الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العاصمة المكناسية، وأبو العباس أحمد بن يعقوب الولالى، وقد كان بقيد الحياة عام ثلاثة وأربعين ومائة وألف.
475 - عبد الوهاب بن أحمد أدَرّاق
.
حاله: خاتمة الحكماء جليل القدر، رفيع الذكر، محبوب العام والخاص جهينة الزمان، ويتيمة الأوان، فقيه عالم طبيب ماهر، أديب ناظم ناثر، له معرفة بالنحو واللغة والشعر، وانتهت إليه في زمانه الرياسة في فن الطب فكان لا يجارى فيه ولا يبارى، مع لطف وجاه ووجاهة، تقف الوزراء فمن دونهم ببابه وقوف المماليك بأبواب الملوك.
وكا الطبيب الخاص لدى الجلالة الإسماعيلية، لا يفارق السلطان، وكذلك لدى ولده أبى محمد عبد الله، وكانت له مكانة عظيمة لديها، لم يلحقها غيره بحيث لا ترد شفاعته، ولا تهمل إشارته، وكان مضربه ومنزله في الأسفار أعظم من مضرب أكبر العمال.
له الاستنباط في الطب الذى يحق أن يخضع له به بقراط فمن دونه، وكذلك ابن سينا مع همة ووقار، وسمت وعلو مقدار، وكانت تحبه الملوك وتجله وتقدر قدره، وأجازوا له الجوائز ذات البال، ومارس علاجهم، وتردد إليهم فأدنوه، وأحلوه منهم محل التكرمة والإجلال، وله أنظام في الطب في أنواع العشب والفواكه وخواصها ومنافعها، لو جمع ذلك لكان ديوانا حافلا، وسيمر بك نزر من ذلك.
ومما يبرهن على مهارته في الطب وكامل معرفته أن شخصين أرادا أن يختبراه في الطب، وكان كل من عنده مريض يأتيه عند الصباح بزجاجة فيها بوله يقال لها الهراقة، فعمد أحد الشخصين إلى بول كبش سمين وجعله في زجاجة،
475 - من مصادر ترجمته: نشر المثانى في موسوعة أعلام المغرب 6/ 2142.
وعمد الآخر إلى سقف قديم تنزل منه القطرة وجعل ماء القطرة في الزجاجة كأنه بول، واختلطا في الناس فجعل الطبيب ينظر في كل هراقة ويصف للمريض الدواء حتى وصل لصاحب الكبش فجعله في ناحية، ثم وصل لصاحب السقف فجعله في ناحية حتى فرغ من أمور الناس، فقال لصاحب الكبش: هذا غلبت عليه الشحم إن لم تذبحه عن قرب مات، وقال لصاحب السقف: اجعل لهذا حريرة وإلا سقط ثم قبضهما، وأراد أن يذهب بهما إلى الحاكم ثم عفا عنهما:
ومن ذلك أنه كان يمر على رأس الشراطين فيجد إنسانا في طراز يقول الأبيات بصوت حسن، فكان يقف لاستماع صوته، فمر يوما فسمع صوته وهو متغير، فصعد إلى الطراز وسأل عن الآنية التي يشرب منها فوجدها برادة، فكسرها فوجد داخلها وزغة، فقال هذه التي غيرت صوته.
ومن ذلك أنه كان مارا بالرصيف ومعه عبده، وإذا بوإذا بإنسان فإحدى يديه لبن وفى الأخرى حوت، فقال لعبده اتبع هذا وقيد الدار التي يدخل لها فتبعه، ولما كان من الغد أمره أن يذهب إلى تلك الدار وينظر، هل بها جنازة؟ فذهب عبده وأخبره أن بها جنازة، فذهب المترجم ودخل على الميت وفصده في محل، وقال لأهله: أخروه حتى تنظروا في أمره، ثم بعد هنيئة زال ما بالميت وعاش بعد، إلى غير هذا مما يقضى منه العجب ويشهد للعرب بالتفوق الذى لا مطمع لغيرهم في الوصول إليه، وإنما أوقعنا في الحضيض الأسفل الكسل، وإهمال اتباع سلفنا الصالح رضوان الله عنهم.
