما هو للشاكى من ذلك، وما هو لمحمد بن بوسلهام، والزم كل واحد من العمال استخراج ما ناب إخوانه ودفع ذلك لأربابه وإيقاع الإبراء بالعدول، وقد أصدرنا أوامرنا الشريفة للعمال المذكورين بالتنفيذ، وها هى تصلك طيه والسلام في 23 جمادى الأولى عام 1320" صح من أصله كسابقيه. والأشخاص المشار إليهم بالطرة هم: سلام الكبوس القيطونى، والقريش الزواكى، وولد الغياثى المستارى، وأحمد اليملى، وبوشتى المعضاضى.
ونص رابع في قضية أبى حمارة:
"ابن عمنا الأرضى، مولاى عبد السلام الأمرانى، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فقد أخبر أخونا مولاى الكبير بأن الفاسد الفتان قد عاد للدخول إلى تازا، وتحقق لنا أن ذلك إنما هو من التراخى الواقع منه ومنك، لكون المحلتين اللتين معكما موفورتين وفيهما أزيد من الخمسة آلاف من العسكر، فكيف يتصور معهما إقدامه على تازا وجرأته عليها مع كونكم بمرأى منه ومسمع، فلو لم يظهر للفساد الذين معه التراخى لما تجرءوا على ذلك، وعليه فنأمرك أن تقوم على ساق الجد في محاصرة الفاسد المذكور، وانتهاز فرصة الظفر به، والتشمير عن ساعد التيقظ والحزم في أمره حتى يقضى الغرض فيه، ويقع الظفر به بنفسه، فلا يقبل منك بعد هذا تعلل بشئ في تحصيله، لأن العدد معكم مقوم موفور.
وقد أصدرنا أمرنا الشريف لأخينا مولاى الكبير، بأن يكون عند إشارتك في كل ما تشير عليه به، ووجهنا لك خديمنا الأنجد القائد عباس بن المعروفى مع خمسمائة من الخيل صحبته، ردءا لكم وتعضيدا، وأمرناه بالكون عند إشارتك أيضا بحيث لا يبقى عذر لمعتذر، فلتأخذ بالحزم، وشمر عن ساعد العزم أعانكم الله وقضى الغرض بكم، وها نحن في انتظار ما يبلغنا عنكم والسلام في 18 شعبان 1320" صح من أصله.
وكان أول أمره يتعاطى بالعدالة بالعاصمة المكناسية والخطبة بجامعها العتيق مدة، ثم تخلى عن ذلك كله، ثم لما خلع أهل فاس ربقة طاعة السلطان مولاى عبد العزيز من أعناقهم وكثر الهرج والمرج، وكان المولى عبد الحفيظ قد دعا لنفسه وبايعته القبائل الحوزية، واشتدت عصبيته، ومالت قلوب الناس إليه، قام المترجم في ذلك على ساق، حتى قلد بيعته الأعناق، بعد أن خلع المولى عبد العزيز،
وكتب بذلك لعامل عاصمتنا المكناسية وسائر القبائل البربرية وندبهم لمبايعة المولى عبد الحفيظ والدخول فيما دخل فيه أهل فاس وغيرهم من القبائل الحوزية، وأبدى ما استوجب به المولى عبد العزيز خلع بيعته من الأعناق، وأن الأولى بالقيام بالأمر من بعده هو المولى عبد الحفيظ لجمعه لشروط الإمامة ولمبايعة أهل الحوز له، ولاشتداد عصبيته، ولما في المسارعة لذلك من حقن الدماء، وإخماد نيران الفتن المضرمة تحت التقاعس عن ذلك لتحفز الغير للوثوب فلم يسع أهل مكناس إلا المسارعة للدخول فيما دخل فيها الناس.
ثم لما تم الأمر على ما سنورده في محله بعد بحول الله، اجتمعت كلمة أهل فاس على إزالة الشريف البركة مولاى على بن السلطان سيدى محمد عن منصب الخلافة عن السلطان، حيث كان الولى عبد العزيز رشحه لذلك عند نهوضه من فاس، قاصدا رباط الفتح، عندما تحقق لديه قيام أخيه المولى عبد الحفيظ ونهوضه عن عاصمة الجنوب مع زعمائها من القواد والرؤساء والأعيان، ووجهتهم عاصمتا فاس ومكناس.
وبعد نزع المولى على عن منصبه تولاه المترجم، وهو الذى كان يسوس الأمور ويدبرها مع الحواضر والبوادى من بربر وعرب، وكان للكل به الثقة الكاملة لما علموه من صدقه وأمانته ومحبته الخير للقوى والضعيف والمشروف، ولما يعلمون من صدق ولاء البربر له، وأنهم لا يتعدون إشارته، ولم يزل قائما ومدافعا ومسكنا للروعات إلى أن وصل المولى عبد الحفيظ مؤيدا منصوراً فأبقاه ظاهرا على حاله يتربص به الدوائر، وصاهر أنجاله الثلاثة أبا العلاء إدريس، وأبا عثمان سعيد، والمولى بناصر بأخواف، والمترجم مع ذلك كله لم يغتر، بل يتيقن أن السم في ذلك العسل إذ قديما حنكته التجارب وحنكها.
مشيخته: أخذ عن مختصر الرهونى، ومولاى محمد القاضى، والمولى عبد المالك الضرير، والسيد أحمد بنانى كلا وغيرهم من محققى الأعلام.
نثره: من ذلك ما وقفت عليه بخطه ومنه نقلت وإليك لفظه:
إلى خديم حاجته، وأسير شهوته، من ليس له في البسيطة ود من قاص ودانى، محمد بن حم الزيانى، سلام تتوالى نفحاته؛ ورحمة الله وبركاته على من بالعهود وفى، وسلك في سره وجهره سيرة الحنفا، وبعد فقد ملأ الأذهان، بعد ما طرق الآذان، أنك عزمت على شق العصا، فويلك ثم يا ويل من حواليك إن بلغ ما ثقل عنك هنالك، أما علمت أن هفوة العامة كغصة الطعام، وهفوة الخاصة كغصة الماء، لا دواء لها، ولعمرى لقد تصديت لمقتك، وسعيت بظلفك لحتفك، وأيم الله لقد زلت أقدامك، وطاشت سهامك، شعر:
وقل للذى سامى الملوك تعاندا
…
فهل تعبر اللجات ويحك بالسبح
وعما قريب يتلى عليك وعلى رهطك قوله سبحانه (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة) الآية ولنا موقف بين يدى الله مع من قرأها إن لم يقرأها عليه قراءة إفهام، لعله يتذكر أو يخشى والسلام" هـ.
ولادته: ولد بفاس سنة خمسين ومائتين وألف.
وفاته: توفى بفاس عام سبعة وعشرين وثلاثمائة وألف، ودفن بروضتهم الشهيرة ثمة.
ومما يتعلق بترجمته ما كتب له به أبو إسحاق إبراهيم السوسى يعزيه بموت والده سابق الترجمة ولفظه:
لكاتبه إبراهيم بن إدريس السنوسى الحسنى، أحسن الله عاقبتهما بمنه، معزيا الشريف الفقيه مولاى عبد السلام بموت والده العلامة الصالح مولاى محمد الأمرانى، رحمه الله وأعاد علينا من بركاته آمين.