الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
458 - عبد السلام بن أبى يعزى حركات السَّلاوى
.
حاله: آية محكمة في التحصيل والإدراك وجودة التعبير، واسع العارضة، فقيه نوازلى، مفت مرجوع له، علامة جليل، مشارك فاضل، محقق لبيب ألمعى، مهذب أريب، ورع خاشع مثيل، تصدر للإفتاء بالعدوتين بلده سلا والرباط، فأحيا بهما ما اندرس، وحل منهما محل السواد من العيون، وأخصبت به البلاد بعد المحول، وولى قضاء مكناسة الزيتون وثغر الصويرة ودرس فيهما وفى غيرهما من البلاد، ونال مكانة شماء لدى الخواص والعوام.
ولا سلف لى في كون المترجم ولى قضاء مكناس غير ما جزم به بلديه العلامة المؤرخ الثبت صديقنا أبو عبد الله بن محمد بن على السلاوى الدكالى الأصل في نظمه الآتى، ولم أر ذلك لغيره، ولا وقع لى عثور على خبر ولا أثر ببلدنا بعد البحث الشديد مع قرب زمن المترجم، وحفظ من ولى تلك الخطة القعساء بعاصمتنا المكناسية منذ أعصر خلت قبل زمن المترجم وبعده، وتواتر خطاباتهم والتسجيل عليهم بين طبقات أهل البلد عدول وغيرهم.
وقد كان المترجم من جلة الأعلام الذين كانوا بدولة فخر الدولة العلوية بعد جده الإمام الأعظم السلطان سيدى محمد بن عبد الله المنتخبين لحضور مجالسه العلمية، وعرض مؤلفاته العزيزة المنال عليهم، حسبما أومأ إلى ذلك أبو القاسم الزيانى في خاتمة البستان الظريف، وقال في حق بلديه صاحب إتحاف أشراف الملا ما لفظه:
ومنهم العلامة المفسر
…
عبد السلام حركات الأشهر
ابن أبى يعزى النزيه الأورع
…
الفاضل المشارك المتبع
قاضى مكناس ومفتى العدوتين
…
وواحد القطر اعتبارا دون مين
مجالس السلطان في أقرانه
…
ذوى المعارف من أهل شانه
ومعمل الأفكار فيما ألفا
…
برسمه في كل وضع عرفا
كان جليل القدر عالى المنزلة
…
رقيق قلب خاشعا ما أفضله
صحب شيخ وقته الصقلى
…
مولانا أحمد الشهير الفضل
وظهرت عليه من أنواره
…
ما طبق الآفاق من أخباره
ونشر الأوراد عنه بسلا
…
وبضريح للشريشى نزلا
وبهرت أحواله عرفانا
…
وجل علمه فعز شانا
كان مدرسا فصيحا لسنا
…
وأتقن التفسير درسا حسنا
لقيه الشيخ أبو إسحاق
…
عالم تونس سنا الرفاق
وحضر الدرس له بفاس
…
فأورد الإشكال في ائتناس
عن آية هل نسخت أو محكمة
…
أجابه فورا بما قد أفهمه
فيما لكل أمة شرعا يخص
…
بأنها محكمة حجة نص
قضى بصدر ثالث المئينا
…
بعيد ألف بسلا دفيتا
وولى القضاء في مكناس
…
وبالصويرة بلا تناس
قلت: الشيخ أبو إسحاق المذكور في النظم، هو الشيخ القدوة الحجة المحقق إبراهيم بن عبد القادر بْنِ إبراهيم الرياحى الطرابلسى شيخ الجماع بتونس المولود -عام ثمانين ومائة وألف المتوفى في سابع عشرى رمضان عام ستة وستين ومائتين وألف، كان هذا الشيخ ورد سفيرًا لسلطان المغرب عام ثمانية عشر ومائتين وألف للامتياز، والسلطان إذ ذاك بحاضرة فاس وحظى لديه بما هو أهل له من التكريم
والإعظام والإجلال والإكبار، ووجهه لزيارة كلية القرويين والاجتماع والتعرف بقادتها المهتدين، فوجد الشيخ المترجم في درسه يُقْرئ التفسير.