وقفت على ظهير سلطانى أصدره سيدنا الجد الأكبر أبو النصر إسماعيل، يتضمن الإنعام على صاحب الترجمة بعمالة الجزية الواجبة على أهل الذمة القاطنين بعاصمته المكناسية، وإليك لفظه بعد الحمدلة والصلاة والطابع الإمامى:
"كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره بيد خديمنا الفقيه الأجل، الحكيم الأنبل، السيد عبد الوهاب ابن الفقيه النزيه، الحكيم الوجيه، السيد أحمد أدراق، يتعرف منه بحول الله وقوته أننا أنعمنا عليه بعمالة الجزية الواجبة على أهل الذمة القاطنين بملاح مكناسة حرسها الله وزدنا له في. . . . بها إعانة له على ما هو بصدده من ملازمتنا، وخدمة جنابنا العالى بالله على مقتضى حكمته، وشريف صنعته، إنعاما تاما والواقف عليه يعمل به والسلام وفى الرابع من صفر الخير عام سبعة وثلاثين ومائة وألف".
ووقفت على ظهير أصدره نجل أبى النصر المذكور المولى على زمن إمرته بالإنعام على المترجم على وجه الإقطاع والتمليك بدار القرفطى المجاورة لروضة السيدة عائشة العدوية من العاصمة المكناسية، وبسط له يد الحوز فيها على الوجه المذكور، نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع بداخله (أمير المؤمنين أبو الحسن على ابن أمير المؤمنين إسماعيل الشريف الله وليه) وبدائرته من أعلى (لا إله إلا الله وحده صدق الله وعده ونصر عبده لا إله إلا الله الأمر كله لله):
"كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره، وأحاط بحوله وطوله. . . . آمين بيد حامله محبنا الفقيه العلامة. القدوة الدراكة الفهامة. الحكيم الأجل السيد عبد الوهاب بن أحمد أدراق، يتعرف منه بحول الله وفضله، وجميل مواهبه وعدله، أننا أنعمنا عليه بدار القرفطى المجاورة للسيدة الجليلة عائشة العدوية نفع الله بها وجدنا عليه بملكيتها والتصرف فيها بالبيع والسكنى وغير ذلك تصرف المالك في ملكه بمقتضى. . . أن من نازعه فيها. . . بساحتها أو حام حول حماها لا يلمن إلا نفسه. ولا يتخيلن إلا رمسه. هبة كلية. ومنحة سرمدية. على الأبد إن شاء الله، وحسب الواقف عليه العمل به. والاقتفاء بكريم مذهبه. والسلام وفى منتصف جمادى الآخرة عام سبعة وأربعين ومائة وألف".
كما وقفت له على ظهير آخر أصدره بالإنعام على المترجم بمستفاد ميزان قاعة العطارين من فاس، وما يضاف لذلك داخل المدينة وخارجها، إعانة له على ما هو بصدده من القيام بالوظائف السلطانية، وملازمته للدار العالية، نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع المتقدم ما بداخله:
"كتابنا هذا أسماه الله تعالى وأعز أمره، وخلد في دفاتر اليمن والإقبال ذكره، بمنه آمين بيد ماسكه الفقيه الأجل، العالم الأكل، الحكيم الأنبل، محبنا وأعز الناس لدينا، وأحبهم علينا، السيد عبد الوهاب بن أحمد أدراق يتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه العميم ونصرته، أننا أنعمنا عليه بمستفاد ميزان قاعة العطارين من فاس حاطها الله وما هو مضاف إليه، وجارى حكمه عليه، داخلا وخارجا فقد أجرينا عليه ذلك وأسندنا أمره إليه، وأقصرنا نظره وخراجه عليه، ليستعين بذلك على ما هو بصدده من القيام بوظائفنا، والوقوف في مآربنا والملازمة للعلية بالله تعالى أعتابنا، أداء لبعض واجبه علينا، وقليل ذلك في حقه عندنا ومكانته لدينا، إنعاما تاما، مطلقا عاما، دون منازع له ولا معارض، ولا مزاحم ولا مناقض، ومن نازعه فيها أو طاف بساحتها نحفر جدره، ونمح أثره، والواقف عليه يعمل بمقتضاه، ولا يخالف ما أبرمه وأمضاه والسلام وفى الخامس والعشرين من ذى القعدة الحرام عام. . . . سبعة ومائة وألف".
مشيخته: أخذ عن الشيخ اليوسى، وسيدى عبد السلام القادرى، ولقى العارف بالله سيدى أحمد بن عبد الله، وكان يذكر حكايات في تفريح مضايق عرضت في علاج أولاد السلطان وأضرابهم.
مؤلفاته: منها تعليق على النزهة للشيخ داود، وأرجوزة ذيل بها أرجوزة ابن سينا في الطب، وأرجوزة في حب الإفرنج المعروف لدى العامة بالنوار، وهو
السمهرى، فيمن نفى عيب الجدرى، رد به على من يقول إنه ليس من عيوب الرقيق، ومنظومة في مدح صالحى مكناسة الزيتون، وغير ذلك.
شعره: من ذلك قوله:
رمت انتساب سلالة الشيخ الذى
…
شرفت بنسبته بنو جيلانى
فصددت عنه والذى قد صدنى
…
علو رفعة شأنه عن شانى
إذ ما استطعت سوى العكوف ببابه
…
متضرعا عل الندى يغشانى
قد ألف النجل الإمام المرتضى
…
عبد السلام أزاهر البستان
في النسبة العليا وذكر مناقب
…
بروية في غاية الإتقان
وتلاه في الوصف الجميل محمد
…
المسناوى العالم الربانى
وتلاهم الجم الغفير من الألى
…
جلت مآثرهم من الأعيان
ما كان صنعهم لصحة نسبة
…
بل للتبرك وارتجاء تدانى
فلصحة النسب الشريف دلائل
…
من قبلهم بسواطع البرهان
فطمحت بالالحاق لو سمحوا به
…
لأنال ما نالوه من عرفان
إذ من أتى بابا ولازم سدة
…
دخل المكان على هدى وأمان
وعلى النبى وآله وصحابه
…
أزكى الصلاة ورحمة الرحمن
ما غردت قمرية باللحن في
…
روض المنى ورنت على الأغصان
وقوله:
سر كما تحمل في كف القدر
…
لا كما تختار إن كنت أثرْ
ما لعبد من مراد أن يرد
…
كل شئ بقضاء وقدرْ
فإذا ما قلت إنى قادر
…
فادن كى تفعل شيئا أو تذرْ
سلم الأمر لمولاك ولا
…
تتعب العقل بورد أو صدرْ
واطرحن عنك قضايا ما لها
…
أثر واشدد على ما في الأثرْ
وإذا ما اشتد أزم فله
…
فرج أقرب من لمح البصر
فابتهل لله واسأله إذا
…
جن ليل سيما عند السحر
بخضوع وخشوع تعط ما
…
فوق ما تأمل من رب القدر
وختام المسك إكثارك من
…
صل يا رب على خير البشر
وعلى الآل وصحب كلما
…
طلعت شمس وما لاح قمر (1)
وقوله في منافع النعناع:
ألا هل من الأعشاب نبت يوافق
…
موافقة النعناع بل ويطابق
فكم من خصال حازها وفوائدا
…
وكم من مزايا لا يفى بها ناطق
يسارع بالتسليم عرفا على الذى
…
يمر به في روضه ويسابق
فما العنبر الشحرى ما المسك ما الشذا
…
إذا فهن طيبا كلها منه سارق
إذا عبق النعناع فاغن به ولا
…
تعرج على روض خلا منه عالق
ففى طبعه حر بآخر أول
…
ويبس عليه المعتنون توافقوا
ولكن به لبن من الماء عارض
…
تزيد به أسراره والدقائق
يؤنس بالتفريج نفسا مشوقة
…
ويذكى حجا من للمعارف عاشق
ويرسل مقوال الفتى بمقوله
…
ويفتح أبوابا عليها مغالق
(1) الأبيات في نشر المثانى في الموسوعة 6/ 2143.
فخذ منه قبل الأكل نزرا وبعده
…
ترى عجبا نعم العشير الموافق
يصون غذاء المرء من كل آفة
…
تخاف ولم يطرقه بالسوء طارق
إذا الشهوتان احتاجت لموافق
…
فليس كما النعناع خدن موافق
ففى هضمه إن عز هضم لناقص
…
وفى التخمة الشنعاء خيره دافق
وقاطره في الكل مثل طبيخه
…
بسكر نبت فهو راق ورائق
وللماء إصلاح بتضميده علا
…
وشائعه أن غيرته ريانق
له في علاج الصدر سهم مفوق
…
وفى خفقان القلب سهمه بارق
وفى المعد اللاتى تفاقم ضعفها
…
له الرتبة العظمى على الغير فائق
وفى الغشيان الصعب قد شاع نفعه
…
وللقئ والإسهال بالفور عائق
وللدوخة الضراء بالرأس نافع
…
كذاك الصداع لا تراه يفارق
وهل لدماغ قد وهى مثله وهل
…
عيون وهت عما سواه روامق
وينفع ألبانا من العقد عندما
…
تكون حوتها للغذاء مسارق
ويخرج ديدان البطون بأسرها
…
وللسم دفاع وللبرء سائق
مدر لبول للحصاة مفتت
…
منق لأنواع البلاغم فارق
وفيه لطرد الريح بالحر غاية
…
كذا لفواق جربته الحواذق
وفيه لدفع الريح نفع مقرر
…
إذا بفضا الأحشاء برقه خافق
وفى ألم القلب الضعيف بدت لنا
…
منافعه الجلا فسوقه نافق
فمضغه يشفى السن من وجع ومن
…
بتور بلثات لدى الفتق رائق
يحمر لون المرء حتى كأنه
…
إذا رئى قال المبصرون شقائق
وقد جريته للبواسر أسرة
…
وأرواحها فانزاح عنها التضايق
وللنكهة التطبيب عند امتضاغه
…
وناهيك منه ما حوته الحدائق
فما لى لا أثنى عليه وأعتنى
…
بنظم لآليه وفضله سابق
وقوله:
أفضل شئ للتداوى يوكل
…
الكبر المملح المخلل
فطبعه الحر وقيل البرد
…
والحر أشهر على ما يبدو
وقيل بل بحسب الأقاليم
…
حرا وبراد عن ذوى التعاليم
مسخن للمعد المبروده
…
مفتح للكبد المسدوده
يفتت الحصا وللبول يدر
…
وفى الطحال سره أمر شهر
منبه لشهوة الغذاء
…
بعد سقوطها بلا امتراء
ويخرج الحام من المفاصل
…
إن حلها من خارج أو داخل
ويطرد الرياح والسموما
…
يبرئها والبهق المذموما
والريق والسعال للمبرود
…
والخل في المحرور من مفيد
ويبرئ القروح والأسنانا
…
يعيدها قوتها استنانا
ويجبر الكسر وما ضهاه
…
من هتك أو وهن حواه
كذا يحل كل صلب من ورم
…
وشبهه وفى الخنازير أتم
ويخرج الديدان عن قريب
…
ولو من الأذن على تجريب
وهذه الخصائص المذكوره
…
لقشر أصله ترى مسطوره
وقد ينوب اللب عن أصله في
…
خصاله وبالمزيد قد يفى
والكبر الحائز كل فخر
…
ما كان منه نابت في الصخر