قال سيدى إبراهيم المذكور: وهو -أى صاحب الترجمة- بكر زاخر ويقول: ألم يتقدم لنا كذا ألم أقل لكم كذا ألم تسمعوا منى كذا من سورة البقرة إلى أن وصل إلى قوله تعالى: {
…
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنْهاجًا
…
(48)} [سورة المائدة: آية 48] قال: فتقدمت إليه وقلت له: يا سيدى هذه الآية محكمة أو منسوخة فقال لى: محكمة، فقلت له: ربما تكون دليلا لأهل الكتاب في عدم عموم بعثة النبى صلى الله عليه وسلم، فأجابنى بجواب غير مقنع فسكت لأنه رجل مهيب هـ بنقل حفيده صديقنا أبى حفص عمر الرياحى في كتابه تعطير النواحى، والى هذه القضية أشار صاحب إتحاف الملا بقوله: وحضر الدرس الأبيات الثلاثة.
وأقول تتميمًا للفائدة: الخطاب في الآية يحتمل أن يكون للأنبياء المشار إليهم في الآية قبل، والمعنى عليه جعلنا لمنبى شريعة ومنهاجا لا يتعداها لغيرها، وهذا الاحتمال لابن عطية واستبعده الشهاب الألوسى، وعليه لا إشكال في الآية بحال، ويحتمل أن الخطاب للأمم الموجودين حال النزول، وهم أهل الكتاب المعاصرون له صلى الله عليه وسلم، وفيه احتمالان: أحدهما لكل أى جميعكم جعلنا شرعة واحدة، وهى ما تضمن القرآن تشريعه لهذه الأمة، وكذلك غير القرآن مما جاء به نبيها صلى الله عليه وسلم فالجميع مخاطب باتباعه، ولا إشكال أيضا على هذا الاحتمال، وبه فسر مجاهد، الثانى لكل أمة على الأمم الموجودين بانفرادها جعلنا شرعة أى شريعة ومنهاجا، وبهذا فسر الجمهور، واستظهره الشهاب الألوسى، لكن يرد عليه أن ظاهر هذه الآية يقتضى أن كل أمة كلفت بشريعتها فلا تتعداها إلى غيرها، وهذا غير صحيح، إذ جميع الأمم الموجودين حال الخطاب مكلفون باتباع شريعة واحدة، وهى شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الإشكال دندن الشيخ أبو إسحاق
في سؤاله للمترجم عن الآية، هل هى محكمة أو منسوخة؟ وإن كان في سؤاله قلق لأن الآية سيقت مساق الإخبار الدال عليه لفظ جعل لا الإنشاء.
ومن المقرر المعلوم أن الأخبار لا يطرقها النسخ، وإذا كان كذلك فكيف يتوهم نسخها: اللهم إلا أن يقال إن ذلك بالنظر إلى جزء الجملة، أعنى شرعة، لا بالنظر إلى كلها.
ويجاب عما في هذا الاحتمال من الإشكال بأن الآية وإن كان ظاهرها ذلك فغيرها يدل على بيان المراد كقوله تعالى: {
…
لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} سورة الفرقان: آية 1] وبأن الآية سيقت للإخبار بما مضى كما أشرنا إليه آنفا، أما الآن فلا شريعة إلا الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، ولا يدفع كون السياق لما مضى لفظ منكم، لأن الخطاب به للناس، وهو جنس، فالجنس هو المخاطب والله أعلم.
ويحتمل أن الخطاب لغير الموجودين كالموجودين، وفيه تغليب المخاطب على غيره، والمعنى عليه لكل من الأمم الماضين والموجودين شرعة، لكن باعتبار الماضى الشرائع المأمور باتباعها مؤقتة، وباعتبار الوجود مؤبدة.
مثلا شريعة سيدنا موسى التي هى ما تضمنه التوراة منتهية بشريعة سيدنا عيسى، وشريعة سيدنا عيسى التي هى في الإنجيل منتهية بشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي هى القرآن، وكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام.
مؤلفاته: منها تقييد في مسألة جلسة الحوانيت عنونه بمذاكرة الفضلاء المشاهير في ذكر وجوب تغيير المناكر، في خمس وخمسين صحيفة، وهو موجود بمكتبتنا. وأخبرنى قاضى مكناسة سابقا السيد أحمد بن أبى بكر عواد السلوى أن له حاشية على الزقاقية.
وفاته: توفى ببلده سَلَا، بعد السنة الثامنة عشرة بعد المائتين وألف